- ThePlus Audio
قبسات من سيرة النبي الأکرم والإمام الحسن المجتبى (ع)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين
التأسي بأهل البيت (عليهم السلام) من خلال الاطلاع على سيرتهم
لابد للمؤمنين في مناسبات الأئمة (ع) أن يستمعوا إلى سيرتهم أو يقرءوا الكتب المتعلقة بهم وبحياتهم، لأجل أن يقتدوا بهم كما قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ)[١]، وقد ينتاب البعض حالة من اليأس عندما يسمع بعيادة أهل البيت (ع) ويظن أنه لا يمكن التأسي بهم، والحال أن المطلوب هو التأسي في جنس العمل ونوعه لا في شخصه، ويقول أمير المؤمنين: (أَلَا وَإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ)[٢]، فقد لا يطيق البعض أن يصلي كأمير المؤمنين (ع) في ليلة واحدة ألف ركعة؛ ولكن عليه التأسي في أصل الأمر والتأسي بمواساتهم للفقراء وحملهم هموم الأمة، والتأسي بأصل الجهاد، وإلا لو قاتل أحدنا ألف عام هل يصلى إلى مستوى الذي قال عنه النبي (ص): (لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ اَلْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ اَلثَّقَلَيْنِ)[٣]، ولكن هذا لا ينافي التأسي بهم في الجهاد والإنفاق في سبيل الله عز وجل وفي كل التكاليف بكل أبعادها.
قد يرغب الإنسان في بعض الأحيان أن يعلم مكانه لدى أبيه أو موقعه من رب العمل وممن يعزه؛ فهل حاولنا أن نعلم مكانتنا عند الله ورسوله، والمعادلة واضحة جداً: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا لَهُ عِنْدَ اَللَّهِ فَلْيَعْلَمْ مَا لِلَّهِ عِنْدَهُ)[٤]، فلابد أن ننظر إلى سيرة أهل البيت (ع) وأن نقيم أنفسنا على أساسها.
الحب المصلحي أو الحب المرحلي
إنَّ الحبَّ هو حقيقة لا تنكر، ويقول الإمام الباقر (ع) في تفسير قوله تعالى (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا)[٥] عن زليخا التي أحبت يوسفاً حباً شديداً حتى أصبح هذا الحب مضرب مثل في كل الأيام والعصور: أنَّ هذا الحب قد مزق شغاف القلب وحجبه حتى وصل إلى جوفه؛ أي أن الحب درجات؛ منها ما قبل شغاف القلب، وهناك الكثيرون ممن يحبون بعض النجوم والفنانين وبعض اللاعبين أو بعض النوادي الرياضية وأمثالها من الأمور التافهة ويظنون ذلك حباً، والحال أنه مجرد ميل وهوى، ولذلك هناك ما يسمى بالحب المصلحي أو المرحلي، كحب الطلاب للأستاذ والمعلم في مرحلة من مراحل الدراسة الابتدائية، وسرعان ما ينتقل هذا الحب لمعلم آخر.
الحب الاعتقادي
وهناك الحب الاعتقادي؛ كحب الولد الآبق أباه وأمه، فعندما تسأله هل تحب أباك؟ يجيب بأنه من دواعي فطرته ومن الضروري أن يحب أباه، ولكنه في مقام العمل من أسوء الخلق معاملة معهم، وقد يجتمع هذا الحب المدعى والعقوق، وكما يقول الشاعر:
وكل يدعي وصلاً بليلى
وليلى لا تقر لهم بذاكا
ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)[٦].
الحب الاجتماعي
وهناك ما يسمى بالحب الاجتماعي؛ إذ أن الأجواء الاجتماعية قد تدفع الإنسان لحب جهة معينة أو شخص معين، وسرعان ما ينتقل من حب لآخر بزوال تلك الأجواء الأولية، وهذا ما نشاهده جلياً في الغرب؛ إذ يصادف الشاب فتاة وقد يصل في حبه إلى ما يصدق عليه: قد شغفها حباً، وإذا به يهدم تاريخاً طويلاً معها بمجرد أن رأى فتاة أجمل منها، ولذلك نشاهد حالات الانتكاس في الحب كثيرة في هذه الدول ولطالما يبتلى صاحبها بأمراض نفسية كثيرة.
الحب الحقيقي
وقد تبين أن الحب الحقيقي هو الحب المبني على أساس اعتقادي ويمارس هذا الحب باتباع المحبوب، كما في قوله سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)[٧]، فلابد من اتباع أهل البيت (ع)، ونعني بهم النبي الأكرم (ص) إلى الإمام المهدي (عج)، وعلينا أن نعلم موقعهم في الأمة، وقد قلت مراراً: أنَّ الله عز وجل قد رسم أهل البيت (ع) بأجمل صورة ممكنة، وتحتمل نفوسهم المباركة أكثر ما يمكن أن تتحمله النفس البشرية من الجمال والعرفان والحب الإلهي والكمال والقرب من الله عز وجل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[٨]، والآية تشير إلى الخلق المادي؛ أما في عالم الأرواح الأمر بالنسبة إلى النبي (ص) كذلك؛ فلو أمكن أن يرقى من درجته وكماله لفعل الله عز وجل ذلك، وإن كانوا هم يقولون: أنهم يزدادون في كل ليلة جمعة علماً ويرقيهم الله عز وجل بذلك، ولنحاول في مناسبات الأئمة أن نكرس حبهم في قلوبنا وفي أعماق نفوسنا.
