- ThePlus Audio
كيف أحيي ليلة النصف من شعبان؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التأسي بالمحبوب
يُحرم الكثير من المؤمنين في مناسبات الأئمة (ع) من الحضور في مراقدهم الشريف، فيُشاهدون أفواج الزائرين من خلال التلفاز أو من خلال وسائل التواصل، فيشعرون بحسرة لهذا الحرمان. إن المؤمن عليه أن يدعو ربه عز وجل بألا يحرمه الزيارة في الأعوام التالية، ثم ليعلم أن لهذه الحسرة أجر عند الله كذلك وهو يشارك الزوار في ثوابهم.
لقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اِطَّلَعَ عَلَى اَلْأَرْضِ فَاخْتَارَنَا وَاِخْتَارَ لَنَا شِيعَةً يَنْصُرُونَنَا وَيَفْرَحُونَ لِفَرَحِنَا وَيَحْزَنُونَ لِحُزْنِنَا)[١]؛ فكما يحزن المؤمن في أيام استشهاد أئمة (ع)، فكذلك ينبغي أن يفرح في أيام ولاداتهم ويُظهر فرحه.
وهذه صفات المنتظر المهدوي الذي يحاول أن يحرز رضى إمام زمانه، وأن يتأسى به من جانب آخر. أما الرضى فكل واحد منا يستطيع أن يعرف؛ هل إمامه (عج) راض عنه أم لا، فكما قال سبحانه: (بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةࣱ * وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ)[٢]. وأما التأسي فقد رفع القرآن الكريم سقف التأسي بما ذكر من ضرورة التأسي بإبراهيم والذين معه تارة وبالتأسي بالنبي الأكرم (ص) وهو خير أسوة للمؤمنين، فقد قال سبحانه: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا)[٣].
إن صاحب الأمر (عج) يتأسى بجده (ص)؛ فأول ما يدخل وقت الصلاة يكون الإمام (عج) واقفا بين يدي ربه في أي بقعة من بقاع الأرض كان، ومن أقام الصلاة في أول الوقت صعدت صلاته مع صلاة إمام زمانه (عج)؛ فالصلاة في أول الوقت من موجبات قبولها.
المحب يطيع المحبوب في كل ما يأمر به أو ينهى عنه
لا شك أن كل واحد منا يحب ولده، ويقضي من أجل ذلك حوائج ويحنو عليه. والأم إذا سمعت ولدها تبكي، أعطته كل شيء من أجل إسكاته عادة، وما ذلك إلا لما تحمل من حب شديد لهذا الولد. وهذه قاعدة: أن المحب يطيع محبوبه ويهيئ له ما يسعده ويسره. لقد نُسب إلى الإمام الصادق (ع) بيت من الشعر مع قلة ما صدر عنهم من الشعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع
إن هذا البيت من الشعر هو من الأشعار البديعة التي أُثرت عن أئمتنا (ع)، وهم مع قلة ما روي عنهم من الشعر إلا أنهم كانوا يستشهدون ببعض الأبيات، كقول النبي (ص): (أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَتْهَا اَلْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اَللَّهَ بَاطِلٌ *** وَكُلُّ نَعِيمٍ لاَ مَحَالَةَ زَائِلٌ)[٤].
أربعينية الطاعة
ومن الأمور التي تعين على الطاعة؛ الالتزام بأربعينة طاعة. بإمكان المؤمن أن يأخذ من شهر شعبان العشرة الأخيرة ويتبعها بشهر رمضان المبارك؛ فيراقب في هذه الأيام بصره وسمعه وفمه ويتلزم بالصلاة في أول الوقت. نعم، هناك الكثير من الأعمال التي لا تستغرق الكثير من الوقت في هذه الأربعينية كزيارة عاشوراء وآل ياسين وختم القرآن الكريم ولكن الأهم هو ما ذكرناه من المراقبة لهذه الحواس والصلاة في أول الوقت.
