Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الصلاة مشروع العُمر، فلو أنَ الإنسان في أواخر عمره: قبلَ سنة، أو قبلَ شهر، أو قبلَ أسبوع، بل قبلَ يوم من وفاتهِ؛ صلى بينَ يدي ربهِ صلاةً خاشعةً مقبولة؛ هذهِ الصلاة كافيةٌ لدخول الجنة.. وبالتالي، فإن الصلاة مشروع عظيم، لذا ينبغي الاطلاع على المؤلفات والكتب في هذا المجال.

الأسرار الباطنية لصلاة الجماعة..
كلمة “الأسرار” لا تعني أنه سُرٌ لم يكتشفهُ أحد، إنما المقصود ما وراء الفقه.. ففي الرسالة العملية هناك: شروط الإمام، وشروط الجماعة، وكيفيةُ الصفوف،..الخ.. أما الأسرار الباطنية فهي ما وراء الفقه.

بعض الأحكام الشرعية لصلاة الجماعة:
أولاً: تقديم الإمام.. لا بد للجماعة من إمام متقدم على القوم في موقفه، وهذا الإمام يُشترطُ فيهِ شرطان أساسيان: العدالة، وصحة القراءة..
١. العدالة: ليسَّ هُنالكَ مستوى اجتماعي مُعين، وليسَّ هُنالك مواصفات عشائرية.. وإنما يجب أن يكون الإمام عادلاً، فالذي ليسَ بعادل، هذا لا يستحق أن يؤتم بهِ.. ولهذا بعضُ أئمة الجماعة الذينَ لهم حسابات دقيقة، يخجلون أمام الله -عزَ وجل- لأنهُ من الممكن -وهذا الممكن قويٌ جداً- أن يكونَ في المأمومين من هو أفضل منه، وأورع منه!.. وإن كان لا يرتدي زي أهل العلم، ولكن رب العالمين أعلم بالسرائر والضمائر {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} لا في هذهِ الدُنيا.. قد يعجب البعض بإنسان لمجرد بعض الأمور الظاهرية: إما لقدرته الخطابية؛ أي له كلام جميل.. أو لجمال لصوته، وأدعيته المؤثرة.. ولكن هذه الأمور ليست من موجبات الإتباع؛ إنما المطلوب هو العدالة.. والعدالة هُنا هي العدالة الفكرية، والعدالة السلوكية.. وإلا ما فائدةُ إنسانٍ عابدٍ زاهد، وهو منحرف العقيدة؟.. وما فائدةُ إنسانٍ مستقيم العقيدة، ولكنه منحرف في مقام العمل؟.. موسى -عليه السلام- اتبعَ الخضر؛ لأنهُ كانَ عبداً من عباد الله -عزَ وجل- آتاهُ الله من لَدنهُ علماً.

٢. القراءة الصحيحة: لماذا التأكيد على القراءة الصحيحة؟..
أ- واللهُ العالم أن الذي لا يُتقن قراءة القرآن ظاهرياً، هذا الإنسان كيفَ يصل إلى باطن القُرآن الكريم؟.. إذا كان لا يتقن الألفاظ، كيف تكون لهُ علاقة مع كتاب اللهِ عزَ وجل؟.. يقول تعالى: {لّا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ}.. وقد فُسرَ: بمعرفة معاني القُرآن.. فالذي لا يتقن ظاهر القرآن، هذا بعيدