- ThePlus Audio
هل تظن أن الرزق مادي فقط؟
بسم الله الرحمن الرحیم
من المسائل التي تشغل بال الكثير من الناس هي مسألة الرزق. وعند الحديث عن الرزق يتبادر إلى أذهان الكثير الذهب والفضة والأسهم والأرصدة في المصارف وما شابه ذلك من الرزق المادي المحسوس. والحال أن الرزق أوسع من ذلك بكثير وهو بتعبير أحد العلماء: ما انتفع به الحي إن كان ذلك لقمة خبز أو زوجة صالحة أو ولد صالح يدعو له بعد موته أو قد يكون علم ينتفع به الإنسان وقد يكون ثروة مادية وقد يكون التوفيق الذي يحصل عليه في العبادات سواء في أدائها أو في الإقبال على الله عز وجل فيها.
والرزق ما يكون مقدرا للإنسان كما يقول سبحانه في كتابه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)[١]؛ والدابة أعم من الإنسان فهي تشمل كل ما يدب على وجه الأرض؛ بل وتشمل حتى الخلايا والجراثيم والبكتيريا. وحتى الحشرات فهي من الدواب التي ضمن الله رزقها فهذه الحشرة التي تسمى الملاريا وتتغذى على دم الإنسان وتنقل له من الأمراض ما تنقل هي كذلك مما ضمن الله لها رزقها وإن كان رزقها دم الإنسان. وقد صرح القرآن الكريم عن بعض هذه الحشرات التي تسلب الإنسان ما لا يمكن استرجاعه منه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)[٢] حيث يقال أنها لو أخذت من دم الإنسان شيئا تحلله سريعا حيث لا يمكن إرجاعه أبدا مهما حاول العلماء والخبراء إرجاعه لأنه سرعان ما يختلط بدمها.
هل هناك زيادة في الرزق غير الذي ضمنه الله لنا؟
ولكن كيف نجمع بين هذه الآية التي تبين أن الله عز وجل قد ضمن أرزاق الجميع وقوله تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) ؟ لقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (إِنَّ اَلرِّزْقَ لَيَنْزِلُ مِنَ اَلسَّمَاءِ إِلَى اَلْأَرْضِ عَلَى عَدَدِ قَطْرِ اَلْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُدِّرَ لَهَا وَلَكِنْ لِلَّهِ فُضُولٌ فَاسْأَلُوا اَللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)[٣]، والفضل هو الزيادة عما قدر، فقد دلت الروايات الشريفة على أن عمر الرجل يكون ثلاث سنوات فيجعلها الله له ثلاثين سنة عند صلته لأرحامه، وكم يستطيع المؤمن في هذه السنوات الثلاثين أن يتزود لآخرته من حج وعمرة وصلاة وصيام وليالي قدر، أليس ذلك فضل من الله تعالى؟
الاقتصاد في المعيشة
ولكن لا يتبادر إلى الأذهان أن الرزق المكفول والمضمون يعني أن يسرف الإنسان ولا يقتصد في رزقه وأن لا يدخر شيئا لمستقبله ومستقبل أبنائه بما يضمن كرامتهم. وينبغي أن يدبر ويفكر ويبرمج لحياته من دون حرص وطمع، وقد روي في تعقيب صلاة العشاء: (وَلاَ تُعَنِّنِي بِطَلَبِ مَا لَمْ تُقَدِّرْ لِي فِيهِ رِزْقاً)[٤]، أي لا جعلني أعاني في طلب الرزق وأتكبد العناء في شيء لم تجعل لي فيه نصيبا، على الإنسان أن يبحث عما يتناسب وقابلياته ولا يتطلع إلى رزق صعب الوصول.
الاستقراض العبثي
وقد يستقرض البعض من المصارف قروضا مشبوهة لأجل توسعة العمل وزيادة الأموال فهل مطلوب منه إقحام نفسه في الأمور المشبوهة لأجل أمور ترفية؟ والحال أنه لا يعمل هل تتبع هذه المصارف القواعد الشرعية المطلوبة في معاملتها. وقد ينام هو يتقلب يمينا وشمالا قلقا بشأن هذه الأموال هل روعي فيها الأحكام الشرعية وهل هو قرض تجاري اقتصادي نافع له ضماناته أم لا؟ والحال أن غني عن ذلك كله.
