- ThePlus Audio
عظمة شهر رمضان وأهم الأعمال فيه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
إنَّ شهررمضان هو شهر مصيري في حياة الأفراد والأمة، وقد يسأل سائل أننا نفهم أنه مصيري في حياة الأفراد فكيف هو مصيري في حياة الأمة؟ وبالطبع الإجابة واضحة على هذا التسائل، وهو أنَّ صلاح الأمة من صلاح أفرادها ونجاة الأمة في نجاة أفرادها وقد ذكر سبحانه أنَّ التغيير في الأمة يمر عبر تغيير الذوات: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[١].
عظمة شهر رمضان
إنَّ شهر رمضان شهر عظيم وهو أفضل الشهور عند الله سبحانه، وساعاته أفضل الساعات وأيامه أفضل الأيام، ولذلك نلاحظ أن الشيطان وهو أعدى أعداء بني آدم والذي قال سبحانه عنه: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[٢]، يحاول أن يسوف على الإنسان ويبقيه في أدنى الدرجات الممكنة، والمؤمن في جميع الأحوال يربح ويفوز ويتقدم بلا شك في شهر رمضان إلا أنَّ الشيطان يحاول أن يقلص المكاسب والنتائج الحميدة إلى أقصى حدٍ ممكن.
كيف نختم القرآن الكريم في شهر رمضان؟
ولهذا أهيب بالإخوة والأخوات أن يستغلوا هذا الشهر من أول أيامه، وهناك مثل يقول: أن الجمل بعظمته وثقله يجر من حبل بسيط معلق على رقبته، ومن أخذ الجمل برقبته فقد أخذه بجميعه، فليحاول الإنسان أن يبرمج لنفسه في هذا الشهر ويلتزم بالصلوات الواردة في ليالي شهر رمضان وختم القرآن الكريم، وهناك ختمتان للقرآن: ختمة خاصة وختمة عامة، ختمة تكون للتلاوة والثواب والآية تعدل ختمة في هذا الشهر، فيقرأ على سبيل المثال: (مُدْهَامَّتَانِ)[٣]؛ فتكتب له ختمة في دفتر أعماله، وهناك ختمة للتدبر وهي الختمة التي كان أئمتنا عليهم السلام يعنونها بقولهم: إنا نختم القرآن في شهر واحد، وهي ختمة متميزة براد منها التدبر والتأمل والعيش في رحاب القرآن الكريم، وأخذ الدروس والعبر منه.
لنتخذ هذا الشعار في شهر رمضان
وينبغي أن نبرمج لأنفسنا على جميع الأصعدة ولنختار شعاراً متميزاً لأنفسنا – وإن لم نعمل به – وهو أن يكون شهر رمضان عامنا هذا خير من أي شهر رمضان مر علينا في حياتنا، ولنحاول أن نبحث عن نقاط التميز في هذا الشهر المبارك، وأن نبحث عن شيء نضيفه إلى امتيازات شهر رمضان المنصرم؛ وإلا سنكون كما قال أمير المؤمنين (ع) وقائد الغر المحجلين وشهيد شهر رمضان: (مَنِ اِعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ)[٤]، هذا بالنسبة لمن اعتدل يوماه فكيف بالذي تأخر في يومه عن أمسه فهو إنسان مغبون غبناً مضاعفاً بل هو الخسران المبين.
التكمال الروحي في شهر رمضان المبارك
وقد يسأل البعض عن الأعمال الجديدة التي يمكنه القيام بها في شهر رمضان، ونقول: أن التكامل الروحي والتعالي النفسي لا ينتهي عند درجة ويمكن القول أنَّ درجاتها شبه متناهية أو غير متناهية، وهناك عبارة معروفة عند القوم: لا تكرار في التجلي. إنَّ التجليات الإلهية لعبده المؤمن لا تكرار فيها؛ فكل يوم يتجلى فيه سبحانه للعبد ويفيض على المؤمن بما يختلف عن الأيام الماضية.
هل نستطيع أن نصل إلى درجة ذكر الله عز وجل على الدوام؟
وبإمكان الإنسان أن يترقى في درجات القرب إلى الله عز وجل بما لم يعهده في حياته، ومن هذه الدرجات الذكر الدائم وإن كانت درجة غير ممكنة لنا نحن كأفراد عاديين أو صعبة جداً، ولكن بإمكاننا أن نوسع من دائرة الذكر، فالذي يذكر الله عز وجل في صلاته ليذكره عقيب صلاته، ومن كان يذكره عقيب الصلاة فليذكره بين الفريضتين وهناك مجال واسع للتسابق والتقدم والرقي فليس ثمة باب مغلق وهذه نقطة.
مراقبة الله عز وجل في جميع أيام السنة وشهورها
والنقطة الثانية هي: أنَّ شهر رمضان ليس شهراً مفصولا عن سائر أيام السنة، وليس هذا الشهر بمثابة حديقة جميلة ندخلها ونشم الهواء ونستمتع للحظات ثم نخرج منها كما دخلنا لا نحمل معنا شيئا من نفحات تلك الحديقة ولا نملك شبراً منها؛ وإنما هي حديقة الدولة أو حديقة يملكها آخرون، فينبغي أن نخرج من شهر رمضان بفائدة، وللأسف الشديد هناك من الناس من لا يصلي إلا في هذا الشهر ولا يترك الحرام إلا فيه، وكأن الله عز وجل لا يراقبنا في سائر الشهور، والحال أننا نقرأ في دعاء الإمام في شهر شعبان: (وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً)[٥]
شهر رمضان شهر التصفية والتكرير..!
إنَّ شهر رمضان هو شهر تصفية وتكرير لما قبله ومحطة انطلاق لما بعده، ولو ارتكب أحدنا ذنباً واحدا من شهر شوال وحتى شهر شعبان من قول أو سمع أو نظرة – ومن منا يخلو من ذنب من هذه الذنوب – لأصبح المجموع ثلاث مائة وستون ذنباً قد سجل في دفتر الأعمال، أفلا تحتاج هذه الذنوب إلى تصفية ومراجعة؟ وهناك من الذنوب ما تذر الديار بلاقع كما ذكر في بعض الروايات؛ كاليمين الغموس، وهو أن يحلف الإنسان كذباُ وبحسب تعبير المعصوم؛ إنَّ هذا الذنب يذر الديار بلاقع؛ أي خالية من أهلها وهو ذنب صغير؛ فكيف بالأمور التي يفوق وزرها عند الله عز وجل اليمين الغموس؟ وليس اليمين الكاذب إلا شيئاً بين العبد وربه فقد هتط بقسمه حرمة الاسم الأعظم، ولكن هناك من الذنوب ما هو أعظم؛ كـ هتك حرمة المؤمن وتشويه سمعته وغير ذلك من الذنوب التي يظلم الهواء لأجلها وتعجل الفناء كما نقرأ ذلك في أدعية أهل البيت (ع).
شهر رمضان محطة للانطلاق لما بعده
ونحن نلاحظ بحمدالله أن الكثير يوفقون في الشق الأول من شهر رمضان، فهم مقبلون على الله عز وجل في ليالي القدر وسائر أيام الشهر الفضيل ولا يمر شهر رمضان على المؤمنين ومحبي أهل البيت (ع) إلا ولهم دموع تذرف في سبيل الله؛ إما في مصائب أهل البيت (ع) وإما خوفاً وفرقاً من الله عز وجل، وكلاهما في طاعة الله سبحانه. ومن مكاسب شهر رمضان المغفرة وهو مكسب يعتد به، إلا أنَّ هناك حالة من حالات الوقوف والخمود بعد هذا الشهر المبارك، ولهذا يمكن القول أن أسوأ شهر يمر على الإنسان وأكثرها جفافاً هو شهر شوال، فأين تلك المجالس والسهرات وتلك الساعات المباركة في السحر وقراءة القرآن في شهر شوال؟ وعلينا أن نطلب من الله عز وجل أن يكون سعينا ورغبتنا في التهيئة لشهر رمضان والعمل على تصفية النفس والاستعداد لانطلاقة قوية بعده.
وأما النقطة الثالثة في هذا المجال هي أن النفس كالأجسام الساكنة التي درسنا في الفيزياء أنها تميل إلى السكون بطبيعتها وإنما تحتاج حركتها إلى دليل ودافع، كما أننا نشاهد في بعض الجبال الحجر المعلق لملايين السنين على قمته وهو على حاله وقد يحتاج إلى حركة بسيطة لينحدر من أعلى الجبال إلى أسفل الوادي.
إنَّ الإنسان لو ترك نفسه وشأنها لبقيت على ما هي عليه، ونحن نلاحظ أنَّ صلاة بعض الكبار في السن هي نفس صلاتهم أيام البلوغ عندما تقيسها بصلاتهم في الستين والسبعين من عمرهم؛ بل قبيل الاحتضار والموت؛ سواء في الفقه الظاهري أو في الفقه الباطني وسواء في الشكل الظاهري وكيفية الأداء أو في الإقبال على الله عز وجل. وقد سمعت عن من يتوضأ ويغتسل بصورة باطلة منذ أيام بلوغه عندما كان جاهلاً وإلى الآن.
العبادة الجوارحية أم العبادة الجوانحية؟!
إنَّ الإنسان ما لم يقم بحركة انقلابية ثورية في مجال التغيير؛ سيبقى على ما هو عليه، وسيمر عليه شهر رمضان مرور الكرام، وقد قلنا أنَّ روح العبادة هي التغيير؛ فقد ينظر الإنسان إلى عشرات الختمات وآلاف الركعات التي قام بها في شهر رمضان وصيامه للشهر وحضوره في كافة مجالس أهل البيت (ع) واستضافته لكذا عدد من المؤمنين ممن أفطرهم وأنَّ فضل كل إفطار صائم عتق رقبة من ولد إسماعيل (ع)، إلى آخر ذلك من الأعمال وهذا كله في جانب وتغيير الذات في جانب آخر، وعلينا أن لا نخلط هذا بذاك وهي وإن كانت عبادة تقرب الإنسان إلى الله عز وجل إلا أنها عبادة جوارحية الأفضل منها العبادة الجوانحية والعمل الباطني كما ورد ذلك في الروايات الشريفة.
ما هي أفضل الأعمال في شهر رمضان المبارك؟
وماذا أجاب النبي (ص) تلميذه الأول عندما سأله عن أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ قال (ص): (أَفْضَلُ اَلْأَعْمَالِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٦]، وهو الانكماش والتقهقر والرفض المطلق لكل ما يسخط الله سبحانه وتعالى، ولو وضعت إنساناً أتى بكل المستحبات في هذا الشهر من أوله إلى آخره وله نقص في ورعه في كفة، ووضعت في كفة أخرى من اكتفى بالصوم والواجب من الفرائض ولم يحي حتى ليالي القدر إلا أنه تورع عن محارم الله عز وجل؛ فهو خير من ذاك الذي أتعب نفسسه بالعبادة ولم يغير من نفسه شيئاً بمنطق النبي (ص) ومنطق أمير المؤمنين (ع) وهو القائل: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ اَلظَّمَأُ وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ اَلْعَنَاءُ)[٧] وأجاركم الله من هذه العبارة: (كَمْ مِنْ قَارِئٍ لِلْقُرْآنِ وَاَلْقُرْآنُ يَلْعَنُهُ)[٨].
الشقي من حرم غفران الله عزوجل في شهر رمضان المبارك
وينبغي للإنسان أن يسعى إلى التغيير دائماً وخصوصاً الشباب في مقتبل العمر، وقد لا يوفق كبار السن إلى التغيير، ولماذا لا نفكر في تغيير جوهري في حياتنا؟ سواءً كان هذا التغيير في العالم المادي أو في الحياة الزوجية أو في المعاشرات الاجتماعية أو في أي مجال آخر، وشهر رمضان هو وقت هذا التغيير وموسمه: (فَالشَّقِيُّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اَللَّهِ فِيهِ)[٩]، ولا يرجى لمن خرج خالي اليدين في هذا الشهر أن يكتسب شيئاُ في غيره إلا أنيدرك يوم عرفة ولا يُدرى أ يوفق لذلك أم لا؟ وأين اليوم الواحد من ثلاثون يوماً وليلة؟ لا ريب أن مجال التغيير هنا أكبر بكثير.
شرف المكان والزمان والحال..!
والنقطة الرابعة بالنسبة إلى شهر رمضان هي أن الله سبحانه له سياسة معهودة منه وهي ليست سياسة سرية بل إنَّه سبحانه قد كشف اللثام عنها رحمة بعباده وهي الفرص التي أتاحها لعباده المؤمنين؛ الفرص الزمانية والمكانية والحالية.
والفرص المكانية هي البقاع المشرفة وعلى رأسها بيت الحرام الذي قال عنه النبي (ص): (مَنْ حَجَّ هَذَا اَلْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)[١٠]، وقد رأينا أعم من ذلك في بعض النصوص، وهي من ذهب إلى بيت الله عز وجل وليس فيها تعبير الحج ولا تعبير العمرة وطاف سبعة أشواط وصلى خلف المقام، ضرب على كتفه ملك وقال اذهب واستأنف العمل فقد غفر لك ما مضى من ذنوبك.
ومنها قبة الحسين (ع) رزقنا الله وإياكم أن نكون تحت تلك القبة السامية التي يستجاب الدعاء تحتها ومن الأدعية الاستغفار، ومنها المساجد وهي بيوت الله عز وجل وضمن هذه الدائرة المباركة.
وهناك الفرص الزمانية وعلى رأسها شهر رمضان المبارك، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر؛ أي خير من ثثمانين سنة من عمر الإنسان، وهذا كنز أودعه الله في هذا الشهر المبارك، ولو لم ينزل بذلك قرآناً لاستغرب البعض أن تكون ليلة من غروب الشمس حتى مطلعها خير من ألف شهر وسلام حتى مطلع الفجر، وفي الآية سر عظيم وهو قوله: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، فلم يقل سبحانه أن الليلة تساوي ثمانين سنة؛ بل خير منها ولا نعلم إن كانت خير منها بضعف أو ضعفين أو عشرة أضعاف؛ فالآية مبهمة كما في قوله سبحانه: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)[١١]، وذلك لتشجيع المؤمنين على قيام الليل، وفي أذهان الناس هو أنَّ هذه الليلة تساوي ألف شهر والحال أنَّ القرآن لم يقل ذلك.
وقد كسر الله سبحانه الموازين في هذه الليلة فالمفروض أن تكون ليلة عبادة في مقابل ليلة أجر لقوله سبحانه: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[١٢]، ولكنه سبحانه أعطى لعباده هذه المنحة العظيمة؛ إذ جعل العبادة في هذه الليلة خير من ألف شهر، وقس على ذلك النفحات الإلهية.
إنَّ الآيات والروايات الواردة في ليالي القدر وغيرها من الأيام والليالي في شهررمضان المبارك، تكشف عن الرحمة الغامرة وعن شيء عظيم لا نعلمه، نعم، قد قال النبي (ص) عن شهر رمضان: (إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اَللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَاَلرَّحْمَةِ وَاَلْمَغْفِرَةِ)[١٣]، ولكن ما هي حجم المغفرة والرحمة وأين نجدهما؟ لا نعلم؛ إلا أننا نعلم أن هناك عطاء عظيما وتجاوزاً كبيراً عن الصائمين في هذا الشهر الكريم.
وهناك المنحة الحالية التي لا تحتاج إلى الزمان والمكان، وفي ذلك يقول بعض علمائنا: أنَّ لكل إنسان ليلة قدر خاصة به، غير تلك الليلة الرسمية في شهر رمضان التي هي للمسلمين عامة، وقد تصادف ليلة القدر أو ليلة من ليالي شوال أو محرم أو صفر أو سائر الشهور، وفيها يخلو الإنسان بربه ويناجيه عز وجل ويذرف الدموع حتى يأتيه الخطاب: (فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ)[١٤]، فتصبح عندها في رحاب الله عز وجل، وسل ما تريد، وفي بعض الروايات يقول سبحانه: (لَبَّيْكَ عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ)[١٥].
ولو حصلت النفحة الحالية في شهر رمضان وفي مكة المكرمة؛ بأن يوفق الإنسان أن يصوم الشهر في مكة، فقد جمع شرف الزمان والمكان والحالة.
شهر رمضان في خطبة النبي الأكرم (ص) الشعبانية
وأختم حديثي برواية روها الصدوق بسند معتبر عن الرضا (ع) عن جده أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (إِنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ خَطَبَنَا ذَاتَ يَوْمٍ)[١٦]، ولعله كانت الجمعة الأخيرة من شهر شعبان، (فَقَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اَللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَاَلرَّحْمَةِ وَاَلْمَغْفِرَةِ)[١٧]؛ أي لا تحتاج إلى جهد إضافي في هذا الشهر والبركة آتية معه، ما عليك إلا أن تتعرض لهذه الرحمة؛ فالمرآة في يديك وما عليك إلا أن توجه هذه المرأة إلى الشمس – تارة تحجب الغيوم عنك ضوء الشمس وتارة تكون الشمس سافرة في كبد السماء – لتنعكس فيها أنوار الملك والملكوت.
إن شهر رمضان هو شهر مسفر لا غيوم في سمائه، ولا تحتاج إلى كثير معاناة فيه، والشاهد على ذلك أنَّ بعض الناس يشعرون بمجيء هذا الشهر وتغير الأيام فيه، ومنهم المرحوم السيد ابن طاووس صاحب كتاب الإقبال ومهج الدعوات ويعتبر في قمة المراقبين لجلال الله عز وجل من بين العلماء الأبرار، يقول في كتابه الإقبال: أنَّ الله سبحانه وفقه بأن يعلم بداية شهر رمضان لا عن طريق الحساب والنجوم بل عن طريق ما يقع في قلبه وكان يعلم بدايات الشهور، وكأنه كان يستشم رائحة الرحمة والمغفرة المتجلية، وأنا أظن أنَّ العوام كذلك لهم شعور متميز في أول ليلة من ليالي شهر رمضان.
إنَّ الشياطين مغلولة في هذا الشهر، وكما قلنا أنَّ الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم في العروق ولكن النبي (ص) قال أنها مغلولة في هذا الشهر، ويالها من مزية، إنَّ مشكلتنا الأساسية هي مع الشيطان والنفس وقد انحلت نصف المشكلة وما علينا إلا أن نعمل على النفس، وليس ثمة مزية إذا غلت الشياطين وساقك الله عز وجل إلى الطاعة سوقا، وإنما عليك أن تعمل على نفسك بعد أن تكفل لك الله عز وجل بالشق الأول، وينبغي الحذر من الشياطين في شهر شوال فهي مفتوحة الأيدي وتحاول أن تنتقم منك وتصادر كل ما كسبته في شهر رمضان ما لم تراقب نفسك وتعمل على مواجهته بعد شهر رمضان المبارك.
(شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اَللَّهِ أَفْضَلُ اَلشُّهُورِ وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ اَلْأَيَّامِ وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اَللَّيَالِي)[١٨]، والنوم الذي هو عبارة عن عملية خمول وكسل وتوقف عن العمل والذي يسقط فيه التكليف عن الإنسان حتى وإن طعن بالخنجر أحدا وقتله لا يعاقب على ذلك لأنه نائم، يتحول في شهر رمضان إلى عمل عبادي وأية عبادة؟ عبادة مقبولة: (نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ)؛ فقد تذهب للحج ولا تدري أقبل منك الحج أم لا؛ ولكن النوم في هذا الشهر مقبول لأنه خال عن الرياء ولا نواقض له، ثم أنَّ هذا النفس الذي يخرج منك ويحمل في طياته ثاني أكسيد الكربون ذلك الغاز الخانق وإذا به يتحول إلى تسبيح: (أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ)[١٩]، وقد يسأل سائل عن سر قبول الأعمال في شهر رمضان والحال أن العمل لو أتى به المكلف حسب الشروط لكان مقبولاً في شهر رمضان أو غيره؟ ويبدو أنَّ هناك تسامح في شهر رمضان وهو أنَّ الله عز وجل يقبل العمل وإن كان فيه نقص أو خلل ببركة هذا الشهر المبارك؛ فيسد الله سبحانه النقص في أعمالنا.
إنَّ الدعاء يحتاج إلى شروط حتى يستجاب من الله عز وجل ولكنَّ الله يلغي في هذا الشهر كثيراً من الشروط، ولعل من الشروط طهارة البطن من الحرام؛ ولكن ما المانع من أن يستجيب الله عز وجل لمن لم يطب مطعمه ومأكله من الحرام؟ أو يستجيب لمن لم يكن مطيعاً لله عز وجل كما ينبغي إكراماُ له؟ وإنَّ الذي حول النوم إلى عبادة والنفس إلى تسبيح ما المانع من أن يحول الدعاء الذي لا يستجاب إلى دعاء مستجاب؟
إلى أن يقول: (فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اَللَّهِ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ)[٢٠]، وما هي أفضل الأعمال في هذا الشهر الكريم؟ (أَيُّهَا اَلنَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا اَلشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازٌ عَلَى اَلصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ اَلْأَقْدَامُ)[٢١]، وكما ذكرنا آنفاً تغيير الذات وتغيير الجوهر، وليس حسن الخلق الاكتفاء بالبشاشة؛ إذ أنَّ هناك خطأ في أذهان عامة الناس، فهم يعتبرون الإنسان البشوش حسن الخلق والحال أن حسن الخلق هو حسن الباطن بكل ملكاته من البراءة من البخل والرياء والتكبر والتفرعن وكل الصفات المشابهة، فالقضية عامة وتشمل كذلك حسن التعامل مع الآخرين ومنها البشاشة.
ثم تكمل الرواية: (وَاَلشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لاَ يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ)[٢٢]، ويقول البعض من علماء: أنَّ الشياطين مغلولة بالعنوان الأولي؛ ولكن قد يأتي الإنسان وفتح هذا القفل فينطلق المارد من هذه القمقة ويستولي على الإنسان مرة أخرى، إنَّ الله سبحانه قد غله لك ولكنك أنت من تعاون معه في فك أغلاله، ولذلك نرى بعض المعاصي كثيرة في شهر رمضان خصوصاً في لياليه، لأن الإنسان استسلم للشيطان بعد أن غله الله سبحانه.
[٢] سورة فاطر: ٦.
[٣] سورة الرحمن: ٦٤.
[٤] من لا یحضره الفقیه ج٤ ص٣٨١.
[٥] المناجاة الشعبانية.
[٦] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[٧] بحار الأنوار ج٩٣ ص٢٩٤.
[٨] مستدرك الوسائل ج٤ ص٢٥٠.
[٩] المصباح (للکفعمی) ج١ ص٦٣٣.
[١٠] مستدرك الوسائل ج٨ ص٤١.
[١١] سورة الإسراء: ٧٩.
[١٢] سورة الزلزال: ٧.
[١٣] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[١٤] الکافي ج٢ ص٤٧٨.
[١٥] مشکاة الأنوار ج١ ص٢٥٧.
[١٦] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[١٧] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[١٨] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[١٩] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[٢٠] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[٢١] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
[٢٢] فضائل الأشهُر الثلاثة ج١ ص٧٧.
خلاصة المحاضرة
- إن الأئمة (عليهم السلام) كانت لهم ختمة مميزة للقرآن الكريم في شهر رمضان الكريم وهي ختمة يراد منها التدبر والتأمل والعيش في رحاب القرآن الكريم، وإن كانت الختمة التي يراد منها الأجر والثواب ختمة حسنة يأجر الإنسان عليها.
- ينبغي للمؤمن أن يبذل قصارى جهده لكي يصل إلى حالة الذكر الدائم وإن كانت حالة صعبة الوصول؛ إلا أنَّ الإنسان يحاول في حياته أن يوسع من دائرة الذكر؛ فإن كان يذكر الله عز وجل في صلاته فليذكره عقيب الصلاة وإن كان يذكره عقيب الصلاة فليذكره بين الفريضتين حتى يصل إلى الذكر الدائم.
- للأسف الشديد هناك من الناس من لا يلتزم بالواجبات إلا في شهر رمضان المبارك وكأن الله سبحانه غافل عنه في سائر الأيام والشهور، بل على المؤمن أن يستصحب معه بركات هذا الشهر في سائر الشهور ويكون هذا الشهر محطة انطلاق للتكامل الروحي في سائر أيام السنة.
- إن التغيير هو روح العبادة؛ فقد ينظر الإنسان إلى عشرات الختمات وآلاف الركعات التي قام بها في شهر رمضان وحضوره في مجالس أهل البيت (ع) واستضافته لكذا عدد من المؤمنين ممن أفطرهم وفضل ذلك عند الله، إلى آخر ذلك من الأعمال وهذا كله في جانب وله أجره وفضله وإصلاح النفس في جانب آخر.
- إنً أفضل الأعمال عند الله في شهر رمضان هو الورع عن محارم الله، وعلى هذا يكون من أتى يالمستحبات كلها في هذا الشهر أدنى درجة وأقل فضلاُ ممن لم يلتزم إلا بالواجب من الأعمال ولكنه تورع عن الحرام.