- ThePlus Audio
ما الذي أرجوه من صيامي في شهر رمضان المبارك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي الغاية من الصيام والكف عن الطعام والشراب؟
لا يريد منا ربي العالمين سبحانه وتعالى في شهر رمضان المبارك أن نصوم ذلك الصوم الذي نكتفي فيه بالكف عن الطعام والشراب. إن المطلوب من المؤمن بالإضافة إلى ذلك أن يعقد النية ويستثمر فرصة هذا الشهر للتكامل. والدليل واضح من القرآن الكريم وفي قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)[١].
واللام هنا هي لام الغاية أو لام العلة في اللغة العربية. فتقول على سبيل المثال: أرسلت ولدي إلى المدرسة ليتعلم، وزرعت الزرع لأحصد، وما شابه ذلك. وإذا لم تتحق الغاية؛ ذهب الفعل هدراً. فالذي يغرس نخلة لتعطيه ثمرة، ثم يصبر السنة والسنتين؛ فلا يجد ثمرا، يقلعها من جذورها، ويتخذ منها حطبا للتدفئة والطبخ.
ما المراد من كلمة لعلكم في آية الصيام؟
أي قد تصل إلى الغاية المرجوة وقد لا تصل إلى الغاية التي هي التقوى. فالذي يبيعك الفسيل، يقول لك: لعلها تُثمر ولعلها لا تثمر. أما إذا قال لك: لا تثمر، فلن تشتريها منه قطعا، وأما إذا قال لك: ستثمر قطعا، فتقول له: ومن أين لك العلم بذلك؟ هل عندك علم الغيب؟ ولهذا نرى بعض المؤمنين يحتاط في نقل الروايات، فيقول إبراء للذمة: لعل الرواية هكذا.
ولكن القرآن الكريم دقيق جداً؛ فالله سبحانه عندما يقول: (لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)؛ يعلم أنك تُثمر أو لا تُثمر، تتقي أو لا تتقي ولكنه يقول ذلك تخويفاً. وهل التقوى صفة من صفات الفم؟ أو هل هو صفة البطن أو الفرج؟ كلا، إنما التقوى صفة القلب. قال تعالى: (ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ)[٢]. إن الحب والخوف من صفات هذا القلب. إن الشاب الذي يدعي حب فتاة؛ هل يحبها بوجهه أو بيده؟ كلا، إنه يحبها بقلبه. إن مشاعر الحب والبغض والخوف والرجاء، والأمل؛ كلها من معاني القلب.
صومك هذا بحسب الظاهر كصوم المرجع، ولكن شتان بينهما…!
إن هذا الصيام الذي هو ترك للشراب وللطعام؛ مقدمة للتقوى. فلعل البعض يأخذ في السحور حبة منومة أو ينام من دون حبة إلى ما بعد الأذان أو قبله بقليل، وقد تفوته صلاة الظهرين مثلا. فمن الناحية الشرعية قد أتم صيامه وأكمله وإن لم يكن قد تعب أو عانى في صيامه، وصيامه هذا بحسب الظاهر لا يختلف عن صيام المرجع. وإذا كان قد استعمل المغذي فلا إشكال أيضا في ذلك على رأي بعض الفقهاء. ولكن هذا الصوم هو صوم جوارحي، والمؤمن يبحث عن الصوم الجوانحي.
ما هو الفرق بين الجانحة والجارحة؟
الفرق بين الجوارح والجوانح حرفي الراء والنون فقط؛ ولكن بينهما بُعد المشرقين. إن الآية تريد أن تقول لنا: صم ببدنك، لتصل إلى التقوى الباطنية. إن كل واحد منا يبحث عن هذه الثمرة؛ ولكننا لا نعلم متى يأتي هذا الشهر أكله ويُخرج لنا ثمرته. هل سنخرج بهذه الثمرة في اليوم التالي؟ أو في اليوم الذي يأتي بعده؟ أو في ليالي القدر؟ أو ليلة العيد؟ أو حتى في شهر شوال؟ قد يأتي على الرجل شهر رمضان؛ فيصوم نهاره ويقوم لياليه، ويحي ليالي القدر فيه، ثم يكتشف في اليوم الأول من شهر شوال أنه أسوء حالا مما كان عليه في اليوم الأخير من شهر شعبان.