ولا بأس أن يستقرض الإنسان لأمور حياته الضرورية ولتوسعة كسبه بشكل معقول فنحن لا ننفي ضرورة التوسعة الاقتصادية. ويمكن الإنسان إذا نوى أن يستقرض من أحد أن يقول: يا رب لين لي قلب فلان إن قدرت لي رزقا في مراجعتي له. وقد نقل عن أحد العلماء في النجف الأشرف أيام الفقر الشديد؛ أنه قد وصل إلى حد الموت من الجوع حتى كان يغمى عليه، ومع ذلك كان يقول: يا رب تكليفي هو البحث عن الرزق وأن استقرض الميسورين فإن قدرت لي رزقا فذاك وإن مت فأنا بريء الذمة بمقدار ما سعيت وبحثت عن طلب الرزق. وقد لا يسعى المرء في طلب الرزق ولا يبحث عن فرص العمل وينام صبح مساء، ويكتفي من ذلك بالدعاء وهو بلا شك لا يستجاب له حاله حال من يدعو على زوجته لسوء خلقها أو ما شابه ذلك والأمر بيده إن شاء طلق وإن شاء أمسك.
الرزق والاستغفار
ومن الأمور المهمة التي ينبغي الالتفات إليها هي وجود علاقة وطيدة بحسب الآيات والروايات بين عمل الإنسان وعبادته من جانب وبين الضيق والسعة في معيشته من جانب آخر. فقد قال سبحانه على لسان النبي نوح (ع) وهو يشتكي من إعراض قومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[٥]، وهي هذه الآيات إشارة واضحة إلى ما ذكرنا ولو لم نستند في قولنا هذا إلى القرآن لظن الناس أن ذلك ضرب من الخيال أو شيء شبيه بالشعوذة؛ إذ ما هو الارتباط بين الاستغفار وبين نزول الأمطار؟ وحتى في كتب الأدعية تجد أن الاستغفار أحد الأذكار المهمة لطلب الذرية، وقد روي أن الرجل ليحرم من صلاة الليل بذنب في النهار فإذا حرمها حرم الرزق.
من أسباب الضيق في المعيشة
وقد يشتكي البعض من ضيق في الرزق أو تشتكي بعض الشركات من أزمة مالية ثم نبحث عن الأسباب لنجد وجود علاقة متوترة بين رب العمل والموظفين أو بين المهندس والعمال تحت يده. فالكثير منهم لا يتقنون الحديث مع من تحت أيديهم من الموظفين والعمال وقد يغلطون بالقول ويصل الأمر في بعض الأحايين إلى السب واستعمال الكلمات البذيئة وكأن عبد مملوك له لا عامل شريف يبحث عن قوته وقوت عياله وهو كاد على أهله عزيز عند ربه ثم يأتي المهندس أو رب العمل ليزيده إرهاقا لإرهاقه وحزنا لأحزانه ومشقة لمشاقة التي يعاني منها من العمل تحت الشمس الحارقة وفي ساعات الليل والنهار الطويلة وما شابه ذلك، ثم يدعو ذلك المهندس أو رب العمل وهو لا يعمل أن دعائه قد حجب بدعاء العامل الذي يدعو عليه ليله ونهاره..! والحال أن الروايات تحذر بشدة من كسر المؤمن فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ)[٦].
ولا يختص ذلك بالدوائر والشركات وأماكن العمل؛ بل حتى في المنازل نرى سوء تصرف مع الخدم والعمال داخل المنزل وقد تكون بعض الخلافات العائلية منشأها هذا الظلم الذي يحدث في حق هؤلاء. فقد ترى الزوجة في المنزل تٌحمل العاملة فوق طاقتها ولا تحترم ساعات استراحتها ولا نومها بل تستخدمها في الليل والنهار وكأنها أمة من إمائها وخاتم في إصبعها تقلبه كيفما تريد، فتلعب بأعصابها وتعبث بمشاعرها دونما خوف أو وجل من الله سبحانه، وقد نرى أن العقاب إذا حل لا يقتصر عليها بل يشمل الأسرة بأكملها فقد قال سبحانه: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[٧]، فالذنوب صغيرها وكبيرها قد تكون منشأ الضيق في الرزق.
