- ThePlus Audio
ما هو حكم الجمع بين الصلاتين عند الشيعة وعند غيرهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الجمع بين الصلاتين في الكتاب والسنة النبوية الشريفة
إن التأملات العقلية رافد من روافد العقيدة؛ إذ لا مجال للتقليد في أصول الدين. ولكن ينبغي الرجوع في الفروع والمسائل الفقهية إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله (ص) ومن زكاهم الرسول (ص) ليكونوا استمرارا له ومصدرا من مصادر التشريع وهم عترته (ع). والحديث المعروف بين الفريقين ينص بوضوح على مرجعية العترة بعد رسول الله (ص) وهو قول النبي (ص): (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ اَلثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اَللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا)[١]. ولا داعي للتوتر من عرض المسائل الفقهية ومناقشتها على ضوء الكتاب والسنة التي هي رشحة من رشحات الوحي.
الجمع بين الصلاتين في كتب العامة
ومن هذه المسائل؛ مسألة الجمع بين الصلاتين. وهي من المسائل التي كثر حولها النقاش بين المسلمين. أما الإمامية فهي تجمع بين الصلاتين بنحو الترخيص؛ لا بنحو الإلزام. فالإنسان مخير بين الجمع والتفريق. ولكننا سنذكر الأدلة من الكتاب والسنة بكل هدوء ورصانة لمن يعتقد بلزوم التفريق من سائر الفرق الإسلامية وبالاعتماد على مصادرهم بالدرجة الأولى.
فأما ما أخرجه مسلم في صحيحه، في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، يقول: عن ابن عباس قال: (صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر). وهذا دليل لمن يقول: أن النبي (ص) كان يجمع في بعض الحالات: كالخوف والسفر. ويقول ابن عباس في رواية أخرى: (صلّى رسول الله (ص) في المدينة؛ مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً). سبعاً: أي المغرب والعشاء، وثمانياً: أي الظهر والعصر. وليس في هذه الرواية أيضا قيد من القيود.
وجاء أيضاً في صحيح مسلم عن عبدالله بن شقيق قال: (خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون: الصلاة..الصلاة قال: فجاء رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني: الصلاة..الصلاة فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك؟! ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فصدق مقالته). وهذا الحديث قد ذكره أحمد في المسند ج١/ ص٢٥١. وقد علل ذلك ابن عباس في رواية أخرى حيث قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. في حديث وكيع قال: قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته).
هل يتيسر لكل أحد الجمع بين الصلاتين؟
وليس التزام المسلم بتفريق الصلوات الخمس أمير هين؛ بل فيه حرج وعسر. وقد لا يتيسر للجميع التفريق بين الصلوات لانشغالهم بأمور الحياة والعمل وغير ذلك. فلماذا يؤخر العصر من هو في المسجد في وقت الظهر والأجواء مهيئة والإمام حاضر إلى وقت لا يعلم إن كان يسعه فيه الصلاة ولا يكون مشغولا بعمل أو مرهقا أو نائما؟ وقد تفوته الصلاة في كثير من الأحيان والحال أن الشريعة هي شريعة يسر. ولماذا التضييق والإصرار على مخالفة النبي (ص) فيما رخص فيه وهو مبلغ الشريعة ومبينها؟
لماذا لا تقبل رخص الله عز وجل؟
فلم يلزم النبي (ص) المسلمين بالجمع أو بالتفريق؛ بل كان يقول (ص): (إِنَّ اَللَّهَ يَغْضَبُ عَلَى مَنْ لاَ يَقْبَلُ رُخْصَةً)[٢]. ويشبه ذلك إذن الله عز وجل للصائم بالإفطار في السفر؛ فإذا لم يقبل الصائم هذا الإذن فهو كمن رد هدية الله سبحانه، وأصبح متشرعا أكثر من المشرع نفسه. وقد نقل البخاري أيضا هذه الرواية؛ أن النبي صلى بالمدينة سبعا وثمانيا.
تبرير ضعيف للجمع بين الصلاتين
وقد أراد القسطلاني – وهو من علماء العامة – أن يلقي شبهة في كيفية جمع رسول الله (ص) بين الصلاتين فقال: قد يكون الجمع جمع صوري؛ أي أن النبي (ص) صلى الظهر في آخر وقته، وصلى العصر في أول وقته، فكأنه جمع بين الصلاتين. وقوله هذا قول ضعيف لا تدعمه الأدلة والنصوص، وقد صلى النبي (ص) الظهر في أول الوقت وأردفها العصر. وكذلك فعل في صلاتي المغرب والعشاء.
