- ThePlus Audio
لمحات من حياة السيدة الزهراء (سلام الله عليها)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
من الطبيعي أن يكون الإمام صاحب الأمر (عج) مسروراً في يوم ميلاد أمه الزهراء (س)، والمؤمنون يفرحون في هذه المناسبات لفرح الأئمة (ع)، والفرح في مثل هذه المناسبات يربط قلب الإنسان بمولاه وإمام زمانه (عج)، وسأتناول في حديثي هذا مختصرا من سيرة مولاتنا فاطمة (س)، ثم الاحتفال بالمناسبة وبالأخير سأتناول موضوعاً يهم الجميع.
لماذا لم تستطع الزهراء (سلام الله عليها) العيش بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
والحديث عن الزهراء (س) حديث ذو شجون ولا يمكن الحديث عنها (س) في خطبة أو بكلمة مختصرة؛ ولكن يكفي أن نقول بكلمة واحدة وهو ما نفهمه من النصوص؛ أنَّ الزهراء (س) هي قطعة لا تنفك عن النبي (ص)، ولا أدري إن كان هذا التعبير دقيقا وهو أنَّ روح الزهراء (س) هي توأم روح النبي (ص).
والدليل على ذلك أمور ثلاثة: الأمر الأول؛ تعابير النبي الأكرم (ص) عن الزهراء (س) والتي منها: (إِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي)[١]، وقوله (ص): (أَنْتِ بَضْعَةٌ مِنِّي وَرُوحِيَ اَلَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ)[٢]، ونفهم من هذه الروايات الكثيرة الترابط الذي أشرنا إليه.
الأمر الثاني هو أنَّها لم تستطع العيش بعد وفاة النبي (ص)؛ فكانت كالسمكة التي أخرجت من الماء أو كالشجرة التي اجتثت من فوق الأرض، لم يكن لها قرار وكانت تتمنى الموت كثيراً، وقد سرت كثيراً لما علمت أنها أول أهل بيت النبي (ص) لحوقاً به، وحتى أن ظاهرها بحسب الروايات الشريفة قد تغير؛ فقد ذبلت ونحلت ولم يكن يرى منها إلا خيالها.
وقد قلت مراراً أن الزهراء (س) تعلم أنها ستيتم الحسنين (ع) وزينب (س) عندما تغادر هذه الدنيا، وتعلم أنَّ أمير المؤمنين (ع) سيبقى من دون زوجة، وينقل لنا النص التاريخي أن أمير المؤمنين (ع) كان محترماً في أيام حياتها؛ فلما توفت قل السلام على أمير المؤمنين (ع)؛ فهي تعلم بهذه الكوارث التي ستحدث بعدها واليتم الذي يعيشه أولادها والهجران الذي يتعرض له الأمير (ع)، ولكنها كانت جزء من كيان النبي (ص)؛ ولهذا التحقت بأبيها أسرع ما يكون، وقد تمنى الإمام الوفاة بعدها في ذلك الشعر المعروف:
نَفسي عَلى زَفَراتِها مَحبوسَةٌ يا لَيتَها خَرَجَت مَعَ الزَفَراتِ.
والدليل الثالث هو الرواية التي ينقلها أحد الفقهاء المقلَّدين وهي رواية معتبرة وردت في الكافي وفي غيره من المجاميع الروائية – وروايات أهل البيت هي على عدة أقسام: منها ما هو معتبر مسند ومنها روايات مرسلة لا أسانيد لها وهكذا – وتتحدث الرواية عن نزول جبرائيل على الزهراء (س)، ولا ريب أن الوحي يمكن أن ينزل على غير الأنبياء؛ إذا نزل الوحي على أم موسى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا)[٣]، ونزل على إحدى زوجات أحد الأنبياء عندما بشرت بمولود.
