- ThePlus Audio
البرمجة اليومية
بسم الله الرحمن الرحيم
البرمجة اليومية ودورها في تنظيم الوقت والحياة
إن البرمجة اليومية هي من أهم المسائل المصيرية في حياة الإنسان وهي الطريقة المثلى لمنع هدر الوقت في حياتنا اليومية. وهناك الكثيرون للأسف الشديد لا يستفيدون من بركات الليل والنهار كما يريد الله عز وجل؛ بل قد يقضي أوقاته في أمور هي غير ما يريده الله عز وجل منه. ومن منا لا يعيش حالة الغبن جراء ما يتم هدره من الوقت في الليل والنهار، والحال أن من أهم المواقف في يوم القيامة هو موقف الحسرة الذي يتذكر فيه الإنسان ما فرط في جنب الله عز وجل من الساعات الطويلة التي مرت من دون فائدة في دينه ودنياه، ويا له من عذاب أليم!
وزارة التخطيط..!
وهذه الأيام هناك وزارات بأكملها تعنى بأمر البرمجة منها وزارة التخطيط. وهي من أهم الوزارات في أي كيان حكومي؛ فعن طريق التخطيط والبرمجة تتطلع الحكومة على الطاقات الكامنة والإمكانات المتاحة والاحتياجات المهمة للبلد. ومن خلال هذه الوزارة يوفق بين الميزانية الموجودة وبين الاحتياجات الفعلية، ويعلم من خلالها ميزان النقص في الميزانية والبدائل الممكنة لسد النقص فيها. ولقد أوصى أمير المؤمنين (ع) في آخر ما أوصى بالنظم في الأمور وهو تعبير شامل ينطبق على النظم الحكومي وعلى النظم الفردي؛ فإذا ما أراد المؤمن أن يكون ناجحا في دنياه وآخرته لابد له من جلسات تخطيط وبرمجة. ولا ينبغي الاكتفاء بالتخطيط الذهني والبرمجة في الليل عند التقلب في الفراش للنوم فإذا أصبح الصباح نسي ما يكون يبرمج له ويحاسب نفسه من أجله؛ فكما يقال: كلام الليل يمحوه النهار، بل لابد من مبادرة عملية لتنفيذ ما خطط له وبرمج لأجله.
البرمجة للمواسم غير العبادية
وإذا أراد الإنسان أن يبرمج لحياته؛ لابد له من أخذ ورقة وقلم وتسجيل البرنامج خطوة خطوة. وينبغي له أن يحاسب نفسه محاسبة الشريك لشريكه بل أشد محاسبة وأن يقيم نفسه في العام أكثر من مرة ويسجل ذلك في دفتر صغير أو سجل مختصر، وليكن التقييم في الفصول الجامدة وأعني بها في الشهور التي لا تكون فيها مواسم عبادية أو معنوية كشهري محرم وصفر المليئة بذكر أهل البيت (ع) أو شهر رمضان المليء بالعبادة والمناجاة أو موسم الحج لمن وفق لذلك أو غير ذلك من الشهور المميزة. ولابد من التخطيط والبرمجة لهذه الأيام العصيبة الخالية من المواسم العبادية والمعنوية حتى نتزود فيها زادا متميزا ولا تكون بالنسبة إلى سائر الشهور كالصحراء القاحلة بالنسبة إلى الرياض النضرة!
أكبر المبرمجين في عالم الوجود..!
ولنعلم أن أكبر المبرمجين في عالم الوجود هو الله عز وجل؛ فقد استطاع العلماء من فك شفرة الجينوم البشري كاملة وهي من أرقى الخرائط التي أودعها الله عز وجل في هذه الخلية وهو البرنامج الذي يطور الخلية مرحلة مرحلة. والعالم بدءا من هذه الشفرة الجينية إلى الأفلاك وعالَهما عالَم مبرمج يسير على نمط معين؛ فالمسافة بين الكواكب مسافة دقيقة واقتراب أو ابتعاد بسيط قد يسبب كارثة ودمارا لهذا الوجود، وقد أشار القرآن الكريم إلى عالم الأفلاك بقوله سبحانه: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[١]؛ فهناك برنامج يسير عليه العالم من أصغر خلية إلى أكبر مجرة وعلى الإنسان أن يقتدي بهذا النظام وأن يقتبس منه لحياته.
كيف نبرمج لحياتنا؟
وهنا لابد من أن نعرف كيفية البرمجة والتخطيط لحياتنا. وقبل ذلك لابد أن نلتفت إلى أننا في برنامجنا نشبه المهندس الذي ينوي تشييد برج كبير؛ فهو إما أن يشيد بنائه على أرض خالية أو على أرض فيها بناء متداع للسقوط؛ فيهدمه ويبني عليه بنائه. ونحن إما أننا نكون قد برمجنا لأنفسنا منذ بلوغنا فكفيناها عناء الهدم والتخريب وهو أمر أقرب للتوفير والاقتصاد وإما أن نكون في بناء لا يقينا البرد والحر فوجب هدم البناء القديم والشروع في بناء جديد محكم الأصول مشيد البنيان وإبعاد كل ما يدعو إلى اليأس في هذا المجال.
إياك والانشغال بالأمور الحسنة والمهمة..!
ومن أهم الأساليب الشيطانية التي تحول بين الإنسان وبين تحقيق أهدافه أن يشغل الإنسان بالمهم عن الأهم وبالحسن عن الأحسن؛ وكتاب تلبيس إبليس هو من الكتب التي بينت الطرق التي يتبعها الشيطان مع كل صنف كالعلماء والتجار والزهاد وغيرهم. ولا يصل الإنسان إلى الأهم والأحسن من الأعمال إلا باتباع برنامج قوي وتخطيط شامل للحياة. ولا ينبغي للمؤمن أن ينشغل بالحسن ما دام هناك من الأعمال ما هو أحسن؛ فالشيطان إذا يأس من أن يشغل الإنسان بالقبيح من الأفعال شغله بالحسن إبعادا له عن الأحسن! والبرنامج الصحيح يقطع على الشيطان الطريق ويوصل المؤمن إلى الأحسن والأهم من الأفعال فينشغل بها عن غيرها.
ونحن في كل صلاة نطلب من الله عز وجل في سورة الفاتحة – التي لا تقبل الصلاة إلا بها ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب – أن يهدينا الله عز وجل الصراط المستقيم، ويقول المهندسون: أن أقرب مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم؛ فبإمكان الإنسان أن يصل عبر الخطوط المنحنية والمعوجة إلى هدفه ولكن بمشقة وصعوبة وخطورة!
القاعدة الأولى في البرمجة اليومية
والقاعدة الأولى وهي من أهم القواعد في البرمجة الصحيحة هو الاستيقاظ مبكرا. ومن أسباب اهتمام الشارع المقدس بالاستيقاظ بين الطلوعين هو أن الإنسان الذي ينام شطرا من أول النهار في ذلك الوقت المبارك التي تقسم فيها الأرزاق؛ يفوت على نفسه فرصة لبرمجة حياته اليومية. وكم من الجميل أن يستيقظ الإنسان قبيل الفجر بدقائق ثم يصلي الفريضة ويجلس بعدها على مصلاه ذاكرا مهللا عابدا مسبحا ثم يفكر في ما ينبغي له أن يقوم به في يومه وليلته. ومن القواعد المهمة في البرمجة هو البرمجة لليوم في ضمن هيكلية عامة تتضمن برنامجا سنويا وبرنامجا شهريا وبرنامجا أسبوعيا واللبنة الأهم في هذه الهيكلية هي البرنامج اليومي للإنسان.
القاعدة الثانية في البرمجة اليومية
والقاعدة الثانية هي عرض البرنامج على الخبير العالم بأسرار النفس وأسرار المستقبل؛ وإن تم ذلك فسيحصل المرء على أفضل برنامج له على الاطلاق ولكن من منا يحظى بصاحب كهذا عالم وخبير بالنفس وبأسرار الطريق؟ فإن عجزنا عن الحصول على هذا الخبير المتمرس استلهمنا الله عز وجل واستفهمناه وإن لم تكن ثمة آلية للتواصل مع رب العالمين بصورة مباشرة إلا أنه بحسب الآيات والروايات بإمكان الله عز وجل أن يلقي في روع المؤمن ما فيه خيره وصلاحه و ينبغي للمؤمن أن يعول على ذلك ويستمد العون من رب السماوات والأرض.
القاعدة الثالثة في البرمجة اليومية
والقاعدة الثالثة في هذا المجال هو أن يكون الإنسان حازما وحاسما في تنفيذ البرنامج بعد التأكد من فاعليته ونجاحه. فما الفائدة من الخريطة المتقنة للمهندس الخبير إذا وقعت بيد مقاول كسول أو وقعت بيد مالك مفلس أو خائن؟ ولا يمكن أن يبرمج الإنسان لنفسه وهو لا يمتلك القدرة على تنفيذ ما يقرر. وفي المقابل إذا برمج لنفسه ورأى في الليل أنه نجح في اجتناب ما ألزم نفسه اجتنابه أو فعل ما ألزم نفسه فعله كترك نظرة محرمة أو إقامة الصلاة في أول الوقت يكون ذلك دافعا قويا للاستمرار في البرنامج بعد مشاهدة الثمار؛ تماما كالمهندس الذي يشرع في تنفيذ مخطط البناء على الأرض فيزدادا عزما كلما ارتفع البناء في السماء وعلت الطوابق.
القاعدة الرابعة في البرمجة اليومية
والقاعدة الرابعة هي البرمجة مبكرا وفي أول أيام الشباب. ومن الطبيعي كلما كان البرنامج مبكرا يكون أقرب للواقعية والعملية؛ فالذي مضى من عمره خمسين سنة ولم يبقى له بحسب العمر الطبيعي إلا عشر سنوات لا يتشجع أن يبرمج لحياته – وإن كنا نعتقد أن الإنسان ينبغي أن يبرمج لحياته ولو لم يبقى منها غير ساعة واحدة – بخلاف الشاب في العشرين والثلاثين والأربعين من العمر؛ فهو لا يزال يعيش الأمل لبناء المستقبل. إذا البرمجة والإنسان في مقتبل العمر وريعان الشباب أدق وأشمل من البرمجة إذا تقدم العمر بالإنسان.
القاعدة الخامسة في البرمجة اليومية
والقاعدة الخامسة في البرمجة هي السير بالبرنامج خطوة خطوة؛ إذ لا يصمم المهندس الطابق العاشر قبل تصميم الأساسات كما هو المعروف. والمؤمن إذا أراد أن يتخذ لنفسه برنامجا ينبغي له أن يتدرج في تنفيذه ويضع أساسيات الشريعة بعين الاعتبار؛ فلا يفكر في ترك المكروه وأداء المستحب قبل أداء الواجب وترك المحرم ثم يفكر بعد ذلك بترك فضول النظر وفضول الطعام والشراب والكلام وما شابه ذلك.
القاعدة السادسة في البرمجة اليومية
والقاعدة السادسة التوفيق بين البرمجة الدنيوية والأخروية؛ فمن لا معاش له لا معاد له. إذ أن الإنسان المرتبك ماديا يكون مشتت الفكر ويكون كالسفينة التي تسير في البحر وتقلبها الرياح يمينا وشمالا، ولذلك فقد ورد عن التلميذ الأول في مدرسة أمير المؤمنين (ع) سلمان الفارسي أنه قال: (أَنَّ اَلنَّفْسَ قَدْ تَلْتَاثُ عَلَى صَاحِبِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنَ اَلْعَيْشِ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فَإِذَا هِيَ أَحْرَزَتْ مَعِيشَتَهَا اِطْمَأَنَّتْ)[٢]، فكان يدخر قوته حتى لا تأخذه الأفكار يمينا وشمالا وينبغي للمؤمن أن يبرمج لدينه ودنياه ولا يكترث إن أراد الله سبحانه أن يختبره بالفقر، ويكفيه أنه قد أخذ حذره وأعد العدة ولكن إرادة الله سبحانه هي الغالبة.
ومن الأمور التي يجب مراعاتها عند اتخاذ أي برنامج الالتزام بالأذكار والأوراد اللفظية؛ فلقد كان النبي (ص) يكثر الاستغفار عند قيامه عن أي مجلس وإن خف، وكذلك كان أئمتنا (ع). ومن المناسب إذا أن يلتزم الإنسان بورد من الأوراد أو بقراءة سورة من السور في وقت معين من الليل أو النهار ليعينه ذلك على الالتزام كما ينصح بذلك العلماء. ولو أحصى الإنسان الساعات التالفة من أيامه ولياليه التي يمضيها بالخيالات والأوهام الباطلة والكلام غير النافع لفزع من كثرة تفريطه فيجدر استغلال هذه الساعات وملئها بالأذكار اللفظية عسى أن تكون مقدمة لحركة قلبية وباعثا على التدبر والتأمل.
خلاصة المحاضرة
- إن البرمجة اليومية هي من أهم المسائل المصيرية في حياة الإنسان وهي الطريقة المثلى لمنع هدر الوقت في حياتنا اليومية. وهناك الكثيرون للأسف الشديد لا يستفيدون من بركات الليل والنهار كما يريد الله عز وجل؛ بل قد يقضي أوقاته في أمور هي غير ما يريده الله عز وجل منه.
- ومن أهم الأساليب الشيطانية التي تحول بين الإنسان وبين تحقيق أهدافه أن يشغل الإنسان بالمهم عن الأهم وبالحسن عن الأحسن. ولا يصل الإنسان إلى الأهم والأحسن من الأعمال إلا باتباع برنامج قوي وتخطيط شامل للحياته.