- ThePlus Audio
علاقتنا بإمامنا الغائب (عجل الله فرجه) ليست على مايرام
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف هي علاقتنا بإمام زماننا؟
لو تأمل كل واحد منا بعلاقته بإمام زمانه (عج) لرأى أنها ليست على ما يرام. إنني عندما أذكر اسم الحسين (ع) أو العباس (ع) أو زينب الكبرى (ع) أو الشهداء رضوان الله عليهم فوق المنبر؛ أرى بعض الحاضرين تجري عبرته بلا مقدمات؛ لأن أسمائهم مقترنة بكارثة يوم عاشوراء. ولهذا لا نرى هذا التفاعل وهذه الدمعة عندما نذكر الإمام المجتبى (ع) مثلا، والحال أنه سبط النبي (ص) وريحانته وإمام قام أو قعد، وقد قُتل مسموماً، ورُمي بعد استشهاده. والبكاء من دون مصيبة الذي يكون ناشئا عن الحب هو بكاء له قيمته وهو يخرق الحجب. كما نرى غير المسلمين في بلاد الهند وغيرها يبكون على مصيبة الحسين (ع). ولكننا نتحدث عن حب أرقى وليس مجرد البكاء على المصيبة. إن المؤمن يبكي على المنزلة وعلى المقام.
لماذا لا نتفاعل عند ذكر إمام زماننا (عج) كتفاعلنا عند ذكر الحسين (ع)؟
لماذا لا نتفاعل عند ذكر إمام زماننا (عج) كتفاعلنا عند ذكر الحسين (ع)، وكأننا لا يعنينا أمره، ونظن أنه إمام غائب وهو يتحمل المسئولية بنفسه وما علينا إلا الانتظار؟ رأيتم الولد الكسول في المنزل عندما يتهيئ الأب للضيف وتستعد الأم وتهيئ أسباب الضيافة، يجلس في زاوية منتظرا مجيئ الضيف دون أن يمد يد العون لهما. إن هذا الانتظار لا يكشف عن شوق وحب.
مشروع نصرة الإمام (عجل الله له الفرج)
إن كل واحد منا هو مشروع نصرة لإمام زمانه (عج). إنني أعتقد أن فرج الإمام (عج) ليس له وقت مقطوع به، وإنما هو متوقف على أدعيتنا، وهذا أمر نشهده في حياتنا نحن أيضا. فقد يمد الله في عمر الرجل الذي كان مقدرا له أن يعيش ستين سنة من أجل أنه وصل رحما؛ فيعيش سبعين سنة. لكل واحد منا أجل معلق وأجل مقدر؛ وكذلك الفرج. فعلى سبيل المثال يكون سبحانه قد كتب الفرج بعد مائة سنة؛ ولكن يجتمع المؤمنون للدعاء له، فيُقدم الله الفرج خمسين سنة. من الممكن أن يتقدم الفرج أو يتأخر كما تتقدم آجالنا وتتأخر بدعاء المؤمنين.
قد يسأل سائل فيقول: ما هو دليلك على ذلك؟ أقول: إن دليلي هو قوم يونس (ع). لقد كتب رب العالمين عليهم الهلاك، وبدت أمارات العذاب، فتضرعوا إلى الله عز وجل، فرفع عنهم العذاب. وإلا ما الذي جعل يونس (ع) يذهب مغاضباً، ويتركهم؟ لو علم يونس (ع) فيهم خير لأسمعهم، ولما تركهم؛ وما تركهم إلا لأنه أيس من إيمانهم. إلا إيمانهم وتضرعهم نفعهم فرفع الله عز وجل عنهم العذاب.
فلا ينبغي لأحدنا أن يدخر وسعا أو يألوا جهدا في الدعاء بالفرج فإن ذلك فرجنا كما ورد بذلك الحديث الشريف. وليس المطلوب منا أن نجامل الإمام (عج) بدعائنا، فندعو بدعاء: (اللهم كن لوليك) بوتيرة واحدة ولحن لا يتغير، ينم عن عدم وجود لهفة وتضرع. علينا أن ندعوا له كما يعدو الوالد المضطر لولده في غرفة العمليات.
الدعاء لإمام الزمان في أفضل الساعات
ألسنا نقرأ في دعاء الافتتاح: (اَللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا وَغَيْبَةَ إِمَامِنَا [وَلِيِّنَا])[١]. إنك عندما تذهب إلى المحكمة لتشتكي على أحدهم لا تذهب مرة واحدة وإنما تذهب عشرات المرات حتى تأخذ حقك. نحن نشكو فقد نبينا وغيبة ولينا؛ فأين هذه الشكوى؟ إن المشتكي يكون مضطربا وقد تجري دموعه وهو يبين ظلامته، وإذا لم يستجب له القاضي صاح وزاد اضطرابا، لأنه لا يشتكي إسقاطاً للتكليف. تارة يُقدم الرجل عريضة للقاضي مجاملة لأحدهم أو يكون وكيلا عن أحدهم، وتارة يكون هو مصاب بمصيبة ويريد النتيجة، فلا ييأس ولا يمل. ولذلك ينبغي للمؤمن في شهر رمضان المبارك وفي أيام الجمع من هذا الشهر وفي ساعة السحر وساعة الإفطار أن يمتلك حالة الفقد، وحالة الحرقة وحالة الإحساس بالبعد عن إمام زمانه (عج).
سند دعاء الافتتاح
إن دعاء الافتتاح غنيمة من غنائم الشهر المبارك، لسببين: الأول: إننا وإن لم نجد في أول هذا الدعاء نص يدل على أن هذا الدعاء هو لإمام زماننا (عج)؛ ولكنه منسوب إلى سفير من السفراء الأربعة. وقد نقل كبار العلماء هذا الدعاء؛ فهل يُعقل أن سفير الإمام (عج) يخترع دعاءً ويأمرنا بقراءته. لقد كان السفراء الأربعة اللسان الناطق للإمام (عج).
