- ThePlus Audio
من أهم أهداف الزواج
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
ضرورة التخصص في علم الإدارة وفنه
حديثي هو عن التعامل الأسري والتعامل الزوجي وهو حديث قد طرح في الآونة الأخيرة كثيرا، وقد سمعنا الكثير منه في الخطب والمنابر وقرأنا الكثير عنه في الكتب والمقالات؛ إلا إنني أحب في جلسة أو أكثر أن نحيط ببعض الأسس في التعامل الزوجي، وعصرنا هذا عصر البرمجة والقانون، ونحن نعلم هذه الأيام أن الذي يريد أن يصبح مديراً ناجحاً عليه أن يشارك في الدورات التثقيفية بخلاف الزمان السابق الذي كان المدير يثبت كفائته من خلال إدارة معمل أو إدارة قسم من أقسام الوزارة، واليوم يراد من مدير المجموعات الصغيرة أو الكبيرة أن يتخصص في علم الإدارة، ولقد سمعنا هذه الأيام بما يمكن أن نسميه ثورة في علم الإدارة وفي فن الإدارة، ورأينا الفارق الكبير بين المدير الذي يدخل هذه الدورات التثقيفية وبين المدير الذي يعتمد على فطرته وسجيته.
المدارس تفتقد هذه المادة العلمية المهمة..!
وفي التعامل الزوجي هناك علم قائم بنفسه، وليت هذا العلم يدون بشكل واضح جداُ ويدرس في المجالات المختلفة، ولا أدري إن كانت هذه المادة؛ تطرح كمادة علمية إلى جانب الكيمياء والفيزياء والجغرافيا والتاريخ، وخاصة أن الحياة الزوجية تتشكل من عنصري الرجل والمرأة، وكلٌ محتاج إلى تثقيف يناسبه، والمهم أن نعرف ما هو مشروع الحياة الزوجية؛ حتى نعلم المراد منه والهدف.
أهم أهداف الزواج
إن مشروع الحياة الزوجية – سواءً السابقة أو المستقبلية – هو مشروع يستهدف تكوين الجو النفسي الملائم لتحقق هذه الأهداف: الهدف الأول هو تكوين الجو الملائم لمسيرة الحياة السعيدة، ولا شك أن الإنسان له حياة مادية، فليس هو روح يعيش في الهواء؛ بل موجود يعيش على الأرض ويحتاج إلى استقرار وسكينة، فعندما يأتي الرجل إلى منزله؛ يحتاج إلى أن يصلي ويناجي ربه ويحتاج إلى طعام يتقوى به ويحتاج إلى حضن دافئ يستوعبه، ولهذا قيل (وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة) وإن لم يكن هذا المثل مطردا أو دقيقا مئة في المئة.
ولذلك عندما يأتي المرء إلى منزله ويجد الطعام معداً، ويحظى بالاستقبال والترحيب من الأم ومن أولادها؛ يرحبون بالأب ويخلعون عنه الجواريب مثلاً ويساعدونه على خلع ثيابه عند الوضوء لصلاته، سيكون أقوى على التركيز من ذلك الذي يأتي المنزل ليرى الطعام غير معد وليرى الوجوه المكفهرة، والأم تشكي أولادها والأولاد يشكون أمهم، فيصلي وهو محكوم بهذا الجو المتوتر ولهذا قيل أنَّ سعادة المرء في ثلاثة: (الزوجة المطيعة والدابة السريعة والدار الفسيحة)[١]
فالهدف الأول هو تكوين الجو الملائم لتمشية الأمور الحياتية المتعارفة، وأما الهدف الثاني من هذا المشروع المبارك: هو تكوين الجو النفسي الملائم لسلوك الإنسان الروحي؛ إذا أن الإنسان بحاجة إلى فراغ من الحياة المادية، وسلمان الفارسي باعتقادنا هو أول شخصية بعد الأئمة (ع) من بين أصحابهم وقد بلغ المرتبة العليا في الإيمان على ما نفهم من النصوص وأنه أعطي علم الأول والآخر، وسلمان المحمدي هذا يقول أنه يعيش حالة الاضطراب إذا لم أمن قوت السنة، والسعادة الزوجية قد لا تكون هدفاً في حد ذاتها وإلا فما فائدة السعادة الزوجية مع الشقاء الأخروي الروحي؟
