- ThePlus Audio
فلسفة الزيارة؛ زيارة عاشوراء أنموذجا
بسم الله الرحمن الرحيم
زيارة عاشوراء وقضاء الحوائج العظيمة
إن زيارة عاشوراء كانت ولا زالت شعار الأولياء والصالحين، وهي ذات منافع دنيوية وأخروية، والاستمرار عليها أربعين يوما تقضي لصاحبها الحاجات العظيمة، والتجربة خير دليل على ذلك لمن أراد أن يقف على حقيقة هذه الزيارة. ولطالما وصل أصحاب الحوائج المعنوية وعلى رأسها مقام القرب من سيد الشهداء (ع) وهو مقام القرب من الله عز وجل، من خلال هذه الزيارة. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) وهو يخاطب أحد أصحابه: (يَا صَفْوَانُ إِذَا حَدَثَ لَكَ إِلَى اَللَّهِ حَاجَةٌ فَزُرْهُ بِهَذِهِ اَلزِّيَارَةِ مِنْ حَيْثُ كُنْتَ، وَاُدْعُ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ وَسَلْ رَبَّكَ حَاجَتَكَ تَأْتِكَ مِنَ اَللَّهِ، وَاَللَّهُ غَيْرُ مُخْلِفٍ وَعْدَهُ)[١].
علة قراءة زيارة عاشوراء في كل يوم
وزيارة عاشوراء من الزيارات المعروفة في كتبنا ولا يخلو منها كتاب من كتب الأدعية. ونحاول أن نجيب على بعض الاستفسارات حول هذه الزيارة بالخصوص. فقد يسأل البعض: هل يمكن قراءة زيارة عاشوراء في سائر الأيام وقد وردت في هذا اليوم بالخصوص؟
إن مضامين هذه الزيارة هي مضامين راقية ينبغي للمؤمن أن يخلد ذكرى عاشوراء حية في قلبه من خلال هذه الزيارة، تطبيقا للشعار المعروف: (كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء)[٢]. وعندما نذكر في هذه الزيارة بعض العبارات التي تدل على يوم عاشوراء بالذات من قبيل قولنا: (إِنَّ هذا يَوْمٌ تَبَرَّكَتْ بِهِ بَنُو اُمَيَّةَ)، لا نعني أن اليوم الذي نقرأ فيه الزيارة هو يوم عاشوراء وإنما نعني ذلك اليوم المعهود، وهذا المعنى هو من الوضوح بمكان لا يحتاج فيه إلى مزيد تفسير وبيان.
ما هي فلسفة الزيارة من بعيد؟
نلاحظ أن الإمام الحسين (ع) من أكثر الأئمة الذين وردت زيارات في شأنهم. فهناك زيارات مطلقة وزيارات مقيدة: والمطلقة هي الزيارات التي لا تختص بيوم من الأيام والمقيدة بخلاف ذلك. ويمكن ذكر عدة فلسفات لهذه الزيارات:
الفلسفة الأولى: الشعور بحياة الإمام (ع) فالإنسان لا يسلم عادة إلى على الأحياء. ومن الطبيعي أن يرد الإمام (ع) السلام على كل من يسلم عليه في المناسبات أو في غيرها، وقد ورد ذلك صراحة في بعض هذه الزيارات منها: (أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّكُمْ تُرْزَقُونَ)، وقولنا: (وَاَشْهَدُ اَنَّكَ تَسْمَعُ الْكَلامَ وَتَرُدُّ الْجَوابَ)، وكذلك ما ورد في زيارة عاشوراء غير المشهورة حيث يقوم المؤمن بعد كل سلام على معصوم من المعصومين برد السلام على ذلك المعصوم وكأنه يقول: أنني تلقيت منك السلام وهأنذا أقول: وعليك السلام.
فالمؤمن من خلال الزيارات يتواصل مع الأئمة (ع) باعتبارهم أحياء كما ذكر ذلك سبحانه حيث قال: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[٣]؛ فإذا كان الشهداء في البرزخ يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم فكيف بسادة الشهداء وأئمتهم؟ وكيف بالشهداء الذين قال عنهم الحسين (ع): (فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى ولاَ خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي، ولاَ أَهْلَ بَيْتٍ أَبَرَّ ولاَ أَوْصَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي)[٤].
