- ThePlus Audio
كيف نقضي أوقات الفراغ؟
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا صالح المهدي، هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقع فيه ظهورك والفرج فيه للمؤمنين على يديك وقتل الكافرين بسيفك، وأنا فيه يا مولاي ضيفك وجارك فأضفني وأجرني فإنك تحب الضيافة والإجارة.
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون جميعا ورحمة الله وبركاته.
ما هو العمر الفعال للإنسان؟
في الواقع كان من المفترض أن يكون حديثنا اليوم في أول الصيف، ولكن على كل حال سنعوضه بعد مرور هذه الفترة، إن المسألة المهمة التي تشغل الجميع هذه الأيام، كبارا وصغارا ونساء ورجالاً، هي مسألة قضاء وقت الفراغ، وكيف نستغل هذه الفراغ الموجود في الصيف، لأن الإنسان المؤمن إخواني عمره أمانة الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا، وفي حساب رياضي بسيط، كم هو معدل عمر الإنسان؟ ستون، والنبي الأكرم (ص) عاش ثلاث وستون عاما تقريبا، والستون عبارة عن حياة طبيعية وفوق هذا العمر، يعيش الإنسان في الأغلب بين المستشفيات والمصحات، وما شابه ذلك، ولا يعتبر عمراً فعالاً، وننقص من الستين سنوات البلوغ للرجال وهي بين الأربعة عشر والخمسة عشر سنة، وبالتالي سيبقى من ذلك خمسة وأربعون سنة، وثلث هذا العمر يقضيه الإنسان في النوم كما هو المعروف، هذا إن لم يكن أكثير، فبقي من ذلك ثلاثون، وفي هذه الثلاثين الدوام والعمل وغيره مما يستغرق على الأقل ثمان ساعات يوميا، فبقي لدينا خمسة عشر سنة، ومن هذه السنوات الخمسة عشر، يذهب منها خمس سنوات للأكل والشرب وللحمام وما شابه ذلك، فلم يبقى من العمر الفعال للإنسان غير عشر سنوات.
سنوات قليلة من العمل في مقابل الأبد والخلود..!
طبعا، إذا كان الإنسان معافا سليما آمناً في هذه السنوات، وتكون جميع الأمور مهيئة له، فمن الممكن أن تكون هذه السنوات في الواقع مقدمة لكسب الآخرة، ومعادلة بديهية أخرى: إننا بهذه السنوات العشر نحدد مصيرنا الأبدي، لا سنة ولا سنتين، سمعنا البارحة أن عمر الأرض يتجاوز الملياري سنة، ملياران من السنوات مضت على هذه الكرة الأرضية، والقضية هي أننا بهذه السنوات القصيرة؛ نستحصل حياة أبدية لا نهاية لها، فلو قطرنا مياه البحار وجعلنا بإزاء كل قطرة مليون سنة، فستنتهي القطرات ولكن الحياة المؤبدة لا نهاية لها (خالدين فيها أبد)[١]
هل تعرف قيمة كل لحظة من لحظات حياتك؟
إذا الثمن هو عشر سنوات، أما ما هو المشترى والبضاعة؟ حياة أبدية من السعادة أو من الشقاء، وأذكر معادلة رياضية ثالثة وهي: عندما نقسم اللانهاية على المحدود ماذا سيكون الجواب؟ أيضا اللانهاية؛ أي أن كل دقيقة من حياة الإنسان يمكن إخواني أن يشترى بها سعادة أبدية، وكذلك صلاتك اليوم، يوم الجمعة في بيت الله عز وجل جماعة وفي صفوف المؤمنين، يتحول إلى قصر أو مملكة أو إلى كوكب في حياة الآخرة، في حياة لا تنتهي أبدا، وهكذا الأمر بالنسبة للأمور السلبية، والذي يعتقد بهذه الحقيقة إخواني، لا أظن أن يقر له قرار بالنسبة إلى سنوات عمره التي تمضي، ومع الأسف هناك معنىً ارتكازي خاطئ في نفوس الناس وهو ظنهم أن العمر القيم والثمين هو عمر المهندسين والأطباء والأساتذة والعلماء في الحوزات العلمية من مراجع التقليد، وأما الإنسان الموظف أو العامل يظن في نفسه أنه لا قيمة لحياته، فليكن الأمر كما هو، أكل وشرب ونوم إلى أن يأتي ملك الموت فيقبضه وهو على حاله، لم يستحصل كمالاً ولا جمالاً ولا فضلاً ولا عبادة ولا علم ولا فقهاً ولا عملاً صالحاً.
على الإنسان ألا يحتقر نفسه، ونحن نلاحظ كيف يبخل أطباء المستشفيات والمهندسين وأساتذة الجامعات على دقيقة من دقائق حياتهم، وطبعا لأن ذذلم مقدمة لكسب المال، إن هذه الدقائق تباع وتشرى، وقد يقول الإنسان الموظف أو المؤمن العاطل عن العمل مؤقتا أو البائع أو ما شابه ذلك: ما قيمة حياتي؟ هكذا أزور بعض الناس أو يزورني أحدهم لساعات طويلة، ساعة أو ساعتين من دون أن أخرج بفائدة، أجلس لساعات على التلفاز وأنا أرى ذلك العالم الأجنبي كيف يمن علينا ألف منة بخمس دقائق نتجمع معه في موعد، أما أنا الإنسان المسلم المؤمن، أمضي أو أصرف ساعات طويلة من حياتي على ما لا طائل تحته.
