Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

ما هي موجبات تشغيل النور؟.. وما هي موانع النور؟.. إن الحجاب هو سحابة ظلمة، تحول بيننا وبين هذا النور.. يا لها من سعادة لهذه المرآة التي تعطينا نور الشمس بواسطة فإذا

– إن كلمة مؤمن؛ تعني المؤمن والمؤمنة، لأن الذكورة والأنوثة من مختصات عالم الأبدان.. فالأبدان تنقسم إلى جنسين: ذكر، وأنثى.. ولكن في عالم الأرواح، لم نسمع أحدا من العلماء: سلفاً، ولا حديثاً.. لا من الفلاسفة، ولا من العرفاء، ولا من الفقهاء.. من جعل الأرواح على قسمين: روح مذكرة، وروح مؤنثة.. فلا فرق بين الأرواح في هذا المجال.. ومن هنا عندما يتكلم القرآن الكريم عن عالم التكليف، يصرح بهذه الحقيقة {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}.. فنحن في عالم التكامل العلمي والعملي، لا نجد فرقاً بين الرجال والنساء في هذا المجال.. والمرأة من بعض الجهات مهيأة أكثر من غيرها، لأن تكون مظهراً من مظاهر أسماء الله الحسنى.. الإنسان المثالي والكامل بتعريف بعض الأخلاقيين: هو الذي تجلت فيه أسماء الله الحسنى: حلماً وصبراً، تكرماً وفضلاً.

– إن النور من هذه الأسماء الإلهية: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ}، إن هذه الآية من أعقد آيات القرآن!.. نور الله ذلك النور الذي به وجد هذا الوجود، ولولا هذا النور لما كان نور الوجود أصلاً، فضلاً عن نور النبوات والرسالات.. فما هي المشكاة؟.. وما هي الزجاجة؟.. وما هي الشجرة الزيتونة؟.. إنها تعابير مبهمة، وتفسير هذه الآية لا يتم إلا من خلال ما ورد عن أهل البيت –عليهم السلام– لأن الآية في غاية الرمزية!..

– إن هذا النور لا يُدرك كنهه، ولا يعلم حده.. لأنه نور أزلي، وأبدي، ولا حدود له.. ولكن المهم هو أن نغترف من هذا النور!.. منْ منا يمكن أن يعلم أو يتفهم واقع الشمس، وما يجري فيها من التفاعلات والإنفجارات الكبرى؟!.. فالمهم بالنسبة لنا هو أن نستفيد من هذا النور في مجال الزراعة، وغير ذلك {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}.. فنحن وظيفتنا أن نُزيل موانع إشعاع هذا النور، لأن هذا النور مشرق في هذا الوجود، ولا يحتاج إلى أن نُنزله في قلوبنا، فهو موجود.. ولكن الأمر يحتاج إلى إزالة الحجب!.. وأنفسنا وذاتيتنا، هي التي حالت بيننا وبين هذا النور.. فكل واحد منا خلقه الله –عز وجل– على نور الفطرة، هذا النور الأولي.. وكل مخلوق من الطبيعي أن يبحث عن خالقه، وعن مصدر اللغز بالنسبة إليه.. ولكن -مع الأسف- نحن بذنوبنا وبآثامنا، أوجبنا ما يحول بيننا وبين هذا النور.

– إن من اللطيف أن نفهم أن بعض الأوقات الحجاب الذي يحول بيننا وبين مصدر النور، هذا الحجاب بنفسه نور أيضاً.. ولكن كيف يكون الحجاب نورياً؟!.. نحن نقرأ في المناجاة الشعبانية: (إلهي!.. هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك).. هنا اختلف العلماء: ما المراد بحجب النور؟.. البعض يقول: أن هذا في حكم المفعول به “بالحجب المانعة من النور”: كظلمة الجهل، والهوى، وغير ذلك من الحجب.. ولكن البعض من العلماء يقول: (حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور)؛ أي أن الإنسان يصل في الحركة التكاملية إلى درجة يجتاز الظلمات، فيصل إلى مرحلة النور، وقبل كل ذلك نور العلم.. العلم كما عبر عنه البعض هو الحجاب الأكبر.

