- ThePlus Audio
فقه الخصام
بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الخصام والخصومة
من الضروري أن يتعلم المؤمنون فقه الخصام، لكي يحسنوا التصرف في الحالات التي يدخلون فيها في خصام مع بعضهم البعض، ومن دون أن يؤدي ذلك إلى غضب الله عز وجل من خلال تبادل المنكر من القول والفعل فيما بينهم. ولا بد قبل ذلك أن نتعرف على مناشئ الخصومة.
مناشئ الخصومة
أولا: اختلاف الأمزجة: إن من آيات الله عزوجل أنه خلق الناس على هيئات وأمزجة مختلفة، قال تعالى: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)[١]، وورد في الحديث عن الرسول (ص): (اَلنَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ اَلذَّهَبِ وَاَلْفِضَّةِ)[٢]، فالاختلاف بين الناس سنة طبيعية من سنن الله عزوجل. وحتى التوائم تتشابه صورهم وتختلف صفاتهم وأخلاقهم. فالبعض تغلب عليهم الحدة، ومنهم من يغلب عليهم الهدوء، ومنهم من تغلب عليهم العجلة، والبعض الآخر تغلب عليهم الأناة والحلم.
ولاشك أن التعامل مع الناس بهذه الأمزجة المختلفة، يوجب شيئاً من الخصومة. وكذلك هو الأمر بالنسبة للزوجين، فهما ليسا حبة من تفاحة قد قسمت إلى نصفين وأحدهما يكمل الآخر، وإنما هما كيانان مستقلان ينبغي أن يوطنا أنفسهما على حل الاختلافات والوصول إلى نقاط مشتركة بينهما.
فمن الخطأ أن ينظر الإنسان إلى أفراد المجتمع على أنهم بمزاج واحد، ولا ينبغي أن يلزمهم بمزاجه أيضا. فقد نرى البعض من الآباء والأزواج أو أصاحب العمل أو كل من له سلطة على فئة من الناس، يجعل نظرته هي الصحيحة ويلزم الآخرين بمزاجه، ولا ينبغي لأحد أن يخالف مزاجه وآراءه، ومن هنا تبدأ المخالفة. ثم تتحول المخالفة إلى اختلاف، ويتفاقم الاختلاف ليتحول إلى خلاف عميق، ومن ثم الخصومة، وما أدراك ما تبعات الخصومة؟
اختلاف العقائد والرؤى والأفكار: فلا يمكن أن ننكر أن الإنسان يعيش في هذه الدنيا في مجتمع، تتعدد فيه المعتقدات والأفكار، وأنه قد يعيش مع قوم لا يلتقون معه في أصل الدين، وقد يلتقي بمن لا يتفق معه في طريقة فهمه للشريعة المقدسة، ومن هنا فإن الذي لا يتأقلم مع المخالفين له في الرأي، والذي لا يتقن فقه التعامل معهم؛ فإنه من الطبيعي أن يقع في سلبيات الخصومة. ولكن ما هي سلبيات الخصومة؟
سلبيات الخصومة؛ التشويش الباطني
إن الذي يعيش في أجواء الخصومة، هو إنسان: متوتر، وموزع الفكر، وسريع الاستثارة، ولا يملك التركيز الذهني الكافي للعمل الفكري الجاد، وحتى نومه مضطرب، وهو مع ذلك مكتئب، ومعقد، وتجتمع فيه الكثير من خصال الشر، ولهذا يقول الإمام الصادق (ع): (إِيَّاكُمْ وَاَلْخُصُومَةَ فِي اَلدِّينِ فَإِنَّهَا تَشْغَلُ اَلْقَلْبَ عَنْ ذِكْرِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وتُورِثُ اَلنِّفَاقَ وَتَكْسِبُ اَلضَّغَائِنَ وَتَسْتَجِيرُ اَلْكَذِبَ)[٣].
