- ThePlus Audio
دروس من الثورة الحسينية
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب إحياء الشعائر الإلهية
إن لمسألة إحياء الشعائر من خلال الفرح لفرح أهل البيت (ع) والحزن لأحزانهم وما حل بهم إنعكاسات على حياة المؤمن. ولكن قد يسأل سائل عن سبب الفرح في أفراح أهل البيت (ع) وإظهار الحزن والشعور بالأسى في مناسبات استشهادهم؟ والسبب بلا شك هو وجود سنخية بين المحب والمحبوب.
الحب المادي والحب المعنوي
والحب على قسمين: حب مادي وحب معنوي. والحب المادي هو حب الأمور المادية سواء كان ذلك جسدا أو منظرا جميلا أو متاعا من متاع هذه الدنيا. ومن الطبيعي أن يحب الإنسان ما يراه من الجمال في الطبيعة أو في البشر من صور حسنة وجمال فاتن. إلا أن هذا الحب مشوب بعدة آفات. الآفة الأولى: أن الجمال المادي محكوم بالفناء وآيل إلى زوال واضمحلال. والجمال البشري خصوصا سرعان ما تتغير ملامحه ويفقد جماله ورونقه مع تقدم العمر وكبر السن حتى يستحيل الجمال قبحا، وهو مع ذلك يثير الإنسان نحو الشهوات حلالا كانت أو حراما.
أما الحب المعنوي وحب الذوات التي تحمل المعاني السامية؛ يختلف عن حب الشجر والمدر والوجوه الجميلة، فهو حب لا يزول ولا ينقص مع مرور الزمن. فالذي يحب التضحية والكرم والتقرب إلى الله والإيثار والعبودية الخالصة لله تعالى وهي أمور معنوية يزداد الإنسان بها حبا مع مرور الزمن، وقد قرأنا عن أصحاب النبي (ص) كيف كانوا يزدادون حبا برسول الله (ص) والخصال التي تجمعن فيه، وكذلك أصحاب الحسين (ع) الذين كلما اقتربوا من الشهادة ازدادوا فرحا حتى كان أحدهم يمزح مع إخوته فيقال له: هل هذا أوان المزاح واللعب؟ فكان يجيب: أليست ساعة القرب واللقاء بالله تعالى قد اقتربت فلماذا لا أمزح وأفرح؟!
والأمر الآخر في الحب المعنوي أنه حب يدعو الإنسان إلى العمل الجاد والسعي الحثيث للاقتراب من هدف الخلقة؛ فكما يدفع الحب المادي الإنسان نحو الشهوات، فكذلك الحب المعنوي يدفع الإنسان للاتصاف بالمعاني العظيمة والخصال الحميدة.
تجسيد المعاني العظيمة في الحركة الحسينية
وينبغي للمؤمن أن يبحث عند قراءته للسيرة الحسينية عن المعاني الجميلة في هذه الحركة العظيمة. إن الإمام (ع) عندما رأى أن الانحراف في أمة النبي (ص) قد بلغ مبلغا عظيما حيث لا يمكن تصحيح المسار من خلال الكلمة والموعظة أو المعارضة الهادئة، ورأى أن الخطر العظيم يحتاج منه أن يبذل دمه وتسبى من أجله حرمه بادر إلى ذلك مسرعا.
الانحراف الخطير في أمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ويقف المرء حائرا في كيفية قبلت أمة النبي (ص) التي كانت بحسب تعبير القرآن الكريم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[١] ولاية يزيد على المسلمين باسم أمير المؤمنين وقد رضخ للأسف الكثير من صحابة النبي (ص) لهذه الحكومة والولاية ولم يغيروا شيئا. ولو لا هذه الحركة الحسينية لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.
تصحيح مسار الأمة بالدماء الطاهرة والتضحيات الحسينية العظيمة
والعطاء الذي منحه الله عز وجل للحسين (ع)، يتناسب والتضحية العظيمة التي قدمها في سبيل الله عز وجل. فلم يبقى شيء إلا وقدمه الحسين (ع) ونلاحظ ذلك في الشهداء الذين قضوا نحبهم بين يديه؛ ففيهم الرضيع والصغير والشاب والكهل. ولم تسلم النساء من تداعيات هذا الحكم الأموي الباطل؛ فقد رأينا بنات الرسالة يسوقهن الأعداء من بلد إلى بلد وفيهم زينب (س) التي كان أمير المؤمنين (ع) يطفئ السراج عندما كان يصطحبها معه عند زيارتهم لقبر النبي (ص) لكيلا يرى أحد خيالها ولكن وصل بها الحال كما وصفت هي ذلك (س): (يَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ اَلْقَرِيبُ وَاَلْبَعِيدُ)[٢]. وقد أراد الحسين (ع) بهذه التضحيات أن يفهم الأمة ما آلت إليه الأمور من جراء إنكار الغدير حتى وصل الأمر إلى يزيد.
خلود الحسين (عليه السلام)
ولقد جسد الحسين (ع) بتضحياته المعاني العظيمة كالإيثار والتضحية، وأصبح ذكره خالدا كما خلد إبراهيم (ع) من خلال ما أجرى من مناسك أصبحت إلى يومنا هذا من أحكام الحج ومناسكه، كالطواف والرمي والوقوف في عرفة وكذلك محاولته ذبح إسماعيل (ع)، وكما خلدت هاجر من خلال سعيها بين الصفا والمروة. فلقد شكر الله عز وجل للحسين (ع) تضحياته بالشباب والكهول فخلده وأصحابه كما خلد إبراهيم (ع) من قبل.
