- ThePlus Audio
واجبات الآباء تجاه الأبناء
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
إنَّني أرغب عند الحديث عن المسائل التربوية أن تكون النقاط العملية أكثر من النقاط النظرية، وأود أن أتحدث عما ينبغي فعله فضلاً عما ينبغي فهمه، والقرآن الكريم خير عون في هذا المجال وله تعليقات ملفتة وطريفة حول الأولاد.
تأثير الآباء على مستقبل الأولاد
إنَّ القرآن الكريم يبين لنا أنَّ جيل الآباء يحدد بنسبة كبيرة مستقبل الأبناء، وأعني بالجيل تلك الجماعة التي تعيش في عصر واحد وإن كانوا في أماكن متعددة من الأرض، ويتأكد لنا الأمر إذا لاحظنا هلاك قوم نوح، وهي أكبر كارثة في العالم وقعت في ذلك الزمان، فقد فار التنور وفاضت البحار ولم يبقى على وجه الأرض أثر للحياة إلا في سفينة نوح (ع)، وحتى الحيوانات اندثرت وقد قال سبحانه: (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)[١]، ولقد أصحبت هذه السفينة مضرب مثل في النجاة كما ورد ذلك عن النبي (ص): (مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِي أُمَّتِي مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ)[٢]، ولقد قال نوح: يا رب إنَّ هذا الجيل وهؤلاء الآباء لا قيمة لهم، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ)[٣]، فلقد ضلوا وأضلوا كثيراً، فيا رب استأصل هذا الجيل من أساسه؛ لأنه لا يخرج من هذا الجيل إلا المنحرفون، (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)[٤].
هل تنقطع صلة الإنسان بأولاده بعد الموت؟
ومن الآيات المهمة في هذا المجال، قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا)[٥]، ويبدو من هذه الآية أنَّ علاقة الإنسان بأبنائه هي علاقة دنيوية تنقطع عند موته، هؤلاء الذين ادخرت لهم ما ادرخت وأتبعت نفسك من أجلهم ستنفصل عنهم يوم القيامة بل بمجرد الموت، ولكن قد ورد في الأثر: (إِذَا مَاتَ اَلْمُؤْمِنُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[٦]، فلو كان صالحاً ولم يدع لأبيه فما الفائدة المرجوة من صلاحه؟ وهذه الرواية تجعلنا ننظر إلى الولد نظرة مختلفة وهي أن نربي الأبناء لكي يكونوا عوناً للوالد وعضد له لما بعد هذه الحياة الدنيا، (يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا)[٧]، ونحن نعلم أنَّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي أنَّه لا يوجد والد يستطيع أن يغني عن ولده شيئا إلا ما استثني، والنبي (ص) لا تنال شفاعته في الدرجة الأولى إلا الذرية الصالحة من أولاده، وكما يقول سبحانه: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُون)[٨].
كيف نحول العلاقة بالأبناء علاقة أبدية لا تنفصم يوم القيامة؟
وينبغي لنا أن نعلم أنَّ علاقتنا بأولادنا هي علاقة مؤقتة؛ إلا إذا أعطينا هذه العلاقة بعداً أبدياً من خلال التربية الصالحة، ويقول سبحانه: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ)[٩]، وحتى الأرحام من الإخوة والأخوات وأبناء العم والخال لا يفكر بهم الإنسان في ذلك الموقف الرهيب؛ بل هو مستعد بأن يفتدي بمن في الأرض جميعاً لينجو، وكأنه يقول: يا رب أخلني الجنة حتى وإن أدخلت الناس جميعاً في النار، فلا يفكر الإنسان إلا في نفسه، ويقول عز وجل: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)[١٠]، ويفر من زوجته خوفاً من مطالبتها بحقوقها، وهل سينفعه هذا الفرار وعند الله كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؟
هل يمكن أن تكون الزوجة والأولاد أعداء الإنسان؟
وهناك تعابير ملفتة في آيتين من سورة التغابن وهو اليوم الذي يعيش الإنسان فيه حالة المغبونية وهو قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[١١]، وقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ)[١٢]، ففي الوقت الذي نعتبر أحفادنا أكبادنا وأولادنا أملنا في الحياة والأمل المشرق واستثمار الغد وغيرها من التعابير العرفية؛ يأتي القرآن الكريم ليوقظ الإنسان من الأعماق ويقول له: احذر! فقد يكون بعض الأولاد والأزواج أعداءك وهم بلا ريب فتنة لك، والقضية في كون الأموال والأولاد فتنة للإنسان قضية محسومة لا ريب فيها؛ إذ أنَّ طبيعة المال والولد يفتنان الإنسان ويتعلق بهما قلبه، فإذا تعلق القلب، من الممكن أن يتجاوز الإنسان بعض الحدود، فكما نعلم حب الشيء يعمي ويصم.