دور الزواج في السلوك إلى الله عز وجل
وليس البلوغ قضية معنوية فحسب؛ بل يرى البعض أن البلوغ إحساس الصبي أو الصبية بدخول حياة جديدة، والبلوغ حقيقة مادية هرمونية، فهناك هرمونات تفرز في الدم، وهناك تحول فسيولوجي وسيكولوجي كما يقولون في نفسية الصبي والصبية يحتاج إلى إجابة، وهناك غليان يحتاج إلى تهدئة، ولذلك أصرت روايات أهل البيت (ع) على الزواج المبكر، لأن هناك دافع وضغط باطني يحتاج إل تنفيس، ولذلك فإن أصعب مرحلة في حياة الإنسان هي ما بعد بلوغه إلى حين زواجه، وعندما يراجع أيامه هذه؛ يرى أنه بحاجة إلى أن يقضي بعض صلواته وصيامه، فلا يعلم كيف صلى وكيف صام ويرى أنه قد ارتكب الكثير من المحرمات في هذه الفترة من حياته، إذاً التفرغ للسلوك الروحي هو من أهم أهداف الزواج.
استغل هذه الساعة من السكون والهدوء..!
ولهذا، من نعم الله عز وجل على العبد المؤمن أن فتح له أبواب الإقبال عليه في جوف الليل حتى وإن كان يعش منغصات عائلية أو عشائرية أو بيئية، وترون في السحر أن أغلب الناس يغطون في النوم؛ وحتى مجالس اللهو واللعب لا تستمر إلى صلاة الصبح، فهناك متنفس للإنسان في هذه الساعة.
والهدف الثالث من مشروع الحياة الزوجية هو تكوين الجو المناسب لتربية النسل الصالح، ولذلك عندما يذكر القرآن الكريم المفسدين في الأرض يقول: (ذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ)[٢]، وأنا أعتبر مسألة النسل الأهم الثاني بعد تأمين الذات: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ)[٣]، ولطالما رأينا وجود علماء أبرار كانوا مناراً للعلم لسنوات طويلة وإلى يومنا هذه تعيش الحوزات العلمية على تراث أحد العلماء الأبرار باسم الشيخ مرتضى الأنصاري، وهذا العالم عندما بشرت أمه بمرجعيته لم تتعجب وقالت: كنت أتوقع أكثر من ذلك؛ فقد تعبت كثيرا ي تربيته ولكن أكن أرضعه إلا على طهارة، وكان هو من مدينة دزفول فقيل له: يجب عليك أن تذهب إلى النجف الأشرف لإكمال دراستك، فاستخارت أمه لذلك – ولم تكن لستثقل أمٌ ربت ولدها بهذه العناية فراقه في طلب العلم – فجائت الآية الشريفة: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[٤]
تربية الجيل الصالح من أهم أهداف الزواج
إذا مسألة التربية الصالحة من أهم أهداف هذا المشروع، ولذلك لا تذكر السعادة الزوجية كأول هدف للزواج في الروايات الواردة عن النبي الأكرم (ص) والأئمة (ع) والتي منها: (اِخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ)[٥]، فلا ينبغي التفكير في اللذة الجنسية فقط وفي الزوجة الجميلة التي تشبع الرغبات أو المثقفة التي يحلو الحديث معها: (اِخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ اَلْخَالَ أَحَدُ اَلضَّجِيعَيْنِ)[٦]، (اِخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ اَلْخَالَ أَحَدُ اَلضَّجِيعَيْنِ)[٧].
