- ThePlus Audio
عبر ودروس من سيرة الإمام موسى الكاظم (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)
لو أراد المؤمن أن يحيي مناسبات الأئمة حزنا وفرحا، وولادة واستشهادا فهناك الكثير من المحطات المشرقة في حياتهم (ع) ينبغي للمؤمنين جميعا الالتفات إليها وجعلها نصب أعينهم في هذه المناسبات. وفي هذا الحديث سنتاول محطات من حياة الإمام موسى بن جعفر (ع) الذي لقب بالكاظم لأنه كما ينقل عن ابن أثير في تاريخه: كان يحسن إلى من أساء إليه وكانت هذه عادته ودأبه في جميع أيام حياته الشريفة.
ولو استطاع المؤمن بالتوكل على ربه أن يكظم غيظه ويحسن إلى المسيء لسد بابا وسيعا من أبواب الشيطان ينفذ منه. وهو الباب الذي عنته الملائكة بقولها عند خلق آدم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)[١]، والسبب الكبير لسفك الدماء هو تمکن قوة الغضب من زمام الإنسان.
الوضع السياسي في زمن الإمام الكاظم (عليه السلام)
كان الوضع السياسي والاجتماعي قبل الإمام موسى بن جعفر (ع) يسمح للإمامين الباقر والصادق (ع) بالنشاط العلمي لوجود انفراج في الساحة الإسلامية والتفاف المحبين لأهل البيت (ع) حول هذين الإمامين (ع) مما أتاح لهم فرصة تربية أربعة آلاف تلميذ منهم أبو حنفية، وكان لهم مجدهم وعطائهم في هذه الفترة، وبعد الإمام موسى بن جعفر (ع) انتشر صيت الرضا (ع) في الآفاق مما اضطر المأمون أن يستفيد من وجاهة الرضا (ع) في دعم سلطانه حتى جعله ولي العهد رغما عنه. فقبل الكاظم (ع) أصبحت المدينة قلب الإسلام العلمي كما كانت مكة قلبه العبادي وكانت تهتف باسم الباقر والصادق (ع)، وبعد الكاظم (ع) تضرب النقود باسم الرضا (ع) ولا زال بعض هذه النقود تحفظ في المتاحف إلى يومنا هذا.
الأئمة (عليهم السلام) والدور المتكامل
ولكن موسى بن جعفر (ع) كان بين هاتين الفترتين حليف السجدة الطويلة والمرضوض بحلق القيود والمعذب في قعر السجون وظلم المطامير. وينبغي الإشارة إلى نقطة مهمة في دراسة سيرة الأئمة (ع) وهي أن ننظر إلى حياتهم من أولهم إلى آخرهم على أنهم كيان واحد وسلسلة متكاملة مرتبطة بالسماء لها دور قد حدده لهم رسول الله (ص) وهم يسيرون على ذلك. فقد بدأت هذه السلسلة المباركة بالنبي (ص) وهو السراج المنير في الأمة ثم جاء بعده أمير المؤمنين (ع) وإن كان قد زوي عن الخلافة لفترة من الزمن واستلم قيادة الأمة لفترة وجيزة وكذلك كان الأمر بالنسبة لولده الحسن (ع) الذي لم تدم خلافته إلا قليلا، ثم قام الحسين (ع) بعد سكون وهدوء لفترة من الزمن بالثورة التي بقي صداها إلى يومنا هذا، ثم جاء السجاد (ع) وقد أحجم دوره وبقي في الظل فترة من الزمن حتى جاء الصادقين (ع) وبدأوا بنشر العلوم والمعارف، ثم اشتدت المضايقات عليهم في زمن الكاظم (ع) حتى قضى عمره في السجون وظلم المطامير، ثم ذاع صيت الرضا (ع) وبرز من جديد، ثم يضيق الأمر عليهم في ومن الأئمة (ع) بعد الرضا (ع) ثم تبدأ مرحلة جديدة بغيبة الإمام المهدي (ع).
المعصومون (عليهم السلام) كالشمس في رائعة النهار
والأئمة هم كالشمس المشرقة التي قد تستتر خلف الغيوم، ولكن عندما تتقشع السحب نرى الشمس ضاحية في رائعة النهار، وهذه السحب والغيوم هي سوء أعمالنا التي تحول دون استمتاعنا بهذه الشمس المضيئة المتمثلة بالمعصومين (ع)، وقد شبهت الروايات الإمام الحجة (ع) يالشمس وراء السحاب. وقد عبر عنهم القرآن الكريم أنهم نور في قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[٢].