عليكم أن تسد ثغرات الحرام؛ العين والأذن والفم، هذا المثلث المشئوم والمبارك في الوقت نفسه…! فإذا استطاع الإنسان في أربعين يوم؛ ألا يغتاب ولا يستمع إلى الحرام ولا ينظر إليه؛ فقد قضى على موراد الفتنة. وليست هذه المراقبات أمور مستعصية وصعبة وإنما يستطيع أن يقوم بها الجميع. إن الحب يدعوك إلى أن تتشبه بالمحب، ولذلك نرى بعض الشباب يرتدون بعض الثياب أو يسرحون الشعر ببعض التسريحات تشبها بمن يحبونهم من الرياضيين والممثلين وأمثالهم. من الطبيعي أن يكون حبك لشخص ما سببا للتأسى والتشبه به. إن لباس المهدوي المنتظر هو لباس التقوى.
أهمية كتاب مكيال المكارم
إن كتاب مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عج) للأصفهاني رحمه الله؛ كتاب روائي تقريبا وهو في جزئين قد تحدث فيه صاحبه عن وظائف زمن الغيبة، وهو كتاب ينبغي أن يرجع إليه المؤمنون ليقفوا على الأعمال التي ينبغي لهم القيام بها في زمن الغيبة. وقد قمنا بتأليف كتاب على غرار هذا الكتاب؛ أسميناه سمات المنتظرين. إننا قد أسأنا فهم الانتظار. لقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي اِنْتِظَارُ اَلْفَرَجِ مِنَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٥]. فهل يعني ذلك: أن نضع يداً على يد؟ كلا، إن هذا هو التكاسل بعينه. إنك عندما تدعو ضيفا إلى منزلك، تبدأ بالتحضيرات اللازمة وتهيئ له مستلزمات الضيافة قبل يوم أو يومين؛ فتنظف المنزل، وتهيئ الطعام، وتتهيئ له ظاهرا وباطنا وهذا هو انتظارك له. إننا نرى الوالدين يضطربان أشد الاضطراب عندما يحل موعد لقائهم بولدهم الغائب فترة من الزمن وتمر عليهما ساعات ثقيلة. إنك تد في انتظارهما لهفة وشوقا.
كن بمستوى الظهور
انتظار الفرج أن تكون بمستوى الظهور. إن من يتابع الأحداث في أيامنا هذه، يرى أنها أحداث متسارعة والذين بيدهم الحل والعقد في العالم قد تُسلب عقولهم في أي لحظة ويُشعلون نار حرب نووية، ولكن لا يقلقنا ذلك، فكما يُقال: اشتدي يا أزمة، تنفرجي. فعندما تشتد الأمور ونرى هذا الهرج والمرج الذي عبرت عنه الروايات الشريفة، يعظم أملنا في قرب الظهور الشريف. نحن لسنا من الذين يوقتون، فكما روي عن أئمتنا (ع): (كَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ)[٦]؛ ولكننا لا نستبعد قرب الظهور؛ فمن كان يقول قبل مئة سنة: أن الظهور قريب لم يكن ليصدقه أحد، ولكن مع هذه الثورة المعلوماتية والهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، نشعر بقرب الأمر.
خياركم في زمن الغيبة؛ خياركم في زمن الظهور
وعلينا أن نعلم أن خيارنا في زمن الغيبة؛ هم خيارنا في زمن الظهور. إن الإعلام الناجح الممهد هو إعلام ناجح في زمنه كذلك؛ فلن تتوقف الفضائيات عن العمل في ذلك اليوم. والطبيب أو المعلم أو أي فرد من أفراد المجتمع ممن يقوم اليوم بالتمهيد لإمام زمانه، ويكون ناجحا ومؤثرا في عمله، فسيكون في الدولة المهدوية ناجحا. بل إن ربة المنزل التي تُنجب ولدا لكي يكون من جنود الإمام (عج)؛ فهي تؤجر على ذلك. إن الذي يتزوج بهذه النية؛ ثم لا يوفق هو بنفسه لكي يكون من جنود الإمام (عج) فقد يرزقه الله حفيدا يكون من جنوده فيقول الحفيد لإمام زماننا: إن جدي كان يتمنى أن يكون معك وهذا فخر للإنسان.
