- ThePlus Audio
هداية الناس
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
هل نحن مسئولون عن هداية الآخرين؟
الإيمان درجات، ولكلٍ حظه من الإيمان، منهم من يفوقك في إيمانه ومنهم من هو دونك، وقد ورد في الأثر عن السجاد (ع) أنه قال: (وَاَللَّهِ لَوْ عَلِمَ أَبُو ذَرٍّ مَا فِي قَلْبِ سَلْمَانَ لَقَتَلَهُ)[١]، ولا شأن لي بمن هو فوقك ولكنك أهدى ممن هو دونك سبيلا، فأنت ملتزم بالأصول وتعمل بالفروع والواجبات جهدك، وهنا تقع على عاتقك مسئولية هداية من هم دونك في الإيمان والهداية.
وفي المجتمع الكثير من مساحات العمل التي لا يصل إليها رجال الدين، فليس بإمكان العالم الدخول إلى منزلك وهداية أفراد أسرتك، فمكان العالم في المسجد والحسينيات وبعض الأماكن المحدودة، وهنا يأتي دور كل فرد منا أن يعمل بما أمر به القرآن الكريم في قوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[٢]، لنجسد بذلك قوله سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[٣].
وقد يكون هداية فرد واحد سبب في هداية أجيال كثيرة، فنحن نعيش اليوم فقهيا على مائدة الذين اهتدوا – فقد كان منهم المجوسي والصابئي والنصراني وغيرهم – وأصبحوا فيما بعد أصحاب الإمام الصادق (ع) وانتقل من خلالهم تراث أهل البيت (ع) ورواياتهم التي يستند إليها الفقهاء في إصدار فتاواهم، فأنت تعمل اليوم بحسب هذه الفتوى ويؤجر على عملك هذا الرجل الذي كان سببا في إسلام هؤلاء الصحابة الأجلاء، فكم هو وجيه عند الله هذا الرجل المجهول؟!
ولقد كان النبي (ص) حريصا على هداية الناس؛ حتى أثر عنه أنه زار يهوديا في المدينة كان ينازع الموت فلقنه الشهادتين ومات مسلما، فحمد الله على أنه استطاع أن ينقذ نسمة من النار.
كن مثالا للمسلم الصالح..!
ولا بد من تكثيف الجهود في عرض الدين والدعوة إلى الله سبحانه؛ إذا ابتلانا الله عز وجل بغير المسلمين، وخير ما يدعو غير المسلم إلى الإسلام هو سلوك المسلم، وقد ورد عن الصادق (ع) أنه قال: (كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ لِيَرَوْا مِنْكُمُ اَلْوَرَعَ وَاَلاِجْتِهَادَ وَاَلصَّلاَةَ وَاَلْخَيْرَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ)[٤]، وقد كان الأئمة (ع) خير شاهد على ذلك، ولقد كان الرجل يصاحب أمير المؤمنين (ع) في السفر وعند الافتراق يشايعه الإمام بضع خطوات احتراما وإذا بهذا الفعل يقع من نفس الرجل موقعا عظيما ليسلم على يد الإمام (ع) في نهاية المطاف.
هداية الأسرة
واحرص كل الحرص على أن لا تكون سببا في انحراف زوجتك وأولادك فأنت المسئول عنهم في العاجل والآجل، وقد تكون على المستوى الفردي مؤمنا وفي درجة تستحق فيها النفحات الإلهية، ولكن لإهمالك أمر رعيتك – وهم أهلك وعيالك – تدعو الله سبحانه فلا يستجيب لك، وليس المطلوب منك أن تدعوهم إلى القرب وإقامة النوافل والمراقبة والمحاسبة وما شابه ذلك من الأمور التي تندرج تحت الهداية الخاصة وقد لا تكون بنفسك أهلا لها، وإنما عليك الهداية العامة، فيكفيك أن تنهاهم عن الحرام وتحثهم على القيام بالواجبات.
هل أنهى عما لا أنتهي عنه أم آمر بما لا ألتزم به؟
ولا يقبل عذر من يحجم عن الدعوة إلى الله عز وجل وترك الحرام والقيام بالواجبات بدعوى أنه مبتلى بالمعاصي وما شابه ذلك، ولا يمكن أن ينهى عما لا ينتهي عنه، ولا يمكن قبول هذا الكلام، فمن قال أن الذي لا يقيم الليل لا يحق له أن يدعو الناس إلى قيام الليل؟ والحال أننا لم نرى في شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المذكورة في الرسائل العملية شرطا تحت هذا العنوان، بل ذكروا احتمال التأثير وعدم الخوف من الضرر.
أجر هداية الناس
ولا يمكن قياس إحياء الأبدان بإحياء الأنفس، فكم سيكون الذي ينقذ بعض الأشخاص من الغرق وجيها في المجتمع ويغتبط بمكانه، والحال أنه ينقذ أجسادا يسرع إلى البلى قفولها[٥]، فكيف بالأنفس الخالدة الأبدية؟ ويكفي أن يأتي الإنسان يوم القيامة بنفس واحدة قد هداها إلى الصراط المستقيم ليكون من الفائزين والمنعمين، وقد قال النبي (ص) لأمير المؤمنين (ع) عندما وجهه إلى اليمن: (وَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَنَّ اَللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ اَلشَّمْسُ)[٦]، ولابد لمن يرغب في هداية الآخرين أن يزداد رشدا في العلم والعمل.
المساهمة في نشر الكتب المفيدة
وكما تتم الهداية بالقول والعمل تتم من خلال القلم والكتابة، فلو ساهم المؤمن في نشر كتاب لعالم من العلماء لَما كان سبحانه ليهمل عمله هذا، فإن المعروف لو جرى على سبعين يد لأجروا جميعا على معروفهم.
خلاصة المحاضرة
- النفحات الإلهية على قسمين: إما أن تكون بفعل العبد، فتراه يهجر فراشه ويقيم الليل وهو في مكان مظلم ويتكلف الخشوع والبكاء وإذا به في موقف من مواقف تلك الصلاة ينقلب التخشع إلى الخشوع والتباكي إلى بكاء، وقد تأتي الإنسان في ساعة غفلة ومن دون إعداد مسبق لها، وإذا به يحس بمنحة إلهية غير عادية، وهذه النفحات الإلهية إنما هي تفضل منه سبحانه.