Search
Close this search box.
  • ThePlus Audio
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف تكون خائفا من الله وراجيا في الوقت نفسه؟

بسم الله الرحمن الرحيم

من مناجاة أمير المؤمنين (عليه السلام) في شهر شعبان

إن مناجاة أمير المؤمنين (ع) في شهر شعبان والتي كان يلهج بها هو وذريته من بعده (ع)؛ هي من أجل المناجاة التي ينبغي أن يهتم بها المؤمن في هذا الشهر. إن التدبر في الدعاء مقدمة للتفاعل. إنني أستغرب من الذين لا يعرفون العربية؛ كيف يتفاعل أحدهم مع دعاء لا يعرف ما هو أصلا؟ أما العربي فهو يفهم الكلمات؛ ولكن ينقصه التدبر. لابد أن ننتبه إلى هذه الأضلاع الثلاثة عند الدعاء: القراءة والتدبر، والتفاعل. فلو لم تجتمع هذه الأضلاع لما أخذ الإنسان حظا وافيا من ذلك الدعاء. بل لو لم تقرأ الدعاء كما هو متعارف واكتفيت بالتدبر في المضامين ثم جرت دمعتك؛ لكان ذلك خير لك من قراءة لا تفاعل فيها.

إن مناجاة أمير المؤمنين (ع) هي مناجاة الخواص من المؤمنين. إن المضامين الواردة في دعاء كميل؛ هي مضامين معروفة إجمالا، وإن كانت فيها فقرات مبهمة. إلا أن هذه المناجاة فيها إبهام كثير. فما معنى قول الإمام (ع): (حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ اَلْعَظَمَةِ)[١]؟ إن هذه المعاني لا يعرفها إلا ذو حظ عظيم.

متى يُقبل رب العالمين علينا؟

ولا بأس أن نشرح ما تيسر لنا من فقرات هذا الدعاء الشريف، منها قوله: (وَأَقْبِلْ عَلَيَّ إِذَا نَاجَيْتُكَ)[٢]. متى يُقبل رب العالمين علينا؟ إنه يُقبل علينا إذا أقبلنا عليه. إننا نفهم من هذه الجملة على قصرها؛ أن الذي لا يقبل على الله عز وجل؛ لا يقبل الله عز وجل عليه. وعندما لا يُقبل عليك؛ لا يعتني بك؛ فإذا كان الأمر كذلك؛ فكيف يستجيب لك؟ إذا أتاك طالب حاجة تُبغضه بل لا تُحب أن تسمع صوته وتُعرض بوجهك عنه؛ كيف تقضي حاجته؟ إنما يُقبل عليك سبحانه إذا ناجيته، وهربت إليه ووقفت بين يديه. إن كلمات أمير المؤمنين (ع) مسبوكة سبك الذهب، وكل جملة فيها لها معنى. إنني أفهم من هذه الفقرة أن الإنسان يناجي ربه إذا اجتمعت فيه صفتان: الهرب واليقين.

بين الخوف والرجاء

يقول الإمام (ع): (فَقَدْ هَرَبْتُ اِلَيْكَ). إن الهارب له صفتان: خوف من شيء، وأمل في شيء؛ فهو يحذر شيئاً ويرجوا شيئا. تصور أنك في صحراء وأمامك قلعة حصينة وورائك أسد مفترس. أنت هنا من ناحية تخاف الأسد ومن ناحية ترجوا الدخول في القلعة. فإذا لم تكن قلعة في البين؛ تُصبح في لحظات فريسة سهلة ولغمة سائغة لهذا الأسد الذي يتربص بك. إن الذي يحثك على التحرك منظر الأسد من ناحية، وباب القلعة من ناحية. فلو رأيت قلعة من دون أسد، أو أسداً من دون وجود قلعة؛ فلن تتحرك. يقال: إن النعامة تدس رأسها في الرمال عندما ترى الصياد ظنا منها أنه لن يراها بهذه الطريقة؛ ونحن قد نغمض أعيننا على العدو والحال أنه متربص بنا.