إن البعض يعيش حالة من العصبية العقائدية، ويظن أن التعصب لدينه ولفكرته، ينفع فكرته ويستطيع أن يروج لها من خلال ذلك، وهو لا يعلم أن نقل المعلومات من ذهن لآخر، هي عملية معقدة وليست من باب كن فيكون. فليست الأفكار والرؤى كتلة مادية، يسهل نقلها من مكان لآخر؛ بل هنالك مجموعة قناعات ومبادئ في ذهن الطرف المقابل، لابد أن تغسل هذه القناعات غسيلاً علمياً، وتلفت نظره إلى المقدمات الباطلة، التي أوجبت النتيجة الباطلة. ومعنى ذلك، أن الخصومة بأي عنوان كان، هي خصومة باطلة، ولقد ورد في روايات أهل البيت (ع) نهي عن المراء، ولو كان الإنسان محقاً؛ لما يترتب على ذلك من تفشي العداوات والأحقاد. قال النبي (ص): (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي أَعْلَى اَلْجَنَّةِ، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ اَلْجَنَّةِ، وَبَيْتٍ فِي رِيَاضِ اَلْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ اَلْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقّاً)[٤].
وقد ورد في الروايات أن المؤمن شديد الحذر مما يشغله عن الله عز وجل، حتى لنقرأ في بعض الأدعية الشريفة: (وَأَجِرْنِي مِنْ كُلِّ عَائِقٍ يَقْطَعُنِي عَنْكَ وَكُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ يُبَاعِدُنِي مِنْكَ)[٥]. ويقول إمامنا السجاد (ع): (عَمِّرْني ما كانَ عُمْري بِذْلَةً في طاعَتِك، فَإذا كانَ عُمْري مَرْتَعاً لِلشَّيْطانِ، فَاقْبِضْني إليك)[٦]، فيفضل المؤمن الموت على أن يكون عمره في غير طاعة الله عز وجل، وحياته مرتعا للشيطاين المضلة.
إن الكأس إما أن تملأ بالماء أو بأي سائل آخر وإما أن يحل فيها الهواء فيملأها، وكذلك القلب؛ إما أن يحل فيه الهدى أو يشغله الهوى، وإما أن ينشغل بذكر الله عز وجل وإما أن تحتله الشياطين بالوساوس، وقد قال سبحانه: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ)[٧]. وإما أن يكون مرتعا للشيطان أو مهبطا لأنوار الرحمن.
ومن المناسب أن يراقب الإنسان نفسه عند الغضب وعند الخصام، فيرى هذه الصورة الغضبانة كيف يمكن أن يتلبس بها الشيطان وتخرجه من حالته الإنسانية، وينبغي أن يراقب باطنه ودواعي هذه الخصومة وهل هي لله عز وجل أم لغيره؟
إذكاء العداوة وحب الانتقام
إن الخصومة تبدأ من اختلاف في الأمزجة ثم اختلاف في الأفكار، ثم يتحول الاختلاف بعد مضي الزمان إلى عداوة، وميل للانتقام، وبذلك ينفتح الباب للانتقام بالقول وتوابعه: من الغيبة، والبهتان، والنميمة، والإسقاط، وما شابه ذلك. ولو أمكنه الاعتداء عليه بالضرب، أو أن يزيله من الوجود، لفعل. كما حدث ذلك في الخصومة التي شبت بين قابيل وهابيل، فهما ولدا نبي من أنبياء الله عزوجل، وفي ذلك الزمان لم يكن هنالك حالة تزاحم للحصول على الموارد الاقتصادية، فهذه الأرض بخيراتها وبركاتها من الشرق إلى الغرب، كانت متاحة لمجموعة قليلة من البشر، ولكن كيف بلغت هذه الخصومة اللاواعية، والخصومة غير المبررة، إلى أن يمد يده لقتل أخيه، فيرتكب أول جريمة قتل في حياة البشرية، وذلك لأن القربان تُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر.
سوء الظن بالآخرين
إن منشأ الخصومة والعداوة وما يترتب على ذلك من المواقف السلبية تجاه الخصم؛ قد لا تكون حقيقية وإنما تكون من الوهم والخيال. فالإنسان يتعرف على الآخرين من خلال المجاورة أو المعاملة أو في السفر ثم تتشكل من خلال ذلك صورة عن شخصية ذلك الفرد في ذهنه، فيراه مثلا يحسن إلى الفقراء فتنطبع عنه صورة حسنة في ذهنه، وقد يرسم الإنسان صورة قاتمة في نفسه عن شخص لم يلتقي به من دون مبرر وإنما هي أوهام وخيالات ترد عليه وهذا ما نسميه سوء الظن، واتباع غير العلم في تقييم الآخرين.