لا تدع الأوقات تكون عليك حسرة يوم الحسرة..!
وقد أسمع بمن يسهر إلى الصباح، ينتقل من قناة إلى قناة، فإذا أصبح الصبح نام عن صلاة الفجر، وعندما تقول له ما استفدت من وقتك وما هو الخبر الجديد؟ ما هو التحقيق العلمي الذي استفدته؟ يقول لك: لا شيء، والحال أن وقته ذهب هباءً منثوراً، وقد تراه يأخذ صحيفة يقرأها من الغلاف إلى الغلاف ويقرأ كل ما هب ودب، حتى الإعلانات والأخبار الرياضية بل وحتى التحليلات السخيفة، والمهم عنده أن يقضي أوقاته، وقد ترى البعض جالس في البيت وإذا به يخطر على باله أن يذهب إلى البحر ليشرب كأسا من العصير ثم يعود إلى المنزل، هل هذا هو العمر بهذا الرخص وبهذه البساطة؟ وأنتم تعلمون أن الأموات وأهل القبور كم يتمنون – ونحن نسمع كل يوم خبر موت فلان ورحيل فلان- وهم في قبورهم أن يعطوا الدنيا وما فيها، أن يعطوا ثروتهم وتركتهم وإرثهم مقابل صلاة واحدة، بل مقابل كلمة لا إله إلا الله ومستعدون أن يتركوا كل ما تركوا في الحياة مقابل هذه الكلمة.
هل تضمن الفراغ والأمن والعافية؟
المهم هو أن يقيم الإنسان لنفسه وزناً وتبعا لذلك يقيم وزناً لأيام حياته التي تمضي، ومتى يضمن الإنسان أن يكون لديه دائما وقت فراغ وصحة وعافية؟ قد تكون الآن في فراغ وفي أمن وفي سعة من المال، ولكن كلما تقدم بك العمر، وكلما رزقت الأولاد والبنين والحفدة، ستأتيك المشاكل واحدة تلو أخرى، وقد تنشغل بحفيد أو ولد أو سكن بضعة شهور، فلا بد أن يستفيد الإنسان من أوقات الفراغ ومن الفرص المتاحة، وكما في الأثر عن النبي الأكرم (ص): (اِغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ)[٢]، فعلينا أن نقف وقفة جادة مع أنفسنا ونتذكر يوم الحسرة في يوم القيامة، ويوم الحسرة من أسماء يوم القيامة؛ إذ يتحسر الإنسان على الساعات التي مرت من حياته، وباعتقادي أن الله سبحانه وتعالى بلطفه وكرمه وتحننه، ينسي الإنسان هذه الحسرة وإلا كيف يمكن أن يشعر بالسعادة والهناء والحسرة تنغص عليه عيشه؟ فقد ينظر الإنسان إلى إخوانه الذين كانوا معه، إلى زملائه أيام الدراسة والعمل ويرى أن الموظف الذي كان يجلس بجانبه قد ارتقى مرتقى عظيما وقد رأى مرجع من مراجع التقليد مناما – وإن لم تكن المنامات حجة – رأى فيه جارا له بسيط قد وصل إلى مقام عال من الجنة والحال أنه كان رجلاً بسيطا، وقال إنما وصلت إلى الجنان بفضل ملكاتي التي متعت بها ولكن ما الذي وصلك بك إلى هنا؟ ثم اكتشف أن عملا صالحا واحداً مهماً في حياته، جعل له ذلك القرب.
دور المجاهدة في رفع درجات الإنسان
عندما ننظر إلى حياتنا السابقة، ولا نرى فيها محطات ملفتة في سبيل الله عز وجل؛ كتحمل فقر أو مرض مؤلم أو ما شابه علينا أن نتأمل في ذلك، ماذا نجد في حياتنا من محطات التعالي والترقي وقد قال سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)،[٣] وثقوا واطمئنوا أنه لا يصل الإنسان إلى الدرجات العلى إلا من خلال المجاهدة وإن كانت مجاهدة لفترة من الزمن، كأن يصيبه الأذى في سبيل الله، يصيبه النصب كما في القرآن الكريم: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)[٤]، أو شرد من بلاده في سبيل الله تعالى وحرم من رزقه أو اعتدي عليه ظلما وعدوانا أو اتهم بما لا واقع له، المهم أنه عاش فترة من حياته في أزمة نفسية أو مالية أو أسرية، وهذه الأزمة في الواقع يمكنها أن ترفع درجات الإنسان عند الله سبحانه وتعالى.
