ماذا تعرف عن أسماء الزهراء (سلام الله عليها) ومعانيها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هكذا تعرف محب الزهراء (سلام الله عليها)
من صفات الموالی، حب الزهراء (س) وحب أبيها وبعلها وبنيها (ص) والحضور في مجالسها التي تُقام في الأيام الفاطمية الأولى والثانية والثالثة. ومن الأسرار الغريبة ومن الحكمة الإلهية أن يُقام لها مجالس عزاء في أزمنة ثلاث ويكون قبرها مخفيا ويُرجح وجوده في مواضع ثلاثة: الروضة وبيتها والبقيع. وذكرها في مجموع الأيام الفاطمية يقارب الشهرين كذكر ولدها الحسين (ع) الذي يكون في شهرين. ولا تمر هذه الأيام على المؤمن إلا وله دمعة فيها. ولكن قد يقول قائل: إنني حضرت المجالس، واحترق قلبي وخشعت وتباكيت؛ ولكن الدمعة لم تأتني، فأقول: قل لا ضير، فالدمعة علامة من علامات الحرقة الباطنية، والمهم هي هذه الحرقة وإن كنا نغبط من يبكي في مجالسها بكاء عاليا.
ولكننا أحيانا نلاحظ أن صاحب البكاء بصوت عال يمزح ويمرح ويلهو بعد المجلس مباشرة وينتقل من موجة إلى أخرى فجأة، فأتمله متعجبا وأتسائل: كيف تم هذا الانتقال؟! هذا وقد ترى من يخرج من المجلس كئيبا حزينا ويُفضل الذهاب وحيدا إلى منزله، لأنه لا يُطيق التحدث مع أحد ولا الجلوس مع الغافلين بعد ذلك المجلس، ويعيش جو العزاء بعد العزاء. وقد يكون ممن لم يذرف دمعة في هذا المجلس بخلاف ذلك البكاء بالصوت العالي؛ ولكنه أحسن حالا منه بعد المجلس بما يعيش من حرقة باطنية.
هذه الحرقة علامة التميز
ويستعيذ المؤمن بالله سبحانه من أن تحضر الأيام الفاطمية ولا يشعر بهذه الحرقة الفاطمية. يقول أحد العلماء الأجلاء ممن يوثق بقوله: إن شككت أنك على خير؛ فانظر إلى قلبك هل تجد فيه حبا متميزا لها (س)؟ لقد روي عن زكريا بن آدم أنه قال: (إِنِّي لَعِنْدَ اَلرِّضَا إِذْ جِيءَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَسِنُّهُ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى اَلْأَرْضِ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ فَأَطَالَ اَلْفِكْرَ فَقَالَ لَهُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِنَفْسِي فَلِمَ طَالَ فِكْرُكَ فَقَالَ فِيمَا صُنِعَ بِأُمِّي فَاطِمَةَ)[١].
إنه في صغر سنه يتذكر أمه فيتغير حاله؛ فهي أمه كما هي أم الحسنين (ع) وهي أم الأئمة (ع) جميعا. وقد كان أئمتنا (ع) يستشعرون هذه الأمومة المباشرة مع طول الزمن بينهم. ومن صور المحبة تسمية البنت فاطمة أو زهراء. يقول أحدهم: إنني أسمي بناتي باسم فاطمة لكي أسمع اسمها يتردد في بيتي كلما ناديتهن. وينبغي تكريم هذه البنت وإجلالها احتراما لاسمها.
ومن صور المحبة الحضور في مجالسها. وإذا لم يمكنك الحضور في مجلس لمرض أو مانع فاعلم أن من أفضل المجالس أن تذكرها وحدك فتجري دمعتك لما روي عن النبي الأكرم (ص) في وصف من هم في ظل الله يوم القيامة: (رَجُلٌ ذَكَرَ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٢]، وذكرهم (ع) من ذكر الله عز وجل. قد تُساعدك المجالس على البكاء والتفجع ولكن الذي يسيقظ ليلا أو يذكرهم في إنى من آناء ليله ونهاره ويتألم لمصيبتهم وتجري عبرته، فعبرته غالية جدا. ولا بأس أن يستعين الإنسان بالهواتف المحمولة ويستمع من خلالها إلى ما يذكره بمصائب أهل البيت (ع) في طواف كان أو في غيره؛ فهي سلاح ذو حدين.
