Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– إذا ذكر أحد من أهل البيت –عليهم السلام– يقترن مع ذلك الذكر: العبادة المتواصلة، والأوراد الكثيرة، والكرم، والإحسان، والسيرة المثالية، والأخلاق الفاضلة، والسجايا الكريمة، وما إلى ذلك.. فهم –عليهم السلام– مجمع الفضائل، ومنتهى المكارم، فقد ورثهم الرسول –صلى الله عليه وآله وسلم– أخلاقه، وسجاياه، وأتحفهم بعاداته وتقواه.

– إن الإمام الحسن –عليه السلام– في كلمة واحدة: يمثل امتداد النبوة.. فكل معصوم وكل إمام، يحمل تراث النبوة، في كل ما في التراث من معنى.. والإمام الحسن، والإمام الحسين (ع) كما قال عنهما الرسول الأكرم (ص): (إمامان قاما أو  قعدا)، و(سيدا شباب أهل الجنة).

– إن الإمام الباقر (ع) يقول: (أذنب رجل ذنبا في حياة رسول الله (ص)، فتغيّب حتى وجد الحسن والحسين -عليهما السلام- في طريق خال، فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه، وأتى بهما النبي (ص)، فقال: يا رسول الله!.. إني مستجير بالله وبهما، فضحك رسول الله (ص) حتى ردّ يده إلى فمه، ثم قال للرجل: اذهب فأنت طليق!.. وقال للحسن والحسين: قد شفّعتكما فيه، أيّ فتيَان؟.. فأنزل الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}). أو ليس الله -عز وجل- أولى بهذا الخجل؟!.. إذا كان الذي يذنب ذنباً يتغيب عن المصطفى (ص)، وهو الرحمة للعالمين.. فكيف بمن يُذنب ذنباً في محضر الله -عز وجل-؟!.. فهذا الرجل أمكنه أن يختفي في بيتٍ من بيوت المدينة!.. ولكن من يذنب في حق الله -عز وجل- ويستحي منه، أين يولي وجهه؟.. وأين يستتر؟.. أي مكان يخلو من رقابته ونظرته!.. ومن هنا أبو لبابة ربط نفسه بسارية المسجد، ولم يرض إلا أن يفك قيده رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم.

– إن المؤمن إذا أذنب ذنباً، واستحى بعد ذلك، هذا في مظان الرحمة الإلهية.. بل إن الله -عز وجل- يقول في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، فالمتطهر هو كثير العودة إلى الله -عز وجل-، والتواب كثير التوبة.. وكثير التوبة، أي كثير المعصية.. ولكن بشرط عدم الاستهزاء بالله -سبحانه وتعالى. .إذا كان التوسل بفرد من الأفراد، والاستشفاع به في طريق الله -عز وجل– وبأمرٍ من الله -عز وجل-، وبتزكية من السماء فلا غرابة في البين!.. فالسجود خاص بالله -عز وجل- {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}، ولكن الله -عز وجل- هو صاحب القرار، هو صاحب السجود!.. وقد جعل هذا السجود، الذي لا يجوز لأحد سواه لآدم (ع) فقال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ}، لم يقل: جهة آدم، ولا قال: على آدم.. وإنما قال: {لآدَمَ}!.. هو سجود بحسب الظاهر لآدم، ولكن بأمر من الله -عز وجل-.. فتفلسف الشيطان واعتمد على تحليله، فرأى بأن هذا من الشرك!.. كيف يسجد لهذا الموجود الطيني، {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وكان هذا الاستنكاف بداية شقاوته الأبدية!..

– إن المؤمن عندما يتوسل بهم -صلوات الله وسلامه عليهم- يكون شعاره، شعار القرآن الكريم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}.. إذ أنه بتخويل من السماء، ومن الله -عز وجل-، جعل استغفار الرسول جزء علة للاستغفار المقبول بين يدي الله -عز وجل-.. وعترة الرسول (ص)، وذرية الرسول (ع) في حكمه، كما ثبت في النصوص.. وهذه سنة جارية في كل عصر!.. يستطيع المؤمن أن يتوسل بهذه الذوات المقدسة أينما كان، فالأمر لا يتوقف في الذهاب إلى مراقدهم ومشاهدهم.. لأن هذه ذوات ثابتة، هي الآن في عالم العرش، في مقعد الصدق عند المليك المقتدر.. وبالتالي، فإنه بإمكان المؤمن أن يتوجه إليهم بالسلام، في كل مكان وزمان.. فإنهم يشهدون المقام، ويردون السلام.