– إن الإنسان قد يصل إلى مرحلة من المراحل، فيشتغل بعلمه عن المعبود، ويشتغل بالعلم عن مصدر النور!.. وذلك بمثابة إنسان يذهب إلى قصر السلطان، ليكون في الأخير نديماً لذلك السلطان ومرافقاً له، وأنيساً له وبه.. ولكن بدلاً من أن يذهب إلى قاعة اللقاء وقاعة الأنس والقرب، يذهب إلى مكتبة قريبة من ذلك القصر الملكي، ليبحث عن: تاريخ السلطان، وكلماته، وأقواله، ونسله، وكيفية تركيبة قصره.. فيقضي عمره في تلك المكتبة، ولم يذهب يوماً واحداً للقاء ذلك السلطان.. نحن من الممكن أن نكون كذلك.. طبعاً هنالك فرق بين هذا الباحث، وبين عامة الرعية الذين يلعبون في الشوارع مثلاً.. هذا إنسان متقدم ومتطور وقريب إلى السلطان، ولكن انشغل بمكتبة السلطان ولم يلازمه، ولم يأنس به.. والتعرف على الملك في مكتبته مقدمة للذهاب إليه، نذهب للمكتبة لنعلم من هم ندماء السلطان، وكيف نصل إليه، وما هو الباب الموصل؟!.. فإذا كان الذهاب إلى المكتبة بهذا العنوان، فنعم الذهاب، إنه ذهاب مبارك!.. وإلا فإن المكتبة تتحول إلى حجاب نوري، هو نور ولكنه حاجب!..

 – إن التي ترفع شعار محاربة الشياطين، وتتسلح بسلاح العلم، لتفتح القلوب المُغلقة، ولتبطل كيد الشيطان.. هذه المؤمنة هي في مرمى الشياطين، فالشيطان سينصب لها ألف فخ، ويقول بلسان حاله أو مقاله لجنوده: اجتمعوا معي، وانظروا إلى الأخوات اجتمعن في مكانٍ ،ليكنّ في المستقبل جنوداً، تُبطل كيد جماعتنا.. فلننصب لكل واحدة منهن فخاً.. ومن هنا نلاحظ -في بعض الأوقات- أن الشيطان غير مستعجل، فهو بدلاً من أن يقطع شجرة طرية، ينتظر ليشتد عودها وتؤتي ثمارها، عندئذٍ يستذوق قطع هذه الشجرة.. ولهذا نرى بعض الانحرافات الكبرى في هذا الطريق.

– إن على كل طالب علم، بل على كل مسلم أن يستعيذ بالله- عز وجل-، فيبدأ نهاره بالمعوذات الصباحية: (أعيذ نفسي، وديني، وأهلي، ومالي، وولدي، وإخواني في ديني، وما رزقني ربي، وخواتيم عملي، ومن يعنيني أمره.. بالله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.. وبرب الفلق، من شر ما خلق، ومن شر غاسق إذا وقب، ومن شر النفاثات في العقد، ومن شر حاسد إذا حسد.. وبرب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس).. لابد من هذه الاستعاذة، لأن عالم الشبهات، وعالم الشهوات، وعالم الأوهام.. هذه العوالم لا تُدفع إلا من خلال الاستعاذة بالله -عز وجل-.

– إن هنالك ما يُوجب انطماس هذا النور.. فهذا النور بمثابة نور المصباح في الأزمنة القديمة، والعلماء عندما كانوا يكتبون كتبهم على ضوء المصباح، كانوا في كل دقيقة أو دقيقتين أو أكثر، يتفقدون زيت المصباح؛ لئلا ينتهي.. فمادام الزيت موجوداً، المصباح مضيء.. وليس هنالك مصباح أزلي، أي أن يُشعل إنسان المصباح، ويبقى إلى أبد الدهر.. ونحن كذلك، لابد أن نتفقد موجبات هذا النور، وخاصة في شهر رمضان، وخاصة في ليلة القدر.. لأنه إذا انتهى هذا الزيت، انتهى الأمر.