علة قلة أحاديث الزهراء (سلام الله عليها)
ومن صور الحب التأمل في أسمائها وكناها واقتباس الدروس والعبر والحكم والمواعظ منها. إن أحاديث الزهراء (س) قليلة ومن أسباب ذلك وجود النبي (ص) كالشمس الساطعة التي تُغطي على كل شيء ولذلك لم يُنقل عن أمير المؤمنين (ع) كثيرا في حياة النبي (ص). ثم ليس للزهراء (س) علاقة بالمجالس كما كان للأئمة (ع) حضور وأصحاب ورواة تنقل عنهم. فنساء المدينة اللواتي كن يسألنها لم يكن بذلك المستوى. ولو دونت (س) كلماتها مع النساء وغير ذلك من خطبها وكلماتها، لكان عندنا رصيد كبير من فاطمة (س) . نعم، هناك خطبة فدكية وبعض الأدعية المأثورة التي تحمل مضامين عالية ومفاهيم كبيرة منها قولها (س) الذي نجده في كلمات أبنائها (ع): (اَللَّهُمَّ وَاِجْعَلْنَا مِمَّنْ أَخْلَصَ لَكَ بِعَمَلِهِ وَأَحَبَّكَ فِي جَمِيعِ خَلْقِكَ)[٣]؛ أي أن تحب الخلق جميعا لأنهم خلق الله عز وجل.
وصية للمتزوجين
ولهذا أوصي المتزوجين دائما وأقول لهم: لا تجعل حبك للزوجة حبا رومانسيا غريزيا شاعريا وما شابه ذلك من حالات الحب ولكن قل: يا رب، إنها أمتك التي أحللتها لي، وجعلت أمرها بيدي وإني لأحبها فيك، وأنت الذي أمرتني بذلك. وكذلك المرأة الذي وصفت الروايات بأن جهادها حسن التبعل، ينبغي أن تقوم بما تقوم به من الصباح من كنس وطبخ وغير ذلك لله سبحانه الذي أمرها بحسن التبعل. فهل تنفصل بينهما هذه العروة أو تنتهي هذه العلاقة؟ إنهما يستمسكان بالعروة الوثقى من الحب الإلهي التي لا انفصام لها. إنك تجد شعبة من هذه العروة المتدلية في الذرية، وشعبة في الوالدين، وشعبة في الزوجة. وهؤلاء كما قال الشاعر:
أنا للعالم عاشق
حيث منه الكون أجمع
في هذه الحالة يكون عشقه للزوجة امتثال لما أمره الله به. أما إذا كان قد أحبها لجمالها فسرعان ما يزول هذا الجمال وإن كان تزوجها طمعا في خدمتها، فإنها ستقعد عن خدمته بعد أربعين سنة وإن كان قد تزوجها للإنجاب فهي ستتوقف عن الإنجاب يوما ما وتزول كل دوافع الحب هذه.
علاقة الزوجين في الكبر
وعادة ما تكون العلاقة بين الزوجين في الكبر في حالاتها المتدنية ما لم يلتزم الزوجان بمضون هذا الدعاء الفاطمي الذي يقلب كيان الأسرة. إنني أعرف أحد العلماء الأجلاء ممن كان من الخطباء الكبار، رُشح في وقته في بلد من البلدان على أنه الزوج المثالي مع أنه كان قد بلغ من العمر ما بلغ. ونقل لي ذات يوما وقال: مرضت زوجتي في أواخر عمرها وتحولت إلى خادم لها بعد أن قللت من السفر والمجالس إلى أن توفاها الله سبحانه، فعندها انتهى تكليفي. وقد ظهر في بلاد الغرب، وأخذ بعدها يمينا وشمالا بعد أن أنهى ما عليه من الواحب تجاهها وسقوط التكليف عنه.
بهذا الدعاء تتغير نظرتك إلى أولادك
وهذه الفقرة من دعاء فاطمة (س) تُصبح سببا لتغيير نظرتك لأولادك. فأنت تُقبل ولدك حبا لله الذي أخرجه لك إلى الوجود؛ خاصة إذا كان الولد مؤمنا متدينا. ولذلك لن تُفرق بين أولادك على أساس درجاتهم الجامعية وتُقدم المهندس أو الطبيب على العاطل عن العمل مثلا وإنما يكون حبك لهم بمقدار ما يحملون في قلوبهم من الحب الإلهي. وهكذا يكون تعاملك مع الخلق؛ فأنت تُفضل الغريب المؤمن المحب لله عز وجل على أخيك إذا لم يكن يحمل في قلبه ما يحمل الغريب.
