- ThePlus Audio
الاخوة الايمانية والتآلف بين المؤمنين
بسم الله الرحمن الرحيم
نتناول في هذه المحاضرة مسألة اجتماعية مهمة ألا وهي مسألة الأخوة الإيمانية والتآلف بين المؤمنين، وما هي أهمية هذا الأمر في نظر الشارع المقدس؟ وقبل الدخول في بعض تفاصيل هذا الموضوع.
أقول: من المعلوم أنّ الناس بطبعهم اجتماعيون، ويعيشون حالة اجتماعية بينهم، فكل واحد منا معروف بجماعة من أصدقائه، يقال فلان بطانته أصدقائه فلان وفلان وفلان … وبعض الأوقات يتسع ويضيق بحسب المهارة الاجتماعية والقابليات الفردية، وهنا أحاول أنْ أطرح بعض الأسئلة منها:
ما هو الذي يجمع بيني وبين الآخرين؟
لماذا اتخذت فلاناً صديقاً وفلاناً خليلاً وفلاناً عدواً وفلاناً لا علاقة لي به، لمّا يذكر اسمه تقول: دعني عنه أنا لست ملزماً ولا مكلفاً به؟ هذه الأسئلة لعله تأتي إلى الذهن عند دراسة هذه المسألة الاجتماعية التي نحاول دراستها.
في مقام الإجابة عن الأسئلة المتقدمة أقول: الذي يجمع هذه الصداقات عدة أمور: منها فانية ومنها باقية، منها إلهية ومنها دنيوية.
الأمور الدنيوية والإلهية جامع بين الأصدقاء
فأما الجهات الفانية، فإنَّ أبرزها المصالح المالية، فعادةً الشركاء في شركة واحدة أحدهم يتشبث بالآخر، يسافر معه يُؤلمه أو يهديه ولكن ما دامت الشركة باقية، زملاء العمل كذلك يتفق بعض الأوقات الإنسان يكون له زميل في المستشفى أو في العمل أو في المكتب لمدة عشرين أو ثلاثين سنة مثلاً من المعاشرة، ولكن بمجرد التقاعد قد يراه في الشارع فلا يسلم عليه؛ لأنه لا علاقة له بعد ذلك به، هذه هي العلاقات الأرضية الفانية، وحقيقةً بعض الأوقات الناس يبالغ في عدم الوفاء وخاصة ذوي الحقوق، كأن يكون صديقاً له حق عليك أولمك إلى منزله مراراً وتكراراً، قضى لك حاجة وإذا به يتمرض فلا تعوده، وإذا به يموت فلا تشيعه، هذه حالة من الحالات التي تجانب الوفاء والإنسانية.
وهم حاكمية بعض العادات والتقاليد
قد توجد هناك بعض المشتركات الوهمية بين أفراد المجتمع وخاصة في بعض البلاد العشائرية، وقد اطلعت على بعضها من خلال الرسائل التي تصلني من المؤمنين، وأحد تلك الرسائل كتبت فيها إحدى المؤمنات إذ تقول: تقدم لي شاب مؤمن ولكن من غير قبيلتي وهذا هو عيبه الوحيد أنه منتسب إلى عشيرة أخرى! لكن من قال هذه العشائريات لها قيمة عند الشارع المقدس؟ فكونك تجتمع مع أحدهم بالجد العاشر كقحطان ابن يعرب، هل هذا جامع مشترك يستحق أن نعقد عليه علاقتنا؟! بل أكثر من ذلك حتى الحركات القومية التي تشكلت في البلاد العربية والإسلامية لا تمثل إلا وهماً وليس لها أي أساس شرعي! وحقيقةً الإنسان ينتابه الذهول عندما يسمع مثلًا بأنَّ جماعة تتكلم باللغة العربية فيقال هؤلاء إخوان لك ولو كانوا على ديانة أخرى! لماذا؟ لأنك تتكلم بلغتهم، لا أعلم لماذا جُعلت الجامعية في اللغة من موارد الأنس والتقارب؟ اللغة عبارة عن حركات في اللسان لأفهام المقصود! حركات اللسان أصبحت جامعاً مشتركاً بين الأفراد!