ويبدو أن كلمة عدم الحرج على الأمة، قد وردت أيضا على لسان النبي (ص). ومما يؤيد قول ابن عباس: أن في الجمع بين الصلاتين تسهيل على الأمة؛ ما روي عن ابن مسعود أنه قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى والعصر، وبين المغرب والعشاء. فقيل له، فقال: صنعته لئلا تكون أمتي في حرج). والظاهر من كلمة (فقال) هو النبي (ص). ولكن المهم هو أصل العمل في أن النبي (ص) قد جمع بين الصلاتين. وهذا من صحيحي مسلم والبخاري.
الجمع بين الصلاتين في القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم في تحديد أوقات الصلوات قوله سبحانه: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[٣]. وقد ذكر الرازي في تفسير هذه الآية: (إن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات وقت الزوال ووقت أول المغرب ووقت الفجر وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقا)[٤]. وقد قام البغوي بحمل الدلوك على الزوال وهو وقت الظهر. وهذا يعني أن الدلوك هو وقت صلاتي الظهر والعصر.
ويقول أبو بكر أحمد بن عبدالله الكندي في موسوعته الفقهية، عن النبي (ص) في تفسير قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. دلوك الشمس: زوالها، أي صلاة الظهر والعصر، وغسق الليل: يعني ظلمة الليل، أي صلاة المغرب والعشاء، وقرآن الفجر: يعني صلاة الغداة، وهي صلاة الصبح).
وهناك آية أخرى في سورة هود تذكر أوقات الصلوات وهي قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ)[٥]. ويقول القرطبي في تفسير هذه الآية: (لم يختلف أحد من أهل التأويل، في أن الصلاة في هذه الآية، يراد بها الصلوات المفروضة. إن الآية في مقام بيان الصلوات الواجبة، وفي تفسير طرفي النهار قال مجاهد: الطرف الأول: صلاة الصبح، والطرف الثاني: هي صلاة الظهر والعصر، والزلف: هو المغرب والعشاء. وقال النبي (ص): (هما زلفا الليل؛ المغرب والعشاء). فالآيتين الكريمتين في سورتي الإسراء وهود، تشيران إلى أوقات الصلوات الثلاثة.
الجمع بين الصلاتين في سيرة الصحابة
ومن الملفت أن البخاري قد أخرج في سنده عن أبي أمامة أنه قال: (صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك، فوجدناه يصلي العصر. فقلت: يا عم! ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله (ص) التي كنا نصلي معه). وكان الوقت قبل وقت العصر؛ لذلك استغرب من صلاته في تلك الساعة.
فلِمَ الإصرار – بعد كل ما ذكرنا – على أمر قام به الرسول (ص)؟ والحال أن المسلمين في بعض الأوقات يجمعون بين الظهرين في عرفة – يسمى جمع تقديم – ويجمعون بين المغرب والعشاء في مزدلفة – ويسمى جمع تأخير – فالجمع ليس بتلك الكارثة العظيمة مادام أن هناك إذنٌ شرعي فيه.
وأما أهل البيت (ع) – وهم أدرى بما في البيت – فإن رواياتهم متفقة على جواز الجمع، ولا خلاف في ذلك. قال الإمام الصادق عليه السلام: (أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ جَمَعَ بَيْنَ اَلظُّهْرِ وَاَلْعَصْرِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَجَمَعَ بَيْنَ اَلْمَغْرِبِ وَاَلْعِشَاءِ فِي اَلْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ)[٦]. والتأكيد على (من غير علة) من الإمام (ع)؛ لئلا يتوهم متوهم بأنها حالة خاصة .
امتثال أوامر الله عز وجل والأخذ برخصه
والمؤمن كما وصفه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[٧] مطيع لله ولرسوله إن أمره بشيء امتثل، وإن رخص له في شيء أخذ بالرخص. وقد ذكرنا النصوص من كتاب الله عز وجل ومن كتب الفريقين على جواز الجمع بين الصلاتين من غير علة.
خلاصة المحاضرة
- من المسائل التي كثر النقاش حولها بين المسلمين؛ مسألة الجمع بين الصلاتين؛ إذ يعتقد الشيعة بجواز الجمع بين الصلاتين من غير علة. ولكن العامة من أهل السنة يعتقدون عدم الجواز في ذلك. والحال أن النبي (ص) كان يجمع بين الصلاتين وذلك مما نقلوه هم في أمهات كتبهم.
- لم يذكر القرآن الكريم أوقات الصلوات إلا في آيتين من آياته الشريفة. ولم تذكر الآيتين إلا أوقات ثلاثة للصلوات. ويتبين من ذلك جواز الجمع بين الصلوات التي اختلف المسلمون في جواز الجمع وعدمه.