وقد تبين لنا أنَّ الولد بلا ريب فتنة للإنسان ولكنه قد يكون عدواً وقد لا يكون، فقد يتحول الولد الذي هو أداة للفتنة إلى عدو، ولكن كيف يمكن ذلك؟ ولابد قبل ذلك أن نعرف من هو العدو: إنَّ العدو هو الذي يزاحمني في مالي وفي نفسي وفي عرضي، فهو يسلبني مالي وراحتي وأمني، وإذا كان الولد في مقام العمل يمنعني من التقرب إلى الله عز وجل فهو عدو لي، ولقد سمعنا في زمن النبي (ص) كان الولد والزوجة يمنعان الرجل من الجهاد بين يدي رسول الله (ص) بذريعة أنه القيم عليهم وبفقدانه يعيشون التيه والفقر والجوع وما شابه ذلك، وهذا الكلام يوهن الإنسان ويوجب له التثاقل كما قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)[١٣].
وفي يومنا هذا قد لا يمنعني الولد من الجهاد لانتفاء موضوعه، ولكن قد يمعني من بعض صور الطاعة، فمن الممكن أن يمنع الولد أباه من الإنفاق الواجب كالخمس والزكاة أو الإنفاق المستحب كبناء المساجد أو ما شابه ذلك، وقد يصل هذا المنع في بعض الأحيان إلى الزجر وقد يتهم الأب بالخرف وما شابه ذلك، ويقول الأولاد لأبيهم: أننا أولى بإنفاقك الأموال في سبيل الله، وهذا في الحقيقة نوع من أنواع العداوة والتثبيط عن عمل الخير، والميت لا تنقطع صلته بأهله بعد موته فيقال بأنه يأتي أهل في كل ليلة جمعة لينظر أحوالهم، فيرى أن الأموال قد قسمت وأن المساكن قد سكنت، ثم يتمنى هذا الإنسان المسكين حبة من خردل يثقل بها ميزان حسناته يوم القيامة.
هل كثرة الأولاد سبب في سعادة الإنسان؟
وهذه الآيات لو لم تكن آيات قرآنية لما تجرأ أحدنا أن يتكلم بها، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)[١٤]، ومعنى هذه الآية هو أنَّ الإنسان لا يأنس بالأولاد مطلقا، ولا يظن أن التكاثر في الأولاد أمر حسن في نفسه؛ فيعد الأولاد ذكوراً وإناثاً ويتباهى بعدد أولاده وهو يشعر بالراحة والسرور، بل ينبغي أن يفرح بهم إن كانوا عوناً له على آخرته.
ما أجمل هذا المنظر..!
ومن أفضل أنواع الاستثمار في الحياة استثمار الذرية، فقد تخسر الشركات التجارية وتفلس وتنحل، وفي جميع الأحوال لا ينتفع بها الإنسان بعد موته، ولن ينتفع عندها إلا بالولد الصالح كما ذكرنا، وكم من الجميل أن يرى الإنسان ذريته وأفلاذ كبده وهم في زاوية من زوايا المسجد وفي سن مبكرة يقيمون الصلاة بخشوع وقد رأيت بعض الأحداث يحضرون صلاة الصبح في المسجد وكثير منهم لم يبلغوا الحلم بعد، فيصطفون للصلاة جماعة على الرغم من ثقل هذه الصلاة على الكثير لتركهم لذيذ الرقاد، وقد يكون الأب نائماً في فراشه وهذا في الواقع من موجبات سعادة الأب في الدنيا والآخرة.
