- ThePlus Audio
تفسير آيات من الجزء السابع والعشرين
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير آيات من الجزء السابع والعشرين
من الآيات المهمة في الجزء السابع والعشرين من القرآن الكريم قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)[١].
تذكرنا هذه الآية الشريفة بالمقام الذي جعله الله عز وجل لنبيه موسى (ع) حيث كانت صناعته ونشأته بعين الله عز وجل كما بينت ذلك الآيات الشريفة. ويبدو أن هذه المقامات قد فتحت شهية السالكين إلى الله عز وجل وأثارت حفيظتهم وأصبح غاية ما يتمناه السالكون. واتخذ الله موسى (ع) كليما وكان لهذا المقام خصوصياته المذهلة ولكن الله سبحانه زاده وقربه وقال عنه: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)[٢].
اختيار الأولياء
إن الله سبحانه وهو الغني عن عباده وهو الذي قال عن نفسه: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[٣]، ولكنه أحب أن يتخذ من أوليائه عبادا لنفسه. وهؤلاء هم المجهولون قدرا. إن الشيطان يوسوس للإنسان أنك ما دمت لا وزن لك في المجتمع فمهما تعاليت ووصلت إلى الدرجات العلى لا ينفعك ذلك. والحال أن المصطنع من قبل الله عز وجل الكبير في عينه المرضي لديه لا يكترث لذلك وإن لم يعترف به من البشر أحد، وإن كان مجهولا بين العباد فكما يقال: أنا عند المندرسة قبورهم والمنكسرة قلوبهم. وقد يقضي سبحانه أن يكون العبد مجهولا بين الناس ولذلك أمرنا أن لا نحتقر العباد لعلهم من أوليائه.
الإيمان والبلاء
في هذه الآيات الشريفة إشارات خفية ولطائف وتنبيهات للخواص، والتي منها: أن الطريق إلى أن يكون العبد في عين الله عز وجل أن يكون طائعا له صابرا لحكمه. ويفهم ضمنا؛ أن الذي يريد أن يصبح بعين الله ينبغي أن يتوقع الابتلاءات الكبرى في طريق الله عز وجل المحفوف بالمكاره. ويطمع البعض من السالكين المبتدئين أن يجدوا اللذة والراحة والأنس في هذا الطريق وهي مطالب يجدونها في حياة الأولياء إلا أنهم لا بد وأن يتحملوا التبعات أيضا. والصبر لحكم الله عز وجل هو الصبر على بلائه وكما روي عن الإمام الصادق (ع): (إِنَّمَا اَلْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ اَلْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ)[٤]، فلا يريد سبحانه أن يركن المؤمن إلى الدنيا ويرضى بها، فكلما استقرت أوضاعه وهدأت أموره جاءته عاصفة البلاء ليعود إلى الله عز وجل ملتجأ متضرعا.
الاقتراح على الله عز وجل
لقد سأل النبي (ص) ربه الكفاف؛ فيصبر يوما ويشكر يوما. وفي هذا إشارة لطيفة إلى أن الذي يريد أن يكون بعين الله عز وجل لا بد وأن يكون مسلوب الإرادة أمام ربه، فلا تكون له إرادة في مقابل الرب ولا قرارات مسبقة يريد من الله عز وجل تطبيقها. وقد يدعو المؤمن ويلح في دعائه ويظن أنه على شيء وهو ليس كذلك إنما جعل الدعاء والإلحاح فيه سبيلا لتحقيق مآربه وهذا لا شأن له بالكمال من قريب ولا بعيد، ولا ننخدع بهذه الدعوات وبهذا الأنين والحنين الذي يقضي بأن تكون للعبد إرادة في مقابل إرادة الرب.
أكثر الناس بلاء
وقد روي أن الأنبياء هم أكثر الناس ابتلاء ثم الأمثل فالأمثل. والنبي المصطفى (ص) هو أصبر الصابرين وقد ابتلي بما لم يبتلى به نبي من الأنبياء السابقين. وعمدة بلائه كان التعذيب النفسي الذي يعيشه في الساعات الأخيرة من حياته حيث طلب من أصحابه أن يكتب لهم كتابا لن يضلوا من بعده؛ فامتنعوا من ذلك ورموه بكلام غير لائق. فكيف كان حال النبي (ص) بعد هذا وهو يعلم ما ستؤول إليه أمر الأمة بعد ساعات.
التسبيح الحقيقي
ثم تقول الآية الكريمة: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)، وهي إشارة إلى أن المؤمن دائم التسبيح منذ استيقاظه صباحا حتى المساء وحلول الليل. ولنا أن نسأل عن سر تأكيد الآيات على التسبيح دون سائر الأذكار من التحميد والتهليل وما شابه ذلك، وهو أكثر الأذكار تكرار في الأدعية والصلوات والروايات، والجواب على ذلك: أن التسبيح فيه تحميد أيضا، فعندما أنزه الله عز وجل عن كل نقص فإنما أمدحه بذلك وأحمده. وكأن المسبح المنزه لله تعالى قد سلم لله وألغى جميع اعتراضاته الباطنية على الله سبحانه، فقد يصبر المؤمن ويستسلم لقضاء الله ولمنه غير راض في قرارة نفسه وأعماق وجوده فهو لا يسبح الله عز وجل ولا ينزهه حق تنزيهه وهو يتهمه بصورة لا شعورية أن الله لم يكن رؤوفا به ولم يكن حكيما في فعله.
فهو يتمنى في قرارة نفسه ألو صرف عنه البلاء المقدر من الله عز وجل من الموت والمرض وما شابه ذلك. وهو اعترف أم لم يعترف يقول بلسان الحال: يا رب لم لم تفعل ذلك لكان خيرا لك وأقرب إلى الحكمة وهذا هو معنى عدم التنزيه والتسبيح. ولذلك فإن التسبيح يحول المؤمن إلى موجود لا يشعر بأدنى درجات التبرم بالقضاء والقدر في سويداء قلبه. ولا يظهر شيء من ذلك في فلتات لسانه؛ فقلبه يحب ما كتب الله له وإن كان مكروها وهذا هو التسبيح الحقيقي.
فإذا ما أردت أن تكون بعين الله عز وجل؛ تبرأ من كل حول وقوة غير الله عز وجل وكن كالعبد المملوك الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا. ويقول علماء الأخلاق أن المؤمن بين يدي الله عز وجل كالميت بين يدي المغسِّل والدافن مهما فعلا به لا يتكلم بكلمة واحدة بخلاف المريض بين يدي ممرضه فقد يتأفف ويعترض عليه. ولذلك ورد عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا)[٥].
خلاصة المحاضرة
- إن الشيطان يوسوس للإنسان أنك ما دمت لا وزن لك في المجتمع فمهما تعاليت ووصلت إلى الدرجات العلى لا ينفعك ذلك. والحال أن المصطنع من قبل الله عز وجل الكبير في عينه المرضي لديه لا يكترث لذلك وإن لم يعترف به من البشر أحد.
- إن الذي يريد أن يكون بعين الله عز وجل لا بد وأن يكون مسلوب الإرادة أمام ربه، فلا تكون له إرادة في مقابل الرب ولا قرارات مسبقة يريد من الله عز وجل تطبيقها. وقد يدعو المؤمن ويلح في دعائه ويظن أنه على شيء وهو ليس كذلك إنما جعل الدعاء والإلحاح فيه سبيلا لتحقيق مآربه.