- ThePlus Audio
شذرات من دعاء مكارم الأخلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستعانة بفقرات من دعاء مكارم الأخلاق وسائر أدعية الصحيفة السجادية في قنوت الصلوات
نحاول في هذا الحديث أن نتناول مقاطع من دعاء مكارم الأخلاق، ولا أقول أنني سأشرح هذا الدعاء وإنما سأعلق على بعض عباراته الشريفة، لأن الشرح يحتاج إلى إحاطة من الشارح وهذا ما لا يسعنا في هذا المقام. ومن الطبيعي أن من يستوعب هذه المعاني ويعيش عمقها يختلف دعائه في جوف الليل في قنوت الصلاة. ولا بأس في الاستعانة بمقاطع من أدعية الإمام السجاد (ع) المباركة في قنوت الصلوات الواجبة منها والمستحبة، فهي ساعات استجابة وأوقات تفتح فيها أبواب السماء. فبدلا من استعمال المضامين المكررة الذي اعتاد عليها في قنوته والتي يدعو بها غالبا من غير توجه وإقبال أن يستعمل مقاطع من هذه الأدعية الشريفة أو فقرات من دعاء أبي حمزة وما شابه ذلك، وخصوصا إذا كانت المضامين مما تناسب حاله ومزاجه ليزداد تفاعلا بها وإقبالا عليها.
الفرق بين الدعاء وقراءة الدعاء..!
وقبل أن أشرع في التعليق على مقاطع هذا الدعاء الشريف؛ أشير إلى نقطة مهمة ينبغي الالتفات إليها عند الدعاء. وهو أن يعلم الداعي أنه فرق بين الدعاء وقراءة الدعاء. ففي الأخير لا يقوم الإنسان إلا بقراءة ألفاظ لا بطلب حقيقي. ولو أن أحدا في منامه أو في حالة الإغماء – التي يهجر فيها الإنسان – طلب الماء ألف مرة لما استجاب له أحد حتى والدته، ولكنه في حالة الوعي لو أشار بذلك إشارة لوالدته لبادرت إلى سقيه. وحالنا في الدعاء غالبا ما يكون كذلك، حيث نقرأ ألفاظ الدعاء دون الشعور الحقيقي بالحاجة وعدم الجدية في الطلب، ولذلك لا يستجاب لنا.
مرتع الشيطان
يقول الإمام (ع) في هذا الدعاء: (فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إِلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ)[١]، والحديث للمعصوم وهو عندما يتحدث يلتفت إلى جميع جوانب الكلام فهم وأقوالهم القمة في كل شيء، وهنا لم يقل الإمام (ع): إن كان الشيطان يغويني ويوسوس لي فاقبضني إليك، وإنما قال: إن كان عمري مرتعا. والمرتع هو الموضع الذي ترتع فيه الماشية وفيه الكلأ والعشب، وهو مكان مفتوح تدخله الماشية متى ما شاءت لا رادع لها لأنه ليس ملكا لأحد من الناس، بخلاف حقول الآخرين التي يمنع دخول الماشية فيها وقد يقوم صاحب الحقل بقتل المواشي التي تدخل من دون إذن إلى حقله أحيانا. وهنا يشير الإمام (ع) إلى أن حياته لو أصبحت ساحة مفتوحة للشياطين تدخلها متى شاءت بارتياح ومن دون رادع فلا قيمة عندئذ لحياته وموته سيكون في هذه الحالة خير من الحياة.
منافذ الشيطان إلى وجود الإنسان
إن كل فرد منا منذ يوم بلوغه وهو يصارع الشيطان فيغلب تارة ويخسر أخرى. والشيطان ينفذ إلى نفس الإنسان من بوابات ثلاث، بوابة الماضي وبوابة الحاضر وبوابة المستقبل. يحاول الشيطان أولا أن يشغل الإنسان بالماضي عن الحاضر والمستقبل. فيجعل الإنسان يشعر بالحزن والإحباط لما ارتكبه في الماضي من صغائر الذنوب وكبائرها. وبدل التفكير الصحيح في كيفية إصلاح ما فسد، يلقي عليه اليأس وكأنه قد كتب عليه الشقاء. وكلما هم الإنسان بالتغيير قال له: أنت لست أهلا لذلك. ولذلك قال سبحانه: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا)[٢]، ولا يقتصر الشيطان بالنجوى في حال اليقظة وإنما يأتي الإنسان بالمنام ليريه المنامات المزعجة والمخيفة التي كلها من الشيطان. ولذلك ورد في الأدعية قبل النوم؛ الاستعاذة من الشيطان وهو أن يقول: (اللهم إني أعوذ بك..أن يتلاعب بي الشيطان في اليقظة أو المنام)[٣].