أسس تربية الأولاد في روايات أهل البيت (عليهم السلام)
وفي رواية عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (دَعِ اِبْنَكَ يَلْعَبْ سَبْعَ سِنِينَ)[١٥]، ولا تعني الرواية اللعب مطلقاً من دون أية رقابة من الوالدين، ولا داعي لأن يثقل الوالدان عاتق الطفل بالتكاليف، أو يضرب الطفل على الصلاة في سنين مبكرة، ثم تقول الرواية: (وَيُؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِينَ)[١٦]، من السن السابعة حتى الرابعة عشر.
وهذا كلام تربوي منقح موجود في كتب التربية، والطفل من السن السابعة يفهم كثيراً من الأمور وإن لم يعبر عنها؛ فقد يكتمها ويتظاهر بعدم الفهم، ولكنه يفهمها بكل وضوح، ولذلك أطلق علماؤنا لقب المميز على الطفل الذي لم يبلغ الحلم، فعندنا في الفقه تعبيرين عن الطفل: طفل مميز وطفل مكلف، وقد يعامل الطفل المميز معاملة المكلف عند بعض الفقهاء.
تأثير الآباء في سلوك الطفل في المستقبل
وهناك الكثير من الأطفال الذين يتذكرون بكل وضوح المواقف التي حصلت معهم في الصغر، أو كلمة سمعوها من خطيب أو حدث وقع في المأتم ولا زال يؤثر في أعماق وجودهم، ويتذكرون المشاهد التي رأوها مع آبائهم عندما اصطحبوهم معهم في الحج وزيارة المشاهد المشرفة، وقد يرى بعض الملتزمين الفضل في تدينهم لآبائهم الذين كانوا يشاهدونهم في الصغر وهم يحيون الليل بالعبادة، وقد ذكر لي أحد المؤمنين عن سرداب في البيت كان ينزل إليه الأب بين فترة وأخرى ولا يسمح لهم بالدخول إليه؛ ليكتشفوا بعد ذلك أنه كان قد عمل لنفسه قبراً في ذلك السرداب وكان يتعبد في ذلك القبر ويذكر نفسه بالآخرة، وقد ورث الأبناء من أبوهم الخوف من القيامة والموت بهذه الحركة العملية البليغة.
لا تفارق ولدك إذا بلغ هذه العمر..!
ثم تقول الرواية: (وَأَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِينَ)[١٧]، من الرابعة عشر حتى الواحد والعشرين، والكلام موجه للآباء الملتزمين الذين يعنيهم أمر تربية أبنائهم، فينبغي لهم أن يصطحبوهم في حلهم وترحالهم ويأخذوهم إلى المساجد والمآتم والاحتفالات، فإلى من يكله؟ إلى أبناء جنسه والمراهقين من أمثاله في المدرسة وغيرها؟ بل ليكن لصيقك فأنت تعلم الضار من النافع، وقد يشعر بالخجل بعض الآباء من مرافقة أبنائهم ويتثاقلون من الإجابة على تساؤلاته بدعوى ضغط العمل أو بعض الأمراض العصبية والسكر وما شابه ذلك، ويرجعونه إلى عالم المنطقة أو الأم أو غيرهم ليجيبوا على تساؤلاته، كيف يفعل الأب ذلك بابنه وهو ثروته في الحياة؟
ثم تقول الرواية: (فَإِنْ أَفْلَحَ وَإِلاَّ فَإِنَّهُ مِمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ)[١٨]، فإن أفلح فهنيئا للوالد بولده وإن لم يفلح فلا ترج منه خيراً، فإن هذا الولد فيه ما فيه، إما قد لغلبة الهوى أو لسوء الاختيار أو لقلة الوعي أو لأسباب أخرى، وكما ورد في الأثر عن أمير المؤمنين (ع): (لاَ تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ – فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ وَوَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ فَاللَّهُ لاَ يُضِيعُ أَوْلِيَاءَهُ وَإِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ اَللَّهِ فَمَا هَمُّكَ وَشُغُلُكَ بِأَعْدَاءِ اَللَّهِ)[١٩].