هل فكرت في حياة الشيخوخة؟
نقطة أخرى يجب الالتفات إليها في هذا المجال، وهي أن كل واحد منا – الموظف وغير الموظف – يفكر في مستقبله، وقد قلنا في خطبة جمعة سابقة؛ أن الإنسان عليه أن لا يقلق على مستقبله وقد اعترض بعض الإخوة الاقتصاديين وقالوا: كيف تقول هذا والحال أن على الإنسان أن يدخر القرش الأبيض لليوم الأسود كما يقال؟ نحن نقول: لا مانع من تدبير المعيشة، ولا نقصد بتدبير المعيشة الفعلية؛ بل نعني مطلق المعيشة الآن ولاحقا، إنما الكلام في نفي الحرص وانعدام التوكل على الله سبحانه، وكل واحد منا يفكر في أفضل الاستثمارات والوظائف، ولكن هل فكر أحدنا يوما من الأيام في حياته عند الشيخوخة؟
وإننا لنأسف عندما نرى بعض كبار السن حفظهم الله تعالى – وبعضهم حقيقة من أهل الجنة، ممن تربى في طاعة الله وممن يذكرون أهل بيت نبيهم (ع) ومن الذين لم يرتكبوا المنكرات الكبيرة – لا يملكون وعيا دينيا ولا فهماً في العقيدة ولا صلاة خاشعة ولا رقة في القلب، لماذا؟ لأنهم لم يبذلوا جهدا في أيام شبابهم في أصلاح أنفسهم ولم يستثمروا أوقات فراغهم، بل كانوا منشغلين بسقي الزرع واللعب مع الأطفال والانتقال من بيت إلى بيت في فراغ وبطالة وقد يتمنى البعض منهم التعجيل في أجله لما يعيش من الملل في حياته، والحال أن مراجع التقليد عندنا، تبدأ مرجعيتهم في سن السبعين والثمانين والتسعين حتى المئة، لأنهم يعيشون على رصيد الماضي، ولو تربى الشاب على ثقافة الله والوعي وحب المطالعة، لأنس بالكتاب حتى في أواخر حياته ولاشتغل بالعبادة عن غيرها وإن كان في نهاية عمره، وكلما ازداد في العمر؛ ازداد حباً للعلم والعبادة والاستثمار العلمي.
الاستثمار في العلم والعبادة في أيام الشباب والربح في أيام الشيخوخة..!
وأمس صادفنا أحد الأشخاص وقد وصل خبره إلينا أنه كان أمياً وبدأ الدراسة في صفوف الأمية وقد احتفل أمس بمناسبة تخرجه بدرجة دكترى في إحدى الجامعات، فقد تعب الرجل على نفسه وإذا به يرتقي أعلى المدارج، والشاب الذي يربي نفسه ويتثقف، عندما يبلغ مبلغاً من العمر تشتمل فيه بعض الخواص كالعبادة والعلم والتجارب، ويرجع الناس إليه ويستشيرونه في أمورهم لمكان التجربة، ولذلك يقول الإمام علي (ع): (رَأْيُ اَلشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ اَلْغُلاَمِ)[٥]، والمراد من الشيخ الرجل الكبير السن، وليس العالم المعتم، يقول الإمام: أنه بحاجة إللا رأي سديد وكلام متقن، لا إلى قوة جسدية، ومن الطبيعي عندما يخير الإنسان بين مستشار قدير وبين شاب مفتول العضلات أن يقدم الاستشاري على صاحب العضلات، فالإنسان بالعلم والعبادة والتجارب التي تتراكم لديه في الحياة، يصبح عنصراً فاعلا في مجتمعه، وقد رأينا بعض كبار السن يقوم بدور العالم في منطقته، بين إرشاد هذا والدعوة لأعمال الخير وغيرها من الأنشطة والفعاليات، وكذلك رأينا بعض عوام الناس ممن لم يدخل السلك الحوزي ولم يتعلم في الحوزات العلمية، يتقن المسائل الشرعية من قبيل الصلاة والصيام وغيرها من الأحكام بمستوى عالم، وقد يراجع العلماء بعض هؤلاء من باب عدم تفرغهم لمراجعة المسائل الشرعية المختلفة أو من باب أن لهؤلاء فراغ يمكنهم من مراجعة الأحكام المستجدة، فعلينا أن نعلم أن الحياة المستقبلية استثمار في حياة الشاب، والآن أدخل في صميم البحث وأختم الحديث في القسم الثاني.
والآن كيف نستغل أوقات الفراغ؟ وقد أصبحنا في منتصف الصيف أو في أواخره، والسؤال هو ماذا نفعل فيما تبقى منه وفيما يأتي من الأصياف القادمة إذا كنا من الأحياء، وأول إجابة فيما هو المتعارف بين الناس؛ السفر والتنقل بين البلاد، وهنالك ملاحظات سريعة ومهمة واستراتيجية كما يقال حول السفر، أولا: أنا عندما أقرر السفر إلى أين أسافر؟ ينبغي أن يكون خيار السفر خياراُ حكيما، فالإنسان مسئول، يقول سبحانه: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)[٦]، والمال بحسب الظاهر هو مالك، ولكنك ستقف يوم القيامة: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[٧] وتسأل عن سفرك إلى منطقة ألف التي كانت أرخص ثمنا وكانت ضمن بلاد المسلمين وكان ثم مجال للطاعة والزيارة والاستفادة من المشاهد المشرفة وسفرك عن منطقة باء والذي كان السفر إليها يكلف أضعاف ما يكلف السفر إلى منطقة ألف، وكان عليك أن تفرق بين بعض الصلوات وكان فيها اضطرار إلى أكل الحرام، وقد يقول البعض إلى متى أصبر على أكل البيض والبطاطا؛ فيأكل من الحرام على أن يستغفر بعد ذلك.
