- ThePlus Audio
الإرادة الإنسانية
بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا الحديث عن الإرادة الإنسانية؟
ان الحديث عن الإرادة هو من الأحاديث الاستراتيجية والمفصلية في تحديد مصير الإنسان. ومن الواضح أن الفلاح أو الخسران، والهدى أو الضلال؛ أمور مرتبطة بالإرادة الإنسانية. ولعل من أنسب التفاسير لقوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)[١]؛ أن الأمانة هي الإرادة وتحمل التكليف؛ إذ أن الإنسان هو الموجود الوحيد الذي كرمه الله تعالى بهذه المزية، ولطالما أساء استخدامها .
دراسة الجينات النفسية..!
ومن المؤسف أن الأطباء وعلماء التشريح، يحاولون الوصول إلى أدق تفاصيل الجسم البشري، وفك رموز الجينات الوراثية، ولا يوجد في المقابل من يهتم بدراسة الجينات النفسية وتركيباتها، والتي هي في الواقع أعقد بكثير من التركيبة التشريحية، بل هى أهم في تقرير مصير الأنسان. وهل حاولنا التأمل فى رسم الخارطة الإجمالية لموقع الإرادة في أنفسنا؟!
ما هو موقع الإرادة في نفس الإنسان؟
تقع الإرادة من نفس الإنسان موقع القائد العسكري من الجيش. فهي بمثابة الآمر والناهي لجنود الجوارح. ومن المعلوم أن القائد هو الذى يخوض الأهوال، ويورد جنوده الهلاك أو النصر. وكما أن للقائد الواقعي بطانة خير أو بطانة سوء؛ فكذلك للإرادة بطانة خير متمثلة بالدين والعقل، وبطانة سوء متمثلة بالشهوة والهوى .
ماذا يحصل للإنسان إذا فقد إرادته؟
إذا كانت الإرادة من موجبات التفوق فى بني آدم، فإن فقدان الإرادة من موجبات تنزله الى رتبة البهائم! وكم من المؤسف أن يصل العبد إلى درجة يصر فيها على ارتكاب الموبقات، مع علمه بعواقبها، مبررا ذلك بأنه فاقد للسيطرة على نفسه. فإذا وصل العبد إلى هذه الدرجة الخطيرة من الضلال، كان ممن أضله الله على علم. ومن الطبيعى أن يكون مصيره الخسران فى الدنيا قبل الآخرة.
الروح الجماعية
إن من موجبات سلب الإرادة: هي الروح الجماعية، وذلك حين يعيش الفرد في بيئة يمارس أفرادها المعصية بشكل جماعي، حيث يفقد فيها المقاومة تدريجياً، وحينئذ لا يعود يرى المنكر منكراً والمعروف معروفاً. وهذا هو السر في تحذير المؤمنين من السفر إلي بلاد الكفر – لمن لا يضمن لنفسه الاستقامة – حيث يسود الجو الجماعي للمعصية، والذى يؤثر بدوره فى التشجيع على ممارستها.
سيطرة الغضب
ومن موجبات سلب الإرادة؛ سيطرة الغضب. فقد قيل: إن الشيطان يقلب ابن آدم عند الغضب بين يديه كالكرة التى يلعب بها الصبيان. ولا غرابة فى ذلك وهو الخبير في إغواء البشر عبر العصور. ومن هنا يلزم العاقل مضاعفة الجهد للسيطرة على نفسه فى تلك الحالة، لئلا يفلت زمام الأمور من يده.
هل الإرادة الإنسانية بمعزل عن الإرادة الإلهية؟
لقد اختلفت الآراء في تحديد النسبة بين الإرادة الإلهية والإنسانية والعلاقة بينهما. فالبعض يبالغ فى جعل الإرادة البشرية هى صاحبة القرار فى كل الأمور. والبعض الآخر يرى بأن العبد مُسير فى كل أموره، وأنه أسير الإرادة الإلهية؛ والحال أن الصواب هو الأمر بين الأمرين. وخير مثال يوضح لنا ذلك هو: حرية الإنسان فى التحرك داخل عربة القطار الذى يسير وفق مسار محدد، وهناك تحرك طليق ضمن هذا المسير.
الإرادة الإنسانية مقدمة لتدخل الإرادة الإلهية..!
إن المنطق الصحيح، هو المنطق الذي يؤمن بإرادة الله تعالى ، لكنه يرى أن المؤمن هو الذي يهيئ بعمله الأرضية لهذه الإرادة الإلهية. وهو منطق نفهمه من كثير من الآيات القرآنية التي ترتب مشيئة الله على مقدمات من عمل الفرد، مثل قوله تعالى: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ)[٢]، (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)[٣]، (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)[٤]. فإذا قام العبد بوظيفته معتمدا على إرادته الموهوبة له، تصرف الله تعالى في الآفاق وفي الأنفس، إتماما لمشيئته. وقد قال علي (ع) في جواب من سأله كيف عرفت الله عز وجل: (بِفَسْخِ اَلْعَزْمِ، وَ نَقْضِ اَلْهِمَمِ)[٥].
مثال من امرأة عظيمة على التسليم لمشيئة الله عز وجل
من الأمثلة الملفتة على تسليم العباد لمشيئة الله تعالى، وجعل إرادتهم مرتبطة بإرادته، هي تلك المرأة التي استشهد ولدها في إحدى المعارك مع الرسول (ص)، فلم تبكِ عليه، بل انتظرت حتى تستأذن النبي (ص) في البكاء عليه .
كما أن لكل فرد أجلاً، فإن لكل أمة أجلاً لا يتغير. ومن المعلوم أن إيماننا بإرادة الله المهيمنة والقاهرة لكل شيء، يعطينا الأمل في الإصلاح والتغيير الموعود، وذلك عندما نعتقد أن تحديد المحطات الاستراتيجية فى حياة الأمة، إنما هو مرتبط بعالم الغيب؛ إذ أن المؤمنون لهم كرامة عند الله تعالى، ولا يسمح أن يكونوا ألعوبة بيد الأعداء. ولنعلم أخيرا أن للباطل جولة وللحق دولة !
خلاصة المحاضرة
- لقد اختلفت الآراء في تحديد النسبة بين الإرادة الإلهية والإنسانية والعلاقة بينهما. فالبعض يبالغ فى جعل الإرادة البشرية هى صاحبة القرار في كل الأمور. والبعض الآخر يرى بأن العبد مُسير فى كل أموره، وأنه أسير الإرادة الإلهية؛ والحال أن الصواب هو الأمر بين الأمرين.