لا يأس مع الاستغفار
ولا بد أن نعلم أن الماضي مهما اشتد سواده وكثرت فيه أخطاء الإنسان حتى وإن استوعبت المعاصي زهرة الشباب كله وعنفوانه فليس ذلك مما يوجب اليأس للإنسان ويمنعه من التعويض، فقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (اَلتَّائِبُ مِنَ اَلذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ)[٤]، فبإمكان دمعة واحدة تخرج من آماق العين أن تطفئ غضب الله عز وجل، وقد قال سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[٥]، وفي هذه الآية بشارة للمؤمنين، ف (إن) أداة تأكيد، ونحن عندما نقول: إن زيدا في الدار، نؤكد على وجود زيد في الدار، والألف واللام إذا دخلتا على الجمع تفيدا العموم؛ أي الذنوب كلها ومع ذلك أكد سبحانه على ذلك بقوله: جميعا؛ إلا الشرك فهو الذنب الذي لا يغفر.
عزمة من عزمات الملوك
والمؤمن بعزمة من عزمات الملوك يقلع عن المعاصي بجميع أصنافها، فإن الملوك إذا أرادوا شيئا لم يحل بينهم وبين ما يشتهون شيء وإذا أرادوا تغيير شيء غيروه بسهولة، ولذلك يقال: فلان له عزمة من عزمات الملوك. وكما أن في ليلة من الليالي الحمراء الذي يجتمع فيها أنواع الفجور من شرب الخمر والرقص والغناء والزنا يفقد البعض دينهم وتنقلب الموازين لديهم؛ فكذلك في ليلة من الليالي يمكن أن يتحول الفاجر الفاسق من خلال التوبة إلى مؤمن صالح.
تزيين الشياطين للمعاصي
وأما بالنسبة إلى الحاضر فقد فضح الله سبحانه الأساليب الشيطانية وهذه من نعم الله على العبد. فقال تعالى عن لسان إبليس: (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)[٦]، فقد نطق بهذه العبارة ولم يكن يتوقع أن يفضحه الله عز وجل سره هذا. إن الحرام فيه إغراء ولكن ليس كما يتصوره الإنسان وإنما يأتي الشيطان ليزين هذا الحرام له، وينفخ في بالون المعصية، فيصور له لذة عادية على أنها لذة العمر التي لا تضاهيها لذ؛ فيظهر له فيلما سينمائيا محرما وهو في الحقيقة ذبذبات مسجلة على شريط بلاستيكي يعرض في التلفزيون، وهو وهم في وهم وصورة بعد صورة وإذا بالإنسان يعشق صورة من هذه الصور التي قد تكون لامرأة صُورت قبل عشرات السنين أو لعلها أصبحت في عداد الموتى.
وقد تكون جائعا وتمر على مطعم تعرض فيه الأطعمة الشهية فيصور لك الطعام على أنه متعة الحياة والحال أن الطعام إذا تجاوز الفم فلا فرق بينه وبين خبز يابس يملأ الإنسان به بطنه. وكذلك فعله في النساء، ويعترف أهل الهوى بعد أن يقضون مآربهم، أنهم وصاحباتهن يشمئزون من أنفسهم وتعتريهم حالة من القرف والتقزز.