تأكيد الروايات على العطف على الأولاد والعيال
إنَّ روايات أهل البيت (ع) تؤكد على الجانب العاطفي، ولكن يبدو أن العواطف قلت في زماننا هذا، وأنا أتذكر في قديم الأيام أن الوالد كان يبكي على ولده بكاء الثكلى عندما كان يودعه في سفر، ولا أدري إن كان السبب في ذلك ما نتناوله من الطعام أو البيئة، والحال أنه قد روي عن النبي الأكرم (ص): (مَنْ قَبَّلَ وَلَدَهُ كَتَبَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَسَنَةً)[٢٠]، وبالرغم من العاطفة التي تجر الأب إلى تقبيل ابنه إلا أنَّ الله عز وجل يكتب له بذلك حسنة، والحسنة مقبولة لأنها خالية عن الرياء فلا نجد من يقبل ولده إرضاء للناس.
إنَّ خدمة العيال من الأمور التي يؤجر الإنسان عليها، فعن النبي الأكرم (ص): (مَنْ دَخَلَ اَلسُّوقَ فَاشْتَرَى تُحْفَةً فَحَمَلَهَا إِلَى عِيَالِهِ كَانَ كَحَامِلِ صَدَقَةٍ إِلَى قَوْمٍ مَحَاوِيجَ)[٢١]، وقد يظن البعض أن الهدية إنما تكون للغرباء والحال أنَّه يجدر بالمؤمن أن يترصد الفرص المناسبة كمناسبة ميلاد زوجته وإن كانت في سن متأخرة فيقدم لها الهدايا فمن قال أنَّ الهدايا تقتصر على شهر العسل؟ أو يهدي الإناث في بيته بمناسبة ميلاد السيدة الزهراء (س) في العشرين من شهر جمادي الثاني.
وهناك عادة هذه الأيام – وهي عادة لا بأس بها – أن ترفق الهدية ببطاقة أو مذكرة تحتوي على تعابير عاطفية جميلة، ويمكن بدل ذلك أن يكتب حديثا جميلاً أو دعاء من أدعية الشفاء إن كان المهدى إليه مريضاً، وهذه الأدعية مذكورة في كتاب مفاتيح الجنان.
ثم تكمل الرواية: (وَلْيَبْدَأْ بِالْإِنَاثِ قَبْلَ اَلذُّكُورِ فَإِنَّ مَنْ فَرَّحَ اِبْنَةً فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ مُؤْمِنَةً فِي سَبِيلِ اَللَّهِ)[٢٢]، والأثنى بطبيعة الحال موجود عاطفي وقد قال سبحانه: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[٢٣]، فليس للأنثى دور في النزاعات والمجادلات فسرعان ما تنسحب من أول هجوم تتعرض له، ولم تحدد الرواية أنَّ الأنثى تكون غريبة أو قريبة، وهناك بعض الروايات التي تبين أنَّ من سعادة المرء أن تلد له الأنثى في أول حملها، وهذه الروايات هي من روايات من بلغ، فقد روي عن الإمام الصادق (ع): (مَنْ سَمِعَ شَيْئاً مِنَ اَلثَّوَابِ عَلَى شَيْءٍ فَصَنَعَهُ كَانَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا بَلَغَهُ)[٢٤]
المسافة بين الحب والدلال
ينبغي للوالدين أن تكون محبتهما للولد محبة واعية، فقد يكون الطفل جميل الصورة وسيم الهيئة يراه الغريب فيحبه فكيف بالوالدين، أو له بعض الملكات الحسنة والتصرفات الجميلة، أو لساناً طلقاً أو ما شابه ذلك من الصفات التي تحبب الطفل إلى والديه، ومعروفة قصة الولد الذي كان يهرب من أبيه فلما اقترب منه وكاد أن يمسك به قرأ آية السجدة ليشغل أباه ويهرب منه وهذا بالتصرف بلا ريب يذهب الغيظ عن الوالد ويزيد من محبة الولد، ولكن ينبغي للوالدين أن يفصلا بين المحبة وبين الدلال.