فقد يخاصم الإنسان صور ذهنية للأشخاص لا تكون مطابقة للواقع. ومن هنا ينبغي أن نعيد النظر في هذه الصور وفي هذه التقييمات، فنحن لا ننظر بنور الله عزوجل، إذ الذي ينظر بنور الله، لا يخاصم، وعلينا أن نستند إلى الموضوعية والنزاهة في تقييم الأشخاص.
ولهذا فإن من المناسب أن نطلب من الله عز وجل، ما ورد في بعض الأدعية الشريفة: (اللهم أرنا الحقائق كما هي)[٨]، فإذا رأى الإنسان الناس كما هم، فهل يخاصم أحداً عندما يضع كل شخص في موضعه؟ نحن نعلم أنه ليس هنالك فرد في عالم الوجود كالنبي المصطفى (ص)، الذي كان يرى واقع الأمور بما أعطاه الله عزوجل، وبما كشف له، وبما أراه الله عزوجل، ومع ذلك فقد كان يستر على من معه من قومه، كان يعلم الباطل الذي يعيشون فيه، ويعلم المنافقين، ولكنه لم يؤمر بأن يكشف أسرار العباد، وكان يتعامل معهم على ما هم عليه من الإسلام الظاهري.
نفور الناس منه
إن الإنسان المخاصم يتحول إلى وجود بغيض، وثقيل، والناس تفر منه، وحتى من يعاشره، فإنه يعاشره على مضض. فعلى سبيل المثال؛ إن العائلة التي لها والد مخاصم حاد المزاج يتحملونه فقط لأنه المصدر المالي الوحيد لهم ولما يدر عليهم من الأموال، وسرعان ما ينفضون من حوله إن أتيحت لهم الفرصة.
وسيفقد عند ذلك مكانته الاجتماعية مما يدفعه إلى التقوقع والانعزال عن المجتمع. والمؤمن يحتاج إلى المجتمع والمجتمع بحاجة إليه إذ كما ورد في الروايات الشريفة: (اَلْمُؤْمِنُ مَأْلُوفٌ وَ لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَ لاَ يُؤْلَفُ)[٩]، والإنسان مدني بطبعه، وهذا نبي الرحمة (ص) عندما كان يضيق ذرعا بأذى المشركين، كان يأنس بجوار سيدتنا أم المؤمنين خديجة (ص)، فقد كانت سكناً للنبي المصطفى (ص).
انكشاف العورات الباطنية
إن لكل منا عيوبه وخبائثه التي سترها الله عليه. ومن هنا ورد: (لَوْ تَكَاشَفْتُمْ مَا تَدَافَنْتُمْ)[١٠]أي لو كشف لكم أسرار الخلق، وما هم فيه من الواقع الذي لا ينسجم مع الظاهر، ما دفنتم من يموت منكم. إن كل فرد – ما عدا المعصوم – ظاهره خير من باطنه؛ لأن الإنسان يتكلف للغير، ويتصنع الذكر الجميل، ولكن الله عز وجل هو الذي يعلم ما يغلي في باطنه من جحيم الحقد والبغضاء، والحسد والتعالي والتكبر وما شابه ذلك.
إن الله عزوجل كان بإمكانه أن يجعل جبين الإنسان كشاشة التلفاز، كلما هم بالسيئة، ظهرت على تلك الشاشة، أو يجعل الحسود والحقود يتبين حقده وحسده في وجهه؛ كحمرة الخجل، وصفرة الوجل. وكما أن المصاب بالحمى، ترتفع درجة حرارته، ولكنه سبحانه ستر على ذنبه وغطاه. ومن حلم الله سبحانه ما بينه الإمام الصادق (ع) في حديثه حيث قال: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَلَهُ مِثَالٌ فِي اَلْعَرْشِ فَإِذَا اِشْتَغَلَ بِالرُّكُوعِ وَاَلسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا فَعَلَ مِثَالُهُ مِثْلَ فِعْلِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَرَاهُ اَلْمَلاَئِكَةُ فَيُصَلُّونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ وَإِذَا اِشْتَغَلَ اَلْعَبْدُ بِمَعْصِيَتِهِ أَرْخَى اَللَّهُ عَلَى مِثَالِهِ سِتْراً لِئَلاَّ تَطَّلِعَ اَلْمَلاَئِكَةُ عَلَيْهَا. فَهَذَا تَأْوِيلُ يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَسَتَرَ الْقَبِيحَ)[١١].