وقد ترى أنساناً يأخذ بيد عائلته ولديه طفل أو شاب مراهق ويذهب بهم إلى بلاد الفسق والفجور، وقد جاء أحد الإخوة من السفر يوم أمس وقال لي: إن بعض بلاد غير المسلمين في الحقيقة بلاد ملغومة، وفي كل خطوة من الخطوات أو في كل شبر من ذلك البلد تكون على حافة الحرام؛ أكلا وشربا ونظرا ومعشرا، ما هي الفائدة من هذا السفر؟ هناك بدائل للسفر الذي يمكن أن يوقعني في الحرام، وأنا لا أقول أن تعتمر أو تذهب للزيارة إلى العراق وما شابه ذلك؛ ولكن هناك بدائل جيدة وعلى الإنسان أن يختار البلاد التي يريح فيها أعصابه ويتمتع في الطبيعة ويسير في الأرض لغرض الاعتبار: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ)[٨]، ولكن ليس على حساب إفساد الأسرة والدين.
شتان بين سفر تذهب لذته وتبقى تبعته وبين سفر تذهب مؤونته ويبقى أجره..!
وقد رأينا كيف أن بعض الأسر قد فسدت وبذرت فيها بذور الفسق والفجور؛ من خلال هذه السفرات، فتراه يكدح طوال العام؛ لكي يبذل هذا المال في الصيف على إفساد عائلته من حيث لا يشعر ومن دون تعمد. ينبغي أن يكون اختيار وجهة السفر عن حساب ودقة، وينبغي استشارة أهل الفهم وأهل الخبرة في مجال السياحة وما شابه ذلك؛ ليختار من البلاد ما هو مفيد له ولعياله. إن بعض المؤمنين تراه ملتزما في وطنه؛ فإذا ما سافر يصبح في حل من كل القيود، في حل من الصلاة في أول الوقت وفي حل من المستحبات وأكل الحلال وما شابه ذلك وكأن في السفر التحرر من كل القيود.
لماذا هذه الازدواجية في الشخصية؟ وقد يكون السبب في التزامه ببعض الأمور في وطنه؛ خوفه من مجتمعه أو عادة من عاداته، فإذا ما سافر إلى بلاد الغرب والشرق؛ حيث لا رقيب ولا مشاهد، تحرر من التزاماته وهذا ما نشاهده حتى عند بعض النساء المؤمنات التي سرعان ما تخفف من حجابها في تلك البلاد وترتدي من الحجاب ما لا يليق بشأنها كمؤمنة، وهي في بلادها من أفضل المحجبات. علينا أن نستفيد من هذه النقطة ونعلم أن الإنسان مراقب في كل حركة وسكون: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ)[٩]، إن الله سبحانه يعلم كل صغيرة وكبيرة.
وهنا ملاحظة سريعة أقولها وهي شعاري بالنسبة للإخوان، عندما يرجع الإنسان من السفر السياحي المحض، يرجع بآلبوم صور أو شريط فيديو من آثار ذلك السفر لا غير، ولكن عندما يرجع الإنسان من بلاد الطاعة من عمرة أو زيارة لمشهد من المشاهد المشرفة لأئمة أهل البيت (ع)، يرجع وهو يعيش حالة من الغناء الروحي ويرجع وقد استفاد كثيرا من سفره؛ فقد سجلت له زيارة إلى بيت الله الحرام أو قبور الأئمة (ع)، وفرق كبير بين هذه السفرة وتلك، وبالطبع نحن لا نحرم السفرات السياحية ونعوذ بالله من أن نفتي بما ليس فيه دليل، ولكن الإنسان العاقل يعمل لما يبقى لا لما يفنى وشتان بين عمل تذهب لذته وتبقى تبعته وبين عمل تذهب مؤونته ويبقى أجره.
زيارة المؤمنين من وسائل الترفيه..!
من وسائل الترفيه أيضا زيارة المؤمنين بعضهم البعض، والتي تنقسم إلى الزيارات الرحمية، أن يزور الإنسان أرحامه، وإلى زيارات عائلية للأصدقاء وما شابه ذلك، ولابد من هذه الملاحظات في هذا المجال، أولا: يجب أن تكون الزيارة لله تعالى وفي الحديث: (مَنْ زَارَ أَخَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لاَ لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ)[١٠]؛ أي لا تكون الزيارة لأجل شفاعة في معاملة أو مقدمة إلى تطييب قلبه لعمل ما، أو حاجة إلى مال أو ما شابه ذلك فهو بحسب الروايات الشرفة زور الله تعالى؛ أي زائر الله، وكأنه زار الله تعالى والملائكة تشيعه وتصاحبه وبفعله هذا يدخل السرور على رسول الله (ص) والأئمة (ع)، وهذا شيء مسلم.
وينبغي أن يراعى الوقت في الزيارات ولا يتجاوز الوقت العرفي وهو نصف ساعة أو ساعة على أكثر التقادير، ولا يجلس الإنسان لساعات طويلة من دون هدف وفائدة، وقد يجلس المؤمنان يتحدثان إلى أن ينتهي كل واحد منهما من حديثه فلا يبقى أمامهم إلا أن ينظرا في وجوه بعضهما البعض، وما الفائدة من هذه الجلسة ما دام ليس هناك ما يفيد الطرفين؟ (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا)[١١]، وعلينا أن نختصر هذه المجالس قدر الإمكان.
النقطة الأخرى هي أنه لابد أن تكون زيارة المؤمن لأخيه زيارة هادفة، أنا لا أقول أن تكون زيارة عالم؛ فقد لا يكون الإنسان مؤهلا لكي يفتح موضوعا ثقافيا أو حديثيا أو تفسيرا، ولكن لا تخلو الجلسة من فائدة دينية أيضا، من مسألة شرعية سمعتها في المسجد أو سمعت حديثا في خطبة من الخطب كـ (رَأْيُ اَلشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ اَلْغُلاَمِ)[١٢]فانقله إلى من تزوره، انقل له عبرة أو خبرا طريفا أو فائدة علمية أو أي شيء آخر فيه فائدة لكلا الطرفين.
