- ThePlus Audio
العقل الباطن
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو اللاوعي أو العقل الباطن؟
من المسائل المهمة التي تتعلق بأعماق الوجود الإنساني هي مسألة اللاوعي أو العقل الباطن. فكما أن لجسد الإنسان بشرة ظاهرة وأعضاء باطنة لا ترى إلا من خلال الجراحة على سبيل المثال، فكذلك للنفس الإنسانية ظواهر وبواطن. والإنسان لا يرى إلا شيئا يسيرا من هذه الظاهر وإنما العلماء والمتخصصون في التربية النفسية هم الذين بإمكانهم رؤية المخزون الباطني اللاشعوري للإنسان، وهو بمثابة محرك للإنسان في ساحة الحياة. وهذا المحرك لم يتكون في ساعة واحدة وإنما تكون بمرور الأيام وتعاقب السنين حتى شكل العقل الباطني أو اللاوعي عند الإنسان أو ضمير أو شئت من التسميات. وقد يعبر عوام الناس عن هذا المحرك بالمزاج فيقولون: فلان حاد المزاج أو شهواني المزاج أو سائر ذلك، وقد لا يستطيع الإنسان أن يغير من اللاوعي إلا بعد جهد كبير.
الجزء المخفي والمؤثر في وجود الإنسان
إن الجزء المؤثر في الطبيعة هو الجزء غير المرئي منها، كأمواج الاتصالات والقوانين الفيزيائية وسائر القوى المتحكمة بالوجود. والأمر كذلك في النفس البشرية؛ حيث تجد فيها مخزونا من المعلومات والذكريات لا ترى ولا تلمس ولا تشم إلا أنها تظهر وبصورة غريبة في وقت لا يتوقعه الإنسان. فقد تظهر أثناء الصلاة بعض الذكريات التي عاشها قبل عشرين سنة من خصومة مع أحدهم أو قصة غرام مع إحداهن أو ما شابه ذلك فإذا بهذه الذكرى تتمثل أمام الإنسان كصورة لا يرى سواها، والغريب أن هذه الذكريات تظهر وتختفي من دون سابق إنذار ومن دون علم بكيفية ظهورها واختفائها وكأنه حظ ونصيب. وقد تكون هذه الخواطر رحمانية فيهش لها الإنسان ويستبشر بها وقد تكون شيطانية تأتيه في ساعة من ساعات القلق والاضطراب أو في أثناء الصلاة فتغير من تركيبته النفسية.
العقل الباطن وتحريك المشاعر والجوارح
والعقل الباطني هو الذي يحرك مشاعر الإنسان من حيث لا يدري. فقد تشارك في جنازة مؤمن لم تر منه إلا خيرا ثم تصلي عليه وتقول بحق: اللهم لا نعلم منه إلا خيرا إلا أنك تعيش في نفسك حالة من النفور والبغض تجاهه. وقد يكون الرجل سافلا لا يستحق منك الالتفات والتوجه تشعر بميل لا شعوري تجاهه. فكيف نفسر إندفاع البعض نحو الحرام رغم علمه بأن ذلك مخالف للقوانين والأعراف. ويقال: أن العقل الباطني مؤثر حتى في الحركات اللاإرادية لبدن الإنسان من قبيل رمش العيون وحركات الأيدي والأرجل اللاشعورية، وما شابه ذلك. وهناك تشبيه جميل لكيفية تشكيل العقل الباطن على طول حياة الإنسان وهو أن الأحداث التي يمر بها من أول يوم في حياته في بمثابة رياح قد تكون وديعة إلا أنها بعد مرور آلاف السنين تشكل كثبان رملية وتشكل السهول والوديان.