مظلومية الإمام الحسن قد تفوق مظلومية أخيه الحسين (ع)..!
إنَّ الإمام الحسن (ع) قد ظلم في حياته وفي استشهاده، وظلم من قبل أعدائه كما ظلم من قبل شيعته وأنصاره، وباعتقادي أنَّ ما عاناه الإمام الحسن (ع) يفوق ما عاناه الحسين (ع)، وإن كان ما عاناه الحسين (ع) كيفاً كان أعظم مما عاناه الحسن (ع)، وقد كانت مأساة الإمام الحسين (ع) الحقيقية في كربلاء وقبل كربلاء من حين خروجه من المدينة، وهي أشهر قليلة احتوت كمية كبيرة من البلاء والقتل وما شابه ذلك، ولكن الإمام الحسن (ع) عاش سنوات طويلة من المعاناة وأية معاناة! إنَّ الإمام الحسين (ع) لم يعترف به كإمام كالإمام الحسن (ع) الذي استلم الخلافة بعد أمير المؤمنين (ع) وخطب في الكوفة واجتمع حوله الأنصار والأعوان وعشرات الألوف من المقاتلين الذين تعسكروا في النخيلة، وكانت صبغة الخلافة واضحة في حياة الحسن (ع) ولكن كيف تعامل الناس معه؟
محاولات اغتيال الإمام الحسن (عليه السلام) الفاشلة
وقد كان يصلي ولا يأمن على حياته لكثرة المندسين والغُدّار في صفوف أصحابه، حتى أنَّه (ع) كما في بعض الروايات كان يطلب الأمة؛ أي الدرع، فيلبسها تحت ثيابه، وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا في تلك الحالة، ومع ذلك قد رماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه لمكان الدرع تحت ثيابه، وما حل به في ساباط حيث ضربه أحدهم بخنجر مسموم؛ مما أدى إلى مرض الإمام ومعالجته فترة من الزمن، وقد اقترح أحد الشيعة بحسب الظاهر؛ أن يتم تسليم الإمام مكتوفاً إلى معاوية ما دام هو بهذه الحالة، وفي الواقع هذه محطات غير طبيعية في حياة الإمام الحسن.
خيانة القيادات العسكرية في معسكر الإمام الحسن (عليه السلام)
وأما ما عاشه من خذلان أصحابه، فقد كان يؤمر أحدهم على أربعة آلاف مقاتل كما حصل ذلك مع ذلك الكندي؛ وإذا به يفر إلى الشام مقابل خمس مائة ألف درهم بعثها إليه معاوية، وكان الإمام يعترض على هذه الحالة ويعيش الآلام جراء ما وصلت إليه أمور الأمة، ويعين بعد ذلك قائداُ من بني مراد وإذا به يخذل الإمام كصاحبه مقابل ألوف من الدراهم ويهرب إلى معسكر معاوية، وكيف تكون حالة جيش فر قائده؟
ما هي الأسباب التي أدت إلى خذلان المحيطين بالإمام (عليه السلام)؟
ويمكن أن نعزوا أسباب الخذلان والتشكيكات الفكرية والعقائدية إلى أمرين: الأمر الأول، وجود الخوارج وإن كان أمير المؤمنين (ع) قد قضى عليهم بحسب الظاهر إلا أن فلولاً منهم كانوا يثيرون الشبهات في المجتمع آنذاك حتى أثروا في مسير حركة الإمام (ع)، والأمر الآخر هو الركون إلى الدنيا؛ إذ أن معاوية في الشام كان يغدق العطاء على أصحاب الإمام الحسن (ع)، وقد ذكرت أنَّ الحب إذا لم يترجم إلى واقع عملي ولم يكن له أساس عقائدي يجعل المرء كهذا الذي يدخل على الإمام الحسن (ع): (فَدَخَلَ عَلَى اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ مُحْتَبٍ فِي فِنَاءِ دَارِهِ)[٩] ، والإمام يعالج الهم والغم، (فَقَالَ لَهُ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ اَلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ اِنْزِلْ وَلاَ تَعْجَلْ)[١٠]، دعنا نتفاهم ونتناقش في الأمر، (فَنَزَلَ فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ فِي اَلدَّارِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اِنْتَهَى إِلَيْهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا قُلْتَ قَالَ قُلْتُ اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ قَالَ عَمَدْتَ إِلَى أَمْرِ اَلْأُمَّةِ فَحَلَلْتَهُ مِنْ عُنُقِكَ وَ قَلَّدْتَهُ هَذِهِ اَلطَّاغِيَةَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اَللَّهُ)[١١]، ثم بين له الإمام (ع) أنَّ في ذلك بقائكم والأمة قد خذلته إلى آخر ذلك، ثم قال له الإمام (ع) ما الذي جاء بك: (قَالَ حُبُّكَ)[١٢]، وأي حب هذا يجعله يخاطب إمامه بيا مذل المؤمنين، وعلى كل حال عفى عنه الإمام (ع) وقال له: (وَ اَللَّهِ لاَ يُحِبُّنَا عَبْدٌ أَبَداً وَلَوْ كَانَ أَسِيراً بِالدَّيْلَمِ إِلاَّ نَفَعَهُ اَللَّهُ بِحُبِّنَا)[١٣].