نزول جبرئيل على الزهراء (سلام الله عليها) وتسليته لها ومصحف فاطمة (سلام الله عليها)
ونحن نعلم أن جبرئيل لا ينزل إلا على الأنبياء؛ ولهذا لم ينقل إلينا حديث واحد عن نزول جبرئيل على أحد أئمتنا (ع)، نعم هناك ملك مسدد وإلهام من رب العالمين، ولبئس هذه المقولة التي يتهمنا فيه البعض بأننا نقول: خان الأمين، والحال أننا نقول أن جبرئيل لم ينزل على أئمتنا (ع) نزولاً عاديا؛ فكيف بالرسالة والعياذ بالله، وأما بخصوص السيدة الزهراء (س) هناك نص معتبر أن جبرئيل كان ينزل عليها بعد وفاة أبيها وكان يسليها، لأنه بلغ بها الحزن مبلغاً عظيماً، وكان يخبرها بحوادث المستقبل وما يجري على ذريتها، ويبدو أنَّ ذلك جمع بما سمي مصحف فاطمة (س) وهو أمانة ووديعة عند صاحب الزمان (عج) يخرجه معه عند الظهور.
ويقول بعض العلماء: أنَّ نزول جبرئيل على السيدة الزهراء (س) كان لأجل روح النبوة التي كانت ملتصقة بها، وكأن جبرئيل مختص بالنبي (ص) وكأن النبي (ص) لم يمت؛ فلا زالت روحه بين جنبي فاطمة (س).
علاقة الأئمة بالزهراء (سلام الله عليها) ولزوم الارتباط بها
ولذلك نلاحظ أنَّ الأئمة (ع) كان لهم موقف متميز من الخضوع والخشوع تجاه أمهم (س) فهي بحسب تعبيرهم: (حجة اللّه علينا)[٤]، وكانوا يبكون عليها حتى من دون مناسبة؛ كما حدث ذلك مع الإمام الجواد في صغره؛ حيث كان يبكي فلما سئل عن سبب بكائه قال: أنه تذكر أمه فاطمة (س)، ولهذا ينبغي أن يكون الارتباط بها وثيقا من خلال الزيارة والتوسل والصلاة التي وردت في مفاتيح الجنان وهي مجربة لقضاء الحوائج العظام ولعمري إنَّ هذه العبارة: يا فاطمة أغيثينا تكفي لكشف الكرب عن المحب والموالي لو قالها بتوجه مرة واحدة ومن دون صلاة.
ومن باب الطريف نلاحظ أن مولد الخمسة من أصحاب الكساء هو مولد متناسق؛ فمولد الزهراء (س) في جمادي الثانية ومولد أمير المؤمنين (ع) في رجب ومولد الحسين (ع) في شعبان ومولد الحسن (ع) في شهر رمضان وقبل ذلك مولد المصطفى (ص) بشهرين في ربيع الأول والذي له موقع متميز في أصحاب الكساء، وقد قسمت ولاداتهم على هذه الشهور التي منها الأشهر المباركة؛ كشهر رجب وشعبان ورمضان، وقد جاء أحدهم خلف الآخر؛ بداية من فاطمة (س) وانتهاءً بالحسن (ع).
لماذا لا نتأسى بالزهراء في حياتنا ومعاشرتنا؟
ومن الأشياء المؤسفة في بلدنا هذه والبلاد مشابهة؛ كثرة النوزاعات العائلية، والحال أنَّ فاطمة (س) قد صربت لنا أروع المثل في تجسيد العائلية الإيمانية.
وقد سمع الكثير من الخطباء في الأيام الفاطمية عن تعامل الزهراء مع أمير المؤمنين (ع) والعكس، من التعاون في شئون المنزل والاحترام العميق الذي كان متحققا بينهما، ونحن لابد من أن ندخل شيئاً من هذه المفاهيم والقيم في حياتنا وفي معاشرتنا.
أبغض الحلال عند الله..!
