- ThePlus Audio
ما هو المطلوب منا في يوم عرفة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الرحمة الغامرة في يوم عرفة
لو كُشف الغطاء لزائر الحسين (ع) في يوم عرفة؛ لرأى الأجواء في ذلك اليوم تزدحم بملائكة الرحمن. إن يوم عرفة بالإضافة إلى ليلة القدر؛ من الأيام المميزة في السنة، حيث يستشعر المؤمن فيها الرحمة الإلهية بكل وضوح. وهذه الرحمة يستشعرها أيضا الحجاج على على جبل عرفة. والذي يبيت عند الحسين (ع) ليلة عرفة ويكون في ذلك اليوم في كربلاء، فإنه يقي بذلك شر سنته والتي منها النقص في الدين.
من الفقرات التي وردت في دعاء الإمام الحسين (ع): (إِلَيْكَ أَقْبَلْنَا مُوقِنِينَ وَ لِبَيْتِكَ اَلْحَرَامِ آمِّينَ قَاصِدِينَ فَأَعِنَّا عَلَى مَنْسَكِنَا وَ أَكْمِلْ لَنَا حَجَّنَا)[١]، وهي فقرات يدعو بها زائر الحسين (ع) في كربلاء وهو بالتأكيد لم يقصد البيت وكيف يقرأ هذه الفقرات؟ إنه يقرأها بلسان المعصوم ويتمثل في حاله حال الإمام (ع).
لا تقلق إن لم يرق قلبك في يوم عرفة
وما أجد بمن لم يرق قلبه في يوم عرفة وهو في محضر الحسين (ع) أن يخاطب ربه بدعاء الإمام زين العابدين (ع) قائلا: (أَ يَحْسُنُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ بَابِكَ بِالْخَيْبَةِ مَصْرُوفاً)[٢]؟ إن الله سبحانه لا يساوي بين يأتي قبر الحسين (ع) في الأجواء الحارة وهو يتصبب عرقا ويصل إلى الضريح منهكا وبين من يدعو في منزله، فحاشا لكرمه أن يفعل ذلك. ثم لا تقلق إن لم يرق قلبك وأنت بين جموع الموالين عند الحسين (ع). عندما يذهب الوفد لزيارة الأمير أو السلطان، فلن يفرق بينهم بالعطاء.
أين أنت عن التهليلات الحسينية؟
ومن الفقرات الملفتة في دعاء الحسين (ع) يوم عرفة، قوله: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلْمُسْتَغْفِرِينَ – لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلْمُوَحِّدِينَ – لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلْوَجِلِينَ – لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلرَّاجِينَ اَلرَّاغِبِينَ – لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلسَّائِلِينَ)، وإلى آخر هذه التهليلات التي هي أعلى من الذكر اليونسي، لأنها مضاعفة. إن زائر الحسين (ع) يخرج بعد صلاة المغرب من عند الحسين (ع) طاهرا مطهرا؛ فلا يُعقل أن يخرج كما دخل على الحسين (ع) يبوء بآثامه. ولكن ما علينا فعله المحافظة على تلك النقاوة والطهارة.
كيف نحافظ على الخفة الباطنية؟
أولا: الاستمرار في التعرض للنفحات الإلهية. ما الفرق بين يوم عرفة وغيره من الأيام؟ الفرق فيما ينزل فيه من النفحات الإلهية الخاصة، كالمطر الذي ينزل في الربيع. إن المؤمن يستنزل هذه النفحات الخاصة متى ما أراد، في قيامه بين يدي ربه في جوف الليل وفي الصلاة الخاشعة مثلا.
ثانيا: التعرض للأجواء الإيمانية العامة كليلة الجمعة. فإن أمكنك ألا تفوت في مثل هذه الليالي الحضور في المشاهد المشرفة التي هي مظان الرحمة الإلهية؛ فافعل. لقد أعجبني أحدهم رأيته ذات يوم في مشهد من المشاهد وقد رأيت له بعض علامات التوفيق، فقلت له: يا فلان، ما سر هذه التوفيقات؟ فقال لي: لقد سمعت منك فضل زيارة عاشوراء وفضل الالتزام بها قبل عشر سنوات، وأنا منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا ملتزم بها.
البركات تجري على يدي إمام زمانك
نعم، إنه كان يقطف الثمار من هذا الالتزام. ولكن ينبغي أن يكون التزامنا بمثل هذه الأعمال شوقا وحبا، لا من أجل قضاء حاجة ما. والبعض لا يأتيه النوم ليلاً إلا أن يكمل زيارة عاشوراء. وقد يلتزم البعض بزيارة الحسين أربعين يوما، والأفضل أن يكون ذلك حبا وشوقا. فهل تزور الحسين (ع) لأربعين يوم لتأخذ حاجة ما، ثم تقول له: وداعا إلى حاجة أخرى؟ التزم ولو بلعن وسلام؛ فهو خير لك وأفضل عاقبة. ثم إن جميع البركات الإلهية في زمان الغيبة تجري عبر وليه الأعظم صاحب الزمان (عج). فالذي ليست له علاقة مميزة بإمام زمانه (عج) ولا يُبكيه اسم الإمام (عج) ولا يتعلق بوجوده الشريف؛ قد يُحرم تلك النفحة الخاصة.