– إن الدرس العملي الاجتماعي، الذي يمكن للمؤمن أن يستفيده من الإمام الحسن (ع): هو السماحة، والحلم: انظروا إلى سماحته، وإلى حلمه، وإلى صبره حتى على من تطاول عليه بكلمة تساوي الكفر، حيث خاطبه بخطاب: (يا مذل المؤمنين)!.. وعن أنس قال: كنت عند الحسين (ع) فدخلت عليه جارية، فحيّته بطاقة ريحان، فقال لها: (أنت حرّة لوجه الله)، فقلت: تحيّيك بطاقة ريحان لا خطر لها، فتعتقها؟.. فقال: (كذا أدّبنا الله).. قال: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، وقال: (أحسن منها عتقها)!.. هذه هي الأخلاقية الحسنية: الرد بالتي هي أحسن!.. فالزوجة التي في المنزل، كم تحسن إلى زوجها؟!.. ألم تربي له الأولاد؟!.. ألم تكن هي السبب الظاهري في أن يُذكر بين الناس!.. وعندما يموت، وإذا بالولد يُقيم ذكر الوالد ويدعو له، وهي شريكة في هذا الولد بحسب الأسباب الظاهرية.. ألا يحتاج الأمر أن يرد الإنسان جميل هذه المرأة؟!.. مع الأسف نلاحظ البعض في تقدمٍ من العمر، والمرأة في عمر متقدمة، وإذا به يفصل هذه الحياة الأسرية، ويهدم هذا البنيان؛ ناسياً هذا الجميل الذي لا يمكن أن يُنسى لأنه (من لم يشكر المخلوق، لم يشكر الخالق).

– إن من خلال النصوص الروائية الشريفة، والآيات الكريمة، نعتقد بأن المحطة الأساسية للإنسان المؤمن هي الصلاة.. وهذا أمير المؤمنين (ع) كتب كتابا لمحمد بن أبي بكر، لفت فيه انتباهه إلى أن كل عمل امرئ هو تبع لصلاته: (واعلم أنّ كل شيء من عملك تبع لصلاتك، فمَن ضيّع الصلاة فإنّه لغيرها أضيع…)!.. فالصلاة ليس مجرد نسك يؤديها الإنسان لإسقاط التكليف، بل هي محطة للحديث المسترسل، والحديث الأنسي مع رب العالمين، وخاصة للعاملين .

 -إن الإنسان إذا توغل في ساحة الحياة، وتحمل المسؤوليات الكبرى، وانشغل باله بهموم الأمة.. زادت حاجته لأن يكثر من هذه الحركة الصلاتية وذلك لأن (الصلاة معراج المؤمن).. كأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يريد أن يقول: شاركوني في معراجي، أنا ذهبتُ إلى المعراج بجسمي وروحي.. وهذا المعراج الروحي متاحٌ لكم، في كل يوم خمس مرات!.. وأحدنا إذا لم يصل إلى حالة المعراجية، والأنس في صلاته بين يدي الله -عز وجل-، فإنه لم يحقق ماهية الصلاة.. هل يكفي أحدنا أن يذهب إلى المطار، ويركب الطائرة، والطيار يحرك المحركات، وقبل أن تنطلق الطائرة يرجع إلى منزله، ويقول: أيها الناس!.. إنني سافرت؟!.. فأي سفر هذا، إذا لم تُحلق في الجو ولا متراً واحداً؟.. أنت تشبهت بهيئة المسافرين وبالطائرين، ولكنك لم تعرج إلى مكان!.. وصلاتنا كذلك هي بمثابة من يركب الطائرة في كل يوم خمس مرات، ويدخل المقصورة ويخرج منها، مُدعياً بأنه قد عرج.. ولكن أي عروج هذا؟!..

– إن الصلاة مشروع، والذي لا يمكن أن يتوجه إلى الله -عز وجل- في خلوة، وفي ركيعات في منزله، وفي مكان مريح.. كيف يتوجه إلى الله -عز وجل- في ساحة الحياة؟!.. وإذا كان أمام الكعبة، وخلف المقام، أو أمام المستجار، أو تحت الميزاب.. لا يتقن ركعتين مقتصدتين، لا يفكر فيهما في غير الله -عز وجل-.. فهذا الإنسان هل يمكنه أن يكون مخلصاً في حركته القتالية؟!.. وعليه، فإن نقطة الفوز والفلاح، تنطلق من إتقان هذه الصلاة.