والهدف الرابع – وهو النقطة الأخيرة من تعريف مشروع الزواج – تكوين الجو النفسي الملائم لتحقيق مبدأ الأسوة الحسنة، فالمجتمع بشكل عام يتشكل من الأسر والأسرة تتشكل من الأفراد، وأنت عندما تقدم صورة حسنة عن الأسرة السليمة التي يؤدي الأب فيها وظائفه كما ينبغي وتقوم الأم بواجباتها والأولاد يبشرون بالخير ووجوههم وجوه صالحة، تكون بذلك خير مبلغ لتكوين مثل هذه الأسر وتقدم لهم أفضل دعاية وإعلان، وهناك بعض الشباب يحجمون عن الزواج ويتعذرون بوجود تلك النماذج الفاشلة في الحياة الزوجية وقد طلب الأئمة (ع) منا أن نكون دعاة لهم بغير لسان؛ إذ نحن نحث الشباب على الزواج بالخطب وأمثالها إلا أن النماذج السعيدة دنيويا وأخرويا لهي خير دافع للشباب على الزواج.
أحب بناء عند الله سبحانه وتعالى..!
والنبي الأكرم (ص) قد عرف مشروع الزواج بكلمة واحدة: (مَا بُنِيَ بِنَاءٌ فِي اَلْإِسْلاَمِ أَحَبُّ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى مِنَ اَلتَّزْوِيجِ)[٨]، لم يقل بناء الجيش الإسلامي، فالجيش أفراده من العسكر وهم يتربون في الأسر ولم يقل بناء المدارس؛ فالمدارس تتشكل من طلاب الصالحون الذين يتربون في الأسر الصالحة.
تدارك أمر أسرتك قبل فوات الأوان..!
وبعد هذا التعريف الدقيق بحسب الظاهر، سنتحدث عن أسس التعامل الزوجي، وقد يسأل بعض الإخوة الذين تقدم بهم العمر أن المسألة قد فاتتهم وأن الأجدر بهذا الحديث أولادهم وأحفادهم، وهؤلاء لم يلتفتوا إلى أن الإنسان كل يوم هو شأن وليس هناك شيء اسمه اليأس المطلق أو إيقاف النمو، وينبغي للإنسان أن يستمر في تنمية ذاته وأسرته إلى آخر لحظة من لحظات حياته وكما هو معني بإصلاح ما فسد من نفسه فهو معني بترميم أسرتي المتصدعة، فإن كنت لا تتقن التعامل الزوجي أو كنت تعيش في بيئة منحرفة أو في أجواء ضاغطة؛ فتدارك الآن ما فات، ليست التوبة فقط الجانب في الفردي بل هي كذلك في الجانب الاجتماعي من حياة الإنسان، وبإمكانك أن تصلح العلاقة مع زوجتك التي كنت تشتكي منها طوال حياتك في ليلة واحدة.
المدد الإلهي للراغبين بالإصلاح الزوجي
والقرآن الكريم يبشرنا بالتوفيق في ذلك فيقول: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)[٩]، لا تقل أن القضية انتهت، ولا تقل أن السيل قد بلغ الزبى وأن العود اشتد ويبس، بل اعلم: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)[١٠]وهذه الآية هي من أسرار القرآن الكريم المهمة جداً، وتفتح آفاقا كبيرة في علوم النفس والأسرة والاجتماع، فقلبك يريد شيئاً من النفور والبغض والحقد والإعراض؛ ولكن الله عز وجل يحول بينك وبين ما يريد قلبك: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[١١].
من الذي يستفيد من حديثي هذا؟
وحديثي هذا موجه إلى الشاب الذي يريد التزويج والفتاة التي هي مخطوبة بالفعل، ومن مضى من حياته الزوجية سنوات قلائل، والإنسان الذي تقدم به العمر وأول مبدأ من مبادئ الحياة الزوجية استله من القرآن الذي يهتم لأمر الإنسان وأسرته والذي قال عنه عز وجل: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)[١٢].