إنني أريد أن أقف على المعاني التي وُصفت بها السيدة الزهراء (س) لا من منطلق نحوي أو لغوي أو صرفي أو بلاغي وإنما طلبا للدروس والعبر. من أشهر أسماء الزهراء (س) فاطمة وهي اليوم من أكثر الأسماء انتشارا بين النساء في بلاد المسلمين بحسب الإحصائيات الموجودة تمام كانتشار اسم والدها (ص) بين الرجال.
تلتقط شيعتها وتفطمهم عن النار
وفاطمة من المعاني التي فيها نوع من الإبهام. إن فاطمة اسم فاعل كقتل وقاتل. ففاطمة اسم يطلق على صاحب الفعل، ونحن نعلم أن الأم هي التي تفطم ولدها ولذا يُقال: أمٌ فاطمة؛ أي منعت ابنها من اللبن. فما العلاقة بين هذا المعنى وبين اسم الزهراء (س)؟ تذكر بعض الروايات الشريفة أنها تفطم ذريتها من النار أو محبيها كما ذكرت ذلك طائفة أخرى من الروايات. عندما يجوع الطفل يهجم على صدر أمه ولكنها تمنعه من الرضاع بعد السنتين؛ إذ أن الرضاع بعد ذلك يضر الطفل ويحول دون نموه النمو المطلوب. إننا في عرصات القيامة متوجهون إلى النار لسوء أعمالنا؛ فمن غلبت سيئاته حسناته من الطبيعي أن يُساق إلى نار بحكم الحاكم العادل. وهنا يأتي دور الزهراء (س) حيث تبحث في ذلك اليوم عن محبيها؛ فكما روي: (فَإِنَّهَا لَتَلْتَقِطُ شِيعَتَهَا وَمُحِبِّيهَا كَمَا يَلْتَقِطُ اَلطَّيْرُ اَلْحَبَّ اَلْجَيِّدَ مِنْ بَيْنِ اَلْحَبِّ اَلرَّدِيءِ)[٤].
حدود الشفاعة الفاطمية
إن الشفاعة الفاطمية فرع من شفاعة أبيها النبي (ص) الذي قال: (اِدَّخَرْتُ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ اَلْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي)[٥]؛ أما الصغائر فيشفع لها المؤمنون إن شاء الله يوم القيامة. فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (لاَ تَسْتَخِفُّوا بِفُقَرَاءِ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَعِتْرَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَإِنَّ اَلرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَشْفَعُ لِمِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ)[٦].
إن شفاعة الزهراء (س) لا تقتصر على شيعتها ومحبيها فحسب؛ بل تشفع لكل من أحسن إلى ذريتها وإن لم يكن في خط أهل البيت (ع). ما هذه الشفاعة؟! أن تشفع الزهراء (س) لإنسان في خط آخر ليس لشيء إلا لأنه أعان ذريتها (س) بمال أو ما شابه ذلك. فقد أصبح لهذا الرجل حق ولا تنسى الزهراء (س) بالتأكيد هذا الحق. ومن فطمته فاطمة (س) من النار فلا عودة إليها أبدا؛ فيؤخذ به إلى جنان الخلد ونعيم الأبد.
أنى لمثلي أن يُحيط بمثلها علما؟!
ومن معاني فاطمة أنها هي ذاتها مفطومة عن النار، كما يقول سبحانه: (فَهُوَفِي عِيشَةࣲ رَّاضِيَةࣲ)[٧]، ويقصد بذلك عيشة مرضية، إذا لا يُمكن أن نصف العيشة بالراضية. وبعبارة أخرى نقول: يأتي الفاعل هنا بمعنى المفعول، كالجريح بمعنى المجروح. إن الأم الذي تفطم ولدها يُقال لها فاطمة ويوصف ولدها بالمفطوم وإذا كانت أنثى قيل: مفطومة. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَّ اَلْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا أَوْ مِنْ مَعْرِفَتِهَا)[٨]. إن هذه المعرفة لا تأتي من خلال قراءة الكتب التي تتعلق بسيرتها المباركة وهي من سنخ المعرفة التبوية أو العلوية أو الحسينية لا يُمكن أن يُحيط بها علما من هم على شاكلتنا.