الصداقات، تآلف بالأرواح وليس بالأبدان
إذن بعض الجوامع التي لا قيمة لها عقلاً ولا قيمة لها شرعاً لا تصلح لأن تكون الأساس الذي تُبنى عليها الصداقات والروابط الاجتماعية التي تجمع بين الأفراد؛ لأنّ الصداقات تآلف في الأرواح لا في الأبدان، كثيراً ما نصادق أخاً مؤمناً في أماكن بعيدة عنّا ويكون اللقاء البدني منتفياً في الغالب ولكن التلاقح الروحي حاضر وبقوة، كما هو وارد عن النبي (صلى الله عليه وآله): (الأرواحُ جُنودٌ مُجَنَّدَةٌ، فماتَعارَفَ مِنها ائتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنها اختَلَفَ)[١]، فإذن الجامع هو الجامع الروحي، والذي يجمع الأرواح هو عبارة عن الجهات المعنوية والفكرية والعقائدية والجهات التي تقوّم الإنسان بروحه، فالإنسان روح وبدن، بدنه هذا اللحم والشحم المتآكل، وروحه ما يحمله من رؤى وتطلعات وأفكار ومتبنيات في هذه الحياة الدنيا، والعلامة على تقدم المبادئ على الأبدان أنّ الإنسان يجعل بدنه متراساً لعقيدته، فهل رأيتم أحداً يضحي بعقيدته من أجل بدنه؟! ولكن العكس هو الواقع يضحي ببدنه من أجل عقيدته، إذن الجامع بين الأرواح المتآلفة وحدة الهدف والعقيدة، وبعبارة أخرى الجامع هو الله رب العالمين، بكلمة واحدة رب العالمين خلق الإنسان، خلق الأرواح المتباينة، وينبغي أنّ الذي يجمعني بهذه الروح أو تلك هو مدى ما في هذه الروح من نصيب من الله (عز وجل)، المؤمن ينظر إلى الأرواح التي حوله، وبمقدار ما يرى حباً وتقوى وطاعة وورعاً يعطيه درجة من درجات التكامل، ثم يرتب أوراق أصدقائه على حسب هذا الجدول، جدول القرب والطاعة والأنس بالله (سبحانه وتعالى)، وكلما اشتدّ إيمان الفرد زاد مدى حبنا له، النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) يتخذ من بلال مؤذناً ويتخذ من سلمان حوارياً، والحال بأنكم تعلمون أن المستوى الطبقي والعرقي لا ينسجم مع تركيبة المدينة المنورة.
فقه التعامل مع الآخر
ماذا نعمل في التعامل مع المؤمنين؟ الإنسان المؤمن يختار لنفسه بطانةً صالحة من المؤمنين يعيش معها ويكونون إخواناً له، فمثلاً الاجتماع مع الآخرين في المساجد يكون لأجل طاعة الله (عز وجل)، فالمنادي ينادي من يوم الجمعة (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)[٢]، فينبغي أن يسعى جميع المؤمنين إلى المسجد، ولا بدَّ من الحفاظ على هذا التجمع من أن يتخلله الشيطان، هنالك قواعد للتعامل مع الإخوان وإذا لم تُراع فإنه (لعنه الله) أسهل ما ينفذ في صفوف المؤمنين ويمزق شملهم، أمير المؤمنين (عليه السلام)، كان يتألم ويكاد يبكي على ما أصاب جماعته من الفرقة والذي جعل امير المؤمنين (عليه السلام) لا يحقق حكومته الرشيدة، الاختلاف الذي وقع في صفوف أتباعه، ومن بعد ذلك بشكل أجلى ما وقع في صفوف أتباع ولده الحسن (صلوات الله وسلامه عليه)، والنبي (صلى الله عليه وآله) كان مبتلى أيضاّ بهذه المسألة، بالفرقة بين أصحابه، تلك الفرقة التي تجلت بأعلى صورها بعد أيام وفاة النبي (صلى االه عليه وآله) في سقيفة بني ساعدة، إذن الشيطان له حيله وله محاولاته في تشقيق وحدة الصف الإيماني.