وكانت الأمة قد اعتادت الخذلان مع أمير المؤمنين (ع) حتى قال: (اَللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي)[١٤]، والذي يقرأ خطب الإمام في الكوفة يرى كيف أنها تقرح الفؤاد؛ وحتى خطبه في المدينة والتي منها: (فَصَبَرْتُ وَفِي اَلْعَيْنِ قَذَى، وَفِي اَلْحَلْقِ شَجَا)[١٥]، وكان كثيراً ما يئن ويشكو من أصحابه في خطبه التي كان يلقيها في الكوفة حتى لقد تمنى الموت واللحوق بالله عز وجل، ولهذا لما قتل في محراب العبادة قال كلمته الخالدة تلك: (فُزْتُ وَرَبِّ اَلْكَعْبَةِ)[١٦]، لأنه انتقل من هذا الجو المؤلم إلى الرفيق الأعلى؛ حيث النبي (ص) والزهراء (س).
لماذا صالح الحسن (عليه السلام) معاوية بن أبي سفيان
إن الإمام الحسن (ع) رأى واقعا ومنكراً لا يمكن تغييره ولهذا أراد أن يحتفظ بأقل القليل مما يمكنه، ولو نظرنا إلى بنود الصلح مع معاوية لرأينا كيف حاول الإمام أن يقطع جذور الخلافة الموروثة في البند الذي يقول: (صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ وَلاَيَةَ أَمْرِ اَلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اَللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسِيرَةِ اَلْخُلَفَاءِ اَلرَّاشِدِينَ وَلَيْسَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَعْهَدَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ عَهْداً بَلْ يَكُونُ اَلْأَمْرُ مِنْ بَعْدِهِ شُورَى بَيْنَ اَلْمُسْلِمِينَ)[١٧]، ولكن ما حدث هو العكس تماماً؛ فلم يلتزم معاوية بالصلح وجعله تحت قدميه، ولو عمل به لما انتقل الأمر إلى يزيد ووقعت واقعة كربلاء وغيرها من الأحداث، ولو ترك الأمر شورى بين المسلمين لما اختاروا غير سبطي النبي (ص) مع دعم النبي (ص) لهما والروايات الصادرة بحقهما.
وقال الإمام (ع): (وَعَلَى أَنَّ اَلنَّاسَ آمِنُونَ حَيْثُ كَانُوا مِنْ أَرْضِ اَللَّهِ شَامِهِمْ وَعِرَاقِهِمْ وَحِجَازِهِمْ وَيَمَنِهِمْ وَعَلَى أَنَّ أَصْحَابَ عَلِيٍّ وَشِيعَتَهُ آمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ)[١٨]، وكان الشيعة يقتلون تحت كل حجر ومدر، ويفهم من هذا البند الأزمة التي كان يعيشها الشيعة وخوفهم على أولادهم ونساءهم، وسأذكر النصوص التي تدل على فداحة الأمر في حياة الإمام الحسن (ع) وبعد استشهاده، ثم يضيف الإمام (ع): (وَعَلَى أَنْ لاَ يَبْغِيَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلاَ لِأَخِيهِ اَلْحُسَيْنِ وَلاَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ غَائِلَةً سِرّاً وَلاَ جَهْراً وَلاَ يُخِيفُ أَحَداً مِنْهُمْ فِي أُفُقٍ مِنَ اَلْآفَاقِ)[١٩]، وقد أراد الإمام (ع) أن يبقي على البقية الباقية، كالمرض المستأصل الذي لا يمكن علاجه ولكن يمكن التخفيف من آثاره ومن أعراضه.