هل تقل قدرات الأئمة (عليهم السلام) بعد رحيلهم عن هذه الدنيا؟
إن فرق الحي عن الميت هو كالفرق بين الراكب والرجل. إذا نزل الإنسان من دابته هل تتغير ماهيته ويصبح شخصا آخر؟ أم أن الراكب أصبح راجلا فحسب. إن هذه الأبدان الترابية هي عبارة عن مطية ودابة يستخدمها الإنسان في الفترة التي قدرها الله سبحانه له: فيأكل ويشرب ويمشي، ويصلي بهذه الجوارح وعند انقضاء الأجل تعود إلى التراب لتصبح طعاما للديان والهوام. وحقيقة النبي وآله (ع) أنهم أنوار حلت بهذه الأبدان وقد خلقوا قبل خلق العالم، فقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ مَنْخُولٌ فِي طِينَتِهِ)[٥].
آداب الحضور في مشاهد المعصومين (عليهم السلام)
ولذلك يوصي العلماء أن يكون المؤمن متأدبا ووقورا في حركاته وسكناته عند دخول مراقد الأئمة (ع). وينبغي أن يترك بعض الأفعال – وإن بدت في ظاهرها أمورا عادية – في مشهد الأئمة (ع)، كاجتناب ضرب الطفل المشاكس في تلك المشاهد أو الدخول جنبا فيها. وقد أفتى علماءنا الأبرار بحرمة الدخول جنبا في تلك المشاهد كما أفتوا بحرمة الدخول جنبا إلى المساجد. وقد استدلوا على ذلك ببعض الروايات التي نهى فيها الأئمة (ع) الدخول عليهم في هذه الحالة وهم أحياء، فقد عاتب الإمام الحسين (ع) أعرابيا كان قد دخل عليه جنبا وبما أن حياة الإمام (ع) كمماته فلا يجوز ذلك. ومن الأدب أيضا أن لا يدخل الإنسان في تلك المشاهد المشرفة وهو ذاهل شارد الذهن، ولذلك لا ينبغي أن يطيل الزائر جلوسه في تلك المشاهد؛ إذا كان ذلك مما يوجب له قساوة القلب، كأن يجلس أمام الضريح ويخفق برأسه نعاسا وما شابه ذلك من الأمور التي فيها نوع من إساءة الأدب في حضرتهم.
الارتقاء إلى مستوى الخطاب
الفلسفة الثانية: الارتقاء إلى مستوى المخاطب أو المزور. فلا بد من وجود سنخية بين سلطان مملكة ما وبين المدعوين للحضور بين يديه ومجالسته؛ وإلا لم يسمح لهم بالدخول على السلطان. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعصومين (ع) حيث ينبغي للزائر أن يرتقي بمستواه ويتشبه بقدر ما يمكنه بالمعصوم (ع) حتى يصل إلى مستوى السلام. وقد اهتز حبيب بن مظاهر فرحا وسرورا عندما أبلغوه سلام الحوراء زينب (س)؛ حيث كان يرى نفسه دون ذلك المقام.
وينبغي أن يكون حاضر القلب مقبلا على الإمام عند السلام، فقيمة العمل بحسب الإقبال فيه. وكما أن الصلاة لا يقبل منها إلا ما أقبل الإنسان عليه منها بقلبه؛ فكذلك هي سائر العبادات والأدعية والسلام على المعصومين (ع). وقد أصبح السلام على الأئمة (ع) عند البعض عملا روتينيا حيث يدور في ثلاث جهات كل يومه ببدنه وهو غير مقبل على من يسلم عليه. ومما نعانيه في عبادتنا وأدعيتنا وزيارتنا أننا حولناها إلى عمل روتيني لا روح فيها، فهل من الأدب أن يسلم المؤمن على إمام زمانه (ع) وهو يعبث بلحيته وبرأسه وهو شارد الذهن متشتت البال؟
الخروج عن عالم المادة إلى عالم الغيب والتكامل
الفلسفة الثالثة: الخروج عن هموم الحياة ومشاكلها والانتقال إلى عالم الغيب والتكامل. فإذا بالإنسان في خضم الحياة وهمومها وفي ساعة العسر أو اليسر وحال الرضا والغضب يتوجه هنيئة ليقول: السلام عليك يا أبا عبد الله. ومن زيارات الإمام الحسين المعتبرة التي وردت في كتاب كامل الزيارات: أن ينظر الإنسان يمينا وشمالا تحت أديم السماء ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله. وكان البعض من علمائنا الأبرار يكتفي بغسل هذه الزيارة عن الوضوء لأنها من الزيارات المعتبرة.