لماذا لا تطلب علامة القبول؟
لقد سمعت من أحد أبناء المراجع، أن والده كان قلقا في إحدى الليالي، فعرف فيما بعد، أنه لم يكن قد أحرز رضى إمام زمانه (عج) في ذلك اليوم. فكان قد طلب في تلك الليلة علامة يعرف بها رضى الإمام (عج)، فطرق الباب في منتصف الليل طالب من طلاب الحوزة وأخذ يتحدث مع والدي، فعندما رجع والدي رأينا وجهه تهلل وفرح وكأنه أخذ العلامة التي طلبها.
لقد اتخذ الله سبحانه إبراهيم خليلا؛ أي أن الله سبحانه هو الذي عرض عليه الخلة، ومع ذلك قال: (وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِي)[٧]؛ فلا بأس أن يطلب الإنسان من مولاه علامة القبول. فإذا زرت الإمام مشياً، فلا بأس أن تطلب منه هذه العلامة. لقد ذكرت لك مرجعا هو على رأس العدول وهو النائب العام للإمام (عج)، ومع ذلك يطلب علامة الرضى.
ليلة القدر الصغرى…!
إن ليلة الخامس من شعبان هي ليل من ليالي القدر الصغرى؛ أي أن مسودة الأقدار تكتب في هذه الليلة، وفي ليالي القدر الكبرى يتم التوقيع. فلابد أن يكون المؤمن حذرا في هذه الليلة مما سيكتب له من المقدرات، فهي إن كتبت تكون في طريقها إلى التنفيذ.
لقد ورد في هذه الليلة أعمال كثيرة ومع ذلك نرى البعض ينام في هذه الليلة حتى عن صلاة الفجر. حاول أن تحيي هذه الليلة بما ورد في كتب الدعاء وأن تختمها في اللحظات الأخيرة بهذا الدعاء: أعوذ بك أن تنقضي عني هذه الليلة أو يطلع علي الفجر ولك قبلي تبعة أو ذنب تعذبني عليه.
ما الذي ميز العباس (عليه السلام)؟
كان بإمكان الإمام (ع) أن ينقله ليدفن مع الشهداء لكنه لم يفعل. ولو فعل لما بقي هذا المعلم كما هو عليه الآن. إنني أتصور أن كربلاء من دون مقام العباس (ع) ليس لها ذلك الطعم المميز، وإنني أعتقد أنها تركيبة إلهية، كما جعل الصفا والمروة بعيدتين عن بعضهما البعض، من دون قياس بينهما وبين العباس (ع)؛ فهما من شعائر الله ولكنهما مظهرين حجريين، فلا يُمكن أن نقيسهما بولي الله.
إن الذي ميز العباس (ع) التفاني في سبيل أخيه الحسين (ع) لا من أجل الأخوة والانتماء العشائري وإنما من أجل الدين. إننا نرى أن البعض من الناس يعمل على قاعدة: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ولم يكن العباس (ع) كذلك. إنه كان يقول:
إني أحامي أبدا عن ديني
ولهذا كان نافذ البصيرة. وقد ميزته بصيرته هذه وخلدته، وكذلك هو إمام زماننا (عج) نافذ البصيرة. يقول أحد العلماء المحققين: لو أن العباس (ع) عندما ورد المشرعة وأخذ غرفة من الماء وشربها لكان الإمام الحسين (ع) راضيا بفعله وكانت تقويه على القتال؛ فالعطشان ليس كالمرتوي في القتال؛ ولكنه رمى الماء على الماء وهذا هو الفناء العاطفي. إنه ابن أمير المؤمنين (ع) الذي قُدمت له حلوى في أيام حكومته، فأبى أن يأكلها معللا ذلك، بأن النبي (ص) لم يأكلها في حياته. إننا نؤكد على هذه العلقة العاطفية. لقد سمعت عن أحد العلماء أنه لم يشرب الماء في حياته وكان يعوض ذلك بالسوائل الأخرى، لأن الحسين (ع) حُرم منه. لم يكن قلبه يطاوعه أن يشرب الماء.
