- ThePlus Audio
كيف نتجنب سوء العاقبة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التدرج الهرمي لسوء العاقبة..!
إن التدرج الهرمي لسوء العاقبة يبدأ من: قساوة القلب، مرورا بعدم الميل للمستحبات والسنن والنوافل. وقد يقوم لصلاة الليل؛ فيُلقى عليه النُعاس كنوعٌ من أنواع التأديب، والطرد من هذه المائدة الربانية. ثم بعد ذلك عدم الميل إلى الواجبات؛ كما أشار القرآن الكريم لهذه الحالة: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[١]. ثم بعد ذلك يأتي الميل الخفيف إلى الحرام فيتمنى لو أن الله لم يحرم الموسيقى مثلا. ثم بعدها يميل إلى الحرام بشدة؛ فيبدأ بارتكاب الصغائر والكبائر ثم الاستهتار بالذنوب. فكان في بداية الأمر يرتكب الحرام بوجل ووخز من الضمير إلى أن ينتهي به الحال إلى ارتكابها باستهتار وعندها يتحقق فيه قوله سبحانه: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾[٢]. ثم تأتي مرحلة نسيان التوبة لتنتهي بالانحراف الفكري. والمرحلة الأخيرة يُسلب العقيدة الصحيحة، وتنزع من قلبه محبة أهل البيت (ع) .
هل يمكننا أن نضمن حسن العاقبة؟
ولا يمكن لأحد من الناس أن يضمن لنفسه حسن العاقبة؛ كيف ذلك وهو يقرأ سيرة المنحرفين من أصحاب الأئمة (ع)؟ ومن أبرز هؤلاء؛ الخوارج الذين كانوا من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وكانوا مضرب مثل في كثرة العبادات وإن كانت عبادات سطحية وتقشفية؛ ولكنهم مع ذلك لم يتورعوا عن قتال إمام زمانهم. وقد ذكر أمير المؤمنين (ع) أنه قاتلهم بالقلب الذي كان يقاتل فيه مع رسول الله (ص) المشركين؛ حتى لا يتوهم متوهم أنه قد قاتل المسلمين.
هل الرغبة إلى الطاعات أو الرغبة عنها أمر اعتباطي؟
إن الله عز وجل قد أشار في القرآن الكريم في سياق الحديث عن المتقاعسين عن الجهاد في سبيل الله إلى أنهم قد كرهوا الجهاد لأن الله عز وجل قد كرَّه إليهم ذلك وهو قوله سبحانه: (وَلَٰكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)[٣]؛ فالله سبحانه لا يمنح شرف الجهاد في سبيله لمن لا يحبه، وهو لا يحب الذي يقاتل بنية غير صادقة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائر الطاعات والعبادات أمثال الحج الواجب وصلاة الجماعة وغير ذلك.
وفي المقابل نجد بعض الشباب ممن لا يرون بأنفسهم أية رغبة تجرهم إلى الفحشاء أو النظرة المحرمة أو الصوت المحرم وما شابه ذلك، ثم ترى أن أعراضه عن المحرمات ليس لخوفه من النار والعقاب وإنما لا يرى في نفسه ميلا للحرام فهو يكتفي بما أحل الله له من الحلال، وذلك قوله سبحانه: (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ)[٤]. وهؤلاء لا يخشى عليهم وإن وُضعوا في بؤر الفساد.
تأثير الذنوب على عاقبة الإنسان
ولا شيء أدعى لسوء العاقبة من تراكم الذنوب الصغيرة وهي تجره بدورها إلى الكبائر شيئا فشيئا حتى ينتهي به المطاف إلى سوء العاقبة. وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (مَا جَفَّتِ اَلدُّمُوعُ إِلاَّ لِقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ وَمَا قَسَتِ اَلْقُلُوبُ إِلاَّ لِكَثْرَةِ اَلذُّنُوبِ)[٥].
اختبار لمعرفة القلب ومصيره..!
وهناك بعض الأمور التي تجعل قلب الإنسان على المحك؛ وهي أمور إن نجح في تحقيقها المؤمن، يرجى منه الخير وترجى له حسن العاقبة.
أولا: حصول الرقة والخشوع عند مناجاة الله سبحانه؛ فالعلاقة مع الله سبحانه إذا كانت علاقة عاطفية تستدر الدمع من الإنسان وتكشف عن صفاء القلب.