وقد سمعت أن الطلاق في هذه البلاد قد وصل إلى أعلى المستويات بالقياس إلى سائر البلدان، وفي بعض الحالات لم تنقضي أشهر الخطوبة وإذا بالخلاف يدب بين الطرفين ويصل الأمر إلى الانفصال، وكلنا يعلم ما معنى الطلاق والانفصال وأنَّه أبغض الحلال إلى الله عز وجل، وفيه ما فيه من تدمير حياة الزوجين والأطفال.
تأثير الطلاق على الزوجين والأبناء
ولطالما نصحت الأعزة وقلت: أنهما كلمتان خفيفتان في اللفظ: (أنت طالق) إما أصالة أو وكالة؛ ولكن التبعات كثيرة جداً؛ من تقلب الزوجين على فراشهما وإخفاء الطفل لما في نفسه، والطفل في زماننا هذا يفهمون كل شيء، ومع الأسف تحدث الكثير من النزاعات على مسمع منهم ومرأى؛ مما لا يحمد عقباه وقد يكون الطفل في سن المراهقة والبنت في سني البلوغ، وقد يعزف الشاب عن الزواج نتيجة فشل الوالدين في الحياة الزوجية ويتذرع في إحجامه أنه لا يريد أن يبتلى بمصير والديه.
ضرورة دراسة أسباب الطلاق
وينبغي أن ندرس حالة التباغض والتنافر وعدم الانسجام وإن لم يفضي إلى الطلاق؛ فليس كلامي مع من هو عازم على الطلاق فقط؛ بل مع الإنسان الذي لا يطلق من باب المشكلة الاجتماعية ومن باب الحفاظ على الأبناء من التشتت، ومع الأسف الشديد هناك من الأزواج من يصرح لزوجته المؤمنة بذلك وأنه لولا الأولاد لكانت في عداد المطلقات منذ زمن بعيد وتعلمون مدى التأثير السلبي لهذا كلام على نفسية المرأة المؤمنة.
المهم هو تحديد موقفنا العملي تجاه هذه القضية ومعرفة الدروس التي يمكن أخذها من القرآن الكريم، وقد قدمت مقترحاً – وإن لم يتم العمل به – من أجل جمع الأخصائيين في علم النفس والاجتماع في ندوة تستغرق أسبوعاً كاملاً يتم فيها تثقيف الأسر حول مسألة الحياة الزوجية؛ فليس من حرج في تعلم أساسيات الحياة الزوجية والتعامل مع الآخر.
ولا ينبغي أن يكون الرجل خبيراً فقط في مهنته إن كان إداريا أو تاجراً أو مهنياً أو صانعا أو ما شابه ذلك، ولا يكون خبيراً في مجال التعامل مع زوجته وعياله، وقد نوفق في ندوات تخصصية أن نمنع المشكلة قبل حدوثها؛ فكما يقال: درهم وقاية خير من قنطار علاج.
إنَّ آية: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[٥]، هي من أهم الآيات في الحياة الزوجية، وقد يحفظ الرجال صدر هذه الآية ويعتبرونها أول سلاح قرآني عند حدوث أية مشكلة، وهم لا يذكرون تتمة الآية: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[٦]، والآية التي تليها: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[٧].
ويبدو أن بعض النساء لا يعجبها هذه الآية كثيرا، ولا يمكن للأخت المؤمنة أن تتحدى القرآن على كل حال، وقد ترى أنها ورقة ضغط بيد الرجل.