وهل الدين إلا الحب؟
ومن المناسب بين الحينة والحينة وفي ذروة التشاغل بالأهل والعيال وفي خضم الحياة ومتطلباتها اليومية أن يتوجه الإنسان إلى إمام زمانه (ع) ويسلم عليه خارجا من عالمه ذلك. وهي حركة لو استذوقها المؤمن الموالي لما تركها ولأتى بها في كل مناسبة تتاح له. لقد قال الحسين (ع):
شِيعَتِي مَا إِنْ شَرِبْتُمْ
رَيَّ عَذْبٍ فَاذْكُرُونِي
أَوْ سَمِعْتُمْ بِغَرِيبٍ
أَوْ شَهِيدٍ فَانْدُبُونِي
والبعض يذكر إمامه (ع) عند شرب الماء أو الشاي أو ما شابه ذلك ويلعن قاتليه. ويندب إمامه في كل حين ولا ينتظر حلول عاشوراء، فالدافع له هو العاطفة وكذلك الحب الذي هو أساس الدين، فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (اَلدِّينُ هُوَ اَلْحُبُّ، وَ اَلْحُبُّ هُوَ اَلدِّينُ)[٦].
علة التأكيد على انتماء الأئمة (ع) لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
ونلاحظ في سلامنا للأئمة (ع) التذكير الدائم بنسب الإمام وانتمائه إلى رسول الله (ص) حيث نقول في السلام على كل واحد منهم: (السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا ابْنَ رَسُولِ الله). وهذه الصفة هي لربط الأمة بما ورد عن النبي (ص) في شأنهم حيث قال: (لاَ يَزَالُ هَذَا اَلدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ اَلسَّاعَةُ أَوْ يَكُونُ عَلَى اَلنَّاسِ اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ)[٧]. وعندما نسلم عليه نسلم على مصداق من مصاديق آية المودة ونسلم على حجة الله وخليفة من خلفاء النبي (ص) الإثني عشر.
يا ثار الله وابن ثاره
ومن العبارات التي وردت في زيارة عاشوراء والتي قد لا يعلم معناها الكثير من المؤمنين قولنا: (اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يَا ثارَ اللهِ وَابْنَ ثارِهِ وَالْوِتْرَ الْمَوْتُورَ)، ولعل هناك معنيين لهذه الجملة. المعنى الأول: أن الإضافة مستبطنة لمعان كثيرة في المضاف والمضاف إليه وهي كلمة ثار الله. وكأن المعنى هو معنى الباء؛ أي أن الله عز وجل يثأر به، أي بسبب دمه الذي أريق يوم عاشوراء. ولذلك الإمام المنتظر (ع) يستند إلى جدار الكعبة بين الركن والمقام عند ظهوره وينادي في ضمن نداءاته: (ألا يا أهل العالم أن جدي الحسين قتلوه عطشانا)[٨].
وجه الشبه بين الحسين (عليه السلام) ويحيى (عليه السلام)
وهناك شبه كبير بين الإمام الحسين (ع) وبين النبي يحيى (ع)، وقد رُوِيَ: (أَنَّ اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَمَّا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ مُتَوَجِّهاً إِلَى اَلْعِرَاقِ لَمْ يَجْلِسْ مَجْلِساً إِلاَّ وَ ذَكَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَكَانَ دَائِماً فِي طَرِيقِهِ يَقُولُ وَمِنْ هَوَانِ اَلدُّنْيَا عَلَى اَللَّهِ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أُهْدِيَ إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَا زَالَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَ بِكَرْبَلاَءَ)[٩]؛ وكذلك أهدي رأس الحسين (ع) إلى يزيد اللعين ابن اللعين. ومن أوجه الشبه: أن دم يحيى (ع) بقي يفور والناس يطرحون عليه التراب فيعلو حتى صار تلا عظيما، ولم يسكن حتى قتل بخت نصر سبعين ألفا من اليهود. وكذلك ظل دم الحسين (ع) وسيبقى يفور ويثور حتى يظهر من يأخذ له بأثره.