فعلينا إذن نستوعب فقه التعامل مع الغير كي نفوت فرص الشيطان وأعوانه لتمزيق صف المؤمنين؛ ولأجل ذلك يجب اتباع بعض النقاط منها:
احترام قناعات الآخرين
لكل إنسان تركيبته الذهنية والنفسية والمزاجية، في هذه الأيام لو وجدنا وجهاً متشابهاً مع وجه، أحدنا يُذهل يقول: فلان سبحان الذي خلق من الشبه أربعين، مع أنّ مساحة الوجه شبر في شبر، المنطقة محدودة، ومع ذلك رب العالمين خلق مليارات البشر بتحريكة في الأنف والعين والفم والأذن وما شابه ذلك تجعل هذه التحريكة الوجوه المتباينة، والتباين في عالم الأرواح أشد وأشد؛ لانَّ الأرواح لا صورة لها، وجودات مجردة، إذن التنوع في أارواح البشر أمر طبيعي، لكل إنسان ثقافته، ميله، مزاجه، تفكيره، مستواه…، بحيث لا يمكن أن نجعل قالباً واحداً ونطلب من الجميع أن يصب نفسه في هذا القالب، فمن الذي قولب هذا القالب؟ ومن الذي خوله أن يصنع قالباً ثابتاً بأُطر محددة، وتطلب من كل واحد أن يوفق نفسه مع هذا القالب؟ هذا القالب منحصر بجهة واحدة (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ)[٣]، انتهى الأمر هذا خاص بالله ورسوله، أما الإنسان الضعيف الذي يضرب الأخماس بالأسداس ويعيش في عالم الوهم والظن والشك والاحتمال، لا يحق له بأن يرسم حدوداً ثابته في أي مجال كان، ثم يطلب من الآخرين أن يقيسوا أنفسهم على هذه المسطرة التي صنعها، إن كان الإنسان سائرا عليها فهو مستقيم وإلا فإنَّه في خانة الانحراف.
فإذن الإنسان المؤمن ما دام لا يستقي علمه وقناعته ويقينه من عالم الغيب لا حقّ له أن يكون حدياً في فكره وتعامله، لماذا الإمام الحجة (عليه السلام) في الكلمة المعروفة قال: (من ادّعى الرؤيا فكذبوه)؟ والحال بأن الذين رأوا الإمام الحجة (عليه السلام) في زمان الغيبة كثيرون أمثال ابن مهزيار، والأردبيلي وبحر العلوم وغيرهم، الرؤيا بمعنى السفارة، بمعنى الوكالة الخاصة، بمعنى أنه يخبر ما في قلب الإمام المعصوم (عليه السلام)، السفراء انتهوا وانتهى الأمر وبدأ زمان الغيبة، فالذي يدّعي أنه يتكلم عن الواقع وعن اليقين وعن ما في قلب الامام الحجة (عليه السلام) فهذا كذّابٌ مفتر، لا يحق لأحد في زمان الغيبة أن يتكلم بلهجة القطع واليقين، نعم قطعه حجة عليه، فإذا كان أحد على يقين، فليسلك في أي طريق شاء والله (عز وجل) سيثيبه إن كان مخطئأً أو مصيباً.
وقد ذكرنا في محاضرة حول نبي الله موسى (عليه السلام) عندما خرج من مملكة فرعون من مصر بعد أن قتل ذلك القبطي بوكزة إذ دفعه بكفه فقضى عليه فترتب على ذلك أن تعقبه فرعون وأراد أن يُلقى القبض عليه حيث تآمر عليه أهل البلاط الفرعوني، فخرج خائفاً يترقب[٤]، مطلوبٌ بدم قد قتل إنساناً قتلا خطئاً، نتيجة ذلك موسى (عليه السلام) هام على وجهه، فخرج من المدينة خائفاً يترقب لا وجهة له، ذهب إلى أرض مدين[٥]، بحسب الترتيب الإلهي، وكان يطلب من ربه أنه اهدني يا رب سواء السبيل، بهذه المضامين (أنه يا رب بيّن لي الجهة التي ينبغي أن أتوجه إليها) يطلب من الله أن يهديه سواء السبيل، وهذا موسى كليم الله ولكن يعيش الحيرة والتردد في تكليفه يطلب من الله المدد! فكيف أنا وأنت؟! نحاول أن نمشي في طريق ونقسم بالأيمان المغلظة أنه هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، هذه صورة من صور الجهالة.