قيادة الرجل في المجتمع
إن الإسلام هو دين متكامل، ولأجل سلامة الحياة والمجتمع والأسرة؛ لابد من أن يكون الرجل هو الحاكم في المنزل؛ كما أنَّ الدين يؤكد على أن الجماعة بلا حاكم هي معرضة للهرج والمرج واللغط؛ ولهذا أكدت الروايات الشريفة على ضرورة تأمير المسافرين لو كانوا أربعة أحدهم عليهم، ولو أننا سلبنا حالة القيادة والتحكم في حملة الحج والعمرة؛ فهل يبقى شيء من هذه الحملة؟ والحال أن الروايات تؤكد على اتخاذ الأمير في السفر العادي الذي لا يتجاوز أفرادها الأربعة، فيحدد لهم مأكلهم ومشربهم ومنزلهم، والمهم هو أنَّ الإسلام يريد أن تكون هناك قيادة في داخل المجتمع وفي داخل الأسرة.
القوامة العادلة أو القوامة الجائرة؟
وهل كانت تستقيم الحياة لو أنَّ الإسلام جعل القيادة للرجل والمرأة على سواء؛ فيلجأوا إلى القرعة والاستخارة بعد النقاش والمحاورة؟ وينبغي للرجل الذي له حالة من القوامة والرئاسة في المجتمع؛ أن لا ينسى الآيات الأخرى التي تحتوي على مضامين مشابهة والتي منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ)[٨] وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ)[٩].
ولو كنت قواماً بالقسط فلا خشية من أن تكون قواماً على النساء؛ ولكن الخشية هي من القوام المتعسف الظالم الذي تتحكم به الأهواء، وهو إنساناً لم يستفد من هذه الآيات فلا أهلية له للقوامة على الأسرة.
وقوامة الرجل بأمرين، أحدهما: (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[١٠]، وعلى النساء أن لا ينزعجن أو يغضبن من أنَّ هناك امتياز للرجل في عقله وتدبيره وابتعاده عن العاطفة، ونحن نلاحظ أن النساء عندما يقعن في مشكلة فأول سلاحهن بعد نقاش بسيط هي الدموع الجارية؛ فكيف للمرأة التي تستفزها العواطف أن تكون حاكمة للحياة الأسرية؟ والمرأة بطبيعتها تعيش حياة محدودة – وإن كان في عصرنا من النساء المتحررات والعالمات الكثير – بخلاف الرجل الذي له تجارب في الحياة، وحتى في الزواج يكون عمر الرجل في الغالب أكبر من عمر المرأة بسنة أو سنتين أو حتى عشر سنوات، وعندما يكون عمر الزوجين متقارباً نتسائل عن المصلحة في هذا الزواج، ومعنى ذلك أن تجارب الرجل في الحياة أكثر من المرأة.
النساء وإدارة المجتمع
ولهذا نلاحظ أن أكثر القضاة ورؤساء الجمهوريات حتى في الدول التي تدعي المساواة بين الرجل والمرأة هو أكثر من النساء، وكم هي نسبة الرجال من النساء اللواتي يحكمن المجتمعات والحكومات والوزارات ويخططن للمجتمع، بالرغم من أنَّ الإحصائيات تشير في بعض الأحيان إلى تساوي نسبة الرجال والنساء في الجامعات والمدارس وحتى في المدارج العلمية؛ ولكن تبقى الساحة العملية بيد الرجل.
الكفاءة المالية عند الرجل من عناصر القوامة
والأمر الثاني هو: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[١١]، فهو المسئول عن تدبير المعيشة والكد صباحاً ومساءً وتهيئة السكن المناسب للزوجة، وهو امتياز مالي باعتباره إنساناً مدبراً، وأما المرأة فهي تعيش حالى رتيبة لا تواجه فيها مشاكل الرجل؛ فهو الذي يتلقى الصدمات الاجتماعية والصدمات المالية والصدمات البدنية من أجل تمشية الحياة اليومية، وبالتالي عنصر الكفاءة الذاتية وعنصر الكفاءة المالية يمكنان الرجل من القوامة.