وصف القرآن الكريم للحياة الزوجية باللباس
إن القرآن الكريم قد عبر عن الحياة الزوجية بتعبير دقيق وظريف في آن واحد إذ يقول: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)[١٣]، فلماذا شبه القرآن الكريم الزوجين باللباس؟ وأنا أسمي هذا المبدأ؛ مبدأ اللباسية تفألا بالقرآن الكريم، وهنا نستفيد من الآية معنيين، أحدهما: أن اللباس زينة، ويقول العلماء عند تفسير قوله سبحانه: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[١٤]أن المراد من الزينة اللباس.
يريد القرآن من هذا الوصف أن يقول: أن الحياة الزوجية في الواقع مجال خصب لنمو الملكات الصالحة، فأنت قد تكون إنسان حليما وليس ثم ما يظهر حلمك من الإثارة والاستفزاز، فعندما تتزوج وتغيضك المرأة في حالة من حالات ضعفها البدني والروحي هنا تظهر عند ملكة الحلم وتنمو، ولهذا فإن مبدأ الغفارية الذي هو مبدأ إلهي لا يتجلى في الدنيا بشكل واضح بل يكون التجلي في يوم القيامة، لأنه ثم مجال الرحمة، وكذلك الملكات الباطنية من قبيل الحلم والصبر والعفة وكظم الغيظ والتعالي عن سفاسف الأمور لا تظهر إلا بعد الاحتكاك مع الآخرين، فازينة بمعنى أن المرأة أرض خصبة لنمو الملكات الحميدة في الرجل والرجل كذلك.
والبعض للأسف الشديد، عندما يريد أن يعرف المرأة ينقل رواية عن أمير المؤمنين (ع) في المرأة أنها شر لا بد منه، – ونحن لا نعلم إن كانت هذه الرواية صادرة عنه، وما معناها إن كانت صادرة عنه – بدل أن يعرف المرأة بالرويات الصريحة التي لا لبس فيها ولا غموض كقول الصادق (ع): (إِنَّمَا اَلْمَرْأَةُ قِلاَدَةٌ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقَلَّدُهُ)[١٥]؛ أي أن المرأة زينة تعلقها على رقبتك فانظر ما تتقلد، وعندما تريد الزواج اعلم أنها قلادة لا تنفصل عنك إلا بالموت أو الطلاق لا سمح الله.
وفي الحقيقة إن عمر الرجل والمرأة متداخلان وينقضي معا، فالإنسان يأتي إلى المنزل ويرى أمامه امرأة، والمرأة ترى أمامها رجلاً وإذا لم تكن هناك أجواء منمية وانسجام ثقافي وروحي؛ فسيعطي الإنسان عمره إلى من لا يستحق، فلو لم يكن الرجل أهلا ولو لم تكن المرأة أهلا، لضاع ريعان الشباب وما يسمى بشهر العسل وما بعده من السنوات لصالح من لا يستحق هذا العمر وهذا الجوار، والخسارة كبيرة لمن لا يقترن بالشخص الصالح، اطلبوا من الله عز وجل أن يرزقهم صديق العمر الذي يستحق أن يعطى له العمر، ونلاحظ أن الرجل والمرأة بعد تزويج أولادهم ذكرانا وإناثا، يعيشون في المنزل لوحدهم في جو متوتر ومكهرب مليئ بالغيبة والنميمة وما شابه ذلك؛ بدل أن يتزودوا في أواخر حياتهم لآخرتهم وهم على مقربة من الموت وقد ينزل بهم في كل لحظة.
