- ThePlus Audio
شرح دعاء اليوم التاسع من شهر رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
دعاء اليوم التاسع من شهر رمضان
لقد ورد عن النبي الأكرم (ص) في دعاء اليوم التاسع من شهر رمضان المبارك: (اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ لِي فِيهِ نَصِيباً مِنْ رَحْمَتِكَ اَلْوَاسِعَةِ وَاِهْدِنِي فِيهِ لِبَرَاهِينِكَ اَلسَّاطِعَةِ وَخُذْ بِنَاصِيَتِي إِلَى مَرْضَاتِكَ اَلْجَامِعَةِ بِمَحَبَّتِكَ يَا أَمَلَ اَلْمُشْتَاقِينَ)[١].
إن الصائم في هذا اليوم يطلب من الله سبحانه رحمة متميزة عما خص الله بها عباده من رحمته الواسعة. فهناك رحمة إلهية تتجلى للجميع وهي الرحمة العامة التي عبرت عنها النصوص الشريفة بالرحمة الرحمانية. وهناك رحمة رحيمية لا تشمل عبدا ينكر وجوده أو يتمرد على ربه. وكأن العبد يقول: إلهي إن رحمتك العامة قد وسعت العباد ولكن أين رحمتك الخاصة؟ والرحمة الخاصة هي القوت الذي يقدمه سبحانه للخواص من عباده.
وهناك عبارة معروفة في كتب الكلام والفلسفة وهي: جل جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد. فالعطاء المعنوي لا ينال إلا ثلة من العباد، ولأنه عطاء متميز؛ يحتاج إلى إصرار ومتابعة من العبد، فقد يقع المؤمن في معضلة مادية من مرض أو حاجة يرفعهما بركعتين يصليهما في جوف الليل، ولكن الحاجات المعنوية تحتاج من العبد استفراغ الجهد وبذل السعي. ولذلك كانت وقفة من وقفات النبي (ص) في غار حراء كافية لقضاء جميع حوائج النبي (ص) المادية، ولكن المقام المحمود كان يحتاج منه أربعين سنة ترددا وانتقالا بين الغار والمسجد الحرام باكيا وذاكرا وراكعا وساجدا. ولذلك على الذي يطلب المقامات العالية أن يصبر ويطول باله ويدعو دعاء حثيثا ويبذل ما في وسعه من الجهد حتى ينال شيئا مما يريد.
يقول الدعاء: (وَاِهْدِنِي فِيهِ لِبَرَاهِينِكَ اَلسَّاطِعَةِ)؛ وهناك الكثير من البراهين الفطرية، فالطفل يعلم أن هناك خالقا والذي يتورط في ظلمات البر والبحر يعود لهذه البراهين؛ فهناك برهان الاضطرار وبرهان الفطرة والبرهان الفلسفي وأن لكل علة معلول وما شابه ذلك. ولكن هناك برهان يختلف عن هذه البراهين وهو برهان الانكشاف والرؤية الحصولية. وهي درجة يصل إليها العبد يصبح فيها عالم الغيب عنده كعالم الشهود. ولذلك يقول الإمام الحسين (ع) في دعاء العرفة: (أَ يَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ اَلظُّهُورِ مَا لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ اَلْمُظْهِرَ لَكَ مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ)[٢].
إن المبتدئين والأطفال الصغار هم الذين يستدلون بالشجرة والمجرة على وجود الله تعالى، ولكن الصالحون لا يحتاجون على علة ومعلول، لأنهم يشاهدون ما لا يشاهده الآخرون. ولذلك سأل رجل أمير المؤمنين (ع) فقال: (هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: كَيْفَ أَعْبُدُ مَنْ لَمْ أَرَهُ؟)[٣]، وكان يقول (ع): (ما رأيت شيئا إلّا ورأيت الله قبله وبعده ومعه)[٤]. فإذا أشرق البرهان الساطع في القلب زالت الحجب عن النفس ولم يرتكب عندها العبد معصية واحدة. وكيف يرتكب المعصية من يعتقد بقوله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[٥]؟ إن الذي يرى الرقابة البشرية لا يرتكب المخالفات المرورية وكذلك من يعتقد برقابة الله عز وجل عليه في جميع أحواله وأموره بنفس اليقين الذي يعتقد به الرقابة البشرية
ثم يقول الدعاء: (وَخُذْ بِنَاصِيَتِي إِلَى مَرْضَاتِكَ اَلْجَامِعَةِ بِمَحَبَّتِكَ يَا أَمَلَ اَلْمُشْتَاقِينَ)؛ أي يارب..! لو وكلتني إلى نفسي وأسلمتني لشهواتي تغلبني والمجتمع يقودني إلى حيث يريد وسلطت علي النفس الأمارة بالسوء التي سودت صحيفة أعمالي عندك لهلكت. ولكن خذ أنت بناصيتي كما تقول في كتابك: (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[٦]؛ كما تأخذ بناصية النحل فتسوقها إلى الجبال والوديان وتستخرج منها طيب الطعام، فخذ بناصيتي إلى مرضاتك الجامعة، فليس لي عمل أقدمه لك غير حبي لك: (يَا أَمَلَ اَلْمُشْتَاقِينَ).
خلاصة المحاضرة
- إن العطاء المعنوي لا ينال إلا ثلة من العباد، ولأنه عطاء متميز؛ يحتاج إلى إصرار ومتابعة من العبد، فقد يقع المؤمن في معضلة مادية من مرض أو حاجة يرفعهما بركعتين يصليهما في جوف الليل، ولكن الحاجات المعنوية تحتاج من العبد استفراغ الجهد وبذل السعي