بركات يوم عاشوراء أكثر من بركات الحج
وقد أصبحت بركات عاشوراء على المؤمنين أكثر من بركات الحج التي تشمل الحاج وهو عدد محدود في كل موسم. فعند إقبال محرم وحلول اليوم العاشر نرى قلوب المؤمنين في شرق الأرض وغربها تهتز بذكر الحسين (ع) حتى النفوس التي لا تلتزم بصلاة ولا صيام والبعيدة عن الله عز وجل، فقد يجذبها التفضل الإلهي إلى إقامة ذكر الحسين (ع). فدمه الذي أريق على أرض كربلاء لا زال يهز المؤمنين ويثير كوامن الحزن والأسى في قلوبهم فيجرهم إلى مجالسه جرا.
إن الحسين (ع) علمنا معنى الخلود. والخلود هو ما نبحث عنه جميعنا. فاذهب إلى كربلاء لترى كيف سجل الله عز وجل الخلود لفتية وجماعة كانت في زاوية من زوايا الأرض محاصرين في خيامهم في سنة من سني الدنيا فأريق دمهم ظلما وقد أصبحت تلك الأرض قبلة العشاق على طول التاريخ حتى كان يصل إليها في بعض السنين الموالون من خلال تقديم اليد بين يدي الظالمين ثمنا لزيارة الحسين (ع).
تعلم فقه محرم
ولا بد من تعلم فقه محرم قبل حلوله. فقد روي عن الرضا (ع) أنه قال: (كَانَ أَبِي صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ اَلْمُحَرَّمِ لاَ يُرَى ضَاحِكاً وَكَانَتْ كَآبَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اَلْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ اَلْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَحُزْنِهِ وَبُكَائِهِ وَيَقُولُ هَذَا اَلْيَوْمُ اَلَّذِي قُتِلَ فِيهِ اَلْحُسَيْنُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ)[٣]. وصاحب العصر (ع) يحب إحياء هذه المجالس ويدعو لمن يحييها ويدعو للإمام الحجة (ع) بالفرج والتأييد.
الأخذ بثأر الحسين (عليه السلام) من قبل الحجة (عجل الله فرجه)
وقد يظن البعض أن هذه الواقعة وقعت قبل ألف سنة والأمر قد انقضى، ولكن هل أخذ أحد بثأر هذه الدماء التي أريقت؟ إن الإمام الحجة (ع) في مستهل ظهوره الشريف يستند إلى الكعبة المشرفة ويرفع رايته ويقول: (ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) قتلوه عطشانا، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) طرحوه عريانا، ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) سحقوه عدوانا)[٤]. فالإمام الحجة (ع) يحمل هم الأخذ بثأر الحسين (ع) قبل أن يحمل هم نشر العدل في الأرض.
شعار الحسين (عليه السلام) يوم العاشر من محرم
وينبغي للمؤمن أن تكون نيته للحضور في مجالس الحسين (ع) تغيير النفس بالإضافة إلى البكاء والحزن. وكلام الخطيب الحسيني له قوة تأثير لأنه يصدر من على منبر الحسين (ع)؛ المنبر الذي نصب لتخليد الدم الذي أريق في سبيل الله عز وجل. وخير دليل على ولاء المؤمن أن يغير من المنكر الذي يقيم عليه ويقتلع الملكات الخبيثة من جذورها ويتقرب إلى الله عز وجل بذلك، والإمام الحسين (ع) كان شعاره القرآن والصلاة في ليلة العاشر وكان له ولأصحابه دوي كدوي النحل من تلاوة القرآن الكريم.
الحسين (عليه السلام) رمز التوحيد
وكان الحسين (ع) في النهار ينظر إلى السماء مترقبا وقت الصلاة، وعندما قال له أحد أصحابه: أن وثت الصلاة قد حان، قال له الإمام (ع): (ذَكَرْتَ اَلصَّلاَةَ، جَعَلَكَ اَللَّهُ مِنَ اَلْمُصَلِّينَ اَلذَّاكِرِينَ)[٥]. واختلطت أصوات الأذكار بقعقة السيوف وأصوات السهام وقد صلى الحسين (ع) صلاة خلدها التاريخ، لم يصليها قبله نبي أو صديق أو وصي على تلك الأرض الطاهرة. وهل يبقى عذر للمؤمن المتكاسل عن صلاته وهو يسمع أن إمامه صلى صلاة الخوف وجعل أمامه من يقيه السهام حتى لا تتأخر الصلاة عن وقتها.
وفي ليلة الحادي عشر، وما أدراك ما تلك الليلة؟ كانت تتلفت زينب (س) يمينا وشمالا وترى تلك الوجوه المطروحة على أرض كربلاء ومع ذلك تصف قدميها بين يدي الله عز وجل لتصلي صلاة الليل وتدعو في تلك الصلاة لأخيها الشهيد. وفي ذلك جواب كاف لكل من يتهمنا بأننا نجعل ذكر الأئمة (ع) في مقابل ذكر الله عز وجل، وخسأ الذين يتهموننا أننا مشركون في إقامة ذكر الحسين (ع). ولقد كان العاشر من محرم حتى الليلة الحادية عشر توحيد خالص لله عز وجل بين قراءة قرآن وإقامة صلاة وتهليل وتحميد. ولقد كان الحسين (ع) رمزا للتوحيد ومحطم الأصنام التي عكف عليها الجاهليون الجدد.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- قد أصبحت بركات عاشوراء على المؤمنين أكثر من بركات الحج التي تشمل الحاج وهو عدد محدود في كل موسم. فعند إقبال محرم وحلول اليوم العاشر نرى قلوب المؤمنين في شرق الأرض وغربها تهتز بذكر الحسين (ع) حتى النفوس التي لا تلتزم بصلاة ولا صيام والبعيدة عن الله عز وجل.