المعرفة الإشراقية
إن هذه المعرفة بحاجة إلى شرح الصدر وإلهام من عالم الغيب ولذا نقول: (اللهم عرفني نفسك) لأننا لا نستطيع أن نعرفه من كتب الفلسفة والعقائد وغيرها وإنما لابد لنا من معرفة كالتي نطق بها سيد الشهداء (ع) في يوم عرفة: (أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ اَلظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَاَلْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ)[٩]. ثم نطلب في الدعاء: (اللهم عرفني حجتك). إنك تجد هذه المعرفة الإشراقية تحت القبة، وتجد هذه المعرفة الشهودية عند أمير المؤمنين (ع). هل المعرفة التي حصل عليها أصحاب أمير المؤمنين (ع) كانت من خلال الكتب؟ لابد أن يقرأ أحدنا ما يرتبط بسيرته الشريفة كموسوعة الغدير؛ ولكني ليعلم أن الحب العلوي أمر آخر لا يُمكن استحصاله من خلال هذه الكتب فحسب وإنما هو حب يأتي من عالم الغيب. إنه الحب الذي جنن أصحاب الحسين (ع) حتى قال قائلهم: لو قُتلت ألف مرة لم أترك الحسين (ع) أو الذي قال:
أمير حسين ونعم الأمير
أو الذي قال: لو خيرنا بين الفناء معك والبقاء مع غيرك؛ لآثرنا الفناء معك. ولو لا ثقتنا بأصحاب الحسين (ع) لما استطعنا تصديق هذا الكلام بسهولة. كيف يصل المرء إلى درجة يُحب الفناء بأن يُصبح هباء منثورا في مقابل اللبقاء مع غير الحسين (ع) حتى لو كانت حياة سعيدة؟ فلو كانات السعادة في الدنيا أبدية لم تكن تغرينا، ولآثرنا أن نفنى معك. وهذا الإشراق والعطاء الحسيني إنما حصل لهم بعد تيقنه من ثباتهم وبعد أن طلب منهم الرحيل في الليل فلم يفعلوا. وهذ الإشراق الحسيني متاح دائما وأبدا. فلم يمت الحسين (ع)؛ فالشهيد حي وهو سيد الشهداء. إن حياته فوق الحياة؛ بل حياته سيد الحياة، وعطاؤه سيد العطاء.
لماذا وُصفت الزهراء (سلام الله عليها) بالبتول؟
من أسماء السيدة الزهراء (س)؛ البتول. وفي هذه الكلمة بعد عرفاني وأخلاقي. يذكر صاحب كتاب تاج العروس أن البتل هو القطع، يُقال: بتله، أي قطعه. ولكن ما العلاقة بين البتول والقاطع؟ إنها علاقة عظيمة. فالبتول الزهراء (س) هي المقطوعة عن الدنيا المتصلة بالله عز وجل والمستغرقة فيه وفي عالم الغيب. فقد روي عن الإمام المجتبى (ع) أنه قال: (مَا كَانَ فِي اَلدُّنْيَا أَعْبَدَ مِنْ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ كَانَتْ تَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهَا)[١٠]. إن الورم يوجب الوجع ولكنها كانت تنسى في تلك اللحظات ما تعتريها من آلام كما كان السهم يُنزع من رجل بعلها (ص) في الصلاة من دون أن يشعر به. ولهذا أودع الله عز وجل فيها ذلك السر المستودع.
ولكن ماذا جرى على هذه السيدة من المحن والبلاء؟
لقد حزنت كثيرا عندما علمت أن والدها أوشك على الرحيل ولكنها فرحت عندما وعدها أن تكون أول لاحقة به. ولكنها كما تصفها الرواية الشريفة كانت بعد أبيها (ص): (أَنَّهَا مَا زَالَتْ بَعْدَ أَبِيهَا مُعَصَّبَةَ اَلرَّأْسِ نَاحِلَةَ اَلْجِسْمِ مُنْهَدَّةَ اَلرُّكْنِ بَاكِيَةَ اَلْعَيْنِ مُحْتَرِقَةَ اَلْقَلْبِ يُغْشَى عَلَيْهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ)[١١]. ولا يُعصب الإنسان رأسه إلا من كثرة الأوجاع ومن صداع مستمر وقد أذاب الهم جسدها الشريف حتى لم يبق منها إلا حيالها وهي في مقتبل العمر وفي زهرة الشباب. يُقال: أنها غشي عليها عندما أذن بلال ووصل إلى اسم أبيها (ص). وكانت تأخذ حفنة من تراب قبره الشريف (ص) وتقول بلسان الحال أو المقال:
ماذا على من شم تربة أحمد
ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها
صبت على الأيام صرن لياليا
قد كنت ذات حمى بظل محمد
لا أخشى من ضيم وكان حماً لـيـا
حال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن نفض التراب من قبرها
وكانت (س) تشتكي عندما أخذوا أمير المؤمنين (ع) للمسجد قسرا، وكان الحسنان صغارا وقد فقدت أمها (س) في مكة المكرمة ولم يكن لها غير فضة. إنها كانت تشكو لواعجها على قبر أبيها وتخاطبه قائلة: (وَا مُحَمَّدَاهْ وَا أَبَا اَلْقَاسِمَاهْ وَا رَبِيعَ اَلْأَرَامِلِ وَاَلْيَتَامَى مَنْ لِلْقِبْلَةِ وَاَلْمُصَلَّى وَمَنْ لاِبْنَتِكَ اَلْوَالِهَةِ اَلثَّكْلَى)[١٢]. إن هذه الكلمات نسمعها بعد تلك القرون فتهيج أحزاننا فكيف بعلي (ع). ولذلك لما نفض يده من تراب قبرها، هاج به الحزن، وبكى بكاء عاليا فاتح خيبر على قبر فاطمة (س) ولعل الأعداء سمعوا بكاء علي (ع) وقال:
نفسي على حسرتها محبوسة
يا ليتها خرجت مع الزفرات
لا خير بعدك في الحياة وإنما
أبكي مخافة أن تطول حياتي.