ماذا لو كانت المرأة أكثر ثقافة وعلما؟
والأحكام الشرعية يراعى بها العموم، فقد تفوق المرأة في بعض الأحيان الرجل ثقافة وعلماً وهذا استثناء، وهل ثمة شك في أن السيدة زينب (س) هي أرقى بكثير من زوجها عبد الله بن جعفر؟ فإذا ابتليت المرأة بزوج دونها في العلم والتدبير؛ عليها أن تلحظ هذه الناحية في بداية الزواج وهي تعلم أنها تدخل الحياة الزوجية التي يحكمها الرجل؛ فتوطن نفسها على التبعية؛ فبعض القرارات تحتاج إلى حسم في الحياة السرية، وعندما تقول قبلت؛ فهي تتحمل كل التبعات؛ فلا تأتي غداً لتقول أنا مثقفة أكثر منك وأنا خريجة جامعة وأنت لم تكمل المتوسطة، فعليها أن تلاحظ عنصري الكفاءة والقوامة فإذا قبلت انتهى الأمر.
استشارة البنت في أمر الزواج
ولهذا ننصح الآباء المؤمنين أن لا تكون البنت آخر من يستشار في أمر الزواج؛ فتسبقها الأم والشيخ والاستخارة ومن ثم من باب تتميم الموضوع يعرض الأمر على البنت ويبارك لها ما قد تم من دون مشورتها، وليس ذلك من الشرع في شيء، ولا بأس في أن يكون هناك نوع من التعريف بينهما في جو شرعي ومن باب إعطاء صورة واضحة للرجل والمرأة بالنسبة إلى مستقبلهما الزوجي.
فإذا عاشت الأخت في جو كهذا؛ عليها أن توطن نفسها على مبدأ قوامة الرجل، وإذا كان الرجل مؤمناً فلا مانع من أن يسمح للمرأة بإبداء رأيها وإعطاء مشورتها وتقديم أدلتها والدفاع عن رأيها بكل هدوء ومن باب عدم إيجاد الخلل في الحياة الزوجية.
ثم تكمل الآية: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ)[١٢]، وهذه الآية هي موجهة للمؤمنات؛ فمن لوازم الصلاح والإيمان أن تحفظ المرأة زوجها، ومن الغريب أنه قد فسر بعض المفسرين القنوت هنا بالخضوع للزوج لا لله عز وجل وإن كانت المؤمنة هي خاضعة لله عز وجل؛ لأن الكلام هو في سياق التعامل مع الزوج؛ فالصالحات مطيعات للأزواج يحفظنوهم في غيابهم من جهة العفة والمال ومن الجهات الأخرى وذلك بما حفظ الله: أي أنَّ الله كما أعطاكي بعض الامتيازات وحفظ لكي حقكي؛ عليكي أن تكوني قانتة حافظة للغيب.
هل أجاز القرآن الكريم ضرب المرأة؟
وهذه الآية من الآيات التي يساء الاستفادة منها من أجل قوله سبحانه: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)[١٣]، ولكن في أية حالة يسمح بالضرب؟ والكلام هو المرأة الناشزة المتعدية التي تريد أن تضرب هذه الآية عرض الجدار ومع ذلك يحبذ القرآن الكريم الموعظة المباشرة أو عن طريق الآخرين.
محاولات الإصلاح بين الزوجين ودور أهل الحل والعقد
وهناك من الناس من يعيش الجحيم في حياته الزوجية ولكنه يحاول أن يكتم ويخفي هذا الخلاف؛ فإذا بدر أي كلام في الخلاف الزوجي وقعت الواقعة، فهو بالرغم من أنه يعيش الجحيم الزوجي إلا أنَّ قيامته تقوم لو علم بخلافه أخوه أو عالم البلد أو صديقه، والحال أنَّه ينبغي أن يعرض الخلاف على ذوي الحل والعقد والخبراء من المؤمنين؛ فالشكوى إلى المؤمن كالشكوى إلى الله عز وجل.
البيوت أسرار..!