من قواعد التعامل عدم المصادرة على المطلوب
بعض الناس يعيش حالة العناوين كعناوين الصحف، إذ يوجد في باله قانون معين أو فكرة معينة ويريد أن يوقع له الناس تحت هذا العنوان بلا مناقشة، وفي مقام التنبيه لمثل هذا الإنسان نقول: هذا العنوان له مقدماته، فإن أردت إقناع الآخرين بفكرتك اذكر المقدمات العلمية، أما تصادر على المطلوب وتلقن الناس النتيجة فبأي دليل يجوز ذلك؟ فأنت لست نبياً ولا مرسلاً من السماء، نعم عندك فكرة اجتماعية أو فكرة سياسية أو ثقافية… فعليك تقديم الفكرة في اطار منطقي، وتقول: هذه فكرتي وهذه أدلتي، أما أن تفصل بين الفكرة وبين المقدمات أيضاً هذا ليس بكلام علمي.
فأي أحد إن أراد أن يستدل على فكرة ما عليه أن يأتي بمقدمات مشتركة بينه وبين الطرف الآخر، فصاحب الفكرة عنده سلسلة من المقدمات والمعلومات ويبني عليها فكرته، ولعل الطرف الثاني لا يعتقد بهذه المقدمات، ومع الأسف هذه الأيام مصادر العلم عندنا ليس هو جبرائيل (عليه السلام) وليس هو الإمام أو الوصي (عليه السلام)، وإنما القناة الفلانية والموقع الفلاني، فلعله أخذ من هذه فكرة ومن هذه خبر ومن هذه فكرة وأخرج بنتيجة كبيرة، هذه المقدمات لا تورث اليقين حيث يقول القرآن (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[٦]، هذه الآية كانت تنطبق في أيام نزولها على أمثال أبي ابن سلول ومنافقي المدينة لكنها يمكن أن تنطبق على كل من لا ينطق عن الحق، سواء كانت قناة فضائيةً أو موقعاً في الإنترنت أو ما شابه ذلك، فالآية تقول (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[٧]، وهذا المراسل الذي هو فاسق بحسب الظاهر والباطن، لا حجة لكلامه فكيف تُبني عليه المعلومات ومن خلال أمور ظنية، وعندما تسأله ما الدليل؟ يجيب بأنَّه فلان قال، لكن ما هي القيمة الشرعية لمثل هذا الكلام حتى يُرتب عليه الأثر؟! فلعلّ المستمع لا يعتقد بإسلامه أو بإيمانه لكن مع ذلك تبني عليه البناء الذي قد يوجب في بعض الحالات إطالة الوقوف في عالم البرزخ والقيامة، ألا تكفينا ذنوبنا الخاصة ومخالفاتنا بعد زمان التكليف ألا تكفينا أيام جاهليتنا ثم نأتي ونضيف إلى ذلك تبعات العباد، لماذا نفعل ذلك؟! فالإنسان المؤمن كيس[٨]، حذر كما يقول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[٩]، الذي يعتقد بهذه الآية هل يتكلم جزافاً؟ وهل يتكلم كلام الصحف والجرائد؟! أم أن انساناً عندما يتكلم يملي على ربّه كتاباً كما في بعض الروايات، عندما يتكلم ينظر إلى الله (عز وجل) وهو يسمع قوله، وسيأتي ذلك اليوم يُؤتى له بالشريط ويذكر له ما يقول، ويقال له: أقم الدليل، أقم الدليل، أقم الدليل … ماذا يعمل حينها؟!