– كيف نشدد من هذا النور؟.. {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}، المرآة العاكسة للشمس، فيها خواص الشمس بمقدار مرآتيتها.. كلما صفت المرآة، كلما انعكس هذا النور.. فكل مؤمنة هي مشروع لأن تكون هذه المرآة الإلهية، والمرآة تعكس ذات النور.. في قانون الفيزياء: النور بنفسه ينكسر لأن ذلك نور صادر من المرآة.. نور الشمس يأتي إلى المرآة العاكسة، فيغير من اتجاهه.. فالنور هو النور!.. يا لها من سعادة لهذه المرآة، التي تعطينا نور الشمس بواسطة!..

– إن المؤمن والمؤمنة، المبلغ والمبلغة، طالب العلم وطالبة العلم.. إذا وصل إلى هذه الدرجة من الصفاء، فإن النور المنبعث منها هو نور الله- جل جلاله- لا نور ذاته، اقتبسها من الله، هو نور الله ينعكس.. ولهذا قال رسول الله (ص): (اتقوا طرافة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله)!.. ومصدر النور في هذا العصر بعد الله -سبحانه وتعالى- هو صاحب هذه الحوزات العلمية.. إن شغلنا مباشرةً مع صاحب الأمر والزمان، هو ولي الله في الأرض (بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء).. فهو مصدر الفيض في هذا العصر، ولكن الطالب والطالبة إذا لم يكن لهما ارتباط متميز مع صاحب هذه الحوزات، فلن يوفق.. رحم الله أحد العلماء الماضيين، عندما قال: (عيبٌ على طالب العلم ألا يكون له أمران: قيام الليل، والحديث مع إمام زمانه في اليوم خمس دقائق).. ولو ضمن قنوت الصلاة من خلال دعاء الفرج.

– إن المرجع المعروف أبو القاسم الخوئي –رحمه الله– قال: أنه كلما هممتُ أن أنوب عن صاحب الأمر في عمل عبادي: صلاة أو زيارة، لم أتمكن.. تأخذني الهيبة، أنا أقوم بعملٍ نيابة عنه –صلوات الله وسلامه عليه– من أنا، ومن هو؟!.. وهل أستحق أن أكون نائباً عنه؟!.. فهذه هي المعرفة المورثة للخشية، إذا كان مرجع التقليد هكذا يخاف أن يصلي ركعتين نيابة عن صاحب الأمر، فعلينا أن نعيش هذا الإحساس، وهذا التهيؤ، وعلى كل طريق.. راجعوا المناجيات الخمس عشرة، البركات كلها منسوبة إلى الله –عز وجل– (إِلَهِي!.. فَاجْعَلْنَا مِمَّنِ اصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَ وَلَايَتِكَ… وَهَيَّمْتَهُ لِإِرَادَتِكَ)!.. كله منسوب إلى الله –سبحانه وتعالى–.

– إن على المؤمن أن يسأل ربه التوفيق لخدمة الدين!.. فطالبة العلم، إذا امتلأت علماً، وتقوى وزهادةً وعرفاناً.. ولم توظف علمها لخدمة الدين، فما الفائدة إذا انحبس هذا النور في الجوف؟!.. علينا أن نوظف هذا العلم، فالمجتمع مجتمع يظله الانحرافات.. فطالبة العلم هي المرشحة لأن تكن واسطة الهدى بين الحوزات وبين المجتمع النسائي.. ولا تنتظر الواحدة لأن تأتيها دعوة رسمية، هي عليها أن تقتحم الميادين.. فهل الأم تحتاج إلى دعوة لتنقذ ولدها لو سرق منها؟.. بل إنها تطرق الأبواب وتزج نفسها في المهالك، لإنقاذ ولدها، فهي لا تحتاج إلى دعوة.. فبنات المجتمع السافرات وغير السافرات، المحجبات وغير المحجبات، هؤلاء بناتكن وأخواتكن.. وبالتالي، فإن الأمر لا يحتاج إلى دعوة رسمية من جهة معينة.. بل على الأخت بنفسها، وعليكن بأسركن!.. ومن موجبات سلب التوفيق، أن تكون أخت امرأة أو أم أو ما شابه ذلك في أسرة الإنسان وهي محرومة من علم إحداكن!.. فيوم القيامة المرأة تؤاخذ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}.. ومن نجح في السيطرة على أسرته، وعلى عشيرته، وعلى قبيلته.. فهذه هي مقدمة للسيطرة على كل المجتمع.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.