- ThePlus Audio
العصمة في الكتاب والسنة والعقل
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورات في الحوار العقائدي؛ العصمة
إن الحديث عن العقائد حديث عن مسائل تلامس شغاف القلب وهي مرتبطة بجذور الإنسان الفكرية. وينبغي لنا أن نلتفت إلى أن الحديث عن العقائد حديث عن مسائل يتمسك الإنسان بها تمسكا قويا لأن قوام دينه بها فإذا تزلزلت تزلزل دينه. فإذا أردنا أن نتحدث مع أحد حول العقائد وأردنا أن نكون مؤثرين في حديثنا لا بد أن ننفذ إلى قلبه ونبتعد كل البعد عن التهجم وتحطيم المقدسات والإساءة إليها وإن كان اعتقاد الطرف المقابل بهذه المقدسات اعتقاد خاطئ. فلا بد أولا من رفع القداسة عنها بأسلوب منطقي وجدال بناء يفضي إلى إجلاء الحقيقية عند الطرف المقابل.
العصمة في الكتاب والسنة والعقل
وسنتناول في حديثنا هذا موضوع العصمة وهو من المسائل العقائدية المهمة في حقلين: حقل الكتاب والسنة، وحقل الأدلة العقلية. وسنحاول في حقل الأدلة العقلية أن نكتفي بالأدلة العقلية فلا نتجاوزها إلى الروايات قدر الإمكان. والأدلة العقلية في باب التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد أدلة قوية يكفي إتقانها إلى إقناع أي شخص منصف يبحث عن الحقيقة. فإذا لان القلب ورجع إلى الوجدان السليم عندها نأتي بالأدلة القرآنية والروائية لمؤازرة الأدلة العقلية واكتمال القناعة عند الطرف المقابل.
أهل البيت (عليهم السلام) واسطة الفيض الإلهي
إننا نعتقد أن الأئمة (ع) هم وسائط في الفيض الإلهي وفي تبليغ الدين والشريعة بين الله وخلقه. فلهم قيادة الخلق وزعامة الأمة فكريا وعمليا. وهذا مقام يعطى للنبي والوصي وكلاهما يشتركان في الوساطة لإبلاغ الأحكام. ونلاحظ في سيرة المعصومين (ع) من ذرية الرسول (ص) وأبناء الزهراء (س) أنهم يذكرون الحكم مباشرة من دون واسطة أو ينسبونه إلى النبي (ص). فعلومهم هي علوم مكتسبة إما من عالم الغيب وأما من جدهم المصطفى (ع) كما صرح بذلك أمير المؤمنين (ع) بقوله: (عَلَّمَنِي رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَلْفَ بَابٍ مِنَ اَلْعِلْمِ، يَفْتَحُ كُلُّ بَابٍ أَلْفَ بَابٍ)[١].
أدلة عصمة الإمام
الدليل الأول: أن المعصوم المبلغ لشريعة السماء، والواسطة في تبليغ الحكم لا بد أن يكون معصوما وإلا إذا كان ممن يجوز عليهم الخطأ أو المعصية فكيف يمكن الأخذ عنه وكيف سيكون مرآة تعكس مشيئة السماء؟ بل إننا نرى أن الذي يكذب في حياته مرة لا يعتمد عليه في الأمور المهمة؛ فكيف نجعله وسيطا بيننا وبين السماء؟! ولذلك نرى أن الله عز وجل رغم حبه الشديد للمصطفى (ص) ورغم المقام الكبير للنبي (ص) إلا أن الله سبحانه في مقام التبليغ يهدد النبي (ص) تهديدا عنيفا حيث يقول: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)[٢]. والذي يتكلم عن مسائل الدين بغير علم فإنه يتبوأ مقعده من النار بحسب الروايات الشريفة. فلابد من وجود واسطة للفيض يكون مبرأ من أي زلل في القول والفعل.
ولهذا فإن رب العالمين يهدد المصطفى (ص)، رغم حبه الذي لا يساويه أحد، فالمقام أو السر الذي بين النبي ورب العالمين، مقام لا يعلمه أحد، وسر بينه وبين ربه.. ولكن عندما يصبح الحديث عن تبليغ الدين، نلاحظ بأن هناك تهديد عنيف وبليغ حيث يقول تعالى في سورة الحاقة: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}.. وعليه، فإن الذي يتكلم بغير علم في الدين، فإنه يتبوأ مقعده من النار.. فإذن، لابد لواسطة الفيض أن يكون مبرأً من أي زلل: قولاً، وفعلاً؛ ليمكن أن يأخذ بقوله وفعله وتقريره.