الإنسان المؤمن إنسان متوازن، إنسان ثقيل وقور يتكلم بمقتضى الحكمة والواقع الذي هو أقرب ما يكون إلى الواقع، نعم أنا أتقي فراسة المؤمن، لكن المؤمن المثالي، المؤمن الذي يقيم ليله ويراقب نهاره، إذا قال كلمة من الكلمات، الإنسان يأخذ بتلك الكلمة، عندما أجلس إلى ولي من أولياء الله، أسأله: يا فلان ماذا تتوقع؟ لأنك تنظر بعين الله لا ينظر بعين القنوات والفضائيات، فهذه مسألة مهمة في هذا المجال.
النقطة الثالثة: من قواعد التعامل تجنب أذية المؤمن
الإنسان المؤمن على ضعف إيمانه في بعض الأحيان، إذ قد يكون إنساناّ له بعض الزلل في بعض السلوكيات لكنه يبقى منتسباً الى الشريعة، فهذا الإنسان مؤمن والامام الحجة (عليه السلام) هل يرعى الأوتاد والأبدال فقط أم يرعى كل من له لله نصيب؟ كل من يحمل في قلبه حباً لمحمد وآل محمد(صلوات الله عليهم)؟ فعندما تُهتك حرمة مؤمن، يُؤذى ولو بشطر كلمة، هذا الأمر سينعكس سلباً على قلب إمام زماننا (صلوات الله عليه).
يقول صاحب العروة الوثقى (وهو كتاب فقهي) السيد اليزدي (رحمه الله) في مسألة شرعية: هل يجوز لمن له علوية أن يتزوج علوية أخرى؟ هنالك رأي في الحرمة، حيث لا يجوز الجمع بين علويتين، لماذا؟ الحديث صحيح، ولكن هذا الحديث مع حسن الحظ لم يعمل به، هذا الحديث الصحيح يُروى عن الامام الصادق (عليه السلام) حيث يقول الراوي: (سمعته يقول: لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة (عليها السلام) إن ذلك يبلغها فيشق عليها قلت: يبلغها؟ قال: إي والله.)[١٠]، يعني (ضرائر) علويتان في منزل واحد لا يعجب الزهراء (صلوات الله عليها)، الراوي في زمان الإمام الصادق (عليه السلام) بعد سنوات من استشهاد مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)! فالزهراء في عالم البرزخ مشغولة عند بعلها وأبيها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) فما ربطها بذلك، حيث أنَّها تتأذى منه بل يستمر الأمر حتى إلى زماننا الحاضر فلو فعل أحد في القرن الواحد والعشرين وتزوج علويتين في زاوية من زوايا الهند مثلاً، أيضاً تتاذى من ذلك السيدة الزهراء (عليها السلام) فما ارتباط ذلك بالزهراء؟ الإمام الصادق (عليه السلام) يقول بل يقسم (أي والله يبلغها)؛ لأنّ هذه علوية، وهذا مؤمن منتسب إلى أهل البيت (عليهم السلام)، فإذا تأذت في المنزل لظلم الزوج مثلاً، الزهراء تتألم، فالقضية إنَّ أرواح المؤمنين منتسبة الى هذه الوجودات المباركة، فالحذر من التورط في جرح شعور مؤمن لأنّ هذا بنيان الله في الأرض، كعبة الله في الأرض الكعبة الماشية المتحركة هو هذا المؤمن.