كيف نحول مجالسنا إلى مدارس..؟!
ولا مانع من أن يصطحب الإنسان في زيارته لأخيه كتابا في التفسير أو الحديث أو في الفكر الإسلامي ويقرأ لأخيه صفحاته منه، وما المانع من أن يأتي المضيف بالكتاب النافع كما يأتي بالشاي والمرطبات ويقرأ لك ما قد قرأه منه مما ينفعك به، فكما في الحديث: (إِنَّ هَذِهِ اَلْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ اَلْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ اَلْحِكْمَةِ)[١٣]، أو يمكن قراءة حديث الكساء أو أي دعاء من أدعية أهل البيت (ع) أو يختم المجلس على أقل التقادير بالآيات المعروفة: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ*وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ*وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[١٤]لتكون كفارة للذنب.
أما أن يأتي الإنسان الغيبة والنميمة لا سمح الله، وقد تزور من يشكو ألم الحياة وشدتها ويشتكي من كل شيء في الدنيا ثم ترجع إلى منزلك كئيبا وأنت تعيش حالة سودواية بعد أن كنت مستبشرا فرحا قبل مجيئك، وما الداعي من أن يعيش الإنسان هذه الحالات دائما؟
ضرورة الاجتناب من الاختلاط المحرم في المجالس
يلاحظ في بعض الحالات وجود أجواء مختلطة بين الرجال والنساء في الزيارات العائلية، ولا داعي لذلك؛ فالمرأة عليها أن تعيش حالة الستر والحمدلله بيوتنا كبيرة وواسعة ويمكن فصل النساء عن الرجال في غرف مختلفة من البيت، وفي الواقع يجب وضع حواجز وحدود في جلستنا المختلطة، ولا أقول أن ذلك حرام أو ما شابه بل هو أمر راجح عند الشارع المقدس، بل على الإنسان أن لا يضع نفسه في مظان النظرة المريبة وأن يجعل حاجزاً أو ستاراً على الأقل بين الرجال والنساء وهو مما يرضى به الشارع المقدس بل هو ندب إليها في قوله سبحانه: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)[١٥]، ولو أن امرأة جلست في مكان ثم سخن ذلك المكان على الرجل أن يتجنب ذلك المكان حتى يبرد وأن لا يجلس بحيث يحس بحرارة بدنها، وكذلك الأمر بالسنبة إلى استشمام الروائح الطيبة، فقد يدعوها البعض[١٦] لأن تغتسل غسل الجنابة في حال شم الأجنبي رائحتها وتلذذ من ذلك والمهم في زياراتنا أن نعيش الجو الشرعي والالتزام.
زيارة الأرحام والمؤمنين وما يجب أن يراعي فيهما
عندما أقرر زيارة أحد الأشخاص في ليلة من الليالي لضيق أو ملل أو ما شابه ذلك، عَليَّ أن أضع الأرحام في الأولية، وقد يزور أحدهم صديقه في الأسبوع مرتين وثلاث وهو لا يرى أمه لأسابيع أو يراها في الأسبوع مرة وهذه نقطة مهمة أن نقدم الأرحام على سائر المؤمنين.
وكذلك يجب مجالسة المؤمن الذي يذكرنا بالله سبحانه، فقد ورد في الحديث: (قَالَتِ اَلْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى يَا رُوحَ اَللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ قَالَ مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اَللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ)[١٧]، وكذلك إذا أردت أن تزور غير المؤمن؛ إحرص على أن تكون زيارتك زيارة هادفة، كأن تسعى لإرشاده وإصلاحه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، والمهم هو أن نكون هادفين في زيارتنا.
ومن الأفضل أن تكون الزيارات متنوعة ولا أدري حقيقة هل هو راجح شرعاً أن يعيش الإنسان حالة المجموعة الواحدة، مجموعة من أربعة أشخاص أو خمسة وتتبادل الزيارات بينهم لا تتجاوز إلى غيرهم، والحال أن المؤمن ينوع في زياراته، وقد قال سبحانه: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)[١٨]، ولا تقل: هذا زميلي أو هذا صاحبي أو عديلي أو ابن بلدتي أو ما شابه ذلك من العناوين الوهمية التي لا قيمة لها، بل قدم في المعاشرة أفضلهم خلقا وأخلاقا، وكما يقال: إن قلب المؤمن دليله، فتارة تزور أحد الأشخاص وترجع من عنده وأنت منشرح منبسط وفي هذه الزيارة نوع من النفع، وقد تزور أحدهم وترجع من عنده وأنت تعيش حالة القلق والأذى والضيق والتبرم، وقد يستفاد من ذلك وجود بعض النواقص في هذه المجالس؛ طبعاً إذا كان القلب سليما.
من أهم ما يروح به الإنسان عن نفسه..!