أولا: التفاعل العاطفي مع مصائب أهل البيت (ع)؛ فقضية سيد الشهداء ليست قضية عادية، والدموع الساخنة التي تسكب على مصيبته تنم عن رصيد باطني للإنسان؛ فهي ليست دموعا عفوية. وقد يكون الإنسان مصابا بمرض أو حالة نفسية تمنعه من البكاء ونحن لا نعنيه بحديثنا هذا وإنما نتحدث عن الذي يحضر في المآتم في شهري محرم وصفر ولا تنزل منه دمعة واحدة يواسي بها إمام زمانه (عج) في عزاء جدته فاطمة (س)؛ فهو وإن لم يرتكب حراما إلا أنه جدير بأن يسأل نفسه عن سبب هذا الجمود وعلة عدم التوفيق هذا؟
والأمر الثالث: هي العاطفة القوية تجاه الإمام الحجة (ع) وهو أمر يختص بزمن الغيبة. وهذه الأمور تعبر عن سنخية بين الإنسان وربه والذوات المقدسة لأئمة أهل البيت (ع).
النهي عن العيش في البادية ومعاشرة الأعراب..!
وقد وردت رواية طريفة عن الإمام الصادق (ع) تبين تأثير الذنوب على الإنسان؛ فعن معاويةَ بن عمار قال: (دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَقَدْ كَانَتِ اَلرِّيحُ حَمَلَتِ اَلْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِي فِي اَلْبَدْوِ فَقَالَ يَا مُعَاوِيَةُ فَقُلْتُ لَبَّيْكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قَالَ حَمَلَتِ اَلرِّيحُ اَلْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هَذَا جَزَاءُ مَنْ أَطْعَمَ اَلْأَعْرَابَ)[٦]، وقد أراد الإمام (ع) أن ينبهه إلى مغبة العيش مع الأعراب البعيدون عن التفقه في الدين وعن مصادر الثقافة الإسلامية؛ والأعرابي هو الذي يعيش في البادية وليس المراد منه العربي. ولم تكن المسألة؛ مسألة عمامة فحسب؛ بل أراد الإمام أن يبين له أن أية أزمة أو حادث أو كسر أو ما شابه ذلك هي إشارات على المؤمن أن يحللها ويرى علة ابتلائه بها.
الحرمان من الرزق
ومما يؤكد ذلك ما روي عن سقوط أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) على الأرض وشج رأسه وسؤاله أمير المؤمنين (ع) عن علة ذلك فقال له: (تَرْكُكَ حِينَ جَلَسْتَ أَنْ تَقُولَ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ – فَجَعَلَ ذَلِكَ لِسَهْوِكَ عَمَّا نُدِبْتَ إِلَيْهِ تَمْحِيصاً بِمَا أَصَابَكَ)[٧]، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَكْذِبُ اَلْكَذِبَةَ فَيُحْرَمُ بِهَا صَلاَةَ اَللَّيْلِ فَإِذَا حُرِمَ صَلاَةَ اَللَّيْلِ حُرِمَ بِهَا اَلرِّزْقَ)[٨] فبالذنب يحرم صلاة الليل وعند الحرمان من الصلاة ترفع الحصانة عن الإنسان. وقد يشتكي البعض من أن حياته قد قلبت رأسا على عقب وهو لا يعلم علة ذلك، والجدير به أن يبحث عن مكمن العلة وينظر من أين أُكل ويفتش في حياته عن النقاط الآنفة الذكر.
قساوة القلب
وكثرة الذنوب تورث قسوة القلب كما ذكرنا؛ فإذا قست القلوب يصبح صاحب هذا القلب في عداد البهائم والعياذ بالله وذلك قوله سبحانه: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[٩].
ومن آثار الذنوب ما روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (مَا اِخْتَلَجَ عِرْقٌ وَ لاَ عَثَرَتْ قَدَمٌ إِلاَّ بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَمَا يَعْفُو اَللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ)[١٠]؛ ومع ذلك لله سبحانه تخفيضات كبيرة يخص بها المؤمنين، ولكن الحديث يدل بوضوح على قدرة المعاصي في تغيير مسير الإنسان وتحديد عاقبته.
فأين شفاعة الشافعين؟!