أوضاع الشيعة في زمن الإمام الحسن (ع) وبعد استشهاده
وكان الإمام (ع) يريد أن يوقف تلك المجازر التي يتعرض لها الشيعة والمآسي التي كانوا يعيشونها، ولكن الذي حصل أنَّ المنادي نادى بعد ان استتب لهم الأمر: أنَّ الذمة برئت ممن روى حديثاً من مناقبل علي (ع)، والحال أنَّ الحسن (ع) هو ابن علي وشاهد الغدير وشاهد يوم الدار وحديث الكساء وحديث الطير وشاهد حديث المنزلة والسفينة، ولا زالت الأمة تعيش ذكريات أهل البيت (ع) وهناك العشرات من الصحابة والتابعين وأم سلمة (رضوان الله عليها)، ولكن مع ذلك كانت الذمة تبرأ ممن روى منقبة من مناقب أمير المؤمنين (ع) أو أهل البيت (ع) عموماً، وقد ذكرت الروايات: (وَكَانَ أَشَدُّ اَلنَّاسِ بَلِيَّةً أَهْلَ اَلْكُوفَةِ .. وَاِسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زِيَاداً أَخَاهُ .. وَكَانَ يَتَتَبَّعُ اَلشِّيعَةَ وَهُوَ بِهِمْ عَالِمٌ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ فَقَدْ عَرَفَهُمْ وَسَمِعَ كَلاَمَهُمْ أَوَّلَ شَيْءٍ فَقَتَلَهُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ [وَحَجَرٍ وَمَدَرٍ وَأَجْلاَهُمْ] وَأَخَافَهُمْ وَقَطَعَ اَلْأَيْدِيَ وَاَلْأَرْجُلَ مِنْهُمْ وَصَلَبَهُمْ عَلَى جُذُوعِ اَلنَّخْلِ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَطَرَدَهُمْ وَشَرَدَهُمْ.. فَلَمْ يَبْقَ بِالْعِرَاقَيْنِ أَحَدٌ مَشْهُورٌ إِلاَّ مَقْتُولٌ أَوْ مَصْلُوبٌ أَوْ طَرِيدٌ أَوْ هَارِبٌ)[٢٠].
ومن الغريب أن يعمم كتاب رسمي حكومي في جميع الأمصار الإسلامية يدعو إلى قتل من قامت عليه البينة أنه ينقل منقبة من مناقب أمير المؤمنين (ع) ولنقل أنَّ نقل المنقبة أمر سياسي وتحدٍ للسلطة ولكن الكتاب يأمر بمن يحب علياً وأهل بيته (ع) أن يمحى اسمه من الديوان، حتى يموت جوعاً، فمن كان يحب علياً (ع) كان عليه أن يتحمل الضيم والأسى في هذه الدنيا: (وَكَتَبَ كِتَاباً آخَرَ اُنْظُرُوا مَنْ قِبَلَكُمْ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَاِتَّهَمْتُمُوهُ بِحُبِّهِ فَاقْتُلُوهُ وَإِنْ لَمْ تُقَمْ عَلَيْهِ اَلْبَيِّنَةُ فَقَتَلُوهُمْ عَلَى اَلتُّهَمَةِ وَاَلظِّنَّةِ وَاَلشُّبْهَةِ تَحْتَ كُلِّ حَجَرٍ حَتَّى لَوْ كَانَ اَلرَّجُلُ تَسْقُطُ مِنْهُ كَلِمَةٌ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَحَتَّى كَانَ اَلرَّجُلُ يُرْمَى بِالزَّنْدَقَةِ وَاَلْكُفْرِ كَانَ يُكَرَّمُ وَيُعَظَّمُ وَلاَ يُتَعَرَّضُ لَهُ بِمَكْرُوهٍ وَاَلرَّجُلُ مِنَ اَلشِّيعَةِ لاَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ فِي بَلَدٍ مِنَ اَلْبُلْدَانِ – لاَ سِيَّمَا اَلْكُوفَةَ وَاَلْبَصْرَةَ)[٢١].
وقد ساد الرعب والهلع جميع الناس: (حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَداً مِنْهُمْ أَرَادَ أَنْ يُلْقِيَ سِرّاً إِلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ لَأَتَاهُ فِي بَيْتِهِ فَيَخَافُ خَادِمَهُ وَ مَمْلُوكَهُ فَلاَ يُحَدِّثُهُ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ اَلْأَيْمَانَ اَلْمُغَلَّظَةَ لَيَكْتُمَنَّ عَلَيْهِ)[٢٢]، ولم يكن يريد إلا أن يبث ما في نفسه من المحبة لمولاه، فكان عليه أن يهيئ الأجواء المناسبة.
وفي الحقيقة لقد حلت بالأمة كارثة حقيقية في حياة الإمام الحسن (ع)؛ فيذكر النص التاريخي: (فَلَمَّا مَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اِزْدَادَ اَلْبَلاَءُ وَاَلْفِتْنَةُ فَلَمْ يَبْقَ لِلَّهِ وَلِيٌّ إِلاَّ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَقْتُولٌ أَوْ طَرِيدٌ أَوْ شَرِيدٌ)[٢٣]، ولهذا لم تكن خطب أمير المؤمنين (ع) تنفع هذه الأمة بالرغم من بلاغة أمير المؤمنين (ع) وفصاحته وبالرغم مما كانت تحمله الخطب من معنى وفكر ووعي وثقافة، وقد مارس الإمام الحسن (ع) دور أبيه ولكن قد علمنا إلى ما آلت الأمور من بعده.