ولو أتيح للمعصومين جميعا ما أتيح للباقر والصادق (ع) من ظروف أتاحت لهم نشر العلوم لفعلوا ذلك، ولكن ما عسى أن يفعل الإنسان في زمن يتصدى فيه للخلافة كأمثال هارون المسمى بالرشيد المعروف بالمجون وبالليالي التي كان يقيمها في المعصية حتى إذا أراد أحد وصف ليلة بالمجون والسهر والسمر قال: ليالي هارونية. وكذلك كانت سجونه معروفة كالقبة القبة الهارونية في طوس والتي يزعم أنها كانت من سجونه، وهو الذي وصل به الأمر إلى أن يتحدى النبي (ص) حيث وقف أمام قبره الشريف وقال: بأبي أنت وأمي وهو يخاطب النبي (ص) بألفاظ يوهم الناس أنه يفديه بنفسه ولكنه مقدم على قتل ابنه موسى بن جعفر (ع). لقد جاء إلى المدينة وأراد افتتاح السلطان والحكومة بتعذيب الإمام موسى لن جعفر الكاظم (ع).
دور الإمام الكاظم (عليه السلام) في تهيئة الأمر للرضا (عليه السلام)
ولم يودع الإمام (ع) السجن إلا لأنه يشكل بالفعل خطرا على الخلافة الهارونية ولأنه وجود فاعل ومتميز في هذه الأمة، وقد بارك الإمام الكاظم (ع) جهود الصادقين (ع) العلمية وحولها إلى زخم سياسي بلغ أوجه في زمن الرضا (ع). فالإمام الكاظم (ع) بتحمله وصبره على مرارة انتقاله من سجن إلى آخر كشف للناس ظلم الخلفاء حتى تهيأت الظروف فاشتهر الرضا (ع) حتى كان الأئمة من بعده يعرفون به حيث كانوا يطلقون عليهم أبناء الرضا (ع).
ولذلك فإن للكاظم (ع) حق كبير على الشيعة لما تحمل (ع) من الظلم وضيق السجن ومرارته، ولعله كجده الحسين (ع) الذي عوضه الله بقتله أن جعل الشفاء في تربته والأئمة من ذريته والإجابة تحت قبته؛ جعل السادة العظماء والعلماء الكبار من ذريته فأكثرهم في عصرنا وغيرها من العصور ينتسبون إلى الكاظم (ع) فهو أكثر الأئمة عقبا (ع) والسادة الموسويون ينتسبون إليه على كثرتهم.
ظلم هارون المسمى بالرشيد
ورغم التعتيم الإعلامي الشديد على الإمام الكاظم (ع) اشتهر بالعبادة الزهد حتى قال عنه قاتله هارون المسمى بالرشيد: (أَمَا إِنَّ هَذَا مِنْ رُهْبَانِ بَنِي هَاشِمٍ)[٣]، وهو وإن لم يكن تعبيرا مناسبا إلا أن مضمون الكلام يكشف عن عظمة الإمام وشدة عبادته، وعندها قال له أحد ندمائه: (فَمَا لَكَ قَدْ ضَيَّقْتَ عَلَيْهِ فِي اَلْحَبْسِ قَالَ هَيْهَاتَ لاَ بُدَّ مِنْ ذَلِكَ). وكان يقول هارون هذا لابنه: (لَوْ نَازَعْتَنِي هَذَا اَلْأَمْرَ لَأَخَذْتُ اَلَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ فإِنَّ اَلْمُلْكَ عَقِيمٌ)[٤]. وقد كارس هارون لأجل السلطة أشد أنواع التعذيب مما نتحرج عن ذكر أكثره ولذلك كان يقول الإمام (ع): (يَا سَيِّدِي نَجِّنِي مِنْ حَبْسِ هَارُونَ وَخَلِّصْنِي مِنْ يَدِهِ يَا مُخَلِّصَ اَلشَّجَرِ مِنْ بَيْنِ رَمْلٍ وَ طِينٍ)[٥]، إلى آخر هذا الدعاء الشريف.