ومن الأمور المهمة في الترويح عن النفس، والتي هجرت هذه الأيام هي الاستفادة العلمية، وأنا لاحظت في أغلب بيوت المؤمنين أنها لا تخلوا من مكتبة وإن كانت صغيرة ببركة وجود المعارض، وفيها على أقل التقادير عشرة كتب وهذه الكتب العشرة على الأقل نصفها نافع ومفيد: كــ نهج البلاغة والرسالة العملية أو بعض كتب الحديث والتفسير، والتعود على الأجواء العلمية قد يكون في بادء الأمر ثقيلا إلا أن التدرج والتعود يساعد الإنسان على عيش لحظات جميلة.
هل تريد أن تعيش مع المعصومين (عليهم السلام)؟
إنني كنت أنظر البارحة في كلمات الإمام علي (ع)، في قصار جمله وفي خطبه في نهج البلاغة، وقد شعرت حقيقة أنني عشت معه وكنت في مجلسه وأنا أقرأ تلك الخطب، فما الفرق بين الخطبة المسموعة والخطبة المقروءة؟ إذ أن الإنسان بإمكانه أن يعيش مع أمير المؤمنين (ع) عندما يفتح نهج البلاغة وأن يعيش مع الإمام الصادق (ع) عندما يفتح كتابا حول سيرته بدل أن يتحسر على عدم درك زمانهم والاستفادة من محضرهم.
وهناك من يحب أن يرى صور الأئمة (ع)، فيرى بعض النقوش على أنها صور الأئمة (ع) وهو في الواقع أمر خاطئ، وأنا لا أحبذ هذه الرسومات التي تنسب إلى الأئمة (ع) إذ لا دليل على ذلك، وخاصة أن بعض الصور ليس فيها جمال المعصوم ولا وجاهته، وبدل أن ننشغل بالصور وما شابه ذلك؛ فلنشتغل بكلماتهم وبحكمهم في هذا المجال.
ضرورة التدرج في القراء والمطالعة
وبالطبع إن هناك من لا ميل له للمطالعة أبداً، فيبدأ بكتاب الميزان مثلاً أو ببعض الكتب الفلسفية المعقدة ثم إن هو عجز عن فهم ما بها من المعاني، تاب إلى الله تعالى من أن يفتح كتاباً بعدها، وهذا ليس من الصواب في شيء، ولذلك قال بعض العلماء: على الإنسان أن يبدأ بكتب القصص؛ كقصص الصالحين وقصص أصحاب النبي والأئمة (ع) ثم يتدرج في ذلك إلى ما هو أهم، وقد لاحظ الذين سافروا إلى الغرب أنهم لا يفارقون الكتاب لا في محطات القطار ولا في غيرها وهم الذين لا يمتون إلى الدين بصلة وأما المسلم الذي بين يديه هذا التراث الضخم من القرآن والعترة الطاهرة لا يكاد يفتح كتابا في حياته، ولا تراه إلا جالسا هنا وسارحا هناك أو تراه يلعب بالسبحة أو منشغلا بالصحف أو تراه يتلفت يمينا وشمالا من دون طائل.
تحديد الوقت الضائع والاستفادة القصور منه
وقد تستغرق منه الرحلة في الطائرة ثماني ساعات وهي تمر عليه إما متثاوباً وإما نائما أو قاعدا أو قائما، بدل أن يستغل الفرصة في كتاب نافع يصطحبه أو في تلاوة للقرآن الكريم، وقد يختم الإنسان في هذه الساعات نصف القرآن الكريم، إذا بإمكان الإنسان أن يستثمر هذه الأوقات المباركة، ومجرد اصطحاب القرآن الكريم حسن من جهة الحفظ من المكاره والآفات مثلا والاستفادة العلمية منه كذلك أو اصطحاب التربة الحسينية، وبعض المصاحف هذه الأيام محشاة بروايات نافعة وبتفاسير مختصرة قيمة، وبعد قراءة المصحف في شهر أو شهرين وإذا بالمرء قد أكمل قراءة لتفسير مبسط للقرآن الكريم.
ما هي المطالعة الهادفة؟
لا بد أن تكون المطالعة هادفة، فعند المرور على مطلب قيم وجميل، لا يكتفي الإنسان بهز رأسه أو الاتصال بصديق ومشاركته تلك المعلومة، بل عليه أن يدون ذلك ويصور نسخة منه ويحتفظ بها، ولو فعل الإنسان ذلك لأصبحت لديه مكتبة مختارة من طرائف ما قرأ بعد عشر سنوات، وأنا أعلم بعض الشخصيات قد فعلوا ذلك منذ أوائل حياتهم وقد تعودوا على ذلك، وهم الآن يملكون مكتبة مختارة فيها من الطرائف من مختلف العقول ما فيها، وهذا من الممكن أن يقوم به أي إنسان، فحين تقرأ حياة الإمام أو حياة الصحابة أو حياة رواة الأحاديث عن أئمة أهل البيت (ع)، اختر من ذلك طريفه ودونه خلف الكتاب، فإذا بك قد وثقت شيئا عظيما من ذلك، وبإمكانك أن تستعمل الأجهزة المعروفة بالكمبيوترات والتي بإمكانك أن تجمعها في ملف قد ينفعك يوماً ما.
