- ThePlus Audio
لمحات من سيرة الزهراء (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي الحد بين الغلو والاعتدال؟
الغلو هو أن توضع الشخصية الإسلامية – سواءً كانت نبياً أو وصياً أو صحابياً – فوق المستوى التي وضعها الله فيه، أو يجعل لها مقاماً موازياً لرب العالمين إلى حد الشرك، وهذا ما وقع في التاريخ في المغالين في علي (ع)، فأقام عليهم الحد وأحرقهم، وهو أيضاً ما يحدث عند المسيحيين الغلاة، الذين أعطوا المسيح (ع) مقام الربوبية، وقد تبرأ منهم كما ورد في سورة المائدة.
كما أن عدم إعطاء الشخصية حقها، يعد ظلما، كما نرى ذلك عند بعض الماديين الذين لا يستوعبون مقامات أهل البيت (ع)، وينسبون من يعتقد بهذه المقامات إلى الغلو. فهم يستغربون من أدنى كرامة أو فضيلة تنقل لهم، وهم غافلون عن القصص العجيبة التي ينقلها القرآن الكريم ولو لم ينقلها القرآن الكريم لكان من الصعب تصديقها؟! كقصة الهدهد الذي ذهب إلى أرض اليمن ثم عاد إلى سليمان (ع) بتحليل سياسي عسكري ديني ثقافي. أو تلك النملة التي أحاطت علما بالجيش وقائده، وأوعزت إلى النمل أن يدخلوا مساكنهم..! أو الذي جاء بعرش بلقيس في أقل من طرفة عين.
الاعتقاد بمقامات المعصومين (عليهم السلام)
إن المؤمن الرسالي ينبغي له أن يذوب في عقيدته، وأن يبتعد عن هذه النظرة المادية، ويسلم بأن الله تعالى شاء لهذه الذوات المقدسة مستوى من الكمالات والعلم والمعرفة، ما يجعل العقول قاصرة وعاجزة عن استيعابها وفهمها، ويحتاج فهما إلى درجات راقية من الإيمان، فأين نحن واستيعاب ما بلغه المصطفى (ص) الذي وصل إلى أعلى مدارج الكمال المعنوي؟ والذي – كما ورد في قصة المعراج – أنه وصل إلى درجة من السياحة الجغرافية في عالم الوجود، إلى حيث أن رفيقه جبريل (ع) تخلف عنه، ولو أنه تقدم أنملة لاحترق..! ولقد كان النبي (ص) عندما يعرف أمير المؤمنين (ع) للأمة، لا يذكر الخصوصيات الدقيقة له (ع)، بل كان يصفه بعبارات مجملة عنه كقوله (ص): (اَلْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ وَ عَلِيٌّ مَعَ اَلْحَقِّ)[١].
الزهراء (سلام الله عليها) في كتب أهل السنة
وللأسف قد أصبحت بعض كلمات النبي الأكرم (ص) مجرد شعارات لا نفقه كثيرا منها، ونرددها فقط في المقاتل لإثارة وجدان الأمة..! إن النبي (ص) قال عن فاطمة (ع): (فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اَللَّهَ)[٢]، أي أن الزهراء (ع) تمثل الخط المستقيم في حياة الأمة، في كل العصور، كأبيها رسول الله (ص)، والذي يتعرض لهذا الخط، فإنه ضال منحرف. ويعني أيضا: أن لهذه السيدة الجليلة منزلة عظيمة عند رب العالمين، وموقع مهم في الرسالة، وأنعم بقول الشاعر المفلق الهاشمي (رحمه الله):
حوت خلال رسول الله أجمعها
لولا الرسالة ساوى أصله الثمر
ومما ورد في فضل مولاتنا فاطمة (ع) ما ينقل عن عائشة في المستدرك على الصحيحين، وفي الإصابة لابن حجر، وفي ينابيع المودة وغيرها من المصادر أنها قالت: (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً برسول الله (ص) في قيامها وقعودها من فاطمة(ع))[٣]، وقالت أيضا: (ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله (ص) من فاطمة). وقالت: (ما رأيت أحداً قط أفضل من فاطمة غير أبيها)[٤]، وعندما سئلت عن رأيها في أمير المؤمنين (ع)، قالت: (لقد سألتني عن رجل والله ما أعلم رجلاً كان أحب إلى رسول الله من علي، ولا في الأرض امرأة أحب إلى رسول الله من فاطمة)[٥] وكانت تصف قدوم الرسول (ص) من أسفاره فتقول: (كان النبي (ص) إذا قدم من سفر قبل نحر فاطمة، فقال: منها أشم رائحة الجنة)[٦]. ويعني ذلك: أن فاطمة (ع) جنة متجسدة، وجودها ورائحتها رائحة الجنة، وصفاتها صفات أهل الجنة، وكانت تقول أيضا: (كنا نخيط ونغزل ، وننظم الإبر بالليل ، في ضوء وجه فاطمة)[٧].
علة تسمية الزهراء (سلام الله عليها) بذلك
وإنما سميت بالزهراء، لأن الله عزوجل أعطاها نوراً يزهر ويضيء، فهذا النور الذي يعطيه الله عزوجل لأهل الجنة في يوم القيامة، حيث يقول سبحانه: (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)[٨]، ليضيء لهم الطريق، كان قد أعطي لفاطمة (ع) في هذه الدنيا. وفي دلائل النبوة للبيهقي ومشكل الآثار للطحاوي رواية عن عائشة تقول عن النبي (ص): (أن جبريل أخبرني أنه ليس امرأة أعظم رزية منك ، فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبرا). إن مولاتنا فاطمة (ع) هي سيدة نساء العالمين، فهي قمة الفضيلة، وهي قمة في تحمل الرزايا، فقد تحملت من العذاب النفسي ما تحملت في سبيل الرسالة، كالذي تحمله أبوها (ص)، الذي قال: (مَا أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ مَا أُوذِيتُ)[٩].
كيف نتأسى بالسيدة الزهراء (سلام الله عليها)؟
وأخيرا: كيف لنا أن نتأسى بفاطمة (ع)؟ إن فاطمة (ع) كانت تتميز بالتضحيات التي قدمتها لدينها وشريعتها، وكان شعارها: (خَيْرٌ لِلْمَرْأَةِ مِنْ أَنْ لاَ تَرَى رَجُلاً وَ لاَ يَرَاهَا)[١٠] ومع ذلك نجدها قد خالفت شعارها هذا عندما اقتضى الأمر الخروج للدفاع عن إمام زمانها، وعن الدين والشريعة، فخرجت (ع) في سكك المدينة، تجر أذيالها إلى المسجد، وألقت تلك الخطبة المعروفة التي تناقلها الأجيال عبر العصور وخلدها التاريخ.
ضرورة إعطاء المرأة حقها من الاحترام
من المؤسف ما نرى عند البعض من احتقار للنساء ودورهن في بناء الأسرة المسلمة، والاعتقاد بأن الدور الأمثل لها أن تكون وزيرة، أو قاض، أو سفيرة أو غيرها من المراتب والمناصب. والحال أن لها دورا راقيا قد يفوق دور الرجل، فهي الزارعة، وهي المهندسة، وعلى يديها وجد العلماء والعظماء والأدباء والفلاسفة في المجتمع، والرجل بدوره خادم لها، يكدح ويتعب صباحاً ومساءً، ليأتي لها بالبذور والماء والسماد.