وقد يسأل البعض: إن كانت للذنوب هذه الآثار المدمرة، فأين إذن ما وعدنا به من الشفاعة؟ وأين آثار مجالس أهل البيت (ع)؟ وأين رعاية الأئمة (ع) وخصوصا رعاية الحجة (ع) لنا؟ وقد نستطيع أن نجيب على هذا التساؤل من خلال الرواية التالية. فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال في وصف حال الناس يوم القيامة: (أَمَّا اَلْمُبْهَمُ أَمْرُهُ اَلَّذِي لاَ يُدْرَى مَا حَالُهُ فَهُوَ اَلْمُؤْمِنُ اَلْمُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ لاَ يَدْرِي مَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُهُ يَأْتِيهِ اَلْخَبَرُ مُبْهَماً مَخُوفاً ثُمَّ لَنْ يُسَوِّيَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَعْدَائِنَا لَكِنْ يُخْرِجُهُ مِنَ اَلنَّارِ بِشَفَاعَتِنَا فَاعْمَلُوا وَأَطِيعُوا وَلاَ تَتَّكِلُوا وَلاَ تَسْتَصْغِرُوا عُقُوبَةَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّ مِنَ اَلْمُسْرِفِينَ مَنْ لاَ تَلْحَقُهُ شَفَاعَتُنَا إِلاَّ بَعْدَ عَذَابِ ثَلاَثِمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ)[١١].
وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَجْلِسُ عَلَى بَابِ اَلْجَنَّةِ مِقْدَارَ عَامٍ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى أَكْوَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ)[١٢]؛ ومن الواضح هنا أن النبي (ص) يضرب على الوتر الحساس في قلوب المؤمنين..! وشتان بينه وبين مؤمن يخرج من القبر إلى الجنة مباشرة، دون توقف، وبدون حساب وكتاب، هؤلاء لا يصيبهم عذاب القبر وضغطته، ولكن سعد بن معاذ ذلك الصحابي الجليل الذي أشرف النبي على دفنه قد تعرض لضمة القبر بسبب سوء خلقه مع عياله .
سلب محبة أهل البيت (ع) والانحراف العقائدي
وكما ذكرنا آنفا أن قاعدة هرم سوء العاقبة هي سلب محبة أهل البيت (ع) والانحراف العقائدي، والشاهد على ذلك ما روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَا عِبَادَ اَللَّهِ فَاحْذَرُوا اَلاِنْهِمَاكَ فِي اَلْمَعَاصِي وَاَلتَّهَاوُنِ بِهَا فَإِنَّ اَلْمَعَاصِيَ يَسْتَوْلِي بِهَا اَلْخِذْلاَنُ عَلَى صَاحِبِهَا حَتَّى يُوقِعَهُ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا، فَلاَ يَزَالُ يَعْصِي وَيَتَهَاوَنُ وَيَخْذُلُ وَيُوقِعُ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا جَنَى حَتَّى يُوقِعَهُ فِي رَدِّ وَلاَيَةِ وَصِيِّ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ دَفْعِ نُبُوَّةِ نَبِيِّ اَللَّهِ، وَلاَ يَزَالُ أَيْضاً بِذَلِكَ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي دَفْعِ تَوْحِيدِ اَللَّهِ، وَاَلْإِلْحَادِ فِي دِينِ اَللَّهِ)[١٣]. وقد تبين من الحديث ما تفعله الذنوب الصغيرة إذا تراكمت على الإنسان حتى تورده الهلاك؛ فقد يظن البعض أن نظرة محرمة هي من الذنوب الصغيرة ولكن الإصرار على هذا الذنب هو ذنب كبير في حد ذاته، ولا يخدع الشاب الأعزب أو المتزوج نفسه بأن نظرته هي نظرة خالية من الريبة فيقع فيما هو أعظم من ذلك.
تعجيل المنية
ومن آثار المعاصي تعجيل المنية؛ فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ (تَعَالَى) لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُؤْمِنِ أَجَلاً فِي اَلْمَوْتِ، يُبْقِيهِ مَا أَحَبَّ اَلْبَقَاءَ، فَإِذَا عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِمَا فِيهِ بَوَارُ دِينِهِ قَبَضَهُ إِلَيْهِ مُكَرَّماً)[١٤]؛فمن منا لا يحب الحياة ولا يحب أن يعمر مائة سنة وهو يعيش في خير وعافية؟ ولكنه سبحانه إذا رآى أن حياة هذا الإنسان إذا لم تقبض روحه ستؤول إلى عاقبة سيئة قبضه إليه. وقد نرى شابا يموت بسكتة قلبية أو في حادث سير فيكون سبب ذلك أن الله عز وجل لم يشأ أن يرى هذا الشاب منهمكا في المعاصي فيقبضه إليه.