الاستماع إلى المحاضرات الصوتية
إن الأشرطة في الحقيقة هي من الأشياء التي يمكن أن نقترحها على المؤمنين، فقد يمضي الإنسان ساعات طويلة في السيارة وخاصة في البلاد التي يكثر فيها زحمة السير وقد تصل إلى ساعتين أو ثلاث وهو يعيش في هذه القطعة من الحديد، وليس ذلك بقليل من عمر الإنسان، وقد يأخذ بعض الإخوان شريطين أو ثلاثة في النعي وما شابه فيكررها صبح مساء، والحال أنه بإمكانه أن ينوع بين الاستماع إلى القرآن الكريم والاستماع إلى المحاضرات الصوتية النافعة وهي هذه الأيام ثرية في مختلف المواضيع، أو يستمع إلى سلسلة من المحاضرات في موضوع معين؛ كالحياة الأسرية وسيرة المعصومين (ع) أو في الفكر الإسلامي.
وقد يسافر أحدنا إلى دبي ثلاث ساعات ذهابا وإيابا، فيمكنه أن يستمع فيها إلى ثلاث محاضرات قيمة ويخرج منها بفائدة، ومجال الاستفادة من الصوتيات مجال واسع، وبإمكان النساء وهن يعملن في المطبخ أو في ترتيب المنزل أن تفتح الإذاعة – وبالطبع لا يكون حراما لا سمح الله – أو تستمع إلى شريط تنتفع منه، من تلاوة القرآن الكريم أو محاضرة نافعة بدل من ذلك السكوت الموحش في البيت، والمهم أن وسائل التثقيف بحمدالله متنوعة وبالإمكان الاستفادة منها في كل هذه المجالات وهذا ما يستفيد من الكبار.
و خاصه ان المساجد الحمدلله مجانیه لا یحتاج الی صرف شیئٍ من المال و بعض الناس ذهابهم للمسجد ما أیسرهُ للقرب الموجود المهم اخوانی الذی یعتاد اعتیاد المساجد یری بأنه من افضل، البعض من الاخوه یسمعون کلامی و یضحکون من ما اقول، البعض سافر فی الصیف لشیئ من الترویح و اذا به رجع من السفر شوقاً الی المسجد و الی البرامج الموجوده، یقول انا فی الواقع بقائی فی المسجد و فی هذا الجو الایمانی الذ علی من السیاحه و ما شابه ذلک و بالتالی یعیش الأنس المفرط فی بیوت الله عزوجل و نحن نعلم ان المؤمن فی المسجد کالسمک فی الماء و المنافق فی المسجد کالطیر فی القفص.
إن لم تبادر أولادك بادرهم غيرك..!
أما بالنسبة إلى الصغار، فعلى الوالدين أن يتحملوا مسئوليتهم في هذا الجانب؛ فلا يفتح الأب الباب على مصراعيه في الصيف لأولاده يعيشون في الشوارع مع كل من هب ودب، بل عليه أن يصطحبهم إلى المدارس الدينية والمساجد وعليه أن يبرمج لأولاده وإن لم يفعل سبقه غيره إلى ذلك، فإذا لم يكن الهدى فثم الهوى وإذا لم يكن الله فثم الشيطان.
هل شعرت بلذة الحضور في المساجد..؟!
وأقول للمقيمين أن أفضل ساعات الترويح عن النفس الذهاب إلى بيوت الله عز وجل، وفي الحقيقة إن صلاة الظهر وصلاة المغرب مشروع وبرنامج روحي، لا تأتي إلى المسجد من باب إسقاط التكليف، بل تعال قبل فترة من وقت الصلاة وابدأ بتلاوة القرآن الكريم ثم انشغل بعد الصلاة بالتعقيبات والأدعية والاستغفار وستعشر بالانتعاش الروحية حقيقة، والذين واضبوا على الحضور في المساجد؛ يعترفون بأنهم لو خيروا بين ما هم عليه وبين الذهاب إلى أرقى المطاعم أو التنزه في الحدائق والبساتين لما اختارو على الحضور في المسجد شيئا، وليس ذلك من باب التدين بل من باب أنهم يشعرون باللذة من ذلك، يقولون: نحن نشعر بالراحة هنا فما الداعي إلى التنزه في الحدائق والذهاب يمينا وشمالا مادامت أعصابنا مرتاحة ونشعر باللذة.
وخاصة أن المساجد بحمد الله مجانية ولا تحتاج إلى صرف شيء من المال، والبعض ما أيسر ذهابه إلى المسجد لقربه المكاني منه، والذي يعتاد ارتياد المساجد لا يفضل عليه شيء، وقد تستغربون من أن هناك من ذهب في الصيف لأجل الراحة والاستجمام وإذا به يرجع من السفر شوقا إلى المسجد وإلى البرامج الموجودة فيه، إذ يعتبر مقامه في المسجد والجو الإيماني فيه؛ ألذ من السياحة وما شابه ذلك، وبالتالي يعيش قمة الأنس في بيوت الله عز وجل، ونحن نعلم أن المؤمن في المسجد كالسمك في الماء وأن المنافق في المسجد كالطير في القفص وهناك خلل في دين والبينة الروحية للذي يعيش التبرم والضيق في المسجد.
سياحة للخواص..!
والسياحة الأخيرة والترويح الأخير هو للخواص ونرجوا أن يصل كل واحد منا إلى هذه الدرجة يوماً ما، وهو استحضار المعية الإلهية والعيش في رحاب الله عز وجل، فترى الإنسان يجلس في خلوة على شاطئ بحر أو في زاوية مسجد أو منزل وهو في معية الله عز وجل ويلهج بذكره.