وقد تكون بعض الذنوب صغيرة في الظاهر ولكنها تحرم الإنسان من الرزق منها جرح الآخرين من خلال الكلام والحال أن حرمة المؤمن عند الله عز وجل أعظم من حرمة الكعبة، فلو أخذت سكينا وخدشت به جدار الكعبة لم يكن ذلك بأعظم من خدشك جسم المؤمن فكيف بروحه؟ وكما يقول الشاعر:
جِراحاتُ السِّنانِ لها التِيامٌ *** وَلا يَلتامُ ما جَرَح اللِّسانُ
قد تكون مصلحة البعض في الفقر
وقد يَقدر الله عز وجل الرزق على بعض العباد صيانة لهم ولدينهم، فيقول سبحانه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[٨]. وطبيعة الإنسان أن يطغى عندما يستغني إلا النزر القليل ممن جاهد نفسه ورقي بها إلى مستوى لا تتأثر بالأموال زادت أو نقصت. وكم هم الذين لم يكونوا يفارقون المساجد ولكنهم بدأوا الانسحاب شيئا فشيئا بعدما حصلوا على الأموال وانشغلوا بها حتى قد وصل الأمر ببعض هؤلاء أن يسخر من الدين ومن أهل الدين. وليس المال إلا تلك القوة التي تمكن الإنسان من كل ما يشتهي فهي مادة الشهوات ولا قيمة لهذه الأوراق النقدية إلا لأنها كذلك، وإذا كثرت الأموال في يد الإنسان يفكر في صرف هذه الأموال على ملاذ البطن والفرج والسفر إلى البلدان المختلفة وما شابه ذلك من الأمور الملهية. وبذلك يكون الفقر أو الكفاف خير للإنسان ولدينه.
الولد الصالح من أفضل أنواع الرزق
وقد يدعوا العبد ويطلب من الله مالا ولكنه الله يرزقه ذرية صالحة بدل ذلك، وشتان بين بضعة دراهم من الأموال وبين ولد صالح يدعو لأبيه ويكون صدقة جارية بعده بالإضافة إلى كونه عاملا مساعدا لوالده في الأمور الاقتصادية. فكم هم الأبناء الذين يصرفون على والديهم ويتولون شؤونهم المعيشية إلى آخر حياتهم. وفي كثير من القرى والأرياف نرى أنهم يعدون الأولاد قوة عاملة منتجة.
وينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى أن الله سبحانه قد يعطيه شيئا ويسلب منه شيئا آخر، ولذلك من أحدث الله له رزقا أو توسعة أو زوجة صالحة أو ملك بيتا بعد أن كان مستأجرا أو فتح له باب من أبواب الدنيا أن يشكر الله سبحانه كثيرا وأن يطلب منه أن لا يكون ما أعطاه في مقابل شيء يسلبه منه، فلا يدخل منزلا جديدا ويدخل منزله السكر أو أي مرض آخر أو تحدث له مشاكل عائلية كان في غنى عنها أو يبتلى باكتئاب أو ما شابه ذلك، فليتصدق كثيرا ولا يغفل عن الله عز وجل وليحسن شكر نعمه عليه.
من أسباب زيادة الرزق
وقد يسأل سائل عن أسباب زيادة الرزق، ويمكن القول: أن الدعاء من أهم ما يستدر به الرزق، وهو الوسيلة التي يستطيع أن يغير من خلالها ما كتب له من الرزق فيقدم ويؤخر وكما نقرأ في بعض أدعية شهر رمضان المبارك أن العبد يطلب من ربه أن يمسح اسمه من ديوان الأشقياء فيثبته في ديوان السعداء. وبإمكان المؤمن في جوف الليل وبعيون باكية أن يغير ما كتبه الله عز وجل من رزق؛ فيستيقظ في الصباح ليرى فرص العمل قد أتيحت له بكثرة أو يرى إقبالا عليه في السوق ما لم يعهد له شبيه، ومقاليد الرزق بيده سبحانه والدعاء مؤثر فيها.
من أسباب الرزق: صلاة الوتيرة
فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ عِشَاءِ اَلْآخِرَةِ فَإِنَّهَا مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ)[٩]، وخصوصا إذا قرأ في الركعة الأولى منها سورة الواقعة فذلك نور على نور.
من أسباب الرزق: استكثار قليل الرزق
فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَنِ اِسْتَقَلَّ قَلِيلَ اَلرِّزْقِ حُرِمَ كَثِيرَهُ)[١٠]، فقد تستقل بعض المعاملات الصغيرة التي لا تدر عليك بالربح الكثير فتحرم بذلك المعاملات الكبيرة والرزق الكثير.