من قواعد التعامل الحمل على الأحسن
نحن مع الأسف ليست لدينا القدرة على تحليل المواقف، ففي بعض الأحيان يكون للموقف محملاً إذ لعله يكون لهذا الأمر أو لغيره فهناك سبعون محملاً والمؤمن عليه أن يحاول أن يُوجد سبعون محملاً، فعليه حمل فعل أخيه على سبعين محملاً، لكن مع الأسف البعض يبحث عن المحامل ويختار أسوأ المحامل؛ ليقول بعد ذلك ما لا يرضي الله (عز وجل)، فالمؤمن عليه ان يحاول أن تعيش هذا الجو من إعطاء العذر لأخيه المؤمن إلاّ إذا ثبت لك ما يخالف ذلك، كذلك الوعظ المناسب فهب أن اخاك منحرف في فكره، هب أنه يمشي في اتجاه معاكس، فهنالك طرق للإقناع … من وعظ أخاه علانية فقد شانه ومن وعظه سراً فقد زانه[١١]، فإذا كنت تحب أن تلفت نظر أخيك إلى خطأ في حياته، فليس الأسلوب هو التهجم والتجريح، الأسلوب الراجح هو أن تدعوه إلى منزلك مثلاً، تعطيه وليمة طيبة، تدخل عليه من خمسين باب محبب، تذكره بالأخوة بينكم وبالحب والوئام تقدم له البرهان واحداً واحداً، فإنَّه سيتفاعل مع الكلام ويغير بإذن الله (تعالى)، إما أن نحاول أن نتصرف كتصرفات الدول، كلمة فيها إدانة، تعرفون هذه الأيام بعض الوزراء والدول بجملة واحدة يدين امراً عظيما، الامر ليس كذلك المؤمن مع أخيه المؤمن لا يتعامل معه تعامل الإدانات يتعامل معه تعامل الأخ الشفيق بأخيه المؤمن، هذه هي أساليب التعامل مع الغير.
كيف يصف المعصوم عليه السلام الجو الإيماني؟
في ختام الحديث نأخذ جولة سريعة في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، كيف يصفون الجو الإيماني؟ (إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن قلب الظمآن إلى الماء البارد)[١٢]، علينا أن نحسس أخانا في الله، أنّ هنالك حالة من حالات الألفة، واتفاقاً إذا رأيت في قلب أخيك مقدمات الحقد والبغضاء، حاول أنْ تلتف عليه وتعمل بما جاء به الأمر الشرعي، ما هو الأمر الشرعي؟ تقول له أنا أحبك في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، تقول الروايات: (إذا أحببت أخاك فأعلمه) هذا الأخ المؤمن فيه جهات تحب وفيه جهات لا تحب، ما المانع من التورية الراجحة أن تقول أنا أحبك ويعني بذلك تلك النقاط الإيجابية في روحه وفي سلوكه، هذه نقطة.
من موارد التوصيات في روايات أهل البيت عليهم السلام
البعض عندما يصادق أخاً يسقط بينه وبينه كل الحجب بدعوى أن هذا أخي، هذا زميلي في العمل، هذا زميلي في السكن، من الخطورة بمكان أن يسقط الإنسان الهيبة بينه وبين أخيه (لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وابق منها فإن ذهاب الحشمة ذهاب الحياء)[١٣] المزاح الزائد، الكلام الذي لا أول ولا آخر له، الكلام غير الموزون، (إذا أردت أن يصفو لك ود اخيك فلا تمازحنه ولا تمارينه ولا تباهينه)[١٤]، حقيقة أنا بعض الأوقات عندما أتكلم فكرة وأرى الطرف المقابل ليس في مقام القبول، هو له عالمه، أقول: أنا عمري أجل من أصرفه مع هكذا إنسان دعني عنه أنا لماذا أصرف من وقتي ولو خمس دقائق للكلام مع إنسان لا يعترف بك ولا بفكرتك، دعه في عالمه، إذن لماذا الجدال؟ حتى في المناقشات المذهبية أنا أقول: إخواني المؤمنين الموالين، لماذا تتكلم مع إنسان يخالفك في العقيدة وهو لم يستفسر ولم يسأل ولم يتحير في أمره، دعه على ما هو عليه، إذا سألك سؤالا أجبه، إذا تحير في عقيدته حاول أن تفهمه، أما أنت تأتي وتحمل راية أهل البيت (عليهم السلام)، وتفتح النقاش في الطريق والشارع والسوق، من قال إنّ هذا أسلوب شرعي؟ دع الناس على ما هم عليه، إذا سألك سائل، إذا استفهم منك مستفهم، هكذا كان سلوك أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم).