وأما الدروس التي نستفيدها من سيرته الشريفة فهي كثيرة جدا وكانت من سيرته في الفقراء، أنه يحمل الذهب والفضة والتمر ويطوف على بيوت الفقراء والمساكين وهم لا يعرفونه حاله في ذلك حال أمير المؤمنين والحسنين (ع) الذين كانوا يغذون الأمة علما ويملئون أجواف الفقراء طعاما رغم مكانتهم العظيمة وانشغالهم بالعبادة في ظلم الليالي، وكان يستطيع أن يكلف بذلك خدمه وعبيده إلا أنه كان يصر على أن يفعل ذلك بنفسه ويسن سنة يقتدي بها أحبائه وشيعته. فمن صفات الشيعة أنهم يهتمون بأمور المستضعفين ويباشرون حوائج الفقراء والمساكين بأنفسهم، ولذلك قد رود عنهم (ع): (مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ رَحْمَةً لَهُ إِلاَّ أَعْطَاهُ اَللَّهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُوراً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ)[٦].
زين المجتهدين وأحفظ الناس للكتاب
وكان الإمام موسى بن جعفر (ع) يلقب في المدينة بزين المجتهدين وكان أحفظهم لكتاب الله عز وجل، وفي هذا رد على الذين يدعون أننا نكرم أئمتنا على حساب النبي (ع) والقرآن الكريم. والذي يريد أن يكون موسويا لا بد أن يكون كالإمام (ع) زين المجتهدين وأحفظ الناس للكتاب. وفي هذا رد أيضا على الذين يتقاعسون عن العمل اتكالا على الشفاعة، فالإمام (ع) وهو على مكانته العظيمة والصفات التي ذكرناها له وشرف انتسابه إلى النبي (ص) لا يقصر في العمل والعبادة. وإن كنا لا نبلغ مهما اجتهدنا درجات المعصومين (ع) إلا أنهم القمة التي ينبغي أن نتوجه إليها ونتسلق بقدر طاقتنا واستعدادنا ونتشبه بهم ما استطعنا.
جارية جميلة في سجن الإمام الكاظم (عليه السلام)
وتُبعث للإمام (ع) وهو السجن جارية وصفت بالجمال والوضاءة، والمرء في ضيق السجن والابتعاد عن الأهل والعيال يحتاج إلى مؤنس يأنس به فكيف إذا كانت امرأة جميلة وضائة..! ولكن هذه الجارية تحولت ببركة الإمام (ع) إلى عابدة زاهدة فارتمت على الأرض ساجدة وهي تقول: سبوح قدوس ولم تزل كذلك حتى فارقت الحياة. والذي لا يكون مصدر تغيير وإشعاع للخير والهداية في محيطه ولأهله وأصحابه هو بعيد عن إمامه الكاظم (ع).
بشر الحافي
وأما قصة بشر الحافي فهي معروفة وفيها نقاط جميلة قل من التفت إليها. وقد ذكر في علة تسميته بالحافي سببين، الأول: أنه تبع الإمام (ع) حافيا لما تاب. والسبب الثاني وهو يحتوي على لمحة عرفانية: أنه كان يعتقد أن الأرض هي بساط الله كما ذكر سبحانه ذلك في قوله: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا)[٧]، فكان يستحي أن يمشي منتعلا على بساط الرب، ولا أقول أن نتأسى به في هذه النقطة إلى أنها تنم عن حب وعرفان. لقد سمع الإمام (ع) بالمنكر في دار بشر فتخرج جارية من تلك الدار لإلقاء القمامة فيسأله الإمام عن سيدها هل هو عبد أم حر؟ فتقول الجارية: إنه حر. وكان بشر شخصية معروفة ومتمكن ماليا واجتماعيا ولو لا ذلك لما استطاع أن يعلن فسقه وفجوره. ثم يقول لها الإمام: صدقت لو كان عبدا لأطاع مولاه. وقد قلبت هذه الكلمات كيان بشر حتى جعلته من رموز العباد وكبار الزهاد في تاريخ المسلمين.