ثم يكمل الإمام الصادق حديثه: (لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ خَطَرٌ لاَ لِصَالِحَتِهِنَّ وَ لاَ لِطَالِحَتِهِنَّ أَمَّا صَالِحَتُهُنَّ فَلَيْسَ خَطَرُهَا اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ بَلْ هِيَ خَيْرٌ مِنَ اَلذَّهَبِ وَ اَلْفِضَّةِ وَ أَمَّا طَالِحَتُهُنَّ فَلَيْسَ اَلتُّرَابُ خَطَرَهَا بَلِ اَلتُّرَابُ خَيْرٌ مِنْهَا)[١٦]؛ أي أنه لا قيمة للمرأة الصالحة فهي لا تستبدل بالأموال والذهب والفضة فهذا شيء غير منطقي، والطالحة كذلك لا قيمة لها فهي كالتراب بل التراب أفضل منها بكثير، وهكذا تطرح المرأة في المفهوم الإسلامي.
ووجه الشبه الثاني هو أن اللباس يستر عورة الإنسان، ولذا عندما طرد آدم من الجنة لأجل المخالفة المعهودة؛ هبط عارياً: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)[١٧]، ولا يهمنا إن كان ورق تلك الشجرة من التوت أو غيره، المهم أن العورة انكشفت وكان هذا شيئاً مستهجنا حتى لإنسان كان يعيش وحده، والمرأة والرجل كلاهما يستران بعضهما البعض من أمور كثيرة، والشاب الذي يعيش حالة العزوبية وحالة الوحدة يتعرض لآفات كثيرة وليس بإمكان الكل أن يتأقلم مع الوحدة أو أن يعيش الوحدة الصحيحة.
وهذا الشعر المعروف فيه شيء من الصحة:
أَنَّ الشَبابَ وَالفَراغَ وَالجِدَة مَفسَدَةٌ لِلمَرءِ أَيُّ مَفسَدَة[١٨]
إي أن الشباب والفراغ والثروة تفسد الإنسان، الشاب الذي لديه طموح وعنده حالة من حالات فوران اللشهوة ولديه من المال ما يمكنه من شراء ما يشاء؛ فطبيعي أن يكون الشيطان رابعها وهو السمسار الأعظم والسمسار المتمرس، ولهذا فإن من يعيش في ظل الحياة الأسرية؛ مستور إجمالاً إلا أن يكفر بهذه النعمة ولا يعرف قدر زوجته، أو تكفر هي بهذه النعمة.
الصبر من أهم مقومات الحياة الزوجية
والصبر هو المبدأ الثاني من مبادئ الحياة الزوجية، وقد قلت: أن استيعاب هذه المبادئ ستعالج إن شاءالله على ما أظن بعض السلبيات أو تمنع وقوعها، وفي الحقيقة لا يمكن الإنسان أن يحقق ما يريد في هذه الحياة الدنيا، لأجل التزاحم في المصالح، فهناك من يريد أن يبيع بضاعته وهي موجودة عند تاجر آخر فكلاهما يسوقان لبضاعة واحدة وهنا يبدأ التنافس والتناحر فيما بينهما، أو هناك من يريد أن يصل إلى منصب إداري؛ كأن يصبح وكيل وزير أو رئيس قسم، وهناك من هو مرشح لهذه المناصب فيبدأ بينهما الاحتكاك.
وقد تريد الزوجة منك شيئاً والأم تريد منك شيئا آخر فيبدأ النزاع المعروف بين الزوجات وبين أمهات الأزواج، وهذا النزاع يبدو أنه موجود في كل الأمم والشعوب قديماً وحديثاً، وهناك نوع من التنافر؛ إذ أن الأم بفطرتها ومن دون تفكير تعتقد أنها تقدم ثمرة حياتها لقمة سائغة بيد الزوجة، وتعتقد أن الزوجة خطفت منها عشرين سنة من الكد والصرف والمحبة في ليلة واحدة لتعيش معه حياة غرامية ينسى الولد فيها حقوق الأم العجوزة المسكينة التي صرفت جل حياتها في ذل خدمته.
والمهم أن الحياة لا تخلو من تنافر؛ فالإنسان له متطلبات والرزق مقسوم بين العباد: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)[١٩]، وتعرفون أن البيت الكبير والسيارة الفارهة والأثاث الفاخر والسفرات الترفيهية كلها أمور تحتاج للمادة يقصر عن بلوغها من لا مال له.