وبذلك يصبح الموت للإنسان رحمة. وقد بين ذلك الإمام السجاد (ع) في دعائه مكارم الأخلاق بقوله: (وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعَاً لِلشَّيْطَانِ فَـاقْبِضْنِي إلَيْـكَ قَبْـلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُـكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ)[١٥]؛ أي اقبضني إليك بعد أن تنبهني وإلا فإن موت الفجأة مصيبة تحل بالمؤمن؛ فلا وصية ولا ذكر الشهادتين ولا دفع الحقوق المالية وما شابه ذلك، والحال أن الدرهم في عالم البرزخ يعلم الله كم يؤخر الإنسان. فمن الجدير أن يطلب الإنسان من الله عز وجل المهلة لتصفية الحسابات مع الحق والخلق.
استشعار العبودية لله عز وجل
وبعد أن عرفنا تأثير الذنوب على عاقبة الإنسان لابد لنا من التعرف على ما يمكننا من خلاله الإقلاع عن المعاصي وترك الذنوب صغيرها وكبيرها. ومن الأمور التي تعين الإنسان على ترك الذنوب استشعار العبودية لله عز وجل، وذلك أن يرى الإنسان نفسه عبدا لله لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؛ فإذا أمره سبحانه أن يكف النظر إلى المرأة الجميلة السافرة، لابد أن يستجيب لذلك لأن عينه هي من خلق الله عز وجل والمرأة الحسناء هي من مخلوقات الله سبحانه، وقد أمره سبحانه بأن لا يسلط هذا المخلوق على تلك المخلوقة ليس إلا..! ولو أجال فكره المؤمن في هذا الأمر لرأى أنه لا يقوم بعمل بطولي عند الإعراض عن الذنب؛ بل يقوم بعمل طبيعي إذا التفت إلى ذلك. وكيف لا يعرض عن الصغائر وقد روي عن الرضا (ع) أن: (اَلصَّغَائِرُ مِنَ اَلذُّنُوبِ طُرُقٌ إِلَى اَلْكَبَائِرِ وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اَللَّهَ فِي اَلْقَلِيلِ لَمْ يَخَفْهُ فِي اَلْكَثِيرِ وَلَوْ لَمْ يُخَوِّفِ اَللَّهُ اَلنَّاسَ بِجَنَّةٍ وَنَارٍ لَكَانَ اَلْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَلاَ يَعْصُوهُ لِتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَمَا بَدَأَهُمْ بِهِ مِنْ إِنْعَامِهِ اَلَّذِي مَا اِسْتَحَقُّوهُ)[١٦].
دور الأذكار في تمحيص الذنوب
وينبغي للمؤمن أن يتدارك ذنوبه بالمأثور من الأذكار؛ كالتهليل وهو سيد الأذكار والصلاة على محمد وآله ومن ثم الاستغفار الدائم. وهذا هو مثلث التقرب إلى الله عز وجل بالأذكار؛ ففيما يتعلق بالله سبحانه: التوحيد والتهليل والحوقلة وما يتعلق بأهل البيت (ع): الصلوات، وما يتعلق بالعبد: الاستغفار، وسائر الأذكار التي تحوم حول هذه الأوراد الثلاثة.
ولا ينبغي للمؤمن أن يغفل عن الاستغفار. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ: وَاَلَّذِينَ إِذٰا فَعَلُوا فٰاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اَللّٰهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، صَعِدَ إِبْلِيسُ جَبَلاً بِمَكَّةَ، يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ بِعَفَارِيتِهِ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا سَيِّدَنَا، لِمَ تَدْعُونَا ؟! قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ اَلْآيَةُ، فَمَنْ لَهَا؟ فَقَامَ عِفْرِيتٌ مِنَ اَلشَّيَاطِينِ، فَقَالَ: أَنَا لَهَا بِكَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: لَسْتَ لَهَا. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَسْتَ لَهَا. فَقَالَ اَلْوَسْوَاسُ اَلْخَنَّاسُ: أَنَا لَهَا. فَقَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: أَعِدُهُمْ وَ أُمَنِّيهِمْ حَتَّى يُوَاقِعُوا اَلْخَطِيئَةَ، فَإِذَا وَاقَعُوا اَلْخَطِيئَةَ أَنْسَيْتُهُمُ اَلاِسْتِغْفَارَ. فَقَالَ: أَنْتَ لَهَا. فَوَكَّلَهُ بِهَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ)[١٧]. ويبدو أن الوسواس الخناس هم طائفة من الشياطين متخصصين في مجال الوسوسة والإلقاء في الروع. وقد روي أن الشيطان قد طلب من الله عز وجل أن يجعل له ولد بإزاء كل ولد من أولاد آدم (ع) وهو الشيطان المعبر عنه بالقرين، وبحسب الروايات أن النبي (ص) كان له شيطان أسلم على يديه.