لم يأمر الإمام بشرا بترك المنكر مباشرة ولم يخوف العذاب والملائكة الغلاظ الشداد وجهنم ولم يطمعه بالجنة وإنما غير رؤيته العقائدية ونسف بنيانه من القواعد، فبين له: أنك لو كنت عبدا لله عز وجل لكان عليك الامتثال والابتعاد عن المعصية وإلا فاخرج من عبوديته ومن مملكته. وللأسف هناك الكثير ممن إذا ذكرت له مسألة شرعية قال لك: ما فلسفة هذا العمل؟ وهذا العمل ثقيل يشق علي العمل به، وهكذا. والحال أن على العبد أن يمتثل أمر مولاه، إلا أن ينكر أنه مولاه. ولذلك إذا أردت إصلاح أحدهم لا تنظر إلى الفروع ولكن انسف الأصول، فإذا رأيت أحدهم لا يصلي ولا يلتزم بالواجبات دع التقريع والذم والتخويف والمقاطعة جانبا فقد لا تنفع معه ولكن عليك بإعادة بنائه الداخلي، وانظر إلى العلل والأسباب.
وينبغي للمؤمن أن يحارب المنكر محاربة جوهرية، فكان الصدق في كلمات الإمام (ع) السبب المهم في إيجاد التغيير المنشود في بشر والجارية الجميلة في السجن وأنت إذا أردت أن يكون لكلامك تأثيرا في النفوس فكن صادقا في مبتغاك من هداية الناس وإصلاحهم.
الاهتمام بحاجات المؤمنين في سيرة الكاظم (عليه السلام)
ومن المحطات المهمة في حياة الإمام الكاظم (ع) هو حمله لهموم شيعته والمؤمنين من أتباعه. فقد شكى إلى الإمام (ع) أحد الشيعة ضيقا واجهه في بلد وال من الولاة وهو من الشيعة أيضا، فكتب الإمام للوالي: (بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ اِعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ تَحْتَ عَرْشِهِ ظِلاًّ لاَ يَسْكُنُهُ إِلاَّ مَنْ أَسْدَى إِلَى أَخِيهِ مَعْرُوفاً أَوْ نَفَّسَ عَنْهُ كُرْبَةً أَوْ أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِهِ سُرُوراً وَهَذَا أَخُوكَ وَاَلسَّلاَمُ)[٨]. وكم كان جميلا لو حفظ هذا الكتاب في متحف من المتاحف.
تقول الرواية: (قَالَ فَعُدْتُ مِنَ اَلْحَجِّ إِلَى بَلَدِي وَ مَضَيْتُ إِلَى اَلرَّجُلِ لَيْلاً وَاِسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ رَسُولُ اَلصَّابِرِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَخَرَجَ إِلَيَّ حَافِياً مَاشِياً فَفَتَحَ لِي بَابَهُ وَقَبَّلَنِي وَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ عَيْنِي وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ كُلَّمَا سَأَلَنِي عَنْ رُؤْيَتِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَكُلَّمَا أَخْبَرْتُهُ بِسَلاَمَتِهِ وَصَلاَحِ أَحْوَالِهِ اِسْتَبْشَرَ وَشَكَرَ اَللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ أَدْخَلَنِي دَارَهُ وَصَدَّرَنِي فِي مَجْلِسِهِ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيَّ فَأَخْرَجْتُ إِلَيْهِ كِتَابَهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَبَّلَهُ قَائِماً وَقَرَأَهُ ثُمَّ اِسْتَدْعَى بِمَالِهِ وَثِيَابِهِ فَقَاسَمَنِي دِينَاراً دِينَاراً وَدِرْهَماً دِرْهَماً وَثَوْباً ثَوْباً وَأَعْطَانِي قِيمَةَ مَا لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَتُهُ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُ يَا أَخِي هَلْ سَرَرْتُكَ فَأَقُولُ إِي وَاَللَّهِ وَزِدْتَ عَلَيَّ اَلسُّرُورَ ثُمَّ اِسْتَدْعَى اَلْعَمَلَ فَأَسْقَطَ مَا كَانَ بِاسْمِي وَأَعْطَانِي بَرَاءَةً مِمَّا يُوجِبُهُ عَلَيَّ عَنْهُ وَوَدَّعْتُهُ وَاِنْصَرَفْتُ عَنْهُ فَقُلْتُ لاَ أَقْدِرُ عَلَى مُكَافَاةِ هَذَا اَلرَّجُلِ إِلاَّ بِأَنْ أَحُجَّ فِي قَابِلٍ وَأَدْعُوَ لَهُ وَأَلْقَى اَلصَّابِرَ وَأُعَرِّفَهُ فِعْلَهُ فَفَعَلْتُ وَلَقِيتُ مَوْلاَيَ اَلصَّابِرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ فَرَحاً فَقُلْتُ يَا مَوْلاَيَ هَلْ سَرَّكَ ذَلِكَ فَقَالَ إِي وَاَللَّهِ لَقَدْ سَرَّنِي وَسَرَّ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاَللَّهِ لَقَدْ سَرَّ جَدِّي رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ سَرَّ اَللَّهَ تَعَالَى)[٩]. فمن أراد أن يكون من أتباع الإمام (ع) الحقيقيين فليقض حوائج إخوته المؤمنين من دون من واستعلاء وتكبر؛ بل يقضيها وهو شاكر ممتن أن فتح الله له بابا من أبواب الخير.