روافد العقل الباطن والسيطرة عليها
وسنحاول من خلال هذا الحديث السيطرة على العقل الباطن واللاشعور. يقال في علم الكلام عند البحث عن الاختيار وسلب الاختيار – وهي مسألة كلامية لا عقائدية – أن الذي يرمي بنفسه من شاهق منتحرا ثم يهوي بفعل الجاذبية إلى أن يرتطم بصخرة وتنفلق هامته ثم يموت؛ هل قتلته الجاذبية في هذه الحالة أم أن الأمر ليس كذلك؟ وقد أجاب العلماء عن هذا التسائل فقال البعض منهم في إجابة مختصرة: أن الإنسان في هذه الحالة قد سلب الاختيار بالاختيار. ولو جاء الإنسان في يوم القيامة وقال: يا رب، إن عقلي الباطن هو الذي دفعني إلى ذلك، هل يكون ذلك منه مقبولا؟ أم يقال له: صحيح أن عقلك الباطن أو اللاوعي هو الذي دفعك للانتحار إلى أنك أنت المسئول عن تكون هذا العقل الباطن وتغذيته وتركيب قطعاته حتى أصبح محركا يدفعك في الحياة إلى ما دفعك..!
ولذلك علينا أن ننتبه إلى روافد العقل الباطن. ومن هذه الروافد البيئة التي ينشئ فيها الإنسان منذ نعومة أظفاره. وللأسف الشديد قد يرتكب الوالدان أو غيرهما بعض المعاصي أمام الأطفال بحجة أنهم صغار لا يفهمون، والحال أن العلماء يعتبرون السنوات الست الأولى من حياة الطفل هي التي تحدد مصيره إلى آخر عمره. وقد يرتكب الطفل بعض المعاصي تحت تأثير البيئة التي يعيش فيها قبل سن البلوغ إلا أن آثارها تبقى إلى ما بعد البلوغ وقد تجره إلى الرذيلة بعد ذلك.
تأثير البيئة على العقل الباطن
ولذلك أكدت الروايات الشريفة عند اختيار الزوجة على مسألة مهمة قلما يلتفت إليها الرجل عند الإقدام على الزواج، فقد ذكرت الروايات بالإضافة إلى الجمال والخلق كلمة ذات الحسب. والمراد من المرأة ذات الحسب هي التي ترعرعت في بيئة متزنة بين أبوين صالحين نفسيا، ونشأت في عائلة عريقة ذات جذور. وهنيئا لمن ناسب أبناء الزهراء (س) وبناتها لأن هذه الذرية ذرية ذات نسب. وإن كنا لا ننكر تأثير البيئة والأسرة والاجتماع؛ بل وحتى الجغرافيا على حياة الإنسان. فقد ترى في البلاد الجميلة يغلب على أهلها حالة الهدوء ورحابة الصدر بخلاف البلاد الحارة ذات طبيعة صحراوية خشنة كبلاد شبه الجزيرة العربية والدول المطلة على الخليج، ولذلك بعث النبي (ص) في بيئة كانت في قمة القساوة والوحشية.
تأثير الشخصيات المتميزة على العقل الباطن
ومن روافد العقل الباطن والأمور المؤثرة في نفسية الإنسان منذ الصغر وفي الطفولة وجود شخصيات متميزة من رجال الدين وغيرهم في حياتهم. ولذلك يحاول صناع الأفلام الكرتونية أن يخلقوا شخصيات خيالية وهمية كإنسان يطير في الفضاء أو شخصيات لا تناسب ثقافتنا الإسلامية، ويقال: أن خلف هذه الأفلام علماء نفس كبار يعملون على خلقها لتكون ذات أثر كبير على الأطفال وتغيير أفكارهم ومعتقداتهم.
الصدمات النفسية
ومن الروافد المؤثرة على العقل الباطن هي الصدمات التي يتلقاها الإنسان في حياته التي تهزه هزا شديدا من الداخل. ولهذا يوصى الأبوين بالعناية بأبنائهم في سني المراهقة حتى لا يتلقى صدمة أو حركة تضرب عنقه وتغير تركيبته النفسية. ولذلك فإن علماء النفس عند معالجة المرضى النفسيين، يبحثون في حياة المريض عن الصدمات التي قد أثرت على نفسيته فيرجعون به إلى الماضي البعيد بحثا عنها.