وقد رأيت البارحة دعاء: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ الْآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ)[١٩]؛ ويعني أن الله عز وجل يأنس بأوليائه والإنسان الذي يعيش حالة الأنس بالله عز وجل لا يحتير إلى كثير من هذه المرفهات، والإمام الكاظم (ع)، شكر الله عز وجل على دخوله السجن وتفرغه للعبادة، طبعا عاش هو فيه نهاية حياته التعذيب والأسلى حتى دعى الله سبحانه ب (يا مخلص الشجر..)[٢٠]، أما في أوائل سجنه حيث لم يكن الإمام يهان، كان يشكر الله عز وجل على نعمة الفراغ في السجن، والمؤمن يصل إلى درجة لا يأنس إلا بالله تعالى أو بمؤمن مثله.
جعلنا الله وإیاكم من عباده الصالحين.
اللهم صل علی محمد وآل محمد اللهم بفاطمه وأبیها وبعلها وبنیها والسر المستودع فیها عجل لولیك الفرج والعافیة والنصر واجعلنا من خیار أنصاره وأعوانه، ثبتنا علی الهدی والتقوی وإلی أرواح المؤمنین والمؤمنات الفاتحة مع الصلوات.
[٢] مجموعة ورّام ج١ ص٢٧٩.
[٣] سورة آل عمران: ١٤٢.
[٤] سورة التوبة: ١٢٠.
[٥] غرر الحکم ج١ ص٣٨٨.
[٦] سورة الحديد: ٧.
[٧] سورة صافات: ٢٤.
[٨] سورة العنكبوت: ٢٠.
[٩] سورة العلق: ١٤.
[١٠] وسائل الشیعة ج١٧ ص٢٠٧.
[١١] سورة الأحزاب: ٥٣.
[١٢] غرر الحکم ج١ ص٣٨٨.
[١٣] روضة الواعظین ج٢ ص٤١٤.
[١٤] سورة الصافات: ١٨٠-١٨٢.
[١٥] سورة الأحزاب: ٥٣.
[١٦] من هم هؤلاء؟؟؟
[١٧] الکافي ج١ ص٣٩.
[١٨] سورة الحجرات: ١٣.
[١٩] نهج البلاغة: ٢٢٧.
[٢٠] عيون الأخبار ج١ ص٩٣.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لو قسمنا اللانهاية على المحدود لكان الجواب: اللانهاية؛ أي أن كل لحظة من لحظات حياتنا يقابلها الخلود يوم القيامة وهذه الساعات بيدك وأن تحدد نوع الخلود سعادة أو شقاءً..!
- ما أقبح بالمرء أن يسهر إلى الصباح متنقلا بين محطة وأخرى من محطات التلفاز ثم عند الفجر ينام عن صلاته..!
- إن الفراغ والأمن والصحة أمور لا يضمنها الإنسان وعلى هذا عليه أن يستغل أيام فراغه وأمنه وصحته بما يعود عليه بالنفع يوم القيامة وقد شكر الكاظم (عليه السلام) فراغه في السجن للعبادة..!
- قد يقضي الإنسان ساعات طويلة من حياته في أسفاره وتنقله بين البلدان وهناك كثير من الساعات التي يمكن الاستفادة منها في قراءة كتاب نافع أو تلاوة قرآن أو استماع إلى محاضرة صوتية نافعة.
- على الإنسان أن يكون دقيقا وحكيما في الوجهة التي يقصدها في الصيف للسياحة والاستجمام، فلا يذهب بعائلته وأبناءه إلى أماكن لا يؤمن عليها من الوقوع في الحرام وعليه أن يتوخى الفائدة بالإضافة إلى المتعة.
- إن هناك من العباد من اتخذ المسجد دار أنس ودعة، فتراه يستمع بمقامه فيه؛ كما يستمتع الآخرون في المتنزهات والمطاعم الراقية، بل لا يرضى به بديلا عن غيره من أماكن التسلية والترفيه.
- لو قسمنا اللانهاية على المحدود لكان الجواب: اللانهاية؛ أي أن كل لحظة من لحظات حياتنا يقابلها الخلود يوم القيامة وهذه الساعات بيدك وأن تحدد نوع الخلود سعادة أو شقاءً..!
- ما أقبح بالمرء أن يسهر إلى الصباح متنقلا بين محطة وأخرى من محطات التلفاز ثم عند الفجر ينام عن صلاته..!
- إن الفراغ والأمن والصحة أمور لا يضمنها الإنسان وعلى هذا عليه أن يستغل أيام فراغه وأمنه وصحته بما يعود عليه بالنفع يوم القيامة وقد شكر الكاظم (عليه السلام) فراغه في السجن للعبادة..!
- قد يقضي الإنسان ساعات طويلة من حياته في أسفاره وتنقله بين البلدان وهناك كثير من الساعات التي يمكن الاستفادة منها في قراءة كتاب نافع أو تلاوة قرآن أو استماع إلى محاضرة صوتية نافعة.
- على الإنسان أن يكون دقيقا وحكيما في الوجهة التي يقصدها في الصيف للسياحة والاستجمام، فلا يذهب بعائلته وأبناءه إلى أماكن لا يؤمن عليها من الوقوع في الحرام وعليه أن يتوخى الفائدة بالإضافة إلى المتعة.
- إن هناك من العباد من اتخذ المسجد دار أنس ودعة، فتراه يستمع بمقامه فيه؛ كما يستمتع الآخرون في المتنزهات والمطاعم الراقية، بل لا يرضى به بديلا عن غيره من أماكن التسلية والترفيه.