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) بأمر من هارون العباسي
وكان الإمام (ع) كما ذكرنا يقضي معظم الأيام في سجون الظالمين وكان مشغولا بالعبادة والصيام، وكان الفضل بن الربيع يرسل إليه طعاما يفطر عليه لمدة ثلاثة أيام إلى أن حُول إلى الفضل بن يحيى البرمكي فقدم له طعاما مسموما، تقول الرواية: (فَلَمَّا كَانَتِ اَللَّيْلَةُ اَلرَّابِعَةُ قُدِّمَتْ إِلَيْهِ مَائِدَةُ اَلْفَضْلِ بْنِ يَحْيَى قَالَ وَرَفَعَ يَدَهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَكَلْتُ قَبْلَ اَلْيَوْمِ كُنْتُ قَدْ أَعَنْتُ عَلَى نَفْسِي قَالَ فَأَكَلَ فَمَرِضَ فَلَمَّا كَانَ مِنْ غَدٍ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالطَّبِيبِ لِيَسْأَلَهُ عَنِ اَلْعِلَّةِ فَقَالَ لَهُ اَلطَّبِيبُ مَا عِلَّتُكَ فَأَخْرَجَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ عِلَّتِي وَكَانَتْ خُضْرَةٌ وَسَطَ رَاحَتِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُمَّ فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ قَالَ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا فَعَلْتُمْ بِهِ مِنْكُمْ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[١٠]. وفي رواية أخرى: (فَقِيلَ إِنَّهُ سُمَّ وَقِيلَ بَلْ لُفَّ فِي بِسَاطٍ وَغُمِزَ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ أُخْرِجَ لِلنَّاسِ)[١١]، وترك ثلاثة أيام على الطريق، تقول الرواية: (أَقَامَ اَلْمُنَادِينَ يُنَادُونَ أَلاَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى اَلطَّيِّبِ بْنِ اَلطَّيِّبِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ فَلْيَخْرُجْ وَحَضَرَ اَلْخَلْقُ وَغَسَّلَهُ وَحَنَّطَهُ بِحَنُوطٍ وَكَفَّنَهُ بِكَفَنٍ فِيهِ حِبَرَةٌ اُسْتُعْمِلَتْ لَهُ بِأَلْفَيْ وَخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ مَكْتُوباً عَلَيْهَا اَلْقُرْآنُ كُلُّهُ)[١٢]، وهكذا شيع الإمام (ع) مظلوما.
خلاصة المحاضرة
- لو استطاع المؤمن بالتوكل على ربه أن يكظم غيظه ويحسن إلى المسيء لسد بابا وسيعا من أبواب الشيطان ينفذ منه. وهو الباب الذي عنته الملائكة بقولها عند خلق آدم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)، والسبب الكبير لسفك الدماء هو تمکن قوة الغضب من زمام الإنسان.
- بعث إلى الكاظم (ع) وهو في السجن جارية وصفت بالجمال، والمرء في ضيق السجن والابتعاد عن الأهل والعيال يحتاج إلى مؤنس يأنس به فكيف إذا كانت امرأة جميلة وضائة، ولكن هذه الجارية تحولت ببركة الإمام (ع) إلى عابدة فارتمت على الأرض ساجدة وهي تقول: سبوح قدوس ولم تزل كذلك حتى فارقت الحياة.