دور الإيحاء في تغيير العقل الباطن
وبإمكان الإنسان أن يغير من العقل الباطن، من خلال عدة أمور، أولا: الإيحاء. فمن الملاحظ أن شركات الأدوية تصرف الأموال الطائلة على الدعايات والإعلانات، وهو إيحاء بأن هذه السلعة سلعة متميزة. وذلك نرى من سياساتهم الإعلانية أن يملئون الشوارع بلوحة إعلانية واحدة تتكرر على طول الشارع للتركيز على بضاعتهم وإشغال الذهن بها، ولذلك نرى أن الشريعة تؤكد على الذكر المتواصل قياما وقعودا وفي كل زمان ومكان.
كيف يتحول ذكر الله عز وجل إلى حالة لا إرادية دائمة
وهناك بعض المستحبات المهمة التي تغير مجرى حياة الإنسان ولكن الكثير منا يستهين بها. فيجدر بالمؤمن إذا ركب دابته أن يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا، فقد تركب سيارة فارهة تنسيك ذكر الله عز وجل الذي سخر لك مواد الطبيعة وجعل لك من عالم بسيط عالما مركبا راقيا. وقل عند الطعام: بسم الله الرحمن الرحيم من أوله إلى آخره، وقل عند خروجك من منزل أخيك المؤمن: الله أكبر بسم الله وبالله، تخرج من بيتك فتستعين بالله وتقول: بالله خرجت وبالله دخلت وبالله اعتصمت. ويقول سبحانه: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)[١]، فليس المطلوب منك أن تأخذ سبحة وتتمتم بذكر الله عز وجل أمام الناس فحسب، ولا في الحج والعمرة وفي المساجد وعلى سجادة الصلاة فقط وإنما صباحا ومساء.
ثم بعد فترة من الزمن يتحول هذا الذكر إلى حركة لا إرادية، وقد رأيت أحد العلماء في العناية المركزة في المشفى وهو يتمتم بذكر الله عز وجل لأن الذكر أصبح عنده حالة لا إرادية فهو يذكر الله عز وجل في كل حال.
دور المعاصي في تنشئة العقل الباطن
وينبغي للمؤمن من خلال المراقبة أن ينظر إلى حالاته النفسية وإلى مزاجه. فمن الممكن أن تتحول ممارسة بعض المعاصي والأخطاء إلى حالة لا إرادية إذا استمر الإنسان عليها فترة من الزمن. كسائق يسير في طريق مستقيم وإذا بالمقود يتجه في زاية خمسة أربعين درجة من دون إرادة السائق وكلما حاول إرجاع السيارة إلى الطريق عادت إلى تلك الزاوية المهلكة.
من التوصيات المهمة، الابتعاد عن سيل الهجمات التي يتعرض لها العقل الباطن من خلال الفضائيات والهواتف النقالة التي تعمل على إشاعة الفحشاء بصورة متواصلة حتى إنك ترى بوادر الانحراف في مجتمعات مغلقة يغلب فيها لبس النقاب والحجاب الشرعي ويكثر الفساد بين المراهقين وغيرهم وحتى عند المؤمنين الذين لا يتوقع منهم ذلك لتعرضهم لهذه المثيرات الكثيرة. والنظر إلى هذه الصور وتراكمها تؤثر على اللاوعي وتجره إلى الرذيلة رغما عنه ثم تراه سرعان ما يتوب ولكنه نظرا لاستمرار المثيرات يرجع إلى المعصية مرة ومرات.
ولا يكون العلاج إلا بالابتعاد عن هذه المثيرات، فلماذا يدخل الإنسان إلى ذهنه وباطنه أمثال هذه الصور وقد نهى الشرع عن الزنا وأخواته وهي كل صور الإثارة التي تقرب الإنسان من هذه الرذيلة. بل وقد بينت الشريعة كراهة الجلوس في مكان امرأة قامت منه للتو ولا زال المكان حارا حتى لا تنتقل لك حرارة بدنها فكيف بمصافحتها والاسترسال في الحديث معها، والخلوة بها؟ وعندما يسألنا الشاب عن كيفية التخلص من المنكر أو ما نقول له: هل تنظر إلى الأفلام الخليعة؟ هل تتصفح المواقع المحرمة؟ هل لديك أصدقاء سوء؟ فإن قال: لا، كان من اليسير علاجه، وإن قال: نعم، قلنا له تخلى عنها أولا ثم عد إلينا..!
