- ThePlus Audio
الخطبة الفدكية لفاطمة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطب الخمس التي غيرت مجرى التاريخ
هناك خمس خطب في تاريخ الإسلام في ما روي عن النبي والآل (ع) هي غيرت معالم التاريخ. إن هناك محطات في تاريخنا هي عبارة عن خطب ألقيت وكلمات دونت؛ هي من روائع ما صدر في هذا الوجود. إننا نعلم أن الإسلام هو الدين الخاتم، والقرآن هو الكتاب الخاتم والناسخ، وأوصياء النبي (ص) هم حملة الإسلام والقرآن، وكلاهما خاتمان. فما صدر منهم (ع) يمثل القمة في كل شيء. إننا نسمي هذه الخطب بالأخوات، باعتبار أن الخطبة باللغة مؤنثة أو بالإمكان أن نسميها بالإخوان باعتبارهما كلام أو بيان ولا مشكلة في التسمية.
وسوف نأخذ جولة في أهم ما ورد في هذه الخطب التي لو عملنا بها لكنا اليوم في وضع آخر. لا تقل: هذه خطبة قديمة أو أن هذه الخطبة ليست بلاغية أو قد أكل عليها الدهر وشرب. هب أن المعلقات السبع لم يقولها شاعر، فهل كان يتغير العالم؟ لم يتغير شيء أبداً وجدت هذه المعلقات أو لم توجد. ولكن خطبة النبي (ص) في يوم الغدير في حجة الوداع هي خطبة مصيرية. وكلام أمير المؤمنين (ع) في خطبته الشقشقية الذي رواه الشريف الرضي في نهجه، وخطبة فاطمة (ع) في فدكيتها، وحديث مولاتنا زينب (س) التي ورثت فاطمة في علمها، وهي مقرونة بخطبة إمامنا السجاد (ع) وارث الحسين (ع) في علمه. حيث كان (ع) في الكوفة والشام هو الممثل لخط الولاية من بين الرجال، وفي النساء كانت سيدتنا زينب (س) هي الممثلة لخط الولاية.
ونستطيع القول أن هذه الخطب الخمس؛ الوداعية للنبي (ص)، والشقشقية لعلي (ع)، والفدكية لفاطمة (س)، والخطبة الزينبية (س) والخطبة السجادية غيرت معالم التاريخ نظرياً واعتقادياً وموقفياً. حيث لم تبقى حجة لأحد بعد هذه الخطب. ولو أن الأمة عملت بهذه الخطب لكنا اليوم على خط واحد وعلى منهج واحد ولما أكل بعضنا بعضاً ولما تسلط الأعداء علينا.
مشيئة الله عز وجل في تدبير العالم
تخيل لو أن الأمة سمعت كلام نبيها (ص) في يوم الغدير في أي حال كنا اليوم؟ إن الحديث ذو شجون، ولكن الله عز وجل أحرص مني ومنك على دينه. سيأتي ذلك اليوم الذي تتحد فيه الألوان، ولا يبقى إلا لون واحد، (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)[١].
ذكر الخطبة الفدكية في كتب أعلام السنة وأئمتهم
إن حديثنا هو بالخصوص حول الخطبة الفدكية. إننا نريد أن نذكر فاطمة (س) من خلال خطبتها. إن المؤمن المحب لفاطمة (س) عليه أن يتدارس هذه الخطبة، لأنها من روائع الخطب البلاغية في التاريخ. وللعلم سأنقل عمن أشار إلى هذه الخطبة من أعلام القوم؛ منهم الخليل بن أحمد الفراهيدي. إن هذا الاسم اللامع في اللغة العربية قد أشار إلى هذه الخطبة في كتاب العين، وأشار إليها جار الله الزمخشري – هذا العلم في عالم البلاغة – والعلم الآخر هو ابن الجوزي في غريب الحديث، وابن الأثير في النهاية، وأخيراً ابن منظور في لسان العرب.