وليس من العيب أن يراجع الإنسان حياته الزوجية وإن كانت مستورة؛ فهناك من يتذرع بالمثل القائل أن البيوت أسرار، نعم هي كذلك ولكن لابد من عرض الخلافات على ذوي الخبرة وأصحاب الحل والعقد والمستشار الأمين، وهذا السر سينكشف بعد فوات الأوان إن لم يعالج في مهده، ولطالما سمعنا انقلابا في الحياة الزوجية وحدوث الطلاق بين أناس لم نتوقع ذلك منهم في يوم من الأيام.
لابد من توفر هذه الأنواع الأربعة من الصحة حتى تستقيم الحياة..!
فلابد للإنسان أن يستبق الأحداث عند بروز الاختلافات الزوجية ولا يكتم ذلك؛ كما لا يكتم المريض مرضه عند الذهاب إلى الطبيب، ونحن نعتقد أن المؤمن يحتاج إلى أربعة أنواع من الصحة حتى يستقيم في حياته: الصحة البدنية؛ فالإنسان المريض يحرم من صلاة الجماعة والحج والعمرة وغيرها من الأعمال، والصحة النفسية؛ فلا يستطيع الإنسان الحقود والمعقد والكئيب أن يتكامل، والصحة الأسرية؛ بأن تكون حياته مستقرة، والصحة الاجتماعية؛ بأن تكون له علاقات ودية مع المجتمع من حوله؛ فالإنسان المتوتر مع الآخرين في مجال العمل والأرحام والصداقات هو إنسان مريض اجتماعياً.
ما هو المراد من هجر الزوجة في المضجع؟
ثم تقول الآية: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)[١٤]، وهذا أسلوب رقيق ومؤدب في أن يظهر الإنسان سخطه من خلال هجر الزوجة في المضجع، وهنا إشارة غاية في الأهمية أن الزوجة تجتاج إلى الدفئ والأمان، ولذلك أول عقوبة للمرأة هو هجرها في المضجع ومفارقتها عند النوم، ويقول البعض أن الهجر لا يراد منه تغيير المكان بل المراد منه الإدبار؛ بأن يعطي الرجل ظهره لها من باب إبداء الانزعاج والغضب.
هل أجاز القرآن الكريم ضرب المرأة؟
ثم يأتي قوله: (وَاضْرِبُوهُنَّ)[١٥]، ومسألة الضرب داخلة تحت قوانين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا غرابة في البين، فلو فتح أحدكم الرسالة العملية لرأى أن المنكر يبتدئ بالقلب ثم اللسان ثم إذا لم ينفع فبيده، ولكن هذا الضرب هو في جو الإنسان القوام بالقسط، الإنسان الذي وعظ وأتم الحجة واتخذ كافة الأساليب ولم يبقى أمامه إلا أن يستعمل يده ولكن استعمال بأمانة وبقصد قربة وبتوجه، وأنه آخر حل ممكن، ولو علمت الأخت بما في علم الله واللوح المحفوظ أن هذا الضرب سيمنعها من الطلاق وتفتيت حياتها الأسرية لاختارت هذه الضربة البسيطة على أن تضرب في مستقبلها ومستقبل زوجها وأولادها.
لا سبيل لك على المرأة بعد هذا..!
ثم تكمل الآية الكريمة: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)[١٦]، وهنا تشير الآية إلى أن الزوجة لو أطاعت الزوج في مرحلة الوعظ أو الهجر في المضاجع أو مرحلة التهديد فلا ينبغي للرجل أن يتعدى بعد ذلك، ويأسف الإنسان على أن تتحول المرأة من شريكة حياة إلى ما يضطر فيه الرجل للهجر والضرب.
لماذا تريد الزواج؟!
ومن المؤسف أن يكون هدف الشاب من الزواج – ولا أقول هو الهدف والدافع الوحيد – قضاء الشهوة، وما ذلك إلا لأن الشاب المراهق في هذا المجتمع يكون مشحوناً بأنواع المغريات، فلو أمكنه تفريغ الغليان الداخلي بغير زوجته الدائمة لقلت الجاذبية والوداد بينه وبينها، وللأسف أنَّ الشاب ينظر إلى الزوجة باعتبارها أداة استمتاع كهدف أساسي من أهداف الزواج.
