- ThePlus Audio
خطر العجب في السير إلى الله عز وجل
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم الصلاة على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
التثاقل من الخلق
إنَّ من الوصايا المهمة في السير إلى الله عز وجل، هو عدم التثاقل من الخلق وعدم ازدرائهم، فقد يواجه السائر إلى الله عز وجل هذه المشكلة ويتثاقل من الآخرين، فهو كان ممن يأنس بكل من هب ودب ويتخذ الأصدقاء ويكثر من المزاح واللغو ويجيب من يدعوه من أصدقائه إلى لذة الطعام والشراب، وبعد أن انتقل إلى عالم آخر؛ وهو عالم الحديث مع رب العالمين والأنس بالعبادة، وبعد أن تنكشف له بعض المعاني التي لم يكن يعرفها من قبل، يعيش عندها حالة عكسية وكأنه يريد الانتقام من الخلق الذين شغلوه في هذه الفترة عن الله عز وجل، ويرى أن مجالس البطالين هي التي أورثته قساوة القلب كما نلاحظ ذلك في مناجاة الإمام زين العابدين (ع)[١].
خطر العجب في السير إلى الله عز وجل
وهنا تبدأ العملية السلبية، فيتقوقع وينطوي على نفسه ولا يتحمل الخلق؛ بل ينظر إليهم بازدراء واحتقار، ومن الطبيعي أن يستفرد الشيطان به بعد أن أصبح في دائرة مغلقة بعيداً عن الناس، وقد يوقعه الشيطان في مطبين خطيرين؛ المطب الأول: هو العجب، فلا يرى من يعرفه أخطائه عندما يرتكبها، فلو كان بين الناس لوجد من يعرفه الزلل؛ فكان يرجع إلى رشده ويرى بأنًّه ليس بذلك المستوى الذي يتوقع، فقد يغتر الإنسان بنفسه عندما يعيش أجواء متميزة في الحج والعمرة وفي المشاهد المشرفة، وعندما يرجع وينخرط في المجتمع ويتعامل مع الناس، يرى بأنه هو ذلك الذي يلهو ويلغو ويمزح ويضحك ويقهقه فلا يصاب بالعجب، وأما الذي لا يعاشر الآخرين ولا يحتك بهم لا يرى هفوة في نفسه، ولهذا يشعر بعد فترة من خلال منام أو رقي روحي أو بكاء في جوف الليل أنه قد طوى المراحل كلها وهذا هو المطب الخطير الذي لو وقع فيه الإنسان لا يخرج منه أبداً.
والمطب الآخر: هو أن يزدري الآخرين ويحتقرهم ويشعر بحالة من التعالي عن الغير، ولا يرى أحداً في الوجود، وبمجرد أن يرى هفوة تصدر من مؤمن أو زلة يتعرض لها غيره، وإذا به يحتقره من أعماق قلبه، ومن أين لك أن تحكم على العباد؟ هل رأيت حسناته كما رأيت الزلة تلك؟ هل رأيت جمال باطنه كما رأيت الهفوة التي صدرت من جوارحه؟ إنَّ بعض الشاب في الحقيقة لهم باطن سليم ويحملون الصفات الجميلة من قبيل الكرم والتعالي عن الباطل والعفة، وقد يرتكب في الأثناء معصية صغيرة أو كبيرة في ساعة من الساعات، وقد يكون ممن يحبه الله عز وجل ويبغض عمله كما ورد في الروايات الشريفة: (أَنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ اَلْعَبْدَ وَيُبْغِضُ عَمَلَهُ وَيُبْغِضُ اَلْعَبْدَ وَيُحِبُّ عَمَلَهُ)[٢]، وقد يكون هذا الذي تحتقره ممن يحبه الله عز وجل ويبغض عمله – الذات ذات نظيفة – وكما نقول في المناجات: (مَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَأَنَا بِكَ شَاكٌّ وَلاَ بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ وَلاَ لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ وَلَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي وَأَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ سِتْرُكَ اَلْمُرْخَى بِهِ عَلَيَّ)[٣]، فقد يكون لسان الحال الشاب هذا فكيف تحتقره؟ وهل ضمنت خواتيم الأعمال وأنت تحكم بأنك في مرتبة أعلى من مرتبة الآخرين؟ كم من المؤمنين قد ختمت حياتهم بالفاحشة والفسق والعكس من ذلك؟ فما دمت لم تنتقل من هذه النشأة ولم تأخذ شهادة الفوز من رب العاليمن في اللحظات الأخيرة من حياتك؛ لا يحق لم أن ترى نفسك أعلى من الآخرين.
التثاقل من الخلق حالة سلبية أم إيجابية؟
وبإمكاننا أن نحول حالة التثاقل من الخلق وهي حالة سلبية إلى حالة إيجابية، فنعاشر الناس لا حباً بهم ولا تزلفاً إليهم ولا طعما في ثنائهم؛ بل لأن الله عز وجل قد أمر بذلك، فيكون ذلك في طول حب الله عز وجل وإطاعة لأوامره، وشعاره في ذلك: (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)[٤]، فلا يعاشر أحداً من الناس طمعاً في أن ينتفع منهم؛ بدل أن ينتفعوا منه.
ومن أعظم صور القرب من الله عز وجل؛ خدمة عيال الله: (اَلْخَلْقُ عِيَالُ اَللَّهِ)[٥]، إما بقضاء حوائجهم المادية وإما بهدايتهم إلى السبيل وهو أعلى مرتبة، وقد يحصل الإنسان على منحة من منح القرب من الله عز وجل، باستنقاذ مؤمن من الضلال والغواية؛ قد لا يحصل عليها بسنوات طويلة من المجاهدة.
إنَّ التثاقل من الخلق إن كان مقدمة لخدمتهم بأمر من الله عز وجل لا من أجل المنافع والمصالح فهو أمر مقدس، وإن كان التثاقل مقدمة للعجب والغرور وتحقير الآخرين فهو حالة سلبية نعوذ بالله منها.
خلاصة المحاضرة
إنَّ التثاقل من الخلق إن كان مقدمة لخدمتهم بأمر من الله عز وجل لا من أجل المنافع والمصالح فهو أمر مقدس، وإن كان التثاقل مقدمة للعجب والغرور وتحقير الآخرين فهو حالة سلبية نعوذ بالله منها.