ومن أدعيتنا أن نقول: (وَلاَ تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُءُوسِ اَلْأَشْهَادِ يَوْمَ تُبْلَى أَخْبَارُ اَلْعِبَادِ)[١٢]ففي يوم القيامة يمكن أن يحاكم الإنسان محاكمة سرية، ويؤخذ به إلى النار، ثم يعفى عنه، ومن الممكن أيضاً أن يكشف الغطاء عنه في محضر الأنبياء والأوصياء والمؤمنين؛ وعندئذ كم ينتاب الإنسان الخجل، عندما يراه النبي (ص) ويعاتبه باعتباره من أمته؟
ويقول الإمام أمير المؤمنين (ع): (مَنْ بَالَغَ فِي اَلْخُصُومَةِ أَثِمَ وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ وَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ اَللَّهَ مَنْ خَاصَمَ)[١٣]، فإذا دخلت عالم الخصومة واللجاجة والعناد والمشاكسة، فقل للتقوى: وداعاً..! وقد روي عنه أيضا: (اَلْمُخَاصَمَةُ تُبْدِي سَفَهَ اَلرَّجُلِ وَلاَ تَزِيدُ فِي حَقِّهِ)[١٤].
خسران الكمالات
إن الشيطان يدع الإنسان يغلي ويفور، إلى أن يرتكب الجرائم الكبيرة. ويجعل السيئات تتراكم عليه إلى يقوم بعمل من الأعمال وإن كانت صغيرة، فيهوي بها أبعد من الثريا، فقد روي عن رسول الله (ص) أنه قال: (إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لِيُضْحِكَ بِهَا جُلَسَاءَهُ فَيَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِنَ اَلثُّرَيَّا)[١٥]وقد يكون الإنسان قاب قوسين أو أدنى من بعض صور الكمال، وإذا بمعصية من المعاصي تجعله يتسافل ويتسافل، فيسقط من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، فقد روي عن الباقر (ع) أنه قال: (يا يَا زِيَادُ إِيَّاكَ وَ اَلْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُورِثُ اَلشَّكَّ وَ تُحْبِطُ اَلْعَمَلَ وَ تُرْدِي صَاحِبَهَا وَ عَسَى أَنْ يَتَكَلَّمَ اَلرَّجُلُ بِالشَّيْءِ لاَ يُغْفَرُ لَهُ)[١٦]أي أن الإنسان قد يغر الله له ذنوبا كثيرة إلى أن يصل إلى درجة، أنه يتكلم بكلمة فلا تغفر له.
فعلى الإنسان أن ينتبه لهذه المزالق الكبرى، وكما أن هناك طفرات ونفحات في عالم الكمال والقرب، فهناك تسافلات أيضاً في عالم البعد عن الله عزوجل. فقد يتسافل في لحظة من اللحظات أضعاف ما تسافل به في سنوات من عمره، ولعله في موقف من المواقف يقول كلمة، فيكسر بها مؤمناً، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ)[١٧]. والله عز وجل بالمرصاد لمن حارب أخاه المؤمن، ولمن أذله بكلمة.
فلو أساء تربية أبناءه ودفعهم إلى الرذيلة بالتقصير في المراقبة وأصبحوا في عداد الموتى في عالم الأرواح، فهل ينفعه غسله في جوف الليل ثم قيامه بالصلاة والتوبة والاستغفار؟ وهب أن الله سبحانه غفر له؛ فمن يعوض ما حدث بالأولاد؟
وليست المشكلة في المغفرة، وإنما المشكلة في تدارك الخسائر الكبرى التي يمنى بها الإنسان وفي إصلاح ما فسد منه، فهو بمثابة إنسان كان في كنف رجل كريم، فأساء معاشرته وأساء وأساء، إلى أن طرده من منزله غافراً له، ثم أصبح يهيم على وجهه، فإنه وإن لم تكن بينه وبين مولاه الكريم تبعة يؤاخذ عليها، ولكنه أصبح مشرداً، لا يأوي إلى مكان، وهنا تكمن المصيبة!..