إن الخوف من الهوى ومن الشيطان ورجاءنا في الدخول إلى الحرز والكهف الإلهي الحصين هو الذي يجعلنا نتحرك. إن الشيطان يريد أن يوقعك في فخه من ناحية، ومن ناحية الثقة بالرحمن وبرب العالمين، بمن هو حرز من لا حرز له، وكهف لمن لا كهف تحثك على السير. كيف لا نكون كذلك وقد أمرنا سبحانه في كتابه بأن نفر إليه: (فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ)[٣].

أين تكمن المشكلة في عدم التفاعل؟

ما المشكلة في أنك تقرأ الدعاء وهمك آخره؟ لأنك قد فقدت اليقين والثقة بالله. لماذا لا تصلي صلاة خاشعة؟ لأنك لا تعلم بين يدي من تقف. لماذا تدخل المسجد وكأنك دخلت قاعة كذائية؟ لأنك لا ترى نفسك في بيت الله. فلو رأيت نفسك في البيت وأنك واقف بين يدي الله عز وجل؛ لا يُمكنك إلا الخشوع.

ما هي النتيجة؟

من كان هارباً ورأى نفسه واقفاً بين يدي الله عز وجل فستكون النتيجة ما ذكرها أمير المؤمنين (ع) – انظروا إلى الترابط المنطقي في الدعاء – وهي أن يصل الإنسان إلى هذه المرحلة: (مِسْكِيناً لَكَ مُتَضَرِّعاً إِلَيْكَ رَاجِياً لِمَا لَدَيْكَ ثَوَابِي)[٤].

ثوابي أم تراني؟!

لقد توقف في هذه الجملة الكثير وتعسر عليهم فهمها، وهي: (رَاجِياً لِمَا لَدَيْكَ ثَوَابِي وَتَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي)[٥]. من الممكن أن نقول هكذا: راجياً لما لديك؛ ولكن ما هو لديك؟ ثوابي، وكأنه بدل من ذلك. ولكن لأحد المحققين رأي جميل، يقول: في الأزمنة الغابرة لم يكونوا ينقطون الكلمات – لا يجعل النقاط على احروف – ولعل الصحيح في هذه الفقرة: راجياً لما لديك، تراني وتعلم ما في نفسي. أي أنا بين يديك، ولا يخفى عليك شيء، ولهذا تقرأ في الجملة اللاحقة: (وَلاَ يَخْفَى عَلَيْكَ أَمْرُ مِنْقَلَبِي وَمَثْوَاي). وإني لأرجوا أن يهتم المؤمنون بهذه المناجاة ويقرأوها في كل يوم مرة في شهر شعبان. وإن قرأها المؤمن في شهر شعبان مرة واحدة بتفاعل؛ لكفته ذلك وتحققت فيه هذه المضامين إن شاء الله.

[١] الصحیفة العلویّة  ج١ ص١٨٥.
[٢] إقبال الأعمال  ج١  ص٣٨٥.
[٣] سورة الذاريات: ٥٠.
[٤] إقبال الأعمال ج٢  ص٦٨٥.
[٥] زاد المعاد  ج١  ص٤٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ما المشكلة في أنك تقرأ الدعاء وهمك آخره؟ لأنك قد فقدت اليقين والثقة بالله. لماذا لا تصلي صلاة خاشعة؟ لأنك لا تعلم بين يدي من تقف. لماذا تدخل المسجد وكأنك دخلت قاعة كذائية؟ لأنك لا ترى نفسك في بيت الله. فلو رأيت نفسك في البيت وأنك واقف بين يدي الله عز وجل؛ لا يُمكنك إلا الخشوع.
  • إن مناجاة أمير المؤمنين (ع) في شهر شعبان هي مناجاة الخواص من المؤمنين. إن المضامين الواردة في دعاء كميل؛ هي مضامين معروفة إجمالا، وإن كانت فيها فقرات مبهمة. إلا أن هذه المناجاة فيها إبهام كثير؛ لا يعرفها إلا ذو حظ عظيم.
Layer-5.png