هل ما قام به الحسين (عليه السلام) كان بمعزل عن الحركة الحسنية؟!
ولهذا قام الحسين (ع) بذلك الدور الهادر، وقد قام الحسين (ع) خطيباً بعد استشهاد الإمام الحسن (ع) وأعلن برنامجه السياسي من أول يوم وقال: (أمّا بعد فانّ هذا الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم)[٢٤]، ولقد كان الدور الحسيني مكملاً للحركة الحسنية، والأئمة (ع) يتلقون أدوارهم ويعلمون بوظائفهم على وفق ما عهد إليهم النبي الأكرم (ص) بنص إلهي، ولا ينافي ذلك أن ينظروا إلى واقع الأحداث ويخططوا على وفق ما أراده الله عز وجل، فسلام على الإمام الحسن (ع) يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
محاولة الإمام الحسن (عليه السلام) الأخيرة لتوعية الناس قبل الصلح مع معاوية
وقد حاول الإمام الحسن (ع) أن يلقي آخر الأضواء على هذه القضية؛ إذ قال (ع): (أَمَا وَاَللَّهِ مَا ثَنَانَا عَنْ قِتَالِ أَهْلِ اَلشَّامِ شَكٌّ وَلاَ نَدَمٌ)[٢٥]؛ أي نحن على بينة من أمرنا وليست عندنا أية شبهة في هذا المجال: (وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ اَلشَّامِ بِالسَّلاَمَةِ وَاَلصَّبْرِ، فَشِيبَتِ اَلسَّلاَمَةُ بِالْعَدَاوَةِ، وَاَلصَّبْرُ بِالْجَزَعِ وَكُنْتُمْ فِي مُبْتَدَإِكُمْ إِلَى صِفِّينَ، وَدِينُكُمْ أَمَامَ دُنْيَاكُمْ وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ وَدُنْيَاكُمْ أَمَامَ دِينِكُمْ)[٢٦]؛ أي الدين أصبح عندكم مقدمة للدنيا وللفتوحات والغنائم والسبايا والجواري وما شابه ذلك، ثم يقول (ع): (ثُمَّ أَصْبَحْتُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَعُدُّونَ قَتِيلَيْنِ: قَتِيلاً بِصِفِّينَ تَبْكُونَ عَلَيْهِ، وَقَتِيلاً بِالنَّهْرَوَانِ تَطْلُبُونَ ثَأْرَهُ، فَأَمَّا اَلْبَاكِي فَخَاذِلٌ، وَأَمَّا اَلطَّالِبُ فَثَائِرٌ وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَدْ دَعَا إِلَى أَمْرٍ لَيْسَ فِيهِ عِزٌّ وَلاَ نَصَفَةٌ، فَإِنْ أَرَدْتُمُ اَلْمَوْتَ رَدَدْنَاهُ إِلَيْهِ، وَحَكَّمْنَاهُ إِلَى اَللَّهِ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ اَلْحَيَاةَ قَبِلْنَاهُ، وَأَخَذْنَا بِالرِّضَا. فَنَادَاهُ اَلْقَوْمُ: اَلْبَقِيَّةَ اَلْبَقِيَّةَ)[٢٧]، ولذلك الإمام صالح معاوية، وهذا قبس يسير مما عاناه الإمام الحسن (ع).
هل تعيش فقد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟
إننا نعيش الحزن على فقدان النبي (ص) في يوم من أيام السنة، ونحن نقرأ في زيارة النبي يوم السبت عبارة مؤثرة في النفوس: (اُصِبْنا بِكَ يا حَبيبَ قُلُوبِنا فَما اَعْظَمَ الْمُصيبَةَ بِكَ حَيْثُ انْقَطَعَ عَنّا الْوَحْيُ وَحَيْثُ فَقَدْناكَ)[٢٨]، وفي الحقيقة إنَّ فقد النبي (ص) كارثة عظيمة، ويعيش الإنسان حالة الغربة في بعض الحالات سواء كان في المدينة أمام قبر النبي (ص) أو في أي مكان آخر، ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح: (اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُوإِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا)[٢٩]، ولذلك من فلسفة الدعاء بتعجيل الفرج هو أن تعيش الأمة في ظل وجود الحجة، فهو الحبل والسبب المتصل بين السماء والأرض.