السبب الثاني: إنني من بعض الجهات أشعر أن دعاء الافتتاح يدغدغ مشاعري أكثر من سائر الأدعية. إن أدعية زمان الغيبة تحتوي على مضامين مثيرة، ولكن لهذا الدعاء خصوصيت.
اطلب من الله التسديد للصواب في كل حين
لأننا نبدأ نفتتح هذا الدعاء بالثناء وبقولنا: اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك. وقد ورد في هذا الدعاء عبارة مفصلية كانت سببا في هداية بعض المؤمنين، وهي: (وأنت مسدد للصواب بمنك). وتعني: يا رب، أنا تائه في حيرة الحياة وفي مفترق الطرق وفي العواصف وفي الزلازل وفي البراكين أو ما شئت فعبر؛ ولا أعلم ماذا أصنع؟ إنني مبتلى بزوجة مشاكسة، ولا أدري أيهما أقرب إلى الصواب؛ بقائي معها والصبر عليها كما صبر أيوب (ع) أم انفصالي عنها؟ فالقرآن يقول: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا)[٢]. وهنا يلقي رب العالمين في قلبك الصواب.
لأحد المؤمنين زوجة مشاكسة، فقال لي: إنني أصبر عليها وعلى إيذائها، وقد تسكت فترة من الزمن لا تتكلم علي؛ فأشتاق إلى كلامها وتوبيخها، لأن ذلك يوجب الانكسار فأدعوا الله عز وجل.
لقد صرفك الله عنها من أجله…!
وقد تدخل الجامعة فتبيع الدين والدنيا، ومن الممكن أن تستفيد منها. فقل: يا رب، وأنت مسدد للصواب بمنك. وقد يصل كبار المؤمنين إلى مرحلة يسدد عملاً؛ أي يريد أن يقدم على أمرٍ لا نفع له فيه؛ فتأتي الموانع تلو الموانع، وهو يظنها خيبة أمل، فيذم الدنيا غافلا عن أن ذلك تسديد وصرف من الله له عما لا نفع فيه. إن الله سبحانه عقد أمورك لأنه يريدك لنفسه، ولا يريدك أن تذهب إلى مكان تنشغل فيه عنه. أليست هذه الفقرة من دعاء الافتتاح مفتاحا لكل خير؟ ألا تجعلك تصبر لا على مضض وعلى جهل، وإنما تصبر على وعي؟ قل دائما: يا رب، أنا مستسلم فسددني كما تحب وترضى.
لماذا لا يستجيب الله لنا؟
من الفقرات المهمة في هذا الدعاء: (اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنَادِيهِ)[٣]. وقد يسأل سائل فيقول: أين الإجابة؟ لطالما دعوناه فما استجاب لنا. هل تعاتب الرجل إذا تكلمت معه على الهاتف وأنت لم تتصل به؟ ألا يقول لك: كيف تتحدث إلي عبر الهاتف ولم تتصل بي؟ اطلب الرقم أولا واتصل بي، ثم حدثني. إن خطوطنا مع رب العالمين مغلقة، ولا شحن في البطارية والجهاز غير متصل ومع ذلك نصيح ونبكي. ألسنا نقرأ في الدعاء: اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء؟ هل أخذ النبي يونس (ع) سبحة وبدأ يقول سبحانك لا إله إلا أنت؟ أم أنه نادى في الظلمات، والنداء يعني الدعاء بحرقة.
الستر من الله سبحانه وقد يُهتك من قبلنا
ثم نقول في الدعاء: (وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وَأَنَا أَعْصِيهِ)[٤]. لو انكشف واقعنا للناس لفر العباد منا، فكما روي: (لَوْ تَكَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُمْ)[٥]. إن ما في أذهان الناس عنا هو أعظم من واقعنا وواقعنا هو أقل بكثير من حسن الظاهر؛ لأنه سبحانه هو الساتر، ولكن العبد يهتك ستره في يوم من الأيام ويرتكب معصية فيظن أنه لا يراه أحد فيفتضح أمره. ولهذا نقرأ في مناجات أمير المؤمنين (ع) في شهر شعبان: (فَلاَ تَفْضَحْنِي يَوْمَ اَلْقِيمَةِ عَلَى رُؤْسِ اَلْأَشْهَادِ)[٦].
هل وصلت إلى مرحلة الحيرة في إمام زمانك؟
هل وصلت إلى مرحلة الحيرة في إمام زمانك كما نقرأ في دعاء الندبة: (إِلَى مَتَى أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلاَيَ)؟ إن أفضل مكان تفرغ فيه العواطف؛ هو عند ضريح جده الحسين (ع). فإذا وصلت إلى لحرم وأصبحت تحت القبة الشريفة وجرت دمعتك، فقل: يا أباعبد الله، أبلغ سلامي إلى ولدك المهدي (عج) وإن كنت مسيئاً في حقه فاعتذر لي منه، فأنت جده. فهل يُعقل أن يرد إمام زماننا (عج) طلب جده؟ حاشا…! ثم قل: يا أبا عبدالله، كن شفيعاً بيني وبين إمام زماني.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لو انكشف واقعنا للناس لفر العباد منا، فكما روي: (لَوْ تَكَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُم). إن ما في أذهان الناس عنا هو أعظم من واقعنا وواقعنا هو أقل بكثير من حسن الظاهر؛ لأنه سبحانه هو الساتر، ولكن العبد يهتك ستره في يوم من الأيام ويرتكب معصية فيظن أنه لا يراه أحد فيفتضح أمره.