الدليل الثاني: بعد أن ثبتت لنا عصمة النبي (ص) بدليل مستقل – والحديث هو عن عصمة الأئمة (ع) – وعلمنا أن الأمة هي بحاجة إلى الرعاية في عهد النبي (ص) مثلما تحتاج هذه الرعاية من بعده، والأمة هي نفسها ولم تتغير بعد وفاته فلا فرق بين اليوم الثامن والعشرين حيث توفي النبي (ص) واليوم التاسع والعشرين بعد وفاته. فالأمة بحاجة إلى رعاية في مجال القضاء والحكم وتسيير الأمور وتجييش الجيوش وإلى من يبين لها الأحكام المستجدة وسائر ذلك من أمور الدين والدنيا. والمثال على ذلك عندما يؤتى بنائب قائد الجيش لينوب عنه في السلم وفي الحرب وهو أدنى منه درجة ولكن له ما للقائد من مقام وصلاحيات، أوامره مطاعة، والمتخلف عنه يعاقب أشد العقاب. وكذلك الأمر بالنسبة لمن ينوب النبي (ص)؛ فينبغي أن يتمتاز بخصوصيات هذا المقام من العصمة والنزاهة والطهارة.
الدليل الثالث: إذا اعتبرنا المعصوم ممن يرتكب الصغيرة؛ فإذن لا بد من نهيه عن المنكر. فالمنكر منكر من قبل الجميع بل ومن المقربين أنكر وأقبح. فكما يقال: حسنات الأبرار سيئات المقربين. فكيف يكون إماما من ينهاه المأمومين عن المنكر؛ بل إن الإمام هو في مرتبة لا يدانيها المأمومون إطلاقا.
الدليل الرابع: يفترض في الإمام المعصوم أن يكون قدوة للخلق، كما يعبر القرآن الكريم عن رسول الله (ص) بأنه أسوة حسنة ، ولا يمكن اتخاذ أحد أسوة ما لم يكن مبرأ من كل زلل. وإلا كيف يمكن للإنسان أن يقتدي بمن تصدر منه الأخطاء والذنوب، سواء كانت الأخطاء صغيرة أو كبيرة؟
الدليل الخامس: أن الأنبياء والأئمة، لابد وأن لا تعرض عليهم أمور منفرة حتى من الناحية الجسدية، وما يقال بالنسبة إلى نبي الله أيوب، من أن الديدان مشت على بدنه وماشابه ذلك، فهي لا تصح أبدا. لأن النبي الذي يخرج بهذه الصورة المنفرة الذي يمجها الطبع لا يؤخذ بقوله ولا يقترب منه أحد من الناس. فإذا كانت الأنبياء وأوصيائهم مبرؤون من العيوب الجسدية المنفرة والتي تسقطهم من الأعين؛ فكيف بالذنوب التي تؤثر على قلب الإنسان وروحه وتسلبه التأثير على الناس بأي شكل من الأشكال. بل الإمام هو مما يملأ العين والنفس.
ولم يكن ابتعاد الناس عن الأئمة إلا جراء ذلك الانحراف الخطير الذي حدث بعد رسول الله (ص) من الذين وضعوا أنفسهم في موضع النبي (ص)، وجلسوا مجلس النبي (ص)، وارتقوا منبر النبي (ص)، واخذوا ألقاب النبي (ص) ثم خالفوا النبي (ص) في كل شيء ونفروا الناس من الدين.
إن المعصوم أو النبي، يمثل أقرب الناس في زمانه، ذلك الموجود الذي تتنزل عليه الملائكة في ليلة القدر، فلابد أن يكون متميزاً في كل جهاته.. ولكن إذا كان الإمام يخطئ، والمأموم يخطئ، فقد أصبح الإمام والمأموم في رتبة متقاربة، وإن اختلفت المعاصي، فكلاهما عاصٍ.. فالمعصوم أقرب الخلق إلى الله عز وجل في زمانه، ومقتضى ذلك أن يكون متميزاً تميزاً بالغاً، بحيث لا يمكن أن يفكر في ارتكاب الحرام.
إن النبي أو المعصوم هو أقرب الناس إلى الله عز وجل في عصره وهو الذي تتنزل عليه الملائكة في ليلة القدر؛ فلا بد أن يكون متميزا من جميع الجهات. فإذا كان الإمام ممن يجوز عليه الخطأ فهو لا يختلف عن المأموم وإن اختلفت المعاصي فكلاهما لربه عاص..!
خلاصة المحاضرة
- إن النبي أو المعصوم هو أقرب الناس إلى الله عز وجل في عصره وهو الذي تتنزل عليه الملائكة في ليلة القدر؛ فلا بد أن يكون متميزا من جميع الجهات. فإذا كان الإمام ممن يجوز عليه الخطأ فهو لا يختلف عن المأموم وإن اختلفت المعاصي فكلاهما لربه عاص..!