- ThePlus Audio
ظاهرة الغلو والغلاة في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الغلاة عند أهل البيت (عليهم السلام)
كان الغلاة من الجماعات المنحرفة التي عرفت في التاريخ الإسلامي. فكما أن هناك من أسرف في بغضه لأمير المؤمنين (ع) وذريته حتى واجههم بالقتل وسفك دمائهم الطاهرة؛ فهناك من تجاوز اعتقاده بهم إلى ما لم يرضوه هم صلوات الله عليهم أجمعين. فقد وقف الأئمة (ع) موقفا حازما وحاسما من الذين بالغوا في وصفهم ووضعهم في مكان لا يطابق واقعهم؛ وإن كانت حقيقتهم حقيقة نورانية لا ترقى إليها العقول البشرية. فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (اِحْذَرُوا عَلَى شَبَابِكُمْ اَلْغُلاَةَ لاَ يُفْسِدُونَهُمْ، فَإِنَّ اَلْغُلاَةَ شَرُّ خَلْقِ اَللَّهِ، يُصَغِّرُونَ عَظَمَةَ اَللَّهِ، وَيَدَّعُونَ اَلرُّبُوبِيَّةَ لِعِبَادِ اَللَّهِ)[١].
هل كل ما رواه العلامة المجلسي في بحاره يمكن الاستناد عليه؟
ولا بد لنا من ذكر نقطة حول كتاب بحار الأنوار، وهو من الكتب الروائية المخلدة في تاريخ الشيعة؛ فلم يؤلف العلامة المجلسي كتابه هذا ليجمع لنا الصحيح من الأحاديث وإنما جمع فيه الغث والسمين وأوكل لأهله تمحيص هذه الروايات والنظر فيها؛ بل قد طعن في بعض هذه الروايات بنفسه عند نقلها بأنها رويات يرى أنها ضعيفة وهكذا. فلا يأتي من هنا أو هناك من يطعن على الطائفة الإمامية ويشنع عليها ببعض هذه الروايات؛ فليس هذا من الإنصاف في شيء. ولم يدّعِ بأنه جمع صحيحاً، وإنما جمع مجموعات؛ حيث أنه رأى أن هذه الكتب في معرض التلف، فسمع بكتاب أو بمصدر من المصادر في بلاد اليمن على سبيل المثال – كما ينقل عن حياة هذا الرجل العظيم – فاستعمل قربه من السلطان، وطلب منه هذا الكتاب، فبعث بوفد إلى اليمن مع الجوائز والعطايا لحاكم تلك المنطقة، ليؤتى بهذا الكتاب الذي استفاد منه العلامة المجلسي في تأليف كتابه، وهلم جرا.
تعريف العلامة المجلسي رحمه الله للغلو
وقد ذكر العلامة المجلسي رحمه الله تعالى – وهو الذي الخبير بروايات أهل البيت (ع) – مصاديق الغلو، فقال: (إعلم أن الغلو في النبي (ص) والأئمة (ع)، إنما يكون: بالقول بألوهيتهم، أو بكونهم شركاء لله تعالى في العبودية، أو في الخلق والرزق، أو أن الله تعالى حلّ فيهم، أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، وهذا لا يمكن أن يتفوّه به مسلم قط). إن البعض عندما يسمع رواية من معصوم في نقل أمر غيبي، يتعجب منها ويرفضها، ويعتبرها رواية باطلة؛ والحال أننا نعتقد بأن كل علم، وكل غيب، وكل فقه، وكل تفسير خرج من هذه المدرسة، وخرج من هذا البيت الطاهر، التي قال عنها سبحانه: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)[٢] إنما هو بوحي وإلهام من الله عز وجل؛ سواء كان ذلك نقراً في قلوبهم، أو اقتباساً من علوم جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. وهم لا يعلمون الغيب، إلا بمقدار ما أطلعهم الله عز وجل على ذلك.
ومن مصاديق الغلو: القول بأن الأئمة كانوا أنبياء. والذي يعتقد بذلك يدخل في من عناهم الإمام الصادق عليه السلام؛ بأن الغلاة شر خلق الله. ويأتي في زماننا هذا، زمن الاتصال والإعلام، وزمن تبادل العلم، من يقول: (بأن الشيعة يقولون: خان الأمين، وكان من المفروض أن يُبعث علي نبيا؛ ولكن الأمين جبريل خان هذه الأمانة). ويالها من فرية؛ لا يدري الإنسان أيضحك على قائلها أو يبكي على سخافة عقله؟
ولازال الكلام للعلامة المجلسي في تعريف الغلاة: (أو بالقول في الأئمة (ع)، أنهم كانوا أنبياء، أو القول بتناسخ أرواح، بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي). وهناك قوم يعولون على مجرد الاعتقاد بهم، ويبالغون في ذلك، ويعتقدون أن ذلك بالإضافة إلى التوسل بهم؛ يغني عن العمل والطاعة؛ ولا ريب أنها صورة من صور الغلو، كما يصورها العلامة.
تعريف الشيخ المفيد رحمه الله للغلو
ويقول الشيخ المفيد – رحمه الله – أيضاً في تعريف الغلا: (الغلو في اللغة: هو التجاوز عن الحد، والخروج عن القصد، والغلاة من المتظاهرين بالإسلام، هم الذين نسبوا أمير المؤمنين، والأئمة من ذريته (ع)، إلى الأُلوهية والنبوة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا، إلى ما تجاوزوا فيه الحد، وخرجوا عن القصد، وهم ضُلاّل كفار، حكم فيهم أمير المؤمنين (ع) بالقتل والتحريق بالنار، وقضت الأئمة (ع) عليهم بالإكفار، والخروج عن الإسلام)[٣]. أي أن هؤلاء معدودون في زمرة الكفار، وإن أظهروا الإسلام، وبالغوا في مدح أهل البيت (ع)؛ فقد أعطوهم من المقام ما لا يرضونه هم.
وهذه هي كلمات علمائنا الأبرار في تقييم هذه النقطة، وفي تعريف الغلاة. فلا ينبغي أن يأتي إنسان يتظاهر بأنه من أهل التحقيق لينسب إلى الطائفة من الأمور ما يتبرأ منها علماء الطائفة أنفسهم. ولكل قوم جهال، وكما قال أمير المؤمنين (ع): (لاَ تَرَى اَلْجَاهِلَ إِلاَّ مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً)[٤]. وقد نهى القرآن الكريم عن الغلو في كتابه عموماً، وإن كان ظاهر الخطاب لأهل الكتاب؛ ولكنه درس للجميع، فيقول تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ)[٥]. فالغلو وإن كان في الدين، وإن كان من أجل تصوير رموز الدين تصويراً مبالغاً فيه؛ إلا أن رب العالمين لا يرضى به، وإن كان غلوا فيمن يحبهم الله عز وجل. ولهذا انحرف النصارى عندما نسبوا إلى عيسى؛ ما لم يأذن به الله سبحانه وتعالى.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إعلم أن الغلو في النبي (ص) والأئمة (ع)، إنما يكون: بالقول بألوهيتهم، أو بكونهم شركاء لله تعالى في العبودية، أو في الخلق والرزق، أو أن الله تعالى حلّ فيهم، أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، وهذا لا يمكن أن يتفوّه به مسلم قط.