علاج الخصومة؛ عدم التمادي في إظهار الغضب
إن بعض الخصومات – وخاصة عند المؤمنين – قد تكون مبررة، فإذا كان الأمر كذلك، فعليه أن يغضب بمقدار ما غضب الله تعالى لنفسه؛ ومن غضب لله عز وجل، انتصر الله تعالى له.
إن النبي (ص) مع أنه رمز للرأفة والرحمة، وقد كان الناس يدخلون إلى حلقة المسلمين، فلا يكادون يميزون رسول الله (ص)، حتى إن البعض كانوا ينادونه باسمه الشريف، لا باعتباره رسول الله؛ إلا إنه إذا غضب النبي (ص)؛ فإنه لا يقوم لغضبه شيء، وكانت علامة غضبه أن يعرض بوجهه الشريف عن من غضب عليه فكان ذلك كافيا لتغيير سلوكه وإصلاح ما فسد منه. وهذه سمة من سمات المؤمنين، وقد قيل: اتقوا شر الحليم إذا غضب، لأن الحليم إذا غضب؛ فإن غضبه مؤثر بخلاف من يغضب لكل صغيرة وكبيرة.
التفكير في النتيجة
إن أكثر الخصومات تنشأ عن رغبة الإنسان في التنفيس عن غضبه لا رغبته في الإصلاح؛ إذ لا سبيل إلى الإصلاح من خلال صب جام الغضب على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان. وفي الغضب يضيع الإنسان الحقوق ويكون ما يفسد أكثر مما يصلح. ولكن الله سبحانه يأخذ للمؤمن حقه من الظالم ويكفي أحيانا إظهار ما حل بالإنسان من الظلم، وقد كان أهل البيت (ع) يظهرون ما يتعرضون له من الظلم ولذلك اكتسبوا هذه المحبة في قلوب المؤمنين، وهذا الذكر والثناء الجميل إلى يوم القيامة.
[٢] من لا یحضره الفقیه ج٤ ص٣٨٠.
[٣] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٤١٨.
[٤] وسائل الشیعة ج١٢ ص٢٣٧.
[٥] بحار الأنوار ج٩١ ص١٥٣.
[٦] دعاء مكارم الأخلاق.
[٧] سورة يونس: ٣٢.
[٨] عوالي اللئالي – ابن أبي جمهور الأحسائي – ج ٤ – الصفحة ١٣٢.
[٩] الکافي ج٢ ص١٠٢.
[١٠] الأمالي (للصدوق) ج١ ص٤٤٦.
[١١] مفتاح الفلاح ج١ ص٢٠١.
[١٢] سلوة الحزين ج١ ص١٣٢.
[١٣] نهج البلاغة ج١ ص٢٨.
[١٤] غرر الحكم ج١ ص٨٣.
[١٥] مجموعة ورّام ج١ ص١١١.
[١٦] بحار الأنوار ج٢ ص١٢٧.
[١٧] الخصال ج٢ ص٤٤٨.
خلاصة المحاضرة
- من الضروري أن يتعلم المؤمنون فقه الخصام، لكي يحسنوا التصرف في الحالات التي يدخلون فيها في خصام مع بعضهم البعض، ومن دون أن يؤدي ذلك إلى غضب الله عز وجل من خلال تبادل المنكر من القول والفعل فيما بينهم.
- إن الخصومة تبدأ من اختلاف في الأمزجة ثم اختلاف في الأفكار، ثم يتحول الاختلاف بعد مضي الزمان إلى عداوة، وميل للانتقام، وبذلك ينفتح الباب للانتقام بالقول وتوابعه: من الغيبة، والبهتان، والنميمة، والإسقاط، وما شابه ذلك. ولو أمكنه الاعتداء عليه بالضرب، أو أن يزيله من الوجود، لفعل.
- إن النبي (ص) مع أنه مثال للرحمة؛ إلا أنه كان إذا غضب (ص) لا يقوم لغضبه شيء، وكانت علامة غضبه أن يعرض بوجهه الشريف عمن غضب عليه فكان ذلك كافيا لتغيير سلوكه وإصلاح ما فسد منه.