قد نلاحظ في بعض الأحيان أنَّ الأبوان يتغافلون عما يقوم به الطفل من إزعاج وتشويش وبعثرة لأثاث المنزل وهذا أمر خاطئ وفمن صور إنحراف الطفل – كما هو معروف تربوياً – هذا الدلال والاهتمام الزائد بالطفل؛ لأنَّ هذا الطفل المدلل لا يتحمل صدمة في احياة ولا يتوقع مشاكسة من أحد وقد ينهار ويرتجف ويغمى عليه لمجرد أن كَشَرَ له أحدهم، وهذه حالة غيرطبيعية على الوالدين أن يعيا ذلك، والإنسان المؤمن لا ينبغي له أن يكون كذلك، وكما يقول أمير المؤمنين (ع) وهو أمير البيان: (إِنَّ اَلشَّجَرَةَ اَلْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً)[٢٥]، ونحن نعلم أن بعض الأطفال يسافرون في سن مبكرة إلى العمرة وما شابه ذلك، وهناك من الشباب من هم في العشرين وما فوق العشرين لا يستطيعون تدبير أقل شئون المنزل أو شئون خارج المنزل.
ولا ينبغي إظهار المحبة في ساعات المنكر، كأن تستقبل الأم ولدها بالأحضان وتقبل رأسها وهو من مشاهدة الأفلام المنحرفة التي تعرض في السينما أو من صحبة جماعة الفسق، وقد أمرنا رسول الله (ص) أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة، وينبغي أن نظهر حالة الغضب في أجواء المعصية حتى يعلم الطفل أنه على خطأ وأنه تحت المراقبة الأكيدة من والديه.
لا تجعل من البيت ثكنة عسكرية..!
وقد يحدث العكس من ذلك؛ إذ يقوم الآباء بتحقير الأبناء عند ضيق المزاج أو لأجل بعض المشاكل المالية أو المنزلية، ولا يسمحون للولد أن يتكلم بكلمة واحدة وإن تكلم يسكتانه ويأمرانه بالتؤدب، ويستعملون أساليب الكبت والتخويف وكأنَّ المنزل محل السكوت المطلق أو سجن من السجون.
الأب الغضوب والأب الحليم
إنَّ الإنسان كثير الغضب لا أحد يعبأ بغضبه؛ فالغضب كالسلاح الذي فيه عدة رصاصات وعلى المرء أن يكون دقيقا في استعمالها وإلا سيصبح أضحوكة أولاده عند الغضب إذا كان كثير الغضب والانفعال، فهم يعلمون أن أباهم هذا غضوب بطبيعته، ولا استقرار له في حال الرضا والغضب، بخلاف الحليم إذا غضب، وكما يقال: اتق شر الحليم إذا غضب، وتكفي نظرة واحدة من الأب الحليم والعطوف لتصحيح الخطأ من الأبناء؛ فلا يحتاج إلى ساعات من المحاضرة والدروس، وقد كان النبي (ص) يعرض بوجهه الكريم إذا لم يعجبه الشيء وقد أعرض بوجهه عن قاتل عمه حمزة سيد الشهداء وكان يكفي هذا الموقف من النبي (ص) في عقاب الوحشي لو كان يعقل الرجل..!
