- ThePlus Audio
وصايا للتائب والعودة من الذنوب
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنسان التائب معافى من الذنوب
في هذه الحياة الدنيا قد يبتلي الإنسان بمرض وربما يتعافى من ذلك المرض، وبعد ذلك وبحسب طبيعة الحال فإنَّه ينظم برنامج حياته اليومية ضمن توصيات وإرشادات صحية يوصي بها الطبيب المختص خوفاً من عودة ذلك المرض إليه مرة أخرى وليبقى الفرد محافظاً على ما وصل إليه من سلامتهِ في بدنه.
ونريد أن نتكلم عن الإنسان المذنب، إذ هو بمثابة ذلك المريض المبتلى ببدنه فيما لو أبتلي بجراثيم الذنوب- أعاذنا الله تعالى- لكنها تصيب الروح منه وقد يُصاب بجرثومة أو أكثر على حسب المعاصي؛ ولأجل أن يشفى منها لا بدَّ له أن يدخل مستشفى الطب الروحي؛ كي يأخذ ترياق التوبة وأخذ الحصانة الكافية من ذلك الجرثوم الذي أصاب قلبه من خلال سفرةٍ روحانية أو موسم عبادي أو ليلة من ليالي الإنابة إلى الله عز وجل، إذ من الممكن أن تكون بعض ليالي السنة ابرك عملياً حتى من ليلة القدر حتى يتوفق لما فيه نجاته في الدنيا والآخرة ويذوق طعم السعادة الحقيقية. وبما أنَّ طبيب الأبدان يوصي مريضه ببعض التوصيات كي لا يعود مرة أخرى للمرض ويحافظ على بدنه معافى، فهناك توصيات عامة لهذا الإنسان الذي اكتسب عافيته الروحية يقدمها الطبيب الروحي لمن دخلت في نفسه جرثومة من جراثيم المعاصي وتاب منها ومن تلك التوصيات:
مقاومة آثار التغيرات الفسيولوجية للذنوب
الحذر كل الحذر من الحنين الذي ربما يراود العبد التائب إلى الحرام الذي تركه، إذ من الممكن بين فترة وأخرى أن تراوده تلك الحالة، إذ هناك بعض المعاصي تعترض حياة الإنسان، ثم يستغفر منها، إلا أنه قد تبقى بعض التغيرات الفسيولوجية في بدنه، فالإنسان الذي توغل في عالم الشهوات، ربما تتغير حتى تركيبته البدنية، فيصبح إنسانا سريع الإثارة، وسريع التفاعل مع موارد الحرام، فارتكاب الحرام المتواصل لفترة طويلة من حياته وإلتذاذه به ربما من الممكن أن يؤدي إلى هذه النتيجة الوخيمة؛ لذا فإنه يحتاج إلى حالة تشبه الاستبراء في الحيوانات الجلالة -مع فارق التشبيه- فالطير عندما يأكل طعاما محرما فترة، فإنه يحتاج إلى فترة يأكل فيها طعاما طاهرا، ليعود إلى حالته الطبيعية، إذن على الإنسان بعد التوبة، أن يحذر كثيراً من الشياطين وفخوخها المنصوبة؛ لأنَّ الشيطان يتألم ويتأذى عندما يرى إنساناً تائبا، كما أن الله (عز وجل) يفرح عندما يرى إنسانا تائبا قال الإمام الباقر (عليه السلام): (ألا إنّ الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجلٍ ضلّت راحلته في أرض قفر وعليها طعامه وشرابه، فبينما هو كذلك لا يدري ما يصنع، ولا أين يتوجّه، حتى وضع رأسه لينام، فأتاه آت فقال له: هل لك في راحلتك؟ قال: نعم، قال: هو ذه فاقبضها، فقال الإمام الباقر (عليه السلام): والله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من ذلك الرجل حين وجد راحلته)[١]، والشيطان يتألم بنفس النسبة من ترك المنكر، ولذا فإن على الإنسان أن يحذر من العودة إلى الحرام، الذي قد يحن إليه، وهذه توصية عامة يقدمها لنا مستشفى الروح للتائبين من المؤمنين.
نادي الأبطال لا يمنع الصادقين في توبتهم من الالتحاق بهم
إن هذا الإنسان التائب المعافى من الذنوب حديثاً الذي هو تحت الرقابة الصحية الروحية وفي طور العافية، من الممكن أن تخدعه نفسه وشيطانه، ببث روح اليأس في نفسه كأن فيقول له: لافائدة من عملك وإتعاب نفسك في طاعة ربما لا توصلك إلى ما وصل إليه غيرك فما دمت قد ارتكبت المعاصي في برهة من حياتك؛ فإذن لا يمكنك أن تدخل نادي الأبطال، الذين بنوا حياتهم منذ البداية على الطاعة لله فهؤلاء فقط الذين لم يصبهم مرض قط؛ وأنت إنسان كنت في المستشفى الطب الروحي تعاني من الإمراض وإنتشار جراثيم الذنوب في قلبك وحديثاً خرجت منها، فاقنع بما أنت فيه من العافية، ولا تفكر في طموحات أكبر مما أنت فيه.