وقد روي عن زين العابدين عليه السلام عن أبيه عليه السلام أنه قال: (أَنَّ اِمْرَأَةَ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَبِرَتْ وَأَرَادَتْ أَنْ تُزَوِّجَ بِنْتَهَا مِنْهُ لِلْمَلِكِ فَاسْتَشَارَ اَلْمَلِكُ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَعَرَفَتِ اَلْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَزَيَّنَتْ بِنْتَهَا وَبَعَثَتْهَا إِلَى اَلْمَلِكِ فَذَهَبَتْ وَلَعِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَا اَلْمَلِكُ مَا حَاجَتُكَ قَالَتْ رَأْسُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فَقَالَ اَلْمَلِكُ يَا بُنَيَّةِ حَاجَةً غَيْرَ هَذِهِ قَالَتْ مَا أُرِيدُ غَيْرَهُ وَكَانَ اَلْمَلِكُ إِذَا كَذَبَ فِيهِمْ عُزِلَ عَنْ مِلْكِهِ فَخُيِّرَ بَيْنَ مُلْكِهِ وَبَيْنَ قَتْلِ يَحْيَى فَقَتَلَهُ ثُمَّ بَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهَا فِي طَشْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فَأُمِرَتِ اَلْأَرْضُ فَأَخَذَتْهَا وَسَلَّطَ اَللَّهُ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فَجَعَلَ يَرْمِي عَلَيْهِمْ بِالْمَنَاجِيقِ وَلاَ تَعْمَلُ شَيْئاً فَخَرَجَتْ عَلَيْهِ عَجُوزٌ مِنَ اَلْمَدِينَةِ فَقَالَتْ أَيُّهَا اَلْمَلِكُ إِنَّ هَذِهِ مَدِينَةُ اَلْأَنْبِيَاءِ لاَ تَنْفَتِحُ إِلاَّ بِمَا أَدُلُّكَ عَلَيْهِ قَالَ لَكَ مَا سَأَلْتَ قَالَتْ اِرْمِهَا بِالْخَبَثِ وَاَلْعَذِرَةِ فَفَعَلَ فَتَقَطَّعَتْ فَدَخَلَهَا فَقَالَ عَلَيَّ بِالْعَجُوزِ فَقَالَ لَهَا مَا حَاجَتُكَ قَالَتْ فِي اَلْمَدِينَةِ دَمٌ يَغْلِي فَاقْتُلْ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكُنَ فَقَتَلَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ أَلْفاً حَتَّى سَكَنَ يَا وَلَدِي يَا عَلِيُّ وَاَللَّهِ لاَ يَسْكُنُ دَمِي حَتَّى يَبْعَثَ اَللَّهُ اَلْمَهْدِيَّ فَيَقْتُلَ عَلَى دَمِي مِنَ اَلْمُنَافِقِينَ اَلْكَفَرَةِ اَلْفَسَقَةِ سَبْعِينَ أَلْفاً)[١٠]
والمعنى الآخر: أن الله سبحانه يثأر ممن قتلته وممن سمع بذلك فرضي به. ويستغرب البعض من أن الله سبحانه يثأر ويؤذي، والحال أننا لا نعلم حجم المصيبة التي وقعت ومدى تأثر السماء وعرش الرحمن بقتل الحسين (ع)، وقد ذكرت النصوص أن هناك تأثر كوني شديد حصل جراء هذه المصيبة منها: الدم العبيط الذي كان يوجد تحت الحجر والصخر بعد مقتله (ع)، ونزول الملائكة من السماء والبكاء عليه إلى يوم القيامة، فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ أَرْبَعَةَ آلاَفِ مَلَكٍ عِنْدَ قَبْرِ اَلْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ، شُعْثاً غُبْراً يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ، رَئِيسُهُمْ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ مَنْصُورٌ، فَلاَ يَزُورُهُ زَائِرٌ إِلاَّ اِسْتَقْبَلُوهُ وَلاَ يُوَدِّعُهُ مُوَدِّعٌ إِلاَّ شَيَّعُوهُ وَلاَ يَمْرَضُ إِلاَّ عَادُوهُ وَلاَ يَمُوتُ إِلاَّ صَلَّوْا عَلَى جِنَازَتِهِ وَاِسْتَغْفَرُوا لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ)[١١] وينبغي أن يلتفت الإنسان لهذه الملائكة الباكية عند زيارته.
أحداث ما بعد استشهاد الحسين (عليه السلام) ونوح الجن عليه
ومن الأدلة على الأحداث العظيمة التي اعقبت استشهاد الحسين (ع) ما روي عن فاطمة بن علي (ع) أنه قالت: (ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اَللَّهُ أَمَرَ بِنِسَاءِ اَلْحُسَيْنِ فَحُبِسْنَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي مَحْبِسٍ لاَ يَكُنُّهُمْ مِنْ حَرٍّ وَلاَ قَرِّ حَتَّى تَقَشَّرَتْ وُجُوهُهُمْ وَلَمْ يُرْفَعْ بِبَيْتِ اَلْمَقْدِسِ حَجَرٌ عَلَى وَجْهِ اَلْأَرْضِ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ وَأَبْصَرَ اَلنَّاسُ اَلشَّمْسَ عَلَى اَلْحِيطَانِ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا اَلْمَلاَحِفُ اَلْمُعَصْفَرَةُ إِلَى أَنْ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ بِالنِّسْوَةِ وَرَدَّ رَأْسَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى كَرْبَلاَءَ)[١٢]. وقد كسفت الشمس وظن الناس أنها القيامة بحسب ما ورد في بعض الروايات، فقد روي: (لَمَّا قُتِلَ اَلْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كُسِفَتِ اَلشَّمْسُ كَسْفَةً بَدَتِ اَلْكَوَاكِبُ نِصْفَ اَلنَّهَارِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا هِيَ)[١٣]، وقد ناحته الجن كما الإنس وذلك مشهور في التاريخ، فقد روي عن أم سلمة قالت: ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي صلى الله عليه وسلم إلا الليلة، وما أرى بني إلا قبض تعني الحسين رضي الله عنه، فقالت لجاريتها: اخرجي اسألي فأخبرت أنه قد قتل وإذا جنية تنوح:
ألا يا عين فاحتفلي بجهدي
ومن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا
إلى متجبر في ملك عبد.