ونلاحظ أهل المعاصي الذين يتوجهون إلى بلاد العصيان والحرام تستعر الشهوات فيهم استعارا وتتهلل وجوههم ذهابا لتنقلب عند الرجوع من تلك البلاد كآبة وحزنا؛ فقد أصبحت الجيوب فارغة من الأموال بعد صرفها في المعاصي والظهور بحمل المعاصي ثقيلة. ثم يرجع في اليوم التالي إلى دوامه ولا يرى شيئا من الذي كان فيه ولم تبقى له لذة وإنما بقيت له التبعات الكثيرة. وقد شبه القرآن الكريم أعمالهم هذه بقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)[٧]. وقد نلاحظ أن الفاسق الذي يشرب عذب الماء في شهر رمضان أمام المؤمن الصائم ويزعجه بذلك، يتألم بعد الإفطار حين يتساوى فيه المفطر والصائم، لما ضيع من فرص الصوم الذي ذهب عنائه وبقي أجره.
ونحن لا ننكر أن الدنيا مليئة بالإغراءات، وقد قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)[٨]؛ إلا أن المؤمن يتعامل معها بحذر شديد ويأخذ منها ما يحتاج منها لاستمرار الحياة ولا يغتر بتزيين إبليس، وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (شَتَّانَ بَيْنُ عَمَلَيْنِ عَمَلٍ تَفْنَى لَذَّتُهُ وَتَبْقَى تَبِعَتُهُ وَعَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُهُ ويَبْقَى أَجْرُهُ)[٩].
الأماني الشيطانية
وأما البوابة الثالثة التي ينفذ منها الشيطان، هي بوابة المستقبل، وقد فضحه القرآن الكريم أيضا وبين أساليبه التي يعتمدها عليها في ذلك، فقال سبحانه: (وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)[١٠]، فإذا تردد على سبيل المثال المؤمن في الذهاب إلى بلاد الغرب التي قد ينثلم فيها دينه، صور له الحياة هناك على أنها السعادة والهناء وأن الجنة قد تمثلت فيها حتى يغريه بالذهاب فيقع منه ما يقع.
خطوات الشياطين
والمسألة الأخرى هي أن الشيطان لا يأتي الإنسان المؤمن الذي يرتاد المساجد فيغريه بالخمر أو الزنا فهو أعقل من أن يفعل ذلك..! وإنما يغريه بالمعاصي الصغيرة ويجره خطوة خطوة إلى كبار المعاصي بعد أن يتمكن منه. ولذك قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ)[١١]. والسرقات الكبرى تبدأ من السرقات الصغيرة، كما أن العلاقات المحرمة تبدأ بابتسامة ونظرة، ولذلك ورد في الروايات الشريفة، أنه لا ينبغي استصغار المعصية فلعلها القاصمة ولا استصغار الطاعة فلعلها المنجية ولا الاستخفاف بالعباد فلعل أحدهم ولي من أولياء الله تعالى.
إن الشيطان يستدرج الإنسان ويخوض معه صراعا عنيفا حتى يتمكن من زمامه بعد مغالبة تكون الغلبة فيه تارة له وتارة عليه، فيصبح كالدابة التي تقاد من لجامها، كما يقاد الفرس ثقيل الوزن بإشارة واحدة من الفارس ويلف يمينا وشمالا ويوقفه متى ما أراد بإشارة منه. يقول سبحانه: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)[١٢]، والولي هو الذي يأمر وينهى. وقد وصف سبحانه الذين يتعاملون بالربا بقوله: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)[١٣]، وكأنه إنسان مجنون، ولذلك يقال لمن أصابه الجن، ممسوس. والقرآن الكريم يبين لنا أ، الممسوس الحقيقي هم هؤلاء الذين يرتادون البنوك الربوية الذين يقولون: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)[١٤]. ولذلك عندما نناقش بعض الشباب العصاة ونقدم لهم الأدلة المقنعة وإن كانت بعض المعاصي مرفوضة شرعا وعرفا إلا أنهم يقولون: ليس الأمر بيدنا، ويعترفون أنهم قد سلبوا الإرادة. ولكن هذه الإرادة سلبت منهم بإرادتهم وبتوغلهم في المعاصي حتى أمكنوا الشيطان من قيادهم.