والحياة الزوجية تحتاج إلى الصبر أمام المصائب؛ مصائب الأبدان والنفوس، فكلما تعددت أفراد العائلة ارتفع احتمال الإصابة، كالرامي الذي يرمي وأمامه شخص واحد والرامي الذي يرمي وأمامه خمسة أشخاص، إذا لا شك احتمال الإصابة تزيد بزيادة الأفراد، والإنسان الأعزب احتمال تعرضه للبلاء أقل من الذي يمتلك زوجة وأولاداً؛ إذ لكل ولد مشاكله وللزوجة مشاكلها أيضا، والمؤمن يقدم عقابه في هذه الدنيا فهو إنسان دائم الابتلاء وقد قرأت رواية عن الإمام السجاد (ع) يقول فيها بما مضمونه أنه ما خير بين الدنيا والآخرة واختار الدنيا إلا رأى ما يسوءه قبل أن ينقضي اليوم.
أكثر الناس ابتلاء في الحياة الدنيا
ولهذا قد يتبرم بعض المؤمنين من المشاكل التي يعيشونها وقد يقول: يا رب إلى متى؟ ما الذي ارتكبته حتى تنزل على البلاء؟ والروايات كثيرة في أن المؤمن يزداد بلاؤه كلما زاد إيمانه، والبلاء للأمثل وأشد الناس قربا من الله عز وجل أكثرهم بلاءً ولو كان الله عز وجل يريد أن يعفي أحداً من البلاء لأعفى الأنبياء والحال أنهم الأكثر بلاء في هذه الدنيا ومع تقدم العمر تكثر المصائب والابتلاءات ويكون الإنسان معرضا لأمراض الشيخوخة من قبيل الضغط والسكر.
تربية الأبناء في عصر التكنولوجيا والإعلام
وتربية الأولاد من الأمور التي تستلزم منا الصبر وهي من الأمور المشتركة بين الزوجين، ويبدو أن ظاهرة مشاكسة وشيطنة الأولاد في حياتنا اليوم لا تقاس بالسنين الثلاثين والأربعين والخمسين الماضية والسبب في ذلك أمران رئيسيان – وإن كان الأمر يحتاج إلى دراسة أكاديمية وأنا لم أدرس هذه الظاهرة العلمية – أحدهما: وجود أجهزة الإعلانات المختلفة التي تربي الأطفال على العنف؛ كأفلام العنف وأفلام المصارعة وما شابه ذلك مما يجعل الطفل يعيش حالة من العدوانية اللافطرية، فهو مفطور على خلاف ذلك ولكن وسائل الإعلام المختلفة تسوقه قهرا إلى ذلك، ولهذا نلاحظ الأطفال في هذه السن؛ يصرون على آباءهم أن يشتروا لهم الأفلام في مجال العنف والتكسير وما شابه ذلك.
والأمر الثاني هو تأثير الجو الاجتماعي من قبيل البيئة والمدرسة والشارع على سلوك الطفل، ونحن نلاحظ أن الطفل يناقش والديه في سن مبكرة ولا يأتمر بأوامرهما ما لم يعرف السبب من ذلك، وعندما يطلب شيئا كهاتف النقال مثلاً ويواجه بالرفض؛ يواجه أبويه بعدة أعذار وينقاشهما بكل جرأة ولا يكتفي بأن والديه ينصحانه، بل يتعامل معهما معاملة الند للند، فلا يسكت إذا لم يقتنع بل قد يتمرد عليهما ويهدد بترك الصلاة والمسجد وما شابه ذلك، وحقيقة تربية الأولاد في هذا العصر من أصعب الأمور.