من أسباب الرزق: التصدق
وقد حثت الروايات كثيرة على التصدق وأثرها على الرزق، فقد روي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (اِسْتَنْزِلُوا اَلرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ)[١١]، والصدقة من كنوز عالم الغيب وقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (صَدَقَةُ اَلسِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ اَلرَّبِّ)[١٢]. وللصدقة آدابها التي ينبغي للمؤمن مراعاتها؛ فللأسف الشديد نرى البعض من الناس لا يدفع الصدقة إلا إذا وقع في مشكلة أو ورطة والحال على المؤمن أن يدفع الصدقة وإن كانت شيئا بسيطا من ماله صباحا ومساء بصورة رتيبة ويدفعها إلى الفقير والمسكين وقد يكون الفقير موظفا لا يكفيه الراتب فهو كذلك ممن يستحق هذه الصدقة وبالإمكان أخذ صندوق منه ووضع الصدقة فيها بصورة يومية حتى تقع الصدقة في يده لأن الصندوق يصبح من ملكه، ثم يسلم إليه في آخر الشهر أو في وقت حاجته. وذلك خير من وضع الصدقة في صندوق من دون نية ومن دون معرفة من ستدفع له تلك الأموال.
ومن آداب التصدق أن تخرج الصدقة بنية دفع البلاء والضر عن إمام زمانك (ع) وعن من يحبه الإمام (ع)؛ فتكون النية أني أدفع الصدقة نيابة عن مولاي صاحب العصر (ع) ومن يحبه من ذرية أو زوجة إن كان لديه ذلك فنحن لا نعلم خصوصيات حياة الإمام (ع) في زمن الغيبة. وقد جاء لي أحد الأصدقاء في عيد الفطر بمبلغ من المال وقال لي: هذه زكاة الفطرة نيابة عن مولاي صاحب الزمان (ع)، وهي عملية جميلة أراد أن يستدر بها عطف الإمام (ع) وإلا فإن الإمام ليس بحاجة إليها من دون شك.
من أسباب الرزق على لسان المحقق نصير الدين الطوسي
ومن الأسباب الجالبة للزرق البكور في الطلب وحسن الخلق مع الجميع واستعمال الكلمات الطيبة فهي تؤثر كثيرا على الرزق حتى أصحاب الشركات الكبيرة التي لها وزنها في السوق.
ومن هذه الأسباب ما ذكره العالم الكبير نصير الدين الطوسي في كتابه آداب المتعلمين، وفي الحقيقة يضع علمائنا أيديهم على مكمن الداء ويصفون أفضل علاج يقول أعظم أسباب الرزق: (إقامة الصلاةِ بالتعظيم والخشوع)[١٣].
وكان الأئمة (ع) يبتلون بالمرض والفقر حتى كان أمير المؤمنين (ع) يرهن درعه عند يهودي ويستقرض منه مبلغا من المال، ولذلك كانوا يدعون الله في الأوقات التي تفتح فيها أبواب السماء: كوقت الزوال، وعند هبوب الريح، وعند نزول الأمطار وعند التقاء الصفين وعندما يفرغ الخطيب أو قبل الخطبة، فيصلون ركعتين ويطلبون من الله عز وجل قضاء حوائجهم، ثم يقول الطوسي: (وقراءة سورة الواقعة، خصوصا بالليل ووقت العشاء وسورة يس وتبارك الذي بيده الملك وقت الصبح وحضور المسجد قبل الأذان)[١٤]، ولا يعني ذلك الحضور في المسجد والتحدث مع الأصحاب في كل ما هب ودب وإنما يعني ذلك الحضور والانشغال بالذكر والعبادة.
ثم يقول: (والمداومة على الطهارة)[١٥]، ومن المؤسف أن يخرج المرء من الحمام وأمامه الماء الساخن ثم يتكاسل عن الوضوء. ومنها أيضا: (وأداء سنة الفجر والوتر في البيت وأن لا يتكلم بكلام لغو، ومن اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه)[١٦].