طلب العلم في المنتصف من شعبان
من أعمال ليلة النصف من شعبان عمل مشترك بين هذه الليلة وليلة القدر وهو طلب العلم. وليس طلب أي علم وإنما طلب العلم الذي ينفع الإنسان في آخرته. وما أجدرنا في مثل هذه الليالي أن نكرر هذا الدعاء: اللهم إن كنت أثبت اسمي في ديوان السعداء، فلك الحمد ولك الشكر، وإن كنت قد أثبت اسمي في ديوان الأشقياء فامح شقائي الليلة وأثبته في ديوان السعداء. العبرة في العاقبة؛ فقد تكون سعيدا اليوم ولكن من يضمن لك الحياة أن نتتهي بهذه السعادة؟ قد يُسلب البعض قبل الموت منهم الولاء. وهناك الكثير من زوار الأئمة (ع) ارتدوا على أعاقبهم وتركوا الدين والمذهب والطريق المستقيم.
احرص على هذا الدعاء في منتصف شهر شعبان
ولذلك من الأدعية التي ينبغي أن يحرص عليها المؤمن في هذه الليلة وفي كل الليالي والأيام: (وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمُرِي بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إِلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ)[٨]. إن المورد الوحيد الذي يستحب لك فيه تمني الموت لك ولولدك حتى هو المورد الذي تكون حياتك وحياتهم إلى شر ونقصان. رحم الله دعبل الذي أنشد الرضا (ع) قائلا:
أحبُّ قَصِيَّ الرَّحم من أجل حبِّكُم
وأهجرُ فيكم زوجتـي وبَناتي
وإن أعظم الأرباح يكتسبها الإنسان في هذه الليلة عندما تجري الدمعة ويرق القلب. إنها الساعة الذهبية التي إن حصلت عليها، فقد حصلت على خير وفير وإن لم تتسنى لك، فقد لا يكون حظك من مكاسب هذه الليلة وافرا. وهذه الساعة قد تكون ساعة حقيقية وقد تكون دقائق وقد تكون ثوان معدودة.
كيف يقوم الطالب الجامعي ممهدا؟
يسألني أحيانا بعض الطلاب عما يتوجب عليهم من نصر الدين وعن كيفية ذلك، فأقول لهم: نحن لا نجامل الأغلبية أو الجو العام، ولا يمكن لرجل الدين أن يزور الجامعة في كل يوم ولكن الطالب الذي يدرس في تلك الكلية يستطيع أن يلعب دور رجل الدين في الدعوة إلى الله عز وجل والتمهيد لإمام زمانه (عج)، وربط قلوب الشباب به (عج). وبذلك يكون من الدعاة وممن يغرس هذا الحب المهدوي والتأسي المهدوي في قلوب المحطين بهم. وهناك بعض الشباب يُعرف بالتدين في الجامعات وهؤلاء انحرافهم يكون سببا في انحراف غيرهم وهؤلاء يبتلون عادة بعواقب سيئة ينبغي أن يحذورا أكثر من غيرهم من أجل ذلك. لأنه كان يُحترم في الله وفي الدين ولكنه في مقام العمل لم يكن كذلك.
خلاصة المحاضرة
- إن أعظم الأرباح يكتسبها الإنسان في ليلة النصف من شعبان عندما تجري الدمعة ويرق القلب. إنها الساعة الذهبية التي إن حصلت عليها، فقد حصلت على خير وفير وإن لم تتسنى لك، فقد لا يكون حظك من مكاسب هذه الليلة وافرا. وهذه الساعة قد تكون ساعة حقيقية وقد تكون دقائق وقد تكون ثوان معدودة.
- إن صاحب الأمر (عج) يتأسى بجده (ص)؛ فأول ما يدخل وقت الصلاة يكون الإمام (عج) واقفا بين يدي ربه في أي بقعة من بقاع الأرض كان، ومن أقام الصلاة في أول الوقت صعدت صلاته مع صلاة إمام زمانه (عج)؛ فالصلاة في أول الوقت من موجبات قبولها.