إذا أردت أن تكسب أحدا حاول أن تستولي على قلبه
من موارد التعامل إفهام جو المحبة لأخيك، النظر إلى الأخ في الواقع من باب المودة في الله يقول عبادة مضمون الرواية، أحدنا مع الأسف بتصرفاته، بنظراته، بغيبته، بالكلام الذي يُسمع خلف أخيه المؤمن، فقد أقمت حاجزاً بينك وبينه، لو جئت له بالوحي المنزل سوف لن يُقبل منك لأنك لم تجعله في أجواء الود والمحبة، هذه الأيام في بعض العلوم الحديثة يقولون: إذا أردت أن تكسب إنساناً في تجارة، في شركة، في تدريس، حاول أن تستولي على قلبه لا من خلال الحركات الخارجية المصطنعة، إذا ملكت قلبه فقد ملكت فكره وسلوكه وجوارحه وماله وكل شيء في وجوده، هذه ايضاً من القواعد التي نفهمها من سلوكية أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم)، إخواني من الروايات الجميلة في هذا المجال وصلنا أواخر الحديث، الإنسان الذي ينافق في حبه لإخوانه يتظاهر بالحب وهو يكره أخاه بلا وجه شرعي، هذا الإنسان سيكشف يوماً ما في فلتات لسانه، الحب إذا لم يكن حقيقياً للزوجة والصديق والوالدين وما شابه ذلك سرعان ما تنكشف في يوم من الأيام سُئل الصادق (عليه السلام) يقول الرجل يقول إني اودك فكيف اعلم أنه يودني؟ يدّعي الحب، الآن النساء خاصةً في هذا المجال حساسات إلى أبعد الحدود، إذا جاءهم ملك من ملائكة الله يعرف الغيب، لعل أول سؤال: هل زوجي يحبني حقيقة أم لا؟ ماذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام)؟ يقول: (امتحن قلبك فإن كنت توده فإنه يودك)[١٥]، إذا كنت في أعماق وجودك تكن له المحبة فأعلم بأن الأمر له انعكاس في قلبه، وهذه الحقيقة في مقام العمل حقيقة مجربة.
لا تجعل الشيطان يحول بينك وبين ود أخيك
وأخيراً هب أنك اختلفت مع أخيك، وقع الشجار، وقع النزال، الشيطان كما يقول يوسف، يوسف من انبياء الله العظام يقول: (بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)[١٦]، جعل الشيطان طرفاً للفساد بينه وبين اخوته، ويوسف (عليه السلام) وما أدراك ما يوسف، المهم الآن وقعت الواقعة، ماذا أعمل ملعون ملعون، اللعن هنا معناه الطرد من رحمة الله، رجل يبدأه أخوه بالصلح فلم يصالحه، ما دام رأيت بعض إمارات العدول عن موقفه، حاول أن تبادر لإصلاح الأمر، ومن أفضل طرق القرب إلى الله (عز وجل) مجاهدة النفس، في هذا المجال الإنسان يكظم غيظه، يضع رجله على نفسه وإنّيّته وذاتيته وينظر إلى المؤمنين على أنهم مشاريع إلهية على وجه الأرض، المؤمن له هدف عريض في هذه الحياة الدنيا، أن يفتح القلوب على الهدى الالهي، لا أنْ يخاصم هذا ويشاكس هذا ويقع في أزمة مع فلان، والمؤمن أحوج ما يكون إلى صفاء الفكر، المؤمن الذي له معركة مع زوجته، معركة مع صديقه، معركة مع زميله، هذا الإنسان يقول: الله اكبر، وهؤلاء جميعاً يجتمعون عليه كالزنابير على اللحم، رفقاً بنفسك، رفقاً بروحك، رفقاً بحركتك التكاملية مع الله (عز وجل)، لا تجعل بؤر توتر مع اخوانك المؤمنين أو مع اخواتك المؤمنات، حاول أن تنزع الفتيل حتى تسلك إلى الله (عز وجل)، وأنت مطمئن البال رابط الجأش، في سكينة وهدوء تام وهنيئاً لمن عاش وقلبه معلق بذلك العالم، لا يعلم بغضاً ولا حقداً ولا تلك المشاعر التي تحول بينه وبين لقاء مولاه.