ذكر الخطبة الفدكية في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
أما في روايات أهل البيت الأمر أشمل وأعمق؛ فهناك عشرات الشروح والمؤلفات الطوال في بيان أسرار هذه الخطبة المباركة. ولسنا في مقام التدارس، ولو عقد أحدنا لمن له الأهلية دورة طويلة في بيان هذه الخطبة لكان الأمر في محله. ولكني أحب أن أسر لكم سراً، وهو: أن الذي يستوعب مضامين الخطبة الفدكية ويعلم شيئا من أسرارها؛ يشتد بكائه وحسرته عندما يذكر فاطمة (س)، ويسمع ما جرى عليها بين الحائط والباب وعلى المغتسل ودفنها في جوف الليل، وأنتها وآهاتها وحالها وهي معصبة الرأس ناحلة الجسم.
ولهذا نقول أيضا: إن من يستوعب دعاء إمامنا الحسين (ع) في يوم عرفة وفي يوم عاشوراء يزداد بكاءه عليه، لأن صاحب المعرفة في يوم عرفة والقائل في دعاءه: (مَا ذَا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ… أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ اَلظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ … عَمِيَتْ عَيْنٌ لاَ تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً)[٢] إلى آخر هذا الدعاء هو الذي صنع به قاتله ما صنع. والمعرفة النظرية بكلماتهم تربطنا بهم عاطفياً، وتهيء لنا موارد الاتباع والتأسي بهم.
بداية الخطبة الفدكية
إن فدك هو معلم ورمز وقد اتخذته الزهراء (ع) ذريعة لإفشال مخطط المنقلبين على الأعقاب. تقول الرواية: (أَنَّهُ لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ عَلَى مَنْعِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَدَكاً وَبَلَغَهَا ذَلِكَ لاَثَتْ خِمَارَهَا عَلَى رَأْسِهَا)[٣]. تقول كتب اللغة: لاثت خمارها؛ أي غطت رأسها ووجهها. إن هذه البنت هي بنت النبي (ص) وهذه صفة خروجها من منزلها. إنها لم تخرج وحيدة لتكون مميزة؛ بل أقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها. إنها قد أقبلت في وفد نسائي، ودخلت المسجد، ولعلها أرادت بذلك أن تُخفى بين القوم. وهي التي عندما سمعت وهي على فراش الموت أو الشهادة بأنها ستوضع في تابوت لا يتبين من خلاله معالم بدنها فرحت، وثم شيعت هذه الشهيدة في جوف الليل في جمع قليل.
تقول الرواية: (تَطَأُ ذُيُولَهَا). إنني قل ما رأيت من علق على هذه العبارة. إنك لا تطأ الثوب الذي تلبسه إذا كنت تمشي وأنت رافع رأسك، ولا يتعثر الإنسان بثوبه الطويل إلا عندما يطأطأ برأسه وينحني فعندها يطأ ذيله؛ أي يطأ آخر ثوبه. ولكن لماذا كانت تطأ فاطمة (ع) ثوبها؟ إنني لا أريد أن أثير الدمعة الآن، ولكن من الممكن ما جرى عليها من المصائب كان كما جرى على الحسين (ع) عندما حمل نعش القاسم وكانت رجلاه يخطان الأرض لأن الحسين (ع) كان منحنياً عندما حمل جثة ابن أخيه.
فلعل هذا الانحناء كان من شدة ما جرى عليها. وقد أشار البعض إلى هذه العبارة وقال: كان ذلك من شدة حياءها. إن المراة التي تريد أن تتستر؛ تمشي وهي منحنية مطأطئة لئلا يرمقها القوم بأبصارهم، فهذه المشية مشية الخجل. والمؤمن لا يطيل ثيابه بل يقصر من ثوبه لأن ذلك علامة التواضع.
شبه فاطمة (سلام الله عليها) بأبيها (صلى الله عليه وآله)
ثم تقول الرواية: (مَا تَخْرِمُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَ آلِهِ)[٤]. إنني أنقل لكم الرواية على رواية ابن الأثير المتوفى في القرن السادس الهجري. فقد شاء الله عز وجل أن يقيض مختلف الأقلام لرواية الخطبة الفدكية. وقد قلنا الروايات متعددة، ولكن ابن الأثير يقول: لا تخرم مشية رسول الله. إن فاطمة هي أشبه الناس بالنبي خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً، وحتى مشيتها كانت كمشية أبيها. وحتى نساء النبي (ص) عندما كن يصفن فاطمة؛ يذكرن أنها أشبه الخلق بأبيها.