ولا عجب أن تنعاه الجن فهو إمام الإنس والجن وقد تأثروا باستشهاد إمامهم (ع)، وقد نعته وبكيت عليه الملائكة الكروبيون، فقد روي عن الصادق (ع) في حديث طويل: (وَإِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِمْ وَمَعَهَا أَلْفُ نَبِيٍّ وَأَلْفُ صِدِّيقٍ وَأَلْفُ شَهِيدٍ وَمِنَ اَلْكَرُوبِيِّينَ أَلْفُ أَلْفٍ يُسْعِدُونَهَا عَلَى اَلْبُكَاءِ وَإِنَّهَا لَتَشْهَقُ شَهْقَةً فَلاَ تَبْقَى فِي اَلسَّمَاوَاتِ مَلَكٌ إِلاَّ بَكَى رَحْمَةً لِصَوْتِهَا وَمَا تَسْكُنُ حَتَّى يَأْتِيَهَا اَلنَّبِيُّ فَيَقُولَ يَا بُنَيَّةِ قَدْ أَبْكَيْتِ أَهْلَ اَلسَّمَاوَاتِ وَشَغَلْتِهِمْ عَنِ اَلتَّقْدِيسِ وَاَلتَّسْبِيحِ فَكُفِّى حَتَّى يُقَدِّسُوا فَ إِنَّ اَللّٰهَ بٰالِغُ أَمْرِهِ وَإِنَّهَا لَتَنْظُرُ إِلَى مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ فَتَسْأَلُ اَللَّهَ لَهُمْ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ وَلاَ تَزْهَدُوا فِي إِتْيَانِهِ فَإِنَّ اَلْخَيْرَ فِي إِتْيَانِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى)[١٤]. وهذا جانب من عمق هذه الفاجعة في نفوس أهل البيت (ع). وأما الإمام صاحب العصر (ع) فهو القائل: (فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي اَلدُّهُورُ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ اَلْمَقْدُورُ، وَلَمْ أَكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ اَلْعَدَاوَةَ مُنَاصِباً، فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَلَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ اَلدُّمُوعِ دَماً)[١٥]، وهذه قضية لها عمق في تاريخ البشرية.
[٢] لم نقف على مصدر لهذه الكلمة وإن اشتهرت بين العلماء.
[٣] سورة آل عمران: ١٦٩-١٧٠.
[٤] إعلام الوری ج١ ص٤٥٥.
[٥] المناقب ج١ ص٢١٤.
[٦] تفسير نور الثقلين ج٥ ص٢٨٥.
[٧] الغيبة (للنعمانی) ج١ ص١٢٠.
[٨] إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ج ٢ ص ٢٤٣.
[٩] عوالي اللئالي ج٤ ص٨١.
[١٠] المناقب ج٤ ص٨٥.
[١١] الکافي ج٤ ص٥٨١.
[١٢] بحار الأنوار ج٤٥ ص١٤٠.
[١٣] المناقب ج٤ ص٥٤.
[١٤] كامل الزيارات ج١ ص٨٦.
[١٥] المزار الکبير ج١ ص٤٩٦.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن زيارة عاشوراء كانت ولا زالت شعار الأولياء والصالحين، وهي ذات منافع دنيوية وأخروية، والاستمرار عليها أربعين يوما تقضي لصاحبها الحاجات العظيمة، ولطالما وصل أصحاب الحوائج المعنوية وعلى رأسها مقام القرب من سيد الشهداء (ع) وهو مقام القرب من الله عز وجل، من خلال هذه الزيارة.
- من الطبيعي أن يرد المعصوم السلام على كل من يسلم عليه في المناسبات أو في غيرها، وقد ورد ذلك صراحة في بعض هذه الزيارات منها: (أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّكُمْ تُرْزَقُونَ)، وقولنا: (وَاَشْهَدُ اَنَّكَ تَسْمَعُ الْكَلامَ وَتَرُدُّ الْجَوابَ).