- ThePlus Audio
قصة النبي موسى (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
قصة النبي موسى (عليه السلام) في القرآن الكريم
كان النبي موسى (ع) من أنبياء أولى العزم الذين كانوا في ثمة الأنبياء من حيث الدرجات والمقام والمكانة عند الله عز وجل. وأنبياء أولى العزم هم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والنبي محمد (ص).
أما النبي موسى (ع) فقد مر بتقلبات كثيرة في حياته، وكان محط العناية الإلهية منذ الصغر. فقد ولد في زمن طاغية من الطغاة باسم فرعون الذين كان يذبح الأبناء ويستحيي النساء حتى لا يلد فيهم موسى (ع). ولك أن تتخيل مدى ظلم هذا الطاغية حتى يذبح أطفالا هم في منتهى البراءة وهم ممن يستحقون الشفقة والحنان لا حد السيف.
ولادة موسى (عليه السلام) وخوف أمه
ولكن الله سبحانه أراد أن ينفذ مشيئته رغم أنف فرعون. والله سبحانه إذا أراد شيئا أخضع لمشيئته الأسباب وهذه هي سنته في الحياة. فعندما وضعته أمه خافت عليه ظلم هذا الحاكم الظالم القاتل للأطفال؛ وإذا بالوحي الإلهي يبين لها ما عليها فعله وهو قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)[١].
صور الوحي في القرآن الكريم
وكما استعمل القرآن الكريم الوحي بالنسبة إلى أم موسى؛ كذلك أوحى إلى النحل وهو قوله: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)[٢] وكذلك أوحى إلى الأرض بقوله تعالى: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)[٣]. ويتبين من ذلك أنه سبحانه إذا أراد أن يوصل معلومة إلى الموجوات سواء كانت عاقلة كأم موسى (ع) أو لم تكن عاقلة كالنحل والأرض فلا مانع من ذلك أبدا. ويمكن القول أن المؤمن مرشح لأن يكون ممن يفيض الله سبحانه عليهم.
والوحي هنا بحسب ما يقول العلماء: الكلام الخفي ولا يكون الوحي منحصرا فيما يبلغه جبرئيل (ع) للأنبياء والرسل. ولذلك فإن الله سبحانه لا مانع لديه من أن يكرم المؤمن بهذه الكرامة. وكم قرأنا وسمعنا عن علمائنا ومراجعنا الأبرار – خاصة في المنعطفات التاريخية الحرجة، وفي ذروة الأزمات والشدائد – أنهم سددوا من قبل الله عز وجل وأخذوا القرارات الصائبة التي تعود على الأمة بالنفع والخير. ومن طرق حفظ الشريعة؛ أن يأتي التسديد الإلهي من خلال هذا النمط من الوحي الذي خصت به أم موسى (ع). كيف لا ورب العالمين يعلم أن موسى هو الذي ينتصر به الدين ويضرب به الطغاة والظالمين.
محبوبية موسى (عليه السلام)
وقد نشأ موسى (ع) بعين الله عز وجل وتحت رعايته المباشرة وكان محبوبا لا يراه أحد إلا أحبه بحسب ما ينقل وهو قوله سبحانه: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)[٤]. وهذه آثار المحبة إن كانت صادرة من قبل الله عز وجل.
امرأة فرعون وحضانة النبي موسى (عليه السلام)
ثم يقول تعالى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)[٥]. كان فرعون في يوم من الأيام جالسا على شاطئ النهر وإذا أمامه صندوق خشبي يتضمن مولودا وإذا بامرأة فرعون تقول: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[٦]. وهذه الكلمة من امرأة فرعون أكسبها خلودا وقربا من الله عز وجل.
عاقبة امرأة فرعون الحسنة بسبب كلمة واحدة
وهناك رواية جميلة عن النبي (ص) تبين ما لهذه الكلمة التي نطقت بها امرأة فرعون من أثر كبير على حسن عاقبتها، فعنه (ص) أنه قال: (وَاَلَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ بِهِ لَهَدَاهُ اَللهُ تَعَالَى كَمَا هَدَى بِهِ اِمْرَأَتَهُ وَلَكِنَّ اَللهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ ذَلِكَ)[٧]. وأصبحت هذه المرأة العظيمة من النساء اللواتي خلدهن التاريخ وخُتم لها بالشهادة على أيدي أعتى جبابرة العصر وهي التي بنى الله سبحانه لها بيتا في الجنة كما ورد في القرآن الكريم وكل ذلك بهذه الكلمة التي غيرت مجرى حياتها وأعقبتها هذا الخلود والذكر الجميل. ويشبه موقفها هذا موقف الحر الذي أظهر الأدب مع الحسين (ع) عندما قال له: ثكلتك أمك؛ حيث لم يتجاسر على الزهراء (س) وأظهر الاحترام لاسمها.
