إن سورتي الفلق والناس، كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كثيراً ما يعوذ بهما الحسن والحسين (ع).. ولكن -للأسف الشديد- الناس يتركون المعوذتين الصريحتين من القرآن الكريم، ويتشبثون بكل حشيش.. فهاتان السورتان هما أقوى تعويذة، ولكن الأمر يحتاج إلى يقين، وإلى اقتناع!..
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.
{{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}:
{بِرَبِّ النَّاسِ}.. الإنسان يستعيذ برب يلي أمره، ويدبره، ويربيه، ويرجع إليه في حوائجه عامة، ومما يحتاج إليه في بقائه، ودفع ما يهدده من الشر.
{مَلِكِ النَّاسِ}.. ويحتاج إلى ذي قوة وسلطان، بالغة قدرته، نافذ حكمه، يجيره إذا استجاره، فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك.
{إِلَهِ النَّاسِ}.. وكذلك هو الإله المعبود، فلا يدعو إلا إياه، ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه، فلا يريد إلا ما أراده، ولا يعمل إلا ما يشاءه.
إن الإنسان عندما يصاب بأذى، أو يخاف من أذى، فإنه يذهب إلى أبيه، لأن الأب هو الملجأ الأول للولد.. فإذا عجز الأب عن نصرته، يذهب إلى من بيده السلطة.. فإذا عجز هو أيضاً عن نصرته؛ فإنه يأتي إلى المسجد، لأنه استعان بالبشر، فلم يعينوه.. وإذا خرج من المسجد خائباً، فلا ملجأ له!..
إن الآية تقول: يا بني آدم!.. ماذا تريد: أنا إله يعبد، وملك يحكم، ورب يربي.. فالله -سبحانه- هو رب الناس، وملك الناس، وإله الناس، كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}.. فالقرآن يفسر بعضه بعضاً.
{مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}:
{الْوَسْوَاسِ}.. الوسوسة حديث النفس، كالصوت الخفي.. مثلاً: أحدهم يكون جالساً مع أهله على شاطئ البحر في حديث عائلي مفرح، فيتغير شكله فجأة، وإذ به يستسلم لخاطرة شيطانية.. البعض يرى شخصاً بجنبه يحدثه، والبعض يسمع صوتاً يحدثه في الباطن.
{الْخَنَّاسِ}.. الخناس صيغة مبالغة من الخنوس، بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل: سمي الشيطان خناساً؛ لأنه يوسوس للإنسان.. فإذا ذكر الله -تعالى- رجع وتأخر، ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته.. لأن الشيطان لا يجتمع مع الرحمان.. قال الصادق (ع): (القلب حرم الله، فلا تُسكن حرم الله غير الله).. منتهى الحكمة: الجنب لا يدخل الحرم، والحيوان النجس لا يدخل الحرم، وكذلك القلب حرم الله، لذا إذا ذكر الله، خنس وابتعد.. قال النبي (ص): (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله -سبحانه- خنس، وإن نسي التقم قلبه).. لعل المراد بالخطم؛ أي له خرطوم كالفيل.. أو يمكن تشبيهه بالمغذي، فمادام المغذي موجوداً، يبقى الإنسان مخدراً.. لذا لا بد أن يقطع المغذي؛ بذكر الله عز وجل.
{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}:
{يُوَسْوِسُ}.. فعل مضارع، والمضارع يفيد الاستمرارية.. وعليه، فإن الإنسان إذا أراد أن يبطل كيد الوسوسة، لابد أن يكون في حال ذكر دائم؛ أي يجب أن يكون الذكر أيضاً مضارعاً.. مثلاً: إذا كانت هناك طائرات تهجم على بلدة ما في كل دقيقة، عندئذ لابد من وجود مضادات أرضية في كل دقيقة، وإلا ألقت بقنابلها على مواطني تلك البلدة.. والشياطين كذلك تحتاج إلى مضادات في كل دقيقة، وإلا أردت الإنسان قتيلاً.
{فِي صُدُورِ النَّاسِ}.. المراد بالصدور هي النفوس؛ لأن الوسوسة مكانها في النفس.. وإنما أخذت الصدور مكاناً للوسواس، لما ينسب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب، والقلب في الصدر كما قال تعالى: {وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}.
{مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}:
{الْجِنَّةِ}.. الشيطان يوسوس في صدر الإنسان، ولا طاقة لنا به، يقول تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ}.. لذا، الشيطان أمره صعب!..
{وَالنَّاسِ}.. فيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين، وفي زمرتهم كما قال تعالى: {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ}.. وهنا الغريب في آخر الآية، علماء التفسير يقولون: الإنسي يوسوس أيضاً، ولكن عبر الأذن لا في القلب مباشرة.. فهو يتكلم مع الإنسان، فينتقل هذا الكلام إلى الفكر، ومن الفكر إلى القلب وإلى الصدر.. وفي هذه الحالة ينبغي للمؤمن عندما يرى إنساناً شيطاني الصفة، عليه ألا يجلس معه؛ لأن كلامه كلام شيطان، فعندما يتكلم معه، يدخل إلى قلبه عبر هذه الوسيلة.
قال الجواد (ع): (من أصغى إلى ناطق فقد عبده: فإن كان الناطق عن الله؛ فقد عبد الله.. وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس؛ فقد عبد إبليس).. وهذا ينطبق على التلفاز، هذا التلفاز جني في البيوت.. المتكلم دوره دور الشيطان تماماً، لذا مادام جهاز التحكم بيد الإنسان، فلمَ لا يطفئ الجهاز، أو يغيّره إلى محطة أخرى نافعة؟!.. الذي يريد أن يحذر مكائد الإنس: سواء الإنس الذي يمشي على الأرض، أو الإنس الذي يظهر في الفضائيات؛ عليه ألا يستمع إلى حديثه.. فإن الاستماع إلى حديثه في حكم الاستماع إلى حديث الشيطان، مع فارق: أن الشيطان وجوده قهري.. أما وسوسة الإنسي؛ فإن الأمر بيد الإنسان، هو يستطيع أن يدفع شره.
الخلاصة: ينبغي للمؤمن في كل صباح أن يعوذ نفسه بما يلي: (أعيذ نفسي، وديني، وأهلي، ومالي، وولدي، وإخواني في ديني، وما رزقني ربي، وخواتيم عملي، ومن يعنيني أمره: بالله الواحد الأحد الصمد، الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.. و{بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.. و{بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.