الأذكار النافعة للرزق
وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَاغْدُ فِيهَا فَإِنَّ اَلْأَرْزَاقَ تُقَسَّمُ قَبْلَ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ وَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى بَارَكَ لِهَذِهِ اَلْأُمَّةِ فِي بُكُورِهَا)[١٧]، وكذلك الاستغفار وذكر (لا إله إلا الله الملك الحق المبين) في اليوم مائة مرة مما يزيد في الرزق، وبإمكان الإنسان أن يقولها في ذهابه وإيابه، وكذلك ذكر: ما شاءالله لا قوة إلا بالله.
دعاء الصادق (عليه السلام) لطلب الرزق
ومن الجميل ما ذكره صباح الحذاء عن ابن الطيار قال: (قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ إِنَّهُ كَانَ فِي يَدِي شَيْءٌ تَفَرَّقَ وَضِقْتُ ضَيْقاً شَدِيداً فَقَالَ لِي أَ لَكَ حَانُوتٌ فِي اَلسُّوقِ قُلْتُ نَعَمْ وَقَدْ تَرَكْتُهُ فَقَالَ إِذَا رَجَعْتَ إِلَى اَلْكُوفَةِ فَاقْعُدْ فِي حَانُوتِكَ وَاُكْنُسْهُ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى سُوقِكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ قُلْ فِي دُبُرِ صَلاَتِكَ تَوَجَّهْتُ بِلاَ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ وَلَكِنْ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنَ اَلْحَوْلِ وَاَلْقُوَّةِ إِلاَّ بِكَ فَأَنْتَ حَوْلِي وَمِنْكَ قُوَّتِي اَللَّهُمَّ فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ اَلْوَاسِعِ رِزْقاً كَثِيراً طَيِّباً وَأَنَا خَافِضٌ فِي عَافِيَتِكَ فَإِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ)[١٨].
وهذا عمل جميل يعلمه الإمام (ع) لشيعته وهو دليل على عطفه وحرصه عليهم، ولا مانع من أن يأتي بهذا الدعاء إذا كانت له معاملة في وزارة أو دائرة ولكن بقلب مقبل على الله عز وجل، والقلوب بيده سبحانه وهو الذي يقلبها كافرها ومؤمنها فإذا أراد سبحانه يتصرف لك في القلوب ويقضي لك الحوائج العظام. كما كان يتصرف في قلوب العتاة أمثال فرعون ويلقي عليهم محبة موسى (ع).
[٢] سورة الحج: ٧٣.
[٣] وسائل الشیعة ج٧ ص١٢١.
[٤] مصباح المتهجد ج١ ص١٠٩.
[٥] سورة نوح: ١٠-١٢
[٦] الخصال ج٢ ص٤٤٨.
[٧] سورة الأنفال: ٢٥.
[٨] سورة الشورى: ٢٧.
[٩] فلاح السائل ج١ ص٢٥٨.
[١٠] الکافي ج٥ ص٣١٨.
[١١] وسائل الشیعة ج٩ ص٣٧١.
[١٢] أعلام الدین ج١ ص٢٩٤.
[١٣] بحار الأنوار ج٧٦ ص٣١٩.
[١٤] بحار الأنوار ج٧٦ ص٣١٩.
[١٥] بحار الأنوار ج٧٦ ص٣١٩.
[١٦] بحار الأنوار ج٧٦ ص٣١٩.
[١٧] الأمالي (للمفید) ج١ ص٥٣.
[١٨] الکافي ج٣ ص٤٧٤.
خلاصة المحاضرة
- إن الذي يراجع الآيات الشريفة والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) يلاحظ وجود علاقة مطردة بين الذنوب والمعاصي وبين الرزق وسعته وضيقه، فكلما زادت المعاصي نقص الرزق وضاق، والاستغفار له أثر كبير في جلب الرزق واستجلاب الخيرات.
- قد يدعوا العبد ويطلب من الله مالا ولكنه يرزقه ذرية صالحة بدل ذلك، وشتان بين بضعة دراهم من الأموال وبين ولد صالح يدعو لأبيه ويكون صدقة جارية بعده بالإضافة إلى كونه عاملا مساعدا لوالده في الأمور الاقتصادية. فكم هم الأبناء الذين يصرفون على والديهم ويتولون شئونهم إلى آخر حياتهم.
- قد يَقدر الله عز وجل الرزق على بعض العباد صيانة لهم ولدينهم، فيقول سبحانه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ). وطبيعة الإنسان أن يطغى عندما يستغني إلا النزر القليل ممن جاهد نفسه ورقي بها إلى مستوى لا تتأثر بالأموال زادت أو نقصت.