لقد بان الخجل على وجه علي (ع) عندما أراد الانصراف؛ فقد أخذها سالمة والآن يرجعها إلى رسول الله (ص) وقد عانت من عانت من الأمة، ولذا قال: (لَقَدِ اُسْتُرْجِعَتِ اَلْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ اَلرَّهِينَةُ وَاُخْتُلِسَتِ اَلزَّهْرَاءُ)[١٣]؛ أي كأنها سُرقت منه. وقد أوكل أمر تفصيل ما جرى عليها إليها (س)، فقال (ع): (فَأَحْفِهَا اَلسُّؤَالَ وَاِسْتَخْبِرْهَا اَلْحَالَ)[١٤].
[٢] الخصال ج٢ ص٣٤٣.
[٣] بحار الأنوار ج٨٧ ص٣٣٨.
[٤] شرح الأخبار ج٣ ص٦٢.
[٥] مجموعة ورّام ج١ ص٢٩٩.
[٦] بحار الأنوار ج٨ ص٥٩.
[٧] سورة القارعة: ٧.
[٨] تفسير فرات ج١ ص٥٨١.
[٩] مفاتيح الجنان.
[١٠] بحار الأنوار ج٤٣ ص٧٦.
[١١] عوالم العلوم ج١١ ص١٠٨٠.
[١٢] بحار الأنوار ج٤٣ ص١٧٤.
[١٣] الأمالي (للمفید) ج١ ص٢٨١.
[١٤] كشف الغمة ج١ ص٥٠٦.
خلاصة المحاضرة
- من صفات الموالی حب الزهراء وحب أبيها وبعلها وبنيها (ص) والحضور في مجالسها التي تُقام في الأيام الفاطمية الأولى والثانية والثالثة. ومن الأسرار الغريبة ومن الحكمة الإلهية أن يُقام لها مجالس عزاء في أزمنة ثلاث ويكون قبرها مخفيا ويُرجح وجوده في مواضع ثلاثة: الروضة، وبيتها والبقيع.
- من أسماء الزهراء (س) البتول. وفي هذه الكلمة بعد عرفاني وأخلاقي. يذكر صاحب كتاب تاج العروس أن البتل هو القطع، يُقال: بتله، أي قطعه. ولكن ما العلاقة بين البتول والقاطع؟ إنها علاقة عظيمة. فالبتول الزهراء (س) هي المقطوعة عن الدنيا المتصلة بالله عز وجل والمستغرقة فيه وفي عالم الغيب.
- يستعيذ المؤمن بالله سبحانه من أن تحضر الأيام الفاطمية ولا يشعر بالحرقة الفاطمية. يقول أحد العلماء الأجلاء ممن يوثق بقوله: إن شككت أنك على خير؛ فانظر إلى قلبك هل تجد فيه حبا متميزا لها (س)؟
- إن أحاديث الزهراء (س) قليلة ومن أسباب ذلك وجود النبي (ص) كالشمس الساطعة التي تُغطي على كل شيء ولذلك لم يُنقل عن أمير المؤمنين (ع) كثيرا في حياة النبي (ص). ثم ليس للزهراء (س) علاقة بالمجالس كما كان للأئمة (ع) حضور وأصحاب ورواة تنقل عنهم.
- إن شفاعة الزهراء (س) لا تقتصر على شيعتها ومحبيها فحسب؛ بل تشفع لكل من أحسن إلى ذريتها وإن لم يكن في خط أهل البيت (ع). ما هذه الشفاعة العجيبة حقا؟! أن تشفع الزهراء (س) لإنسان في خط آخر ليس لشيء إلا لأنه أعان ذريتها (س) بمال أو ما شابه ذلك؟