إلهي بفاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عجل لوليك الفرج والعافية والنصر واجعلنا من أنصاره وأعوانه وإلى أرواح المؤمنين والمؤمنات الفاتحة مع الصلوات.
[٢] سورة الجمعة ٩.
[٣] سورة الأحزاب ٣٦.
[٤] سورة القصص ٢١ (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
[٥] سورة القصص ٢٢ (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ).
[٦] سورة الحجرات ٦.
[٧] سورة الحجرات ٦.
[٨] غرر الحکم و درر الکلم ج١ ص٤٤ (اَلْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ عَاقِلٌ).
[٩] سورة ق ١٨.
[١٠] تهذيب الأحكام ج٧ ص٤٦٢.
[١١] تحف العقول ج١ ص٤٨٩.
[١٢] مستدرک الوسائل ج٩ ص١٥٦.
[١٣] بحار الأنوار ج٧١ ص٢٨٦.
[١٤] تحف العقول ج١ ص٣٠٧.
[١٥] الکافي ج٢ ص٦٥٢.
[١٦] سورة يوسف ١٠٠.
هاشتاغ
خلاصة المحاضرة
- من المعلوم ان الناس بطبعهم إجتماعيون ويعيشون حالة اجتماعية بينهم، فكل واحد منا معروف بجماعة من أصدقائه يقال فلان بطانته أصدقائه فلان وفلان وفلان … وبعض الأوقات يتسع ويضيق بحسب المهارة الاجتماعية والقابليات الفردية. وهنا أحاول أن أطرح بعض الأسئلة منها:
- ما هو الذي يجمع بيني وبين الاخرين؟
- لماذا اتخذت فلاناً صديقاً وفلاناً خليلا وفلاناً عدوا وفلاناً لا علاقه لي به، لمّا يذكر اسمه تقول: دعني عنه انا لست ملزماً ولا مكلفاً به؟ هذه الأسئلة لعله تأتي إلى الذهن عند دراسة هذه المسألة الاجتماعية التي نحاول دراستها.
- في مقام الإجابة عن الأسئلة المتقدمة أقول: الذي يجمع هذه الصداقات عدة أمور: منها فانية ومنها باقية، منها الهية ومنها دنيوية.
- فأما الجهات الفانية، فإنَّ أبرزها المصالح المالية، فعادةً يتفق بعض الاوقات الانسان يكون له زميل في العمل لمدة عشرون أو ثلاثون سنة مثلاً من المعاشرة، ولكن بمجرد التقاعد قد يراه في الشارع فلا يسلم عليه؛ لأنه لا علاقة له بعد ذلك به، هذه هي العلاقات الارضية الفانية.
- وهم حاكمية بعض العادات والتقاليد.
- قد توجد هناك بعض المشتركات الوهمية بين أفراد المجتمع وخاصة في بعض البلاد العشائرية، من قال هذه العشائريات لها قيمة عند الشارع المقدس؟ بل أكثر من ذلك حتى الحركات القومية التي تشكلت في البلاد العربية والإسلامية لا تمثل إلا وهما وليس لها أي أساس شرعي!
- اذن بعض الجوامع التي لا قيمة لها عقلاً ولا قيمة لها شرعاً لا تصلح لأن تكون الأساس الذي تُبنى عليها الصداقات والروابط الاجتماعية التي تجمع بين الافراد؛ لان الصداقات تآلف في الارواح لا في الابدان، كثيراً ما نصادق اخاً مؤمناً في اماكن بعيدة عنا ويكون اللقاء البدني منتفياً في الغالب ولكن التلاقح الروحي حاضر وبقوة كما هو وارد عن النبي صلى الله عليه وآله (الارواح جنود مجندة فما تآلف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).