التصرف الإلهي في قلب أم موسى (عليه السلام)
ثم يقول سبحانه: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا)[٨]. ويقول المفسرون: أصبح فؤادها فارغاً من الحزن والألم؛ فأم تجعل ولدها في صندوق خشبي، وترمي به في النيل، ولا تعلم مصيره، في زمن يُقتل فيه الأطفال الرضع لأمر عجيب أن لا تشعر بشيء من القلق والحزن ولكن لا عجب من أمر الله عز وجل وتصرفاته في قلوب المؤمنين.
ويقول عز وجل: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[٩]، وطبيعة الأم أن تبدي ما في نفسها من لواعج الحزن التي أحاطت بها ولكن الله عز وجل قد أحاطها بالرعاية وربط على قلبها فثبتت واطمأنت.
تهيئة الأسباب في قصة موسى (عليه السلام)
ثم يتبين من قوله سبحانه: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[١٠] أنه إذا قرر أمراً؛ فبيده عالم الأسباب، فهو يسوق المقدمات واحدة تلو أخرى لتؤدي بمجموعها إلى النتيجة المرجوة.
التدبير الإلهي في قصة موسى (عليه السلام)
لقد وعد الله سبحانه أم موسى أن يرجع لها ولدها ويجعله من المرسلين ولكن كيف تحقق هذا الوعد الإلهي بعد أن رمته أمه في النيل؟
أولا: قامت الأمواج بإيصاله إلى قصر فرعون.
ثانيا: ألقى الله سبحانه محبته في قلب فرعون وامرأته؛ فلو أصر فرعون على موقفه لقتل موسى (ع) كما قتل من قبله الرضع.
ثالثا: إرسال أخته في أثره لتتعرف مكانه وتكون وسيلة في عرض المرضع عليهم.
رابعا: تحريم المراضع عليه؛ فامتنع موسى (ع) عن شرب لبن غير لبن أمه.
وهنا تدخلت أخت موسى (ع) وقالت: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)[١١]، وبهذه العملية التي لم تستغرق إلا أياما معدودة عاد موسى إلى حضن والدته وهو قوله سبحانه: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[١٢]. وعندما وعد سبحانه أن يرجع موسى إلى أمه؛ تحركت السماوات والرياح والبحار والقلوب وعجزت المرضعات عن إرضاعه في سبيل تحقق هذا الوعد الإلهي: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)[١٣]. ولو سألت أم موسى (ع) عن الحيل التي توصلها لولدها لم يكن يخطر ببالها تهيئة كل هذه الأسباب.
موسى (عليه السلام) والمهدي المنتظر (عجل الله فرجه)
ومن الملفت في هذه الآيات؛ أن الذي وعد بإرجاع موسى (ع) لأمه قد وفى بوعده وهو الله سبحانه وتعالى، وهو بلا ريب سيفي بما وعد في مستهل هذه القصة وهو قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[١٤] فكما وفى لأم موسى وفى لأمة موسى فجعله خليفة في الأرض وأهلك فرعون وهامان وجنودهما.
وقد يسأل سائل عن سر استعمال هذه الآية وتطبيقها على الوعد الإلهي بإقامة دولة العدل على يد الإمام المهدي (ع) والحال أنها آية ترتبط بموسى وفرعون وبني إسرائيل؟
الجواب: هو ما قاله العلماء في هذه الآيات حول قانون الجري والانطباق وأن المورد لا يخصص الوارد. والآية نزلت بهذه المناسبة، ولكن لا يمنع ذلك أن يجري هذا القانون الإلهي، في كل الموارد المتشابهة، حيث هناك طغيان وأمة مستضعفة وهناك خليفة إلهي. ففي ذلك الزمان كان موسى (ع) الإمام الموعود، وفي زماننا هذا إمامنا المهدي (ع) وأما عن الفراعنة في زماننا فحدث ولا حرج..!
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- لا يخلو العالم من صراع بين الحق والباطل ولكن الباطل زاهق وما يبقى هو الحق وأصحابه. ولقد جسد موسى (ع) في زمانه الحق وجسد فرعون وملأه الباطل والظلم. ولكن الغلبة في نهاية المطاف كانت لصاحب الحق الذي سخر له سبحانه جميع الأسباب للوصول إلى ما وعده من دولة الحق والتمكين في الأرض.