ماذا تقول عن رجل مسكين دخل مأدبة السلطان ومكث عنده شهرا كاملا ثم يخرج يشتكي الجوع ويتأوه؟ تقول له: إما أنك بقيت في ساحة القصر، ولم تجلس على مائدت، وإما أنك دخلت، فلم يُؤذن لك بالأكل، أو أُذن لك فما أكلت، أو أكلت قليلا لم يسد جوعتك. وهذه عاقبة يحذر المؤمن منها أشد الحذر ويهيئ نفسه من الأيام الأولى.
يقول سبحانه: (بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ)[٣]؛ أي الإنسان يعلم حجمه ومقداره. هناك ما يسمى في عالم الطبيعة بالوحدات القياسية كالمتر والغرام وما اشبه ذلك. فعندما يُقال: أن فلانا أطول من فلان؛ فلأنهم قد قاسوا طوله بمسطرة أو آية قياس وعرفوا ذلك. أو يقال: أن فلانا كان سميناً وقد أصبح نحيفاً؛ فهناك الميزان يبين ذلك.
ما هو المقياس في عالم الروح والمعنى؟
كيف كنت في العام الماضي وكيف أصبحت في هذا العام؟ ألا يهمك هذا الأمر؟ هل تعلم أنك قد صرت سميناً في عالم المعنى أم أنك لا زلت نحيفاً؟ هل صرت طويلا أو أصبحت قصيراً؟ ليس هناك مقياس واضح؛ ولكننا نسستطيع أن نعرف ذلك إجمالاً من الصلاة. لقد مضت عليك سنة كاملة كان فيها حج البيت والجلوس في المجالس الحسينية في شهري محرم وصفر، وقد مر عليك شهر رجب ولعلك كنت صاحب موكب في زيارة النصف من شعبان؛ فكيف أصبحت بعد كل ذلك صلاتك؟ هل هي كصلاتك في العام الماضي؟ فإن كانت كما كانت؛ فيعني أنك لم تترقى طوال العام. لقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (اِعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ)[٤]. فإن قدرت عليها كنت على غيرها أقدر.
هذه الصلاة ستحفظك إلى السنة القادمة
وعليك بالفرص لا تفوتك في هذا الشهر. إن ليالي شهر رمضان ليست متساوية؛ فليلة القدر ليلة مميزة، وليلة النصف من شهر رمضان ليلة مميزة، وكذلك الأمر في الليالي البيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من هذا الشهر. وهناك تميز في اليوم الأول والليلة الأولى أيضا. فالمؤمن يبحث عن الأعمال المهمة في هذه الأيام.
وعلى سبيل المثال: هناك عمل في اليوم الأول من هذا الشهر المبارك وهو صلاة ركعتين، تقرأ في الأولى بعد الفاتحة سوة إنا فتحنا لك، وفي الثانية بعد الفاتحة سورة التوحيد؛ فمن صلاها حُفظ إلى سنة قادمة، وهي لا تأخذ من الوقت إلا عشر دقائق أو أقل من ذلك. فقد يرفع الله عنك بهذه الصلاة الحوادث التي من الممكن أن تتعرض لها في السنة القادمة، من حادث سيرٍ أو جلطة في رأسك أو في قلبك، أو ما شابه ذلك. وقد يسأل سائل فيقول: هذه الرواية صحيحة؟ ما لنا وذلك؟ هكذا وعدنا كتاب المفاتيح وهو كتاب موثوق يُمكن الاعتماد عليه إجمالاً. ولا بأس أن تقول: يا رب، هكذا وصل إلينا ونحن عملنا.
اغتنام ساعة الإفطار
ومن هذه الفرص؛ ساعة الإفطار. إياك أن تشرب الماء البارد ولا تقول: السلام عليك يا أبا عبدالله؛ فلعل هذا السلام على الحسين (ع) يستنقذك، ويوصلك إلى مقامه، فتُصبح من جيرانه.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- ليس المطلوب منا في شهر رمضان أن نكف عن الطعام والشراب فحسب؛ وإنما ذلك مقدمة للحصول على ثمرة الصيام وهي التقوى. إن المؤمن يستثمر كل ساعة من ساعات هذا الشهر ويراكم الأعمال ويزيد من الحسنات والعبادات لحين قطف تلك الثمرة.
- من الساعات المهمة التي لا تفوت المؤمن؛ هي ساعة الإفطار التي يستثمرها خير استثمار. إياك أن تشرب الماء البارد ولا تقول: السلام عليك يا أبا عبدالله؛ فلعل هذا السلام على الحسين (ع) يستنقذك، ويوصلك إلى مقامه، فتُصبح من جيرانه.