هل تحاول أن تتعرف على أصدقاء أولادك ومحيطه الذي يقضي فيه معظم وقته؟
وينبغي كذلك مراقبة دائرة معاشرة الأبناء، وهناك من الآباء من لا يعلم ابنه في أي صف دراسي أصبح، أو يعلم ذلك ولكن لا يعلم من يعاشر من الأصدقاء، وقد يأتي الولد بعد المنتصف من الليل فلا يكلف الوالد نفسه أن يسأله عن سبب تأخيره وقضاء ليلته ناهيك عن صلاة الفجر، وقد تغفل عن ابنك حتى يأتيك اتصال من المخفر أنَّ ابنك قد ألقي عليه القبض في عملية جنائية، أو في تجارة مخدرات، أو ما شابه ذلك، وأنا أتسائل: هل كان الوالدان يسمحان لولدهما بالخروج من المنزل لو أصاب البلد موجة وباء؟ هل كانا يسمحان له بالخروج من المنزل وهناك شجار قد حدث في الشارع؟ ألا يخشون عليه من أن يصيبه شيء من ذلك ويبقيانه في المنزل؟ فكيف يسمحان له بالخروج من دون أية رقابة وهم يعلمون أنَّه لا تخلو زاوية من الزوايا أو منعطف أو شارع من عشرات الفخوخ والمصائد والمصائب للأولاد الأعزاء؟
وعلى الآباء والأمهات أن يعوا أنَّ جهود سنوات من التربية قد تتلاشى في أسبوع واحد، ولقد رأينا بعض الأولاد في سن الخامسة والسادسة عشر يسافر إلى بعض البلاد في الداخل أو الخارج وإذا به يرجع وهو إنسان لا يقيم وزناً لأبويه ويعصيهم في كل ما يأمرانه به، والحال أنَّهم كانوا حريصين على تربيته وتغذيته بالحلال من الرزق، وليس الأمر سهلاً أن ينهار أمام الإنسان مجهوده لسنوات طويلة، فهو كمن نسفت عمارته ذو الطوابق الخمسة عشر أمام عينيه بالديناميت في لحظة واحدة، ولقد سمعنا عن تجار ماتوا أو وقعوا في حالات عصبية جراء خسارة كبيرة تعرضوا لها أو صفقة خاسرة أو ما شابه ذلك، فكيف حال من يخسر أعز ما يملك في هذا الوجود.
ضرورة تشديد المراقبة في سن المراهقة
ومن النقاط التربوية المهمة هي تشديد المراقبة في سن المراهقة؛ فإذا كنت تراقب ابنك بعينين في طفولته فلتراقبه بأربعة عيون في سن المراهقة، فقد نسمع عن بعض جلسات المراهقين في المدارس المتوسطة وما يتداول بينهم من حديث؛ وهو حديث يشيب منه رأس الإنسان، وهي من المفاسد والأمور القبيحة التي قد لا يعقلها حتى الكبار؛ وقد تجتمع تجارب الكبار والصغار في بيئة المراهقين فيفعلون ما تعلمون وما لا تعلمون، ولا بأس بالوالدين أن يدرسا قليلاً هذا الموضوع وكتب التربية بحمد الله متوفرة وفي متناول أيدي الجميع.
حاول أن تكون قدوة لأبنائك في ما تأمر به وتنهى عنه..!
ومن الأمور التي يجب ملاحظتها وجود القدوة العملية في حياة الأولاد، فإذا أمر الوالد ولده بالصلاة ودعاه إلى المسجد وهو لا يصلي ولا يحضر المسجد، ودعاه إلى العفة والاستقامة الأخلاقية وهو على ما عليه من الانفلات الأخلاقي والنظر إلى النساء ومشاهدة الأفلام الخلاعية، فهل يا ترى سينصاع لأمر والده وهل ستبقى حرمة لهذا الوالد؟ وإذا أراد الوالد أن يرتكب منكرا لا سمح الله؛ فليفعل ذلك في السر حيث لا يعلم به أبنائه فيسقط من أعينهم وتنقطع الصلة بينه وبينهم.