هنالك محطة متميزة في دعاء كميل؛ ألا وهي محطة الاستغفار. وهي الفقرات التي يبدأ فيها الإمام بالاستغفار كقوله: (اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِيَ اَلذُّنُوبَ اَلَّتِي تَهْتِكُ اَلْعِصَمَ، اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِيَ اَلذُّنُوبَ اَلَّتِي تُنْزِلُ اَلنِّقَمَ)[٣]، وإلى آخر تلك الفقرات. وفي دعاء عرفة فقرات تستدر الدمعة كتلك الفقرات التي يذكرها أمير المؤمنين (ع) في دعائه. وكيف لا وهي كلمات خرجت من رجل صُنع فيه ما صُنع في يوم عاشوراء، وقد تلفظ بها ثغر كان يهوي بها اللعين بخيزرانته عليها.
اجمع بين يومي عاشوراء وعرفة
ولابد للمؤمن أن يجمع بين يوم عاشوراء وبين يوم عرفة عند قراءته لدعاء الحسين (ع) في ذلك اليوم. من يقرأ دعاء عرفة تجري عبرته من دون اختيار. من هذه الفقرات التي أشرت إليها آنفا قول الإمام (ع) وهو يستذكر النعم الإلهية عليه ويقول: (أَنْتَ اَلَّذِي أَنْعَمْتَ أَنْتَ اَلَّذِي أَحْسَنْتَ أَنْتَ اَلَّذِي أَجْمَلْتَ أَنْتَ اَلَّذِي أَفْضَلْتَ أَنْتَ اَلَّذِي مَنَنْتَ)[٤]، وإلى آخر ذلك وهي كلها في جانب، وما يعترف به الإمام (ع) أمام الله عز وجل في جانب آخر. وهذا دأبنا نحن مع الله؛ خيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد. يقول (ع): (يَا إِلَهِي اَلْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْهَا لِي أَنَا اَلَّذِي أَخْطَأْتُ أَنَا اَلَّذِي أَغْفَلْتُ أَنَا اَلَّذِي جَهِلْتُ أَنَا اَلَّذِي هَمَمْتُ أَنَا اَلَّذِي سَهَوْتُ أَنَا اَلَّذِي اِعْتَمَدْتُ أَنَا اَلَّذِي تَعَمَّدْتُ)[٥]، وإلى آخر هذه الاعترافات.
اعترف بما خالفت ما عاهدت عليه الله في يوم عرفة
تذكر ما عاهدت به الله في السنوات التي خلت من الثبات على الطاعة وعدم التعرض إلى معاصيه ثم الهج بهذه الفقرات معترفا بما أخلفت ما عاهدت عليه الله. واذكر قول الإمام (ع): (فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَسْتَقْبِلُكَ يَا مَوْلاَيَ أَ بِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسَانِي أَمْ بِرِجْلِي أَ لَيْسَ كُلُّهَا نِعَمَكَ عِنْدِي وَ بِكُلِّهَا عَصَيْتُكَ)[٦]. ثم يختم الإمام (ع) دعائه بفقرة عظيمة؛ فقد رفع رأسه وبصره إلى السماء وعيناه ماطرتان كأنه مزادتنان كالميزاب وطلب ما ينبغي لأمثالنا الاجتهاد في طلبه: (أَسْأَلُكَ اَللَّهُمَّ حَاجَتِيَ اَلَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَ إِنْ مَنَعْتَنِيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي أَسْأَلُكَ فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ اَلنَّارِ)[٧].
خلاصة المحاضرة
- لو كُشف الغطاء لزائر الحسين (ع) في يوم عرفة؛ لرأى الأجواء في ذلك اليوم تزدحم بملائكة الرحمن. إن يوم عرفة بالإضافة إلى ليلة القدر؛ من الأيام المميزة في السنة، حيث يستشعر المؤمن فيها الرحمة الإلهية بكل وضوح. وهذه الرحمة يستشعرها أيضا الحجاج على على جبل عرفة.
- إن جميع البركات الإلهية في زمان الغيبة تجري عبر وليه الأعظم صاحب الزمان (عج). فالذي ليست له علاقة مميزة بإمام زمانه (عج) ولا يُبكيه اسم الإمام (عج) ولا يتعلق بوجوده الشريف؛ قد يُحرم من النفحات الخاصة والرحمة الإلهية التي تشمل البعض من العباد.
- ما الفرق بين يوم عرفة وغيره من الأيام؟ الفرق فيما ينزل فيه من النفحات الإلهية الخاصة، كالمطر الذي ينزل في الربيع. إن المؤمن يستنزل هذه النفحات الخاصة متى ما أراد، في قيامه بين يدي ربه في جوف الليل وفي الصلاة الخاشعة مثلا.