رأي الشريعة في تحديد النسل
وقد يسأل عن رأي الشريعة حول تحديد النسل أو إكثاره، فالبعض يأخذ بإطلاق الروايات التي تحث على التناكح والتناسل ويرى آخرون أن هذه الروايات ينبغي أن توضع في جوها المناسب؛ أي أنَّ التناكح والتناسل في الأصل صحيح، أما الذي يعيش جو الهجرة أو يعيش في بيئة ضاغطة أو غير مستقرة؛ هل هو معنيٌ أيضا بهذه الروايات؟ هل يتناسل في ذمة الله؟
القضية بحاجة إلى الحكمة والإسلام هو دين العقل والحكمة، ولكل حادث حديث ولكل شيء ظروفه الخاصة، وأنا لست بصدد أن أطلق القول سلبا أو إيجابا، بلى من يستطيع أن يثقل الأرض بلا إله إلا الله فلا مانع من ذلك، والسادة الموسويون الذين ملئوا شرق الأرض وغربها هم من بركات الإمام موسى بن جعفر (ع) الذي كان كثير الذرية، والسيدة المعصومة (س) ولعل الكثير من أبناء الأئمة المدفونين في إيران والعراق هم من أبناء الكاظم (ع).
الاختلاف بين الزوجين من الأمور الطبيعية
ومن الأمور المهمة في الحياة الزوجية تحمل طباع الآخر، وليس الزوج والزوجة عبارة عن تفاحة انقسمت إلى نصفين حتى يتطابقا مع الآخر، وقد يكون الرجل من جنسية والمرأة من جنسية أخرى أو بيئة أخرى، فلا يتوقع أن يتطابقا بالكامل كطابوقتين صنعتا في مصنع واحد، فإذا كانت نسبة الاختلاف ثلاثين بالمئة فأنت محظوظ وقد تكون النسبة مئة بالمئة أو خمسين بالمئة، وإذا كانت نسبة الاختلاف وعدم التطابق في المزاج عشرة أو عشرين بالمئة فهذا أمر طبيعي جداً ومتعارف، وقد كنت أقرأ رواية في حياة الإمام السجاد (ع) عندما وقع طفله في البئر وهو يصلي، فلم يقطع صلاته مما جعل أم الولد تقول: ما أقسى قلوبكم أهل البيت؛ أي كيف تصلي وابنك ساقط في البئر.
إذا حتى زوجات الأئمة (ع) كانت لهم في بعض الأحيان مواقف غير مناسبة، وأما زوجات الإمام الحسن والإمام الجواد (ع) قد بلغتا من السوء ما بلغتا، وحتى زوجات سائر الأئمة (ع) لم يكنَّ مطابقات في المزاج مع الأئمة (ع) كثيرا، فقد يكون الرجل بارداً والمرأة حارة حادة، وقد يكتفي الرجل بالنوم القليل وتكون المرأة تحب النوم الكثير، وقد يكون الرجل أكولا والمرأة زاهدة في الطعام، فاختلاف الأمزجة لا ينبغي أن يكون سبباً في نشوب الحرب والخلاف بين الزوجين أو أساسا في تعميق الخلافات بينهما.
ملخص الكلام
وملخص الكلام، قلنا أن الحياة الزوجية مشروع يتوخى هذه الأهداف الأربعة: تهيئة الجو المناسب لمسيرة الحياة المادية السعيدة في هذه الدنيا ومن ثم تكوين الجو الملائم للمسيرة الروحية والسير إلى الله عز وجل، ومن ثم تكوين الجو المناسب لتربية الذرية الصالحة وأخيراً تكوين الجو المناسب لتقديم الأسوة الصالحة.