المرأة شريكة الحياة وحاملة الآلام والآمال..!
والحال أن المرأة حتى في المصطلحات الحديثة وعلى مستوى الصحافة والأفلام وما شابه ذلك؛ تسمى بشريكة الحياة، وهي تحمل الآلام والآمال وهي المنبت الصالح للذرية الصالحة؛ فغراميات ما قبل الزواج وأيام شهر العسل تنقضي كلها والذرية الصالحة هي التي تبقى، وهذه الأم لو كانت صالحة سوف تقدم لك ذرية صالحة وكما يقول المثل المعروف: الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.
المرأة أمانة الله بيد الإنسان..!
وينبغي أن ينظر إلى المرأة على أنها أمانة الله سبحانه عند الإنسان، وكما يقول أمير المؤمنين (ع) عن الخلق: (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي اَلدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي اَلْخَلْقِ)[١٧]، فكيف بالمرأة المؤمنة المضحية وخاصة إذا كانت قد انجبت ولداً أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة، فإلى من تحتمي هذه المرأة لو طلقت؟ ومن يأمن لها مستقبلها؟ ومن يعوض لها حنان الزوج.
ليس الطلاق ورقة تهديد بيد الزوجين..!
وهناك من النساء من تطالب بالطلاق لأول عارض مشكلة، وكأنها ترى أنَّ الطلاق ورقة تهديد بيدها؛ فلتعلم أنه لا رابح في الطلاق، وقد تخسر المرأة خسارة كبيرة؛ فالرجل بعد يوم ويومين وخاصة مع تلفيق الأعذار يبحث عن زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة؛ ولكن التي انفصلت عن زوجها بولد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة كيف يكون مستقبلها ومن الذي سيعوض لها ما فاتها؟ إما إنسان يتقرب إلى الله بها أو إنسان يطمع في بعض الأمور من الاستمتاع أو اكتساب الأموال وما شابه ذلك.
لا إصلاح من دون إرادة الإصلاح..!
ومن أهم أسباب النجاح والتوفيق في حل اختلافات الحياة الزوجية هو إرادة الإصلاح من الطرفين، يقول سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)[١٨]، وفي أكثر الموارد التي وفقت فيها للإصلاح بين الزوجين – وهذه تجربة قرآنية وكلمة القرآن هي كلمة الفصل – إذا كان الزوجان يحتكمان إلى القاضي أو إلى مؤمن أو إلى رجل دين بدافع الإصلاح؛ يرجعان في أول جلسة بكل وئام واتفاق، والفاعل الآية الكريمة هو الله سبحانه الذي يوفق بينهما، فتستحيل هذه الخصومة والبغض المتراكم منذ سنوات طويلة بفضل الله عز وجل؛ إلى حب ووئام ببركة قول المؤمن أو الحكم أو القاضي أو العالم.
لا يأس في الإصلاح مع توفيق الله..!
والذي ينزع الغل على أبواب الجنة في قوله سبحانه: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[١٩]؛ ما المانع بأن ينزع الغل من الصدور في هذه الدنيا؟ وقد يتذرع الزوجان أن الإصلاح يستحيل مع تراكم هذه النزاعات مدة طويلة، والذي يعود بعضها إلى أول أيام الزواج؛ فيقرأ آية اليأس وهي آية بلا ريب باطلة، ولا داعي لليأس ما دام الموفق هو الله عز وجل.
تجنب التوافه من المشاكل فقد توصلك إلى أبواب المحكمة..!