مبالغة الزهراء (سلام الله عليها) في الستر والعفاف
ثم تقول الرواية: (فَنِيطَتْ دُونَهَا مُلاَءَةٌ). دخلت فاطمة (س) فضربوا ستراً بينها وبين القوم. والعبارة هنا جاءة بصيغة المجهول، ولكن تيقن أنها هي التي طلبت ذلك. إنها في خمارها، وهي متسترة بين نساء قومها، ومع ذلك ضرب ستر بينها وبين القوم. ثم انظروا إلى هذه الحوراء الإنسية كيف استعملت كل الأساليب لإرجاع الحق إلى نصابه؟ ولكن جرى ما جرى. إن فاطمة (ع) لم تبسمل، ولم تصلي على أبيها ولم تثني على الله عز وجل، فماذا صنعت إذا؟ تقول الرواية أنها بمجرد أن ضُربت الملاءة: (أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ اَلْقَوْمُ لَهَا بِالْبُكَاءِ).
أنة الزهراء (سلام الله عليها)
وأنت عندما تسمع هذه العبارة تشاركها في أنتها، وهنيئا لمن خفق قلبه بحب هذه السيدة. وإن أملنا فيها لكبير في الدنيا والبرزخ والقيامة. فإننا في دار الدنيا متبرئون ممن ظلمها، ومتبرئون مما جرى عليها، وموالون لها ولأبيها ولبعلها ولبنيها. وحاشا أن تهملنا يوم لقاءه.
إنها (س) لم تبدأ بالحديث بعد. تقول الرواية: (فَارْتَجَّ اَلْمَجْلِسُ ثُمَّ أَمْهَلَتْ هُنَيْئَةً حَتَّى إِذَا سَكَنَ نَشِيجُ اَلْقَوْمِ وَهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ اِفْتَتَحَتِ اَلْكَلاَمَ بِحَمْدِ اَللَّهِ وَ اَلثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَ اَلصَّلاَةِ عَلَى رَسُولِهِ)[٥]. ثم ابن الأثير يذكر كلاما طويلا من الثناء والتحميد. وحديث فاطمة (س) وكلماتها التوحيدية في أول الخطبة قد جعلت علماء الإسلام يحارون في تفسيرها. إن ابن الأثير ما أشار ولكن غيره قد أشار إلى أنها قالت: (اِعْلَمُوا أَنِّي فَاطِمَةُ وَأَبِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَقُولُ عَوْداً وَبَدْواً)[٦].
إثبات الحجية أو الموعظة؟
إنها تريد أن تقول: أنا الذي قال في حقي أبي ما قال. إن هذه تسمى إثبات الحجية؛ أي هذه الخطبة ليست موعظة وبلاغة وإنما هذا بيان رسول الله (ص). إن الزهراء (ع) أرادت بهذه الكلمة أن تبين للقوم: أن ما أقوله هو حجة بيني وبينكم يوم القيامة. فأنا التي كان رسول الله يشمني إذا اشتاق إلى الجنة. أنا بضعة النبي (ص) وحبيبته، وأنا أم أبيها. إنها تذكر المسلمين، وكأنها تقول: إن النبي (ص) قبل أيام قليلة قد غادر الأمة فهل نسيتم كلامه؟
استثارة العواطف المتبلدة
ثم اخذت تستثير عواطف القوم، وتقول: هل تشكون في حقي وحق بعلي؟ هل تشكون في أبي رسول الله؟ إني أبي هو الذي وصفه سبحانه بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[٧]. كم كان أبي حريصاً عليكم وكم كان يثقل عليه عنتكم؟ والعنت هو التعب. إنه كان حريصا ورئوفاً ورحيماً بكم، وعادة العرب أنهم يحفظون الرجل في ولده. لقد أكرم النبي الأكرم ابنة حاتم الطائي لأن أباها كان كريماً. وها أنا ابنة رسول الله (ص).