وقد تحدثت عن مبدأين مهمين وهما: مبدأ اللباسية ومبدأ الصبر، وهذه الرواية النبوية هي خير ما أختم به حديثي: (مِنْ أَقَلِّ مَا أُوتِيتُمُ اَلْيَقِينُ وَ عَزِيمَةُ اَلصَّبْرِ)[٢٠]؛ أي عندكم ضعف اعتقادي وليس عندكم وضوح في الرؤيا وليس لكم صبر في عالم السلوك: (وَمَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْهُمَا لَمْ يُبَالِ مَا فَاتَهُ مِنْ قِيَامِ اَللَّيْلِ وَصِيَامِ اَلنَّهَارِ)[٢١]؛ أي اليقين والصبر، وأن لا تكون موفقا في المستحبات وفي قيام الليل وفي صيام النهار هذه ليست مشكلة كبيرة ما دامت فيك الملكات الحميدة، وما فائدة من يعيش الملكات الخبيثة وهو في موفق في العبادة؟ ويقول النبي (ص): (وَلَأَنْ تَصْبِرُوا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُوَافِيَنِي كُلُّ اِمْرِئٍ مِنْكُمْ بِمِثْلِ عَمَلِ جَمِيعِكُمْ)[٢٢]؛ أي أنا لا أريد منكم الأعمال الكثيرة بقدر ما أريد منكم الخصال الحميدة، ولأن يأتيني الإنسان بهاتين الخصلتين أحب إلي من أن يأتيني كل امرئ بعمل الجميع.
إلهي بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها صل على محمد وآل محمد وعجل لوليك الفرج والعافية والنصر واجعلنا من أنصاره وأعوانه، وإلى أرواح المؤمنين والمؤمنات نهدي ثواب الفاتحة مع الصلوات.
[٢] سورة البقرة: ٢٠٥.
[٣] سورة التحريم: ٦.
[٤] سورة القصص: ٧.
[٥] الکافي ج٥ ص٣٣٢.
[٦] الکافي ج٥ ص٣٣٢.
[٧] الکافي ج٥ ص٣٣٢.
[٨] من لا یحضره الفقیه ج٣ ص٣٨٣.
[٩] سورة النساء: ٣٥.
[١٠] سورة الأنفال: ٢٤.
[١١] سورة التكوير: ٢٩.
[١٢] سورة الأنعام: ٣٨.
[١٣] سورة البقرة: ١٨٧.
[١٤] سورة الأعراف: ٣١.
[١٥] الکافي ج٥ ص٣٣٢..
[١٦] وسائل الشیعة ج٢٠ ص٤٧.
[١٧] سورة طه: ١٢١.
[١٨] أبوالعتاهية.
[١٩] سورة النساء: ٣٢.
[٢٠] مسکّن الفؤاد ج١ ص٤١.
[٢١] مسکّن الفؤاد ج١ ص٤١.
[٢٢] مسکّن الفؤاد ج١ ص٤١.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- تتلخص أهداف الزواج في هذه الأمور الأربعة: تكوين الجو المناسب للسعادة الدنيوية وتهيئة أرضية النمو الروحي وتربية الذرية الصالحة ومن ثم تكوين الأسوة المناسبة للشباب في سوقهم نحو هذا المشروع المقدس.
- إن تربية الجيل الصالح من أهم أهداف الزواج، ولذلك لا تذكر السعادة الزوجية كأول هدف للزواج في الروايات الواردة عن النبي الأكرم (ص) والأئمة (ع): (اِخْتَارُوا لِنُطَفِكُمْ)، فلا ينبغي التفكير في اللذة الجنسية فقط وفي الزوجة الجميلة التي تشبع الرغبات أو المثقفة التي يحلو الحديث معها
- إن النبي الأكرم (ص) قد عرف مشروع الزواج بكلمة واحدة: (مَا بُنِيَ بِنَاءٌ فِي اَلْإِسْلاَمِ أحبُّ إِلى الله تعالى من اَلتَّزويجِ)، لم يقل بناء الجيش، فالجيش أفراده من العسكر وهم يتربون في الأسر ولم يقل بناء المدارس؛ فالمدارس تتشكل من الطلاب الصالحين الذين يتربون في الأسر الصالحة
- على المدارس أن تدرس مادة مستقلة في التعامل الزوجي إلى جانب إلى جانب الكيمياء والفيزياء والجغرافيا والتاريخ لما تشكل هذه المادة من تأثير كبير على مستقبل الأفراد في المجتمع، فالأسرة هي اللبنة الأولى من كل بناء.