الجلوس مع الأولاد والاهتمام بهم
كيف يقضي أحدنا ثمان ساعات في العمل ولا يقضي ثمان دقائق مع أبنائه الذين يجدر بهم أن يكونوا من باله ومن اهتماماته؟ أليس أبناؤنا هم استثمارنا وصدقتنا الجارية بعد الحياة؟ وطوبى لمن رزق ذرية صالحة وإن قلَّت، فهناك من لديه من الأولاد العشرة وما فوق ولا يوجد بينهم رجل صالح، وقد يكون الرجل مبتلى بضيق في الذرية ولا يملك من الأولاد إلا ولداً واحدا وإذا به يصبح مصدر بركة وخير للجميع، وهناك في بعض البلدان الشيعية من يعرفون بأسباط الشيخ وهؤلاء هم من ذرية الشيخ الأنصاري الكبير رضوان الله عليه، ولم يكن للشيخ ذرية من الذكور وهؤلاء إنما ينتسبون إليه من خلال ابنته ويبدو أنَّها كانت من الفاضلات، وكذلك السادة الطباطبائيين وهؤلاء ينحدرون من شخصية واحدة هو صاحب لقبهم هذا، وكذلك السادة الموسوية ينتهي نسبهم إلى السيد موسى المبرقع بن الإمام الجواد (ع)، وهؤلاء كانوا من مظاهر الخير والبركة في زمانهم وإلى يومنا هذا.
[٢] بحار الأنوار ج٢٧ ص١١٢.
[٣] سورة نوح: ٢٧.
[٤] سورة نوح: ٢٧.
[٥] سورة لقمان: ٣٣.
[٦] بحار الأنوار ج٢ ص٢٢.
[٧] سورة لقمان: ٣٣.
[٨] سورة المؤمنون: ١٠١.
[٩] سورة الممتحنة: ٣.
[١٠] سورة عبس: ٣٣-٣٤-٣٥.
[١١] سورة التغابن: ١٤
[١٢] سورة التغابن: ١٥.
[١٣] سورة التوبة: ٣٨.
[١٤] سورة الكهف: ٤٦.
[١٥] من لا یحضره الفقیه ج٣ ص٤٩٢.
[١٦] من لا یحضره الفقیه ج٣ ص٤٩٢.
[١٧] من لا یحضره الفقیه ج٣ ص٤٩٢.
[١٨] من لا یحضره الفقیه ج٣ ص٤٩٢.
[١٩] نهج البلاغة ج١ ص٥٣٦.
[٢٠] الکافي ج٦ ص٤٩.
[٢١] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٥٧٧.
[٢٢] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٥٧٧.
[٢٣] سورة زخرف: ١٨.
[٢٤] الکافي ج٢ ص٨٧.
[٢٥] بحار الأنوار ج٤٠ ص٣٤٠.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لا يتصور الآباء أنَّهم بمعزل عن مستقبل أبنائهم، والحال أن الآباء قد يجنون على الأبناء ويغيرون مسير حياتهم ويكونون مصدر تعاستهم وشقائهم؛ كما حدث ذلك مع قوم نوح (ع) حيث دعا النبي عليهم وعلى ذريتهم فقال: ((إِنَّكَ إِنْ تَذَرهُم يُضلُوا عبادَك ولا يَلِدوا إِلا فَاجرا كَفَارا).
- إن الإنسان من الطبيعي أن ينفصل عن أولاده عند حضور أجله؛ ولكن من نعم الله عز وجل أن جعل الذرية الصالحة امتداد للإنسان في الدنيا وذخيرة له في العقبى، فليحسن الإنسان في تربية من يكون أحوج إليهم في ساعة انقطاعه عنهم..!
- إنَّ القرآن الكريم قد بين في عدة مواضع أن الإنسان مبتلى بأولاده وأمواله وهم فتنة له في هذه الدنيا؛ بل قد شدد اللهجة في آية أخرى فجعلهم أعداء الإنسان إن لم يحسن التعامل معهم، فقد يصدوه عن عمل الخير والإنفاق والجهاد في سبيل الله تحت ذرائع مختلفة..!
- لابد للإنسان أن يراقب أولاده ويحرص على معرفة أصدقائهم ومحيطهم الذي يقضون فيه معظم أوقاتهم وتتأكد هذه الرقابة عند بلوغ الولد سن البلوغ، وكم من الجميل أن يصبح الوليد لصيقاً بوالده فهو خير من يعلمه الضار من النافع.