بلا شك أنَّ ذلك من تسويل الشيطاني وكلامه الناشئ من حسده وبغضه لبني آدم؛ حيث الشيطان لا يفرحه توبة العبد من ذنوبه ورجوعه إلى ربه وخالقه، فالإنسان التائب حتى لو كان يعيش حالة الخجل من الله، والتبرم من الماضي، والتقزز مما صدر منه، إلا أنه عندما يجلس بين يدي ربه، فينبغي عليه أن يتفاعل في دعائه ومناجاته، أكثر من الإنسان الذي لم يقترف المعصية؛ لأنّه في طور الشفاء والتعافي وهذه الأمور مما تديم عليه الحالة الصحية الجيدة التي وصل إليها وفيها الوقاية من جراثيم الذنوب، فإذن إن ذلك التاريخ الأسود هو من ناحية نقطة سلبية، ولكنه من ناحية أخرى نقطة إيجابية لمن عاد إلى رشده؛ لأجل ذلك فإنه من الممكن أن يصبح الإنسان بطلا، بعد أن يتعافى من مرضه، ونادي الأبطال لا يمنع الصادقين في توبتهم من الالتحاق بهم والتاريخ مليء بهذه العناصر المتميزة بعد توبتها.
عزيمة الصادقين لا تهزها آراء المثبطين
إن العاصي عندما يعود إلى طريق الطاعة، وخاصة إذا كان متجاهرا ببعض المعاصي، كامرأة سافرة تحجبت، أو شاب مراهق، يرتكب المعاصي علنا ثم تاب؛ فهذا من الممكن أن تنتابه حالة خوف من النظرة الاجتماعية إليه بسبب تفكيره بكلام الناس واهتمامه بنظرتهم إليه فمثلاً عندما يدخل المسجد أو يواجه المجتمع، ويرى نظرات الناس تجاهه، فإنه يعيش حالة من حالات الخجل الاجتماعي، وهذه حالة سلبية يجب أن يتخلص منها؛ لإنَّ المهم هو أن يفكر بأنَّه توفق للتوبة وأنَّ الله قد عفا ورضي عنه وكتبه في صحيفة التائبين، فعندما يكون حال الإنسان هكذا ويكون فكره منصباً و متعلقاً برضا المولى ولايعير وزناً لما يراه الناس عند ذلك لا تكون هنالك أي قيمة تُذكر لاحتقارهم أو سخطهم أو سخريتهم، إذا لم يكن ذلك كاشفاً عن تحقير المولى له، وفي بعض الروايات: (لو كان في يدك جوزةٌ وقال الناس: لؤلؤةٌ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزةٌ.. ولو كان في يدك لؤلؤةٌ وقال الناس: أنّها جوزةٌ، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤةٌ)[٢].. فعلى الإنسان أن لا يفتح حسابا للخلق في هذا المجال، ويكون شعاره (إلهي!.. إن لم يكن لك عليّ غضب، فلا أبالي)[٣].
الغذاء المعنوي ضرورة لاستقرار التوبة
كل إنسان يتعافى من مرضه يمرُّ في فترة نقاوة يحاول فيها واسترداد عافيته على أكمل وجه، وأهم شيء يقوم به في هذه الفترة هو اتباع نظام غذائي سليم مقوي؛ لكي يستعيد العافية بسرعة.
والإنسان التائب عليه في فترة التخلية من الذنوب والنقاوة منها أن يجعل له نظاماً معنوياً فعليه أن يكثر من بعض الأمور الاستحبابية فهناك بعض الأعمال المستحبة توجب له سرعة القرب من المولى ليجتاز الفترة الحرجة بين المعصية وبين الاستقرار، فهنالك فترة انتقالية لا بد أن يضاعف الجهد فيها لتستقر أموره في خط الطاعة وليَتحقق فيه هذا العنوان (صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالملأ الأعلى)[٤].
خلاصة المحاضرة
- الانسان المذنب بمثابة ذلك المريض المبتلى ببدنه فيما لو أبتلى بجراثيم الذنوب- اعاذنا الله تعالى- و قد يُصاب بجرثومة ٍ او اكثر على حسب المعاصي؛ ولأجل أن يشفى منها لابدَّ له ان يدخل مستشفى الطب الروحي؛ كي يأخذ ترياق التوبة وأخذ الحصانة الكافية من خلال سفرةٍ روحانية او موسم عبادي، وبما أنَّ طبيب الأبدان يوصي مريضه ببعض التوصيات كي لايعود مرة أخرى للمرض ويحافظ على بدنه معافى، فهناك توصيات عامة لهذا الانسان الذي اكتسب عافيته الروحية يقدمها الطبيب الروحي لمن دخلت في نفسه جرثومة من جراثيم المعاصي وتاب منها ومن تلك التوصيات:
- أولا: مقاومة آثار التغيرات الفسيولوجية للذنوب، فالحذر كل الحذر من الحنين الذي ربما يرواد العبد التائب إلى الحرام الذي تركه.
- ثانيا: مقاومة بث روح اليأس من قبل النفس والشيطان.
- ثالثا: طرد حالة الخوف من النظرة الإجتماعية إليه بسببب تفكيره بكلام الناس وإهتمامه بنظرتهم إليه؛ لإنَّ المهم هو أن يفكر بأنَّه توفق للتوبة وأنَّ الله قد عفا ورضي عنه وكتبه في صحيفة التائبين.
- رابعاً: المداومة على الغذاء المعنوي لإستقرار التوبة.