- ThePlus Audio
العقل في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
إن لكل إنسان ظاهر وباطن، وقد حار الأطباء في ظاهر الإنسان بالرغم من أنه ظاهر مادي، ولم يكتشفوا أسراره كما هم يعترفون بذلك؛ فإذا كان البدن المادي بهذا التعقيد؛ فكيف بالطن الذي لا يرى، ولهذا فإن الإنسان الذي يريد أن يصل بنفسه إلى درجة من درجات التكامل عليه أن يكتشف الخارطة الباطنية؛ فالذي يريد أن ينمي بدنه يكتشف أسراره وكذلك الأمر بالنسبة لمن يريد أن ينمي باطنه.
وهنالك مجموعة من الأمور غير المرئية التي تؤثر في النفس تأثيراً بالغاً؛ كـ الشهوات والوساوس الشيطانية في الجانب السلبي ونداء الفطرة والعقل في الجانب الإيجابي، ولا يمكن الحديث عن العقل بهذه العجالة ولكن نحاول أن نلتمس آثار العقل في حياة الإنسان.
ويبدو أن العقل مأخوذ من كلمة العقال، وهي ما يمنع الدابة من الشرود، ثم استعمله الناس بمعنى العقل، والعقل هو عبارة عن ذلك الجهاز الذي يبطل مفعول الأجهزة السلبية الأخرى؛ فالوساوس والشهوات والإغراءات والشيطان وكل دواعي الشر هي بمثابة حيوان هائج؛ فإذا لم يمكن القضاء على هذا الحيوان فلابد من أن يقيد بالسلاسل، وهذا هو المتعارف، والعقل لا يزيل قوى الشر تماماً إلا أنه يبطل على أقل التقادير تأثير سائر القوى في حياة الإنسان.
وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) للعقل
ولاحظوا كيف يبين الإمام علي (ع) وهو إمام العقلاء بل رأسهم بعد أخيه المصطفى (ص) العقل بآثاره الخارجية، بعيداً عن الأبحاث الفلسفية كـ ماهية العقل وتركيبته وغير ذلك، فيرى الإمام (ع) أن من الآثار ترك الهذر واللغو من الحديث، والإنسان العاقل له باطن مشغول وهو مأنوس بنفسه، ومن أكبر موجبات الأنس أن يعيش الإنسان الصداقة مع نفسه، فهو ليس مضطرا أن يبحث عن صديق لخلوته، أو عن جهاز تلفاز أو عن كتاب – وإذا وجد الأنيس الموافق فأنعم به وأكرم – بل هو أكثر ما يأنس بنفسه وبعقله وبأفكاره التي اختزنها في نفسه طوال سنوات حياته.
وفي حديث آخر عن علي (ع) يصف فيه المتقين وصفاً غريبا فيقول أن الله عز وجل: (كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ)[١]، وما ذلك إلا درجة من درجات الوحي الخفيف أو الإلهام أو الألطاف أو الروع، والله عز وجل يسدد العبد المؤمن تسديداً عقلياً؛ فالعاقل يتبع كلامه بحكمة إذا تكلم وإذا سكت فكر وإذا نطق ذكر وإذا نظر اعتبر وهذه علامات العاقل وسماته.
من هم الذين أكمل الله عز وجل عقولهم؟
وإذا رأيتم الإنسان كثير الصمت من غير كآبة وعقدة في نفسه فاعلموا أنما يلقن الحكمة، وهنيئا لمن منحه الله عز وجل ذلك، والقرآن الكريم تعمد ذكر لقمان وهو ليس بنبي وجعله في قائمة الحكماء وهذا ما جعل الأنبياء والأئمة (ع) أن ينقلوا عنه فقرات من حكمه؛ بل القرآن الكريم قد خصه بسورة وهي سورة لقمان التي تناولت جانباً من حكمة هذا الإنسان الذي أكمل الله عز وجل فيه العقل وكما في الروايات الشريفة أن الله عز وجل لا يكمل العقل إلا في من يحب؛ أي أيها العقل لا تكمل إلا في النفوس التي وصلت إلى درجات القرب من المولى..!