وهناك الكثير من الخلافات الزوجية تنشأ بدواعي تافهة جداً – ويالطبع يستحيي الزوجان أن يذكرا السبب في كثير من الأحيان – فيبدأ الأمر بالتلاسن لينتهي بمد الأيدي على قضايا تافهة من قبيل تأخير الغداء أو عدم الوفاء بشيء بسيط أو على بعض المشاوير النسائية وما شابه ذلك، وهذه الأمور التافهة تتراكم مع مرور الأيام لتوصلهما إلى أبواب المحكمة في يوم من الأيام.
في نهاية الخطبة؛ أبيات في مدح الزهراء للسيد محمد جمال الهاشمي.
[٢] بحار الأنوار ج٢٨ ص٧٦.
[٣] سورة القصص: ١٠.
[٤] عوالم العلوم ج١١ ص١٠٣٠.
[٥] سورة النساء: ٣٤.
[٦] سورة النساء: ٣٤.
[٧] سورة النساء: ٣٥.
[٨] سورة النساء: ١٣٥.
[٩] سورة المائدة: ٨.
[١٠] سورة النساء: ٣٤.
[١١] سورة النساء: ٣٤.
[١٢] سورة النساء: ٣٤.
[١٣] سورة النساء: ٣٤.
[١٤] سورة النساء: ٣٤.
[١٥] سورة النساء: ٣٤.
[١٦] سورة النساء: ٣٤.
[١٧] نهج البلاغة ج١ ص٤٢٦.
[١٨] سورة النساء: ٣٥.
[١٩] سورة الحجر: ٤٧.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن السيدة الزهراء (س) عليها كانت روح النبي (ص) ولذلك لم تستطع الحياة بعده؛ كالسمكة التي أخرجت من الماء أو الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، ولذلك أيضاً كان ينزل عليها جبرئيل لتسليتها، ذلك الملك الذي لم يكن ينزل إلا على الأنبياء خاصة.
- لابد للمؤمن أن تكون له علاقة متميزة بالسيدة الزهراء (س) تأسياُ بالأئمة (ع) الذين كانوا يظهرون الخضوع والخشوع تجاهها (س) وكانوا يعتبرونها حجة الله عز وجل عليهم، فينبغي التوسل بها وزيارتها والاستغاثة بها بالصورة التي وردت في كتاب مفاتيح الجنان.
- قد تكون لفظة الطلاق خفيفة على اللسان إلا أن آثارها التدميرية على نفسية الزوجين والأبناء ثقيلة وثقيلة جداً..!
- لا تستقيم الحياة إلا بتوفر الصحة بنواحيها الأربعة؛ الصحة البدنية؛ فالمريض يحرم من صلاة الجماعة والحج وغيرها من الأعمال، والصحة النفسية؛ فلا يستطيع الإنسان الحقود والكئيب أن يتكامل، والصحة الأسرية؛ بأن تكون حياته مستقرة، والصحة الاجتماعية؛ بأن تكون له علاقات ودية مع المجتمع.
- إن إخفاء الخلافات الزوجية على أهل الحل والعقد وعلماء الدين المصلحين هو كإخفاء المريض مرضه على الطبيب المعالج، فما لم يتحدد المرض ويقف الطبيب عليه بصورة كاملة لا يمكن وصف العلاج بحال من الأحوال.
- يتبين من الآية التي تعتبر هجر الزوجة في المضجع من الأمور المهمة في التأثير عليها والتخفيف من نشوزها؛ أن الزوجة كيان عاطفي يحتاج إلى الدفئ والأمان من الرجل ولابد من توفيرهما على كل حال..!
- ينبغي أن ينظر الرجل إلى الزوجة نظرته إلى شريكة الحياة التي تشاطره آلامه وتدفعه إلى تحقيق آماله التي هي آمال مشتركة بينهما، وعلى أنها المنبت الصالح الذي ينشئ في أحضانها الأبناء الصالحون، وليس مجرد أداء للاستمتاع وقضاء الوطر منها.