– إن المصلي في صلاته يقرأ سورة الفاتحة، وفي سورة الفاتحة هناك خطابٌ مع رب العالمين، ندعي فيه أننا نعبده حصراً، ونستعين به حصراً.. فهذا الذي يدعي هذه الدعوى الكبيرة، هكذا يكون حاله في الصلاة!.. والإنسان الذي يجلس بين يدي ربه في التشهد والتسليم، يشهد بأنه موحد لله -عز وجل-.. والتوحيد هو أن لا ترى مؤثراً في الوجود إلا الله -عز وجل-!.. فهل وصل أحدنا إلى هذه الدرجة من التنزه؟!.. تروي الأحاديث أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان يتغير لونه كلما كان يذهب لكي يتوضأ.. (كان الإمام الحسن -عليه السلام- أعبد أهل زمانه: حجّ بيت الله ماشيا خمسةً وعشرين حجة.. كان إذا قام للوضوء والصلاة، اصفرّ لونه، وأخذته رجفة من خشية الله، وكان يقول: حقّ على كل من وقف بين يدي رب العرش، أن يصفرّ لونه، وترتعد مفاصله)، هؤلاء هكذا كانوا في صلواتهم وعباداتهم.. فالذين يدّعون التوجه إليهم، والسير على خطاهم، ويدّعون بأنهم تمسكوا بحبل الولاية من خلال: شعرٍ، أو نثرٍ، أو دعوة، أو ما شابه ذلك.. فلينظروا إلى سلوك أئمة هذا الخط!.. فهذا سلوك رموز هذا الخط الرسالي، فمن أراد أن يصلح نفسه، فليبدأ من صلاته؛ ليرى الأعاجيب في الصلاة، وقبل الصلاة، وبعدها!..

– إن المؤمن قد يأنس بذكر إمام من أئمة الهدى -عليهم السلام- في مناسبة من المناسبات، ولا ضير في ذلك.. فمثلا: إنسان يرى في ثورة الحسين -عليه السلام- عنصراً متميزاً، يتوافق مع مزاجه، وتوجهه؛ فيتوجه إليه.. أحد الكتاب المسيحيين، الذين كتبوا عن أئمة أهل البيت -عليهم السلام- قال: (بأن دفاعي عن علي -عليه السلام- من منطلق إنه إنسان مظلوم في التأريخ، وأنا أعيش وخز الضمير أن أرى إنسانا أمامي يظلم، فلا أهدأ إلا أن أدافع عنه)!.. فهذا الإنسان استهوته شخصية علي -عليه السلام-.. فإذاً، لا مانع من أن نعتقد بذلك، ولكن علينا أن نكون في مقام الاعتقاد، معتقدين بأنهم أسلوب واحد، وشجرة واحدة!..

– إن ما يحز في النفس!.. هو كيفية زيارة مشاهدهم المشرفة: حيث أن من يذهب إلى أرض كربلاء -إلى أرض الشهادة- أو إلى سامراء، أو إلى أي مشهد من مشاهدهم المشرفة.. يقف أمام ضريح الإمام -عليه السلام- بحالة لا تتناسب مع عظمة الإمام المدفون في تلك البقعة.. لذا نحن نحتاج إلى ثقافة الزيارة، لأنها ثقافة مفقودة فيما بيننا!.. يذهب أحدنا إلى الزيارة وهمه أمران: أولاً: أن يقرأ الزيارات الموجودة في كتاب المفاتيح، أو يقرأ الزيارة قراءة سريعة، ليُسقط التكليف في ذلك!.. ثم يتحين الفرصة كي يذهب نحو الضريح، فإذا أمكنه أن يدخل ذلك الضريح المبارك في يسر، حمد الله على ذلك.. وإلا دخل مع المقاتلين، لأجل ذلك.. هذه الثقافة ينبغي أن نُعيد النظر فيها، فنحن لا نمنع، ونرجح أن نعمل كما في الروايات.. ولكن هنالك أمرا أرقى من ذلك، فأحد العلماء الأجلاء يقول: إن أفضل أدب من آداب زيارة المعصوم -لم يذكر الغسل، ولا ركعتي الزيارة، ولا إذن الدخول- هو أن تعتقد بحياته، وأنه حي!.. لأنه عندما تعتقد بأنه حي، سوف لن تعصي الله -عز وجل- في محضره، وستتأدب في حضوره، فتصلي ركعتين خاشعتين!.. وهذه الفتوى المعروفة بعدم جواز التقدم على قبر المعصوم، هي من هذا المنطلق.. أي أن المعصوم غير الحي، هو بحسب الظاهر ذهب إلى الرفيق الأعلى، ولكنه حي، لذا علينا أن نتأدب ولا نتقدم أمام المعصوم.. ومن هنا يشكل البعض الصلاة في الصف الأول في الروضة النبوية المشرفة، لأن هذا تقدم على قبر النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا مع البعد الذي يقطع تلك الإشكالية.. فزيارة واحدة هادفة للمعصومين -عليهم السلام- كافية لإيجاد التغيير الجوهري في نفس العبد.. وأفضل علامة للقبول، أن يجد الإنسان في نفسه تغييراً في ملكاته الخبيثة، وإقلاعاً عن حرام قد اعتاده.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.