النبي (ص) في أيامه الأخيرة
إنَّ النبي (ص) نادى بلال: (يَا بِلاَلُ هَلُمَّ عَلَيَّ بِالنَّاسِ فَاجْتَمَعَ اَلنَّاسُ فَخَرَجَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُتَعَصِّباً بِعِمَامَتِهِ مُتَوَكِّئاً عَلَى قَوْسِهِ حَتَّى صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَعَاشِرَ أَصْحَابِي أَيُّ نَبِيٍّ كُنْتُ لَكُمْ أَ لَمْ أُجَاهِدْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَ لَمْ تُكْسَرْ رَبَاعِيَتِي أَ لَمْ يُعَفَّرْ جَبِينِي أَ لَمْ تَسِلِ اَلدِّمَاءُ عَلَى حُرِّ وَجْهِي حَتَّى كَنَفْتُ لِحْيَتِي أَ لَمْ أُكَابَدِ اَلشِّدَّةَ وَاَلْجَهْدَ مَعَ جُهَّالِ قَوْمِي أَ لَمْ أَرْبَطْ حَجَرَ اَلْمَجَاعَةِ عَلَى بَطْنِي قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ لِلَّهِ صَابِراً وَعَنْ مُنْكَرِ بَلاَءِ اَللَّهِ نَاهِياً فَجَزَاكَ اَللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ اَلْجَزَاءِ.. ثمً قَالَ إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ وَأَقْسَمَ أَنْ لاَ يَجُوزَهُ ظُلْمُ ظَالِمٍ فَنَاشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ أَيَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَ مُحَمَّدٍ مَظْلِمَةٌ إِلاَّ قَامَ فَلْيَقْتَصَّ مِنْهُ فَالْقِصَاصُ فِي دَارِ اَلدُّنْيَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اَلْقِصَاصِ فِي دَارِ اَلْآخِرَةِ عَلَى رُءُوسِ اَلْمَلاَئِكَةِ وَاَلْأَنْبِيَاءِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى اَلْقَوْمِ يُقَالُ لَهُ سَوَادَةُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ إِنَّكَ لَمَّا أَقْبَلْتَ مِنَ اَلطَّائِفِ اِسْتَقْبَلْتُكَ وَأَنْتَ عَلَى نَاقَتِكَ اَلْعَضْبَاءِ وَبِيَدِكَ اَلْقَضِيبُ اَلْمَمْشُوقُ فَرَفَعْتَ اَلْقَضِيبَ وَأَنْتَ تُرِيدُ اَلرَّاحِلَةَ فَأَصَابَ بَطْنِي وَلاَ أَدْرِي عَمْداً أَوْ خَطَأً فَقَالَ مَعَاذَ اَللَّهِ أَنْ أَكُونَ تَعَمَّدْتُ ثُمَّ قَالَ يَا بِلاَلُ قُمْ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ فَأْتِنِي بِالْقَضِيبِ اَلْمَمْشُوقِ فَخَرَجَ بِلاَلٌ وَهُوَ يُنَادِي فِي سِكَكِ اَلْمَدِينَةِ مَعَاشِرَ اَلنَّاسِ مَنْ ذَا اَلَّذِي يُعْطِي اَلْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ فَهَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يُعْطِي اَلْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَطَرَقَ بِلاَلٌ اَلْبَابَ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَهُوَ يَقُولُ يَا فَاطِمَةُ قُومِي فَوَالِدُكِ يُرِيدُ اَلْقَضِيبَ اَلْمَمْشُوقَ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَهِيَ تَقُولُ يَا بِلاَلُ وَمَا يَصْنَعُ وَالِدِي بِالْقَضِيبِ وَلَيْسَ هَذَا يَوْمَ اَلْقَضِيبِ فَقَالَ بِلاَلٌ أَ مَا عَلِمْتِ أَنَّ وَالِدَكِ قَدْ صَعِدَ اَلْمِنْبَرَ وَهُوَ يُوَدِّعُ أَهْلَ اَلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا فَصَاحَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَقَالَتْ وَا غَمَّاهْ لِغَمِّكَ يَا أَبَتَاهْ مَنْ لِلْفُقَرَاءِ وَاَلْمَسَاكِينِ وَاِبْنِ اَلسَّبِيلِ يَا حَبِيبَ اَللَّهِ وَحَبِيبَ اَلْقُلُوبِ ثُمَّ نَاوَلَتْ بِلاَلاً اَلْقَضِيبَ فَخَرَجَ حَتَّى نَاوَلَهُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ أَيْنَ اَلشَّيْخُ فَقَالَ اَلشَّيْخُ هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَقَالَ تَعَالَ فَاقْتَصَّ مِنِّي حَتَّى تَرْضَى فَقَالَ اَلشَّيْخُ فَاكْشِفْ لِي عَنْ بَطْنِكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَكَشَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ عَنْ بَطْنِهِ فَقَالَ اَلشَّيْخُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَضَعَ فَمِي عَلَى بَطْنِكَ فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ أَعُوذُ بِمَوْضِعِ اَلْقِصَاصِ مِنْ بَطْنِ رَسُولِ اَللَّهِ مِنَ اَلنَّارِ يَوْمَ اَلنَّارِ فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَا سَوَادَةَ بْنَ قَيْسٍ أَ تَعْفُو أَمْ تَقْتَصُّ فَقَالَ بَلْ أَعْفُو يَا رَسُولَ اَللَّهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اَللَّهُمَّ اُعْفُ عَنْ سَوَادَةَ بْنِ قَيْسٍ كَمَا عَفَا عَنْ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَدَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ يَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مِنَ اَلنَّارِ وَيَسِّرْ عَلَيْهِمُ اَلْحِسَابَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ مَغْمُوماً مُتَغَيِّرَ اَللَّوْنِ فَقَالَ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي هَذِهِ اَلسَّاعَةَ فَسَلاَمٌ لَكِ فِي اَلدُّنْيَا فَلاَ تَسْمَعِينَ بَعْدَ هَذَا اَلْيَوْمِ صَوْتَ مُحَمَّدٍ أَبَداً فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَا حُزْنَاهْ حُزْناً لاَ تُدْرِكُهُ اَلنَّدَامَةُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدَاهْ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اُدْعُ لِي حَبِيبَةَ قَلْبِي وَقُرَّةَ عَيْنِي فَاطِمَةَ تَجِيءُ – وكأن النبي (ص) يحب أن يتزود من حبيبته فاطمة (س) – فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ وَهِيَ تَقُولُ نَفْسِي لِنَفْسِكَ اَلْفِدَاءُ وَوَجْهِي لِوَجْهِكَ اَلْوِقَاءُ يَا أَبَتَاهْ أَ لاَ تُكَلِّمُنِي كَلِمَةً فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكَ وَأَرَاكَ مُفَارِقَ اَلدُّنْيَا وَأَرَى عَسَاكِرَ اَلْمَوْتِ تَغْشَاكَ شَدِيداً فَقَالَ لَهَا يَا بُنَيَّةِ إِنِّي مُفَارِقُكِ فَسَلاَمٌ عَلَيْكِ مِنِّي قَالَتْ يَا أَبَتَاهْ فَأَيْنَ اَلْمُلْتَقَى يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ قَالَ عِنْدَ اَلْحِسَابِ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ اَلْحِسَابِ قَالَ عِنْدَ اَلشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِي قَالَتْ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ اَلشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِكَ قَالَ عِنْدَ اَلصِّرَاطِ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِي وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِي وَاَلْمَلاَئِكَةُ مِنْ خَلْفِي وَقُدَّامِي يُنَادُونَ رَبِّ سَلِّمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنَ اَلنَّارِ وَيَسِّرْ عَلَيْهِمُ اَلْحِسَابَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ فَأَيْنَ وَالِدَتِي خَدِيجَةُ قَالَ فِي قَصْرٍ لَهُ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ إِلَى اَلْجَنَّةِ.. فَوَضَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِ عَلِيٍّ وَاَلْأُخْرَى عَلَى أُسَامَةَ ثُمَّ قَالَ اِنْطَلِقَا بِي إِلَى فَاطِمَةَ – وكأنه أحس بشخصين خفيفين على بدنه – فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَنْ هَذَانِ يَا عَلِيُّ قَالَ هَذَانِ اِبْنَاكَ اَلْحَسَنُ وَ اَلْحُسَيْنُ فَعَانَقَهُمَا وَقَبَّلَهُمَا وَكَانَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَشَدَّ بُكَاءً فَقَالَ لَهُ كُفَّ يَا حَسَنُ فَقَدْ شَقَقْتَ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ)[٣٠] وفي عبارة أخرى قال النبي (ص): (يَا عَلِيُّ دَعْنِي أَشَمُّهُمَا وَ يَشَمَّانِي وَ أَتَزَوَّدُ مِنْهُمَا وَ يَتَزَوَّدَانِ مِنِّي أَمَا إِنَّهُمَا سَيُظْلَمَانِ بَعْدِي وَ يُقْتَلاَنِ ظُلْماً فَلَعْنَةُ اَللَّهِ عَلَى مَنْ يَظْلِمُهُمَا)[٣١] ، وكان يريد رسول الله (ص) أن يتزود منهما قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى.
وأقول: يا رسول الله لقد عظم عليك بكاء الحسن (ع)، فكيف بك إذا رأيته وهو يلفظ كبده في ذلك الطشت وينادي أخاه الحسين (ع): (لاَ يَوْمَ كَيَوْمِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ)[٣٢]، ولا تحب أن ترى الحسين (ع) باكياً على صدرك، فكيف بك إذا وجدته ملقى على رمضاء كربلاء، يوم على صدر المصطفى ويوم على وجه الثرى، ولو تمثل للنبي (ص) ما جرى – ولقد تمثل له ذلك حقيقة – لتقطع قلبه على ولده الحسين.