إدمان المعاصي
وكمثال واضح على ما ذكرنا هو الإدمان الذي يعيشه متعاطي المخدرات، فإن تركيبته تتغير حتى تختلط تلك المادة بدمه ومخه وعظامه فلا يمكنه الإقلاع عنها وتركها. والبعض يعتاد للأسف الشديد بعض المحرمات ويألفها فلا تصبح الروح هي العاصية فحسب بل إن الجسم يألف هذه المعصية ويضطرب إن تركها ولم يمارسها، ونرى ذلك بوضوح في الذين يمارسون المعاصي مع أنفسهم ومع الآخرين؛ حيث تعتريهم حالة من التوتر العصبي الذي لا يسكن إلا بممارسة تلك المعصية. وفي هذه الحالة يبين لنا الإمام السجاد (ع) أن الموت خير من الحياة، لأن المعاصي تتراكم على الإنسان مع مرور الليالي والأيام. وقد يفجع الأب بولد من أولاده قد يكون من المتخرجين أو من أساتذة الجامعات فيحزن عليه أشد الحزن وهو إن كشف له الغطاء لسجد لله شكرا أن أراحه وأراحه هذا الولد من هذه الحياة. ولذلك فإن موت الفجأة نعمة للشباب؛ فكلما زاد العمر زادت المعاصي.
ولا ينبغي للمؤمن أن يستوحش من هذا الدعاء، فكلما خرج من هذه الدنيا مبكرا قلت خسائره ولم يتعمق في مستنقع المعاصي؛ خصوصا إذا صاحب موته شيء من الأذى. فهناك من يموت ميتة مريحة وهناك من يتعرض لحادث سير ويظل يعاني منه الشهر والشهرين لحين وفاته، وإن كانت هذه الفترة في صالحه حيث تكون كفارة لذنوبه.
الدنيا مزرعة الآخرة
ولا ينبغي أن ننكر أن الدنيا مزرعة الآخرة. وطول الحياة من نعم الله عز وجل ليعيش الإنسان أطول فترة ممكنة يقضيها في عبادة الله عز وجل، وهناك من علمائنا الأجلاء من قضى قرنا في طاعة الله سبحانه. وقد سمعنا برجل من غير أهل العلم صرح في محضر العلماء عند الاحتضار: اللهم إنك تعلم أني منذ علمت يميني من شمالي ما عصيتك عالما ولا عامدا..! وقد مر حمال في السوق ورأى طفلا يهوي من السطح فأشار إليه فوقف بين السماء والأرض حتى نزل سالما لم يصب بمكروه، فتعجب الناس من فعله واستغربوا ذلك فقال: أطعته عمرا وأطاعني مرة فلا عجب ولا غرابة في البين.
استثمار ما بقي من العمر
وينبغي للإنسان أن يتدارك ما بقي من عمره وليتصور أنه قد ولد للتو، فيبدأ حياة عامرة بالطاعة لعشرين أو ثلاثين أو أربعين سنة من السنوات المتبقية من حياته، حتى وإن كان في الماضي قد ارتكب المعاصي وفعل ما فعل. يقول علمائنا الأبرار: إن شهر رمضان هو أو السنة الروحية كما أن شهر محرم هو أول السنة المعاملاتية. فلا مانع من أن يجعل الإنسان بداية شهر رمضان شهر ولادته.
وقد ورد في بعض الروايات الشريفة أن ساعات العمر هي بمثابة صناديق تفتح يوم القيامة، فإن كان فيها معصية وأعطي لأهل الجنة لشغلهم برائحته النتنة عن تلذذهم بنعيم الجنان، وإن كان في الصندوق طاعة وأعطي لأهل النار شغلهم عن العذاب لطيبه، وإن كان الصندوق فارغا من المعاصي والطاعات تعتري الإنسان حسرة شديدة لتضييعه هذه الساعات، ولعدم استغلالها في طاعة الله.
التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) في قدرته الإصلاحية
إن النبي الأكرم (ص) قام بتغيير أمة بأكملها في ثلاث وعشرين سنة، منذ البعثة الشريفة وحتى وفاته. حول أمة كانت تعبد الأصنام إلى عبادة الواحد القهار، وقد روي عنه أنه قال: (كُنَّا مَرَّةً رُعَاةَ اَلْإِبِلِ فَصِرْنَا اَلْيَوْمَ رُعَاةَ اَلشَّمْسِ)[١٥]، نرى موضع الشمس في كبد السماء لنقيم صلواتنا بعد أن كنا رعاة إبل ليس إلا. وقد انتشلهم النبي (ص) من الحضيض فأصبحوا كما قال سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[١٦]. إن النبي (ص) قد غير أمة في ثلاث وعشرين سنة وأنت لا تستطيع أن تغير نفسك في هذه الفترة؟! هذا ومعظم نشاط النبي (ص) كان في المدينة المنورة؛ فأيام مكة كانت كلها تعذيب وعناء واضطهاد ومع ذلك خرج هذا الجيل العظيم من المسلمين الأوائل.
الخواطر الشريرة
ولا ضير في الوساوس الشيطانية ما لم تترجم إلى ممارسة وفعل؛ فالإنسان لا يؤاخذ على الخواطر والأوهام. وإذا لاحظنا مسألة النية في الرسالة العملية، نرى تأكيدا على الإخلاص في العبادة إلا أن الخطرات القلبية لا تبطل الصلاة. فقد تصلي لله عز وجل فيأتيك الشيطان ويقول لك: أقم الصلاة لأجل أن يراك الناس، فهذا لا يعد رياء لأن النية هي خالصة لله تعالى. وقد تأتي الإنسان خواطر شيطانية في صلاته تحثه على الحرام ولكنه سرعان ما يرتدع، ولا بأس في هذه الخواطر؛ فالله سبحانه أجل من أن يحاسب العبد على الخواطر الشريرة، ولكنه يثيب الإنسان على خواطر الخير، فهو يثيبه على تفكيره في الليل في كيفية إيصاله مبلغا من المال إلى أخيه المؤمن على سبيل المثال.
لا تشعر باليأس مهما كثرت الوساوس
ولا ينبغي للمؤمن أن يشعر باليأس والإحباط من ورود هذه الخواطر والوساوس عليه مهما زادت وكثرت حتى وإن أتته في أثناء الصلاة أو أثناء قراءة دعاء كميل أو في ليالي القدر، فهو لم يتعمد إثارتها. وهو في ذلك كمن يصلي في السوق وتمر أمامه عشرات النساء السافرات، فلا تبطل صلاته بمجرد مرور هذه الصور من أمامه ولا يلام على ذلك إذا لم يتعمد النظر إليهن. والجميع معرض لهذه الوساوس إلا أهل البيت (ع). ويحاول الشيطان من خلال ذلك أن يلقي إليك أنك من جنوده ومن أوليائه والحال أنك من جند الله وحزبه المفلحين إن تستسلم لهذه الخواطر.
[٢] سورة المجادلة: ١٠.
[٣] من لا یحضره الفقیه ج١ ص٤٧١.
[٤] وسائل الشیعة ج١٦ ص٧٥.
[٥] سورة الزمر: ٥٣.
[٦] سورة الحجر: ٣٩.
[٧] سورة النور: ٣٩.
[٨] سورة آل عمران: ١٤.
[٩] نهج البلاغة ج١ ص٤٩٠.
[١٠] سورة الإسراء: ٦٤.
[١١] سورة النور: ٢١.
[١٢] سورة البقرة: ٢٥٧.
[١٣] سورة البقرة: ٢٧٥.
[١٤] سورة البقرة: ٢٧٥.
[١٥] الأمالي (للمفيد) ج١ ص١٣٦.
[١٦] سورة آل عمران: ١١٠.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن كل فرد منا منذ يوم بلوغه وهو يصارع الشيطان فيغلب تارة ويخسر أخرى. والشيطان ينفذ إلى الإنسان من بوابات ثلاث، بوابة الماضي والحاضر والمستقبل. فيحاول أن يشغل الإنسان بالماضي عن الحاضر والمستقبل. فيجعل الإنسان يشعر بالحزن والإحباط لما ارتكبه في الماضي من الصغائر والكبائر.