اذاً العقل الباطني في مجال الشهوة في مجال الغضب من الأمور التي ينبغي أن نسيطر عليها واخيراً اخواني انا رأيت في مكتبات العلماء عندما يتكلمون عن انفسهم الاولياء الصالحون المقربون عندما يصلون الی هذه النقطة ترتجف أقلامهم عندما أحدهم يصل الی هذه النقطة يخفق قلبه خائفاً یقول انا لا أدري متی هل تُختم لي بالعاقبة الحسنة أم لا؟ لا يغركم وضعكم الفعلي الشيطان النفس الأمارة بالسوء لا تُعلم المفاجئات في هذا المجال حقيقتاً غريب لا أدري انسان يستقيم ستين سنة سبعين سنة واذا بسنوات قبل وفاته قبل مماته واذا به قد خرج من رأسه قرنان كقرني ابليس أخذ ينحرف اخلاقياً فكرياً سلوكياً عقائدياً فأخواني أحدنا علیه أن ينتبه الی هذه النقطة وكم من خسارة أن يأتي الانسان بتاريخ مشرق خمسين اربعين سنة واذا بالسنوات الأخيرة من حياته أحرق ملفاته كلها واستبدلها بملفات السوء وكم العكس هنيئاً لمن ختمت له يقول بعض علمائنا حقيقتا من الغريب جداً انسان يقف في وجه سيد الشهداء عليه السلام مُدخلاً الرعب في قلوب عيال الحسين ومنهن زينب واذا بهذا الرجل يتحول فيتحول فيقف المجتهد ويقف العارف ويقف السالك والكل يقول بأبي أنت وأمي أي فديتك بأبي يا ايها الحر نعم هذا ایضاً من النماذج التي خُتمت لها بالعاقبة الحميده.
النهاية الحميدة
ولا ينبغي للإنسان أن يغتر بوضعه الفعلي أبدا، فكبار الأولياء والصالحون عندما يتحدثون عن أنفسهم لا يضمنون لها حسن العاقبة، فقد تأتي النفس والشيطان بالمفاجآت..! وكم هم الذين عاشوا ستين وسبعين سنة وإذا بهم في أواخر أيام حياتهم ينحرفون فكريا وسلوكيا وأخلاقيا وعقائديا، وقد يكون الأمر بخلاف ذلك. وكم يستغرب العلماء حالة الحر بن يزيد الرياحي الذي أدخل الرعب على قلوب آل الرسول ووقف أمام إمام زمانه الحسين (ع) ثم ما لبث أن تغير ووصل إلى درجة يقف أمامه المجتهد والعارف والسالك وغيرهم ليقولوا: بأبي أنت وأمي يا حر..!
خلاصة المحاضرة
- من روافد العقل الباطن والأمور المؤثرة في نفسية الإنسان منذ الصغر وفي الطفولة وجود شخصيات متميزة من رجال الدين وغيرهم في حياتهم. ولذلك يحاول صناع الأفلام الكرتونية أن يخلقوا شخصيات خيالية وهمية كإنسان يطير في الفضاء أو شخصيات لا تناسب ثقافتنا الإسلامية، لتحل محل أولئك.
- لا ينبغي للإنسان أن يغتر بوضعه الفعلي أبدا، فكبار الأولياء والصالحون عندما يتحدثون عن أنفسهم لا يضمنون لها حسن العاقبة، فقد تأتي النفس والشيطان بالمفاجآت..! وكم هم الذين عاشوا ستين وسبعين سنة وإذا بهم في أواخر أيام حياتهم ينحرفون فكريا وسلوكيا وأخلاقيا وعقائديا.