كيفية الاستغفار
ليس بالضرورة أن أقول استغفر الله على الذنب الفلاني، بل كما نقرأ في دعاء كميل: (اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته، وكل خطيئة أخطأتها) بمعنى أن تكون نيتي الاستغفار من كل الذنوب، صغيرها وكبيرها، ما علمته وما لم أعلمه.
ومنها ما ورد في مستحبات يوم الجمعة من الأدعية والتي منها الدعاء الذي يدعى به بعد صلاة الغداة وهو: (اَللّـهُمَّ ما قُلْتُ فى جُمُعَتى هذِهِ مِنْ قَوْل اَوْ حَلَفْتُ فيها مِنْ حَلْف اَوْ نَذَرْتُ فيها مِنْ نَذْر فَمَشِيَّتُكَ بَيْنَ يَدَيْ ذلِكَ كُلِّهِ فَما شِئْتَ مِنْهُ اَنْ يَكُونَ كانَ وَما لَمْ تَشَأْ مِنْهُ لَمْ يَكُن اَللّـهُمَّ اغْفرْ لى وَتَجاوَزْ عَنّى اَللّـهُمَّ مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ فَصَلاتى عَلَيْهِ وَمَنْ لَعَنْتَ فَلَعْنَتي عَلَيْهِ)[١٨].
ومنها أنه: من قرأ بعد صلاة الفجر ثلاث مرات استغفر الله ربي وأتوب إليه في يوم الجمعة غفرت ذنوبه، ولو كانت بعدد زبد البحر.
ومنها دعاء الرضا (ع) الذي كان الإمام يواظب عليه وهو: (رَبِّ اِغْفِرْ وَاِرْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ اَلْأَعَزُّ اَلْأَجَلُّ اَلْأَكْرَمُ)[١٩]، ولو قرأ هذا الدعاء في القنوت بتوجه وإقبال لكان كافيا في إبطال معفول العفريت الذي اتفق مع الشيطان لإغواء بني آدم.
[٢] سورة البقرة: ٢٠٦.
[٣] سورة التوبة: ٤٦.
[٤] سورة الحجرات: ٧.
[٥] وسائل الشیعة ج١٦ ص٤٥.
[٦] بحار الأنوار ج٧٠ ص٣٦٢.
[٧] بحار الأنوار ج٨٩ ص٢٤٠.
[٨] وسائل الشیعة ج٨ ص١٦٠.
[٩] سورة الأعراف: ١٧٩.
[١٠] أعلام الدین ج١ ص٢٠٨.
[١١] بحار الأنوار ج٦ ص١٥٣.
[١٢] بحار الأنوار ج٧٠ ص٣٦٢.
[١٣] التفسير العسکری علیه السلام ج١ ص٢٦٤.
[١٤] الأمالي (للطوسي) ج١ ص٣٠٥.
[١٥] الصحيفة السجادية.
[١٦] بحار الأنوار ج٧٠ ص٣٥٣.
[١٧] وسائل الشیعة ج١٦ ص٦٦.
[١٨] مفاتیح الجنان.
[١٩] عيون أخبار الرضا عليه السلام ج۲ ص۱۸۰.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- إن التدرج الهرمي لسوء العاقبة يبدأ من قساوة القلب مرورا بعدم الميل للمستحبات ثم الإعراض عن الواجبات ثم الميل الخفيف إلى الحرام ثم الميل إلى الحرام بشدة ثم الاستهتار بالذنوب ثم تأتي مرحلة نسيان التوبة ثم الانحراف الفكري وأخيرا يُسلب العقيدة الصحيحة، وتنزع من قلبه محبة أهل البيت.
- من آثار المعاصي تعجيل المنية؛ فقد روي عن الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ اَللَّهَ (تَعَالَى) لَمْ يَجْعَلْ لِلْمُؤْمِنِ أَجَلاً فِي اَلْمَوْتِ، يُبْقِيهِ مَا أَحَبَّ اَلْبَقَاءَ، فَإِذَا عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِمَا فِيهِ بَوَارُ دِينِهِ قَبَضَهُ إِلَيْهِ مُكَرَّماً).
- ولا شيء أدعى لسوء العاقبة من تراكم الذنوب الصغيرة وهي تجره بدورها إلى الكبائر شيئا فشيئا حتى ينتهي به المطاف إلى سوء العاقبة. وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (مَا جَفَّتِ اَلدُّمُوعُ إِلاَّ لِقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ وَمَا قَسَتِ اَلْقُلُوبُ إِلاَّ لِكَثْرَةِ اَلذُّنُوبِ).