الانتساب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم قالت: (فَإِنْ تَعْزُوهُ وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أَبِي دُونَ نِسَائِكُمْ). إن كنتم تريدون أن تعلموا من المنتسب إلى رسول الله، فهي أنا المنتسبة الأولى، وهذا هو أبي، (وأَخَا اِبْنِ عَمِّي دُونَ رِجَالِكُمْ). إني النبي (ص) هو ابن عم علي (ع)، ولكن علي (ع) هو أخو رسول الله (ص).إنها أارادت أن تذكر الأمة أيضا بما جرى في يوم الغدير.
ثم أخذت تمدح أباها وتصفه بما هو أهله: (فَبَلَّغَ اَلرِّسَالَةَ صَادِعاً بِالنِّذَارَةِ مَائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ اَلْمُشْرِكِينَ … حَتَّى اِنْهَزَمَ اَلْجَمْعُ وَوَلَّوُا اَلدُّبُرَ حَتَّى تَفَرَّى اَللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ وَأَسْفَرَ اَلْحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ)[٨]. أين تجد كهذه الكلمات عند بلغاء العرب؟ ثم قالت: (وَنَطَقَ زَعِيمُ اَلدِّينِ وَخَرِسَتْ شَقَاشِقُ اَلشَّيَاطِينِ … وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ اَلْإِخْلاَصِ)؛ وكلمة لا إله إلا الله هي شعار التوحيد، وهي بالطبع من بركات أبي وابن عمه وأخيه وبعلي. لقد قام الإسلام على ركيزتين؛ على النبي والوصي. وكلمة الإخلاص والتوحيد من بركاتهما.
دور النبي في إنقاذهم من الوضع الجاهلي
ثم قالت: (وَكُنْتُمْ عَلىٰ شَفٰا حُفْرَةٍ مِنَ اَلنّٰارِ.. تَشْرَبُونَ اَلطَّرْقَ، وَتَقْتَاتُونَ اَلْقِدَّ أَذِلَّةً خَاسِئِينَ تَخٰافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ اَلنّٰاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ فَأَنْقَذَكُمُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ اَللَّتَيَّا وَاَلَّتِي وَبَعْدَ أَنْ مُنِيَ بِبُهَمِ اَلرِّجَالِ وَذُؤْبَانِ اَلْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أَهْلِ اَلْكِتَابِ)[٩]؛ تقول فاطمة (س) لمن كانوا قبل في أيام في الجاهلية: تشربون الطرق، هو الماء الذي بال فيه الإبل. فالإنسان إذا أراد أن يموت عطشاً يشرب كل شيء. والقد هو جلد الحيوان. إنهم كانوا يأكلون الجلد ويشربون الماء الذي بال فيه البعير.
ثم قالت: (لَمَّا اِخْتَارَ اَللَّهُ لِنَبِيِّهِ دَارَ أَنْبِيَائِهِ وَمَأْوَى أَصْفِيَائِهِ ظَهَرَ فِيكُمْ حَسَكَةُ اَلنِّفَاقِ وسَمَلَ جِلْبَابُ اَلدِّينِ)[١٠]؛ لقد ظهر هذا الحقد الذي كان كامنا في القلوب. ظهرت الأحقاد البدرية والحنينية والخيبرية. وأصبح جلباب الدين عتيقاً؟
إن القوم أقصوا علياً (ع) عن حقه، وبلغ الحال به (ع) أن يقول: (فَصَبَرْتُ وَفِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَفِي اَلْحَلْقِ شَجًا)[١١]. فإذا زرت أمير المؤمنين (ع) في أرض الغري؛ ضع خدك على الضريح، وتذكر فاطمة أولا وظلامتها، وتذكر ثانيا: علياً وظلامته. كيف عاش في هذه الدنيا؟ يد ترفع في يوم الغدير حتى بان بياض إبطيهما، ولكنها هي نفسها اليد التي غلت بعد وفاة أخيه رسول الله (ص). وكأن لسان حالها كان كما قال الشاعر:
خَلوا ابنَ عَمِّي أَو لأكشِفَ لِلدُعا
رَأســـي وَأَشْكُو لِلإِلَهِ شُجُونَي
ذكر المصيبة
إن أمير المؤمنين (ع) عندما أنزلها في ملحودتها؛ تواردت كل هذه الذكريات على قلبه. لقد بكى فاتح خيبر بكاء عاليا قل ما رأينا في حياة علي أنه بكى بكاءً عاليا. إنه كان يبكي في المناجاة حتى يغمى عليه ولكن في المصائب كان متجلداً. ولكنه عندما ذهبت فاطمة قال: (قَلَّ يَا رَسُولَ اَللَّهِ عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي وَرَقَّ عَنْهَا تَجَلُّدِي)[١٢]. لقد نفذ صبر علي (ع) عندما نفض يده من تراب قبر فاطمة. كأنه صدق أنه فقد حبيبته. ثم هاج به الحزن فبكى بكاء عاليا. أنزلها في ملحودتها وأخذ يشكوا إلى رسول الله (ص). ورسول الله أولى من غيره باستقبال علي (ص) وبأخذ جنازة فاطمة. قال: (فَلَقَدِ اُسْتُرْجِعَتْ اَلْوَدِيعَةُ وَأُخِذَتِ اَلرَّهِينَةُ)[١٣]، واختلست الزهراء. هذه الزهراء قد سُرقت مني، فقد أخذتها سالمة والآن ارجعتها بأية حال. السلام على المكسورة ضلعها والمسقطة جنينها والمظلومة بعلها. هكذا حال علي وفاطمة مع رسول الله.
ثمرة هذه الخطبة
إننا نريد أن نقطف الثمرة من هذه الخطبة، وأريد أن يفهم كل واحد منا ماذا يصنع التوسل بها؟ هذه حبيبة الله وحبيبة رسوله وعلي وذريته. توسلوا بها. إن منكر التوسل لم يفهم روح الإسلام. إن هذه الذوات الطاهرة ينبغي أن تتوسل بها وتقسم على الله عز وجل بهم، وهذا القسم لا يرد.
التوسل بالمعصومين (عليهم السلام)
إن البعض يستشكل في الطلب منهم. مم تخاف؟ لو كان علي (ع) حيا أو كانت فاطمة (س) على قيد الحياة أما كنت تسألهما؟ سلها مباشرة. تارة تقسم على الله عز وجل بهم، وتارة تطلب منهم ليسألوا الله عز وجل. وبإمكانك أن تسألهم مباشرة وأنت قرير العين. قل: يا فاطمة، يا علي، يا حسن، يا حسين. إن هؤلاء أحياء عند ربهم يرزقون، فتوسل بهم مباشرة. إننا لو وجدنا من هم أقرب إلى الله منهم؛ لتوسلنا بهم. إنهم مظاهر الأسماء الحسنى، وقد تجلى رب العالمين في صفاته في هذه الذوات الطاهرة. إنهم مظهر رحمة الله، وحلم الله، والمغفرة الإلهية. فإذا رق قلبك، وجرت دمعتك توسل بهم مباشرة.
[٢] بحار الأنوار ج٩٥ ص٢١٦.
[٣] الاحتجاج ج١ ص٩٧.
[٤] بحار الأنوار ج٢٩ ص٢٢٠.
[٥] بحار الأنوار ج٢٩ ص٢٢٠.
[٦] بحار الأنوار ج٢٩ ص٢٢٠.
[٧] سورة التوبة: ١٢٨.
[٨] بحار الأنوار ج٢٩ ص٢٢٠.
[٩] بحار الأنوار ج٢٩ , ص٢٢٠.
[١٠] بحار الأنوار ج٢٩ , ص٢٢٠.
[١١] الطرائف ج٢ ص٤١٧.
[١٢] كشف الغمة ج١ ص٥٠٤.
[١٣] كشف الغمة ج١ ص٥٠٤.
خلاصة المحاضرة
- نستطيع القول أن هذه الخطب الخمس؛ الوداعية للنبي (ص)، والشقشقية لعلي (ع)، والفدكية لفاطمة (س)، والخطبة الزينبية والخطبة السجادية غيرت معالم التاريخ نظرياً واعتقادياً وموقفياً. حيث لم تبقى حجة لأحد بعد هذه الخطب. ولو أن الأمة عملت بهذه الخطب لكنا اليوم على خط واحد وعلى منهج واحد.