ثم تقول الرواية: (ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَجَذَبَهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ تَحْتَ ثَوْبِهِ اَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ وَجَعَلَ يُنَاجِيهِ مُنَاجَاةً طَوِيلَةً حَتَّى خَرَجَتْ رُوحُهُ اَلطَّيِّبَةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)[٣٣].
[٢] نهج البلاغة ج١ ص٤١٦.
[٣] إقبال الأعمال ج١ ص٤٦٧.
[٤] معاني الأخبار ج١ ص٢٣٦
[٥] سورة يوسف: ٣٠.
[٦] سورة آل عمران: ٣١.
[٧] سورة آل عمران: ٣١.
[٨] سورة التين: ٤.
[٩] الإختصاص ج١ ص٨٢.
[١٠] بحار الأنوار ج٤٤ ص٢٣.
[١١] الإختصاص ج١ ص٨٢.
[١٢] الإختصاص ج١ ص٨٢.
[١٣] الإختصاص ج١ ص٨٢.
[١٤] الإرشاد ج١ ص٢٧٨.
[١٥] الأمالي (للطوسي) ج١ ص٣٧٢.
[١٦] المناقب ج٢ ص١١٩.
[١٧] كشف الغمة ج١ ص٥٧٠.
[١٨] كشف الغمة ج١ ص٥٧٠.
[١٩] كشف الغمة ج١ ص٥٧٠.
[٢٠] كتاب سُليم ج٢ ص٧٧٧.
[٢١] كتاب سُليم ج٢ ص٧٧٧.
[٢٢] كتاب سُليم ج٢ ص٧٧٧.
[٢٣] كتاب سُليم ج٢ ص٧٧٧.
[٢٤] الاحتجاج ج٢ ص٢٩٣.
[٢٥] نزهة الناظر ج١ ص٧٧.
[٢٦] نزهة الناظر ج١ ص٧٧.
[٢٧] نزهة الناظر ج١ ص٧٧.
[٢٨] مفاتيح الجنان.
[٢٩] مفاتيح الجنان.
[٣٠] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٦٣٣.
[٣١] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٦٣٣.
[٣٢] اللهوف ج١ ص٢٥.
[٣٣] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٦٣٣.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إنَّ القرآن الكريم قد حث المؤمنين على التأسي بالنبي الأكرم (ص) والتأسي بالصالحين، والأئمة (ع) هم امتداد النبي (ص) وعترته الطاهرة، ولا يمكن التأسي بهم في حال من الأحوال ما لم نطلع على سيرتهم الشريفة، ومن الجميل أن نستغل مناسبات ولاداتهم وشهاداتهم لذلك.
- إنَّ الإمام الحسن (ع) قد ظلم في حياته وفي استشهاده، وظلم من قبل أعدائه كما ظلم من قبل شيعته وأنصاره، وباعتقادي أنَّ ما عاناه الإمام الحسن (ع) يفوق ما عاناه الحسين (ع)، وإن كان ما عاناه الحسين (ع) كيفاً كان أعظم مما عاناه الحسن (ع).
- إنَّ الإمام الحسن (ع) تعرض لمحاولات اغتيال كثيرة وخيانات عظيمة في صفوف القيادات العسكرية التي كان يحاول معاوية شراء ذممهم وقد تركوا الإمام بالفعل لأجل دراهم معدودة بعثها إليهم معاوية، وكيف يكون حال جيش فرت قياداته؟
- إن من أسباب تخاذل أصحاب الإمام الحسن (ع) وجود الخوارج وإن كان أمير المؤمنين قد قضى عليهم بحسب الظاهر إلا أن فلولا منهم كانوا يثيرون الشبهات في المجتمع آنذاك حتى أثروا في مسير حركة الإمام، والأمر الآخر هو الركون إلى الدنيا؛ إذ أن معاوية في الشام كان يغدق العطاء على أصحاب الإمام.
- إنَّ الحسن (ع) رأى منكرا لا يمكن تغييره بالقلة المتخاذلة من أصحابه ولذلك حاول بالصلح الذي أبرمه مع معاوية أن يحافظ على القلة الباقية من خلص الشيعة بعدما حاول معاوية استئصال شأفتهم، ويبدو ذلك جلياً من بنود الصلح.
- إننا نعيش الحزن على فقدان النبي (ص) في يوم من أيام السنة، ونحن نقرأ في زيارة النبي يوم السبت عبارة مؤثرة في النفوس: (اُصبنا بك يا حبيب قلوبنا فما أعظم المُصيبَةَ بِكَ حَيْثُ انْقَطَعَ عَنّا الْوَحْيُ وَحَيْثُ فَقَدْناكَ) ، وفي الحقيقة إنَّ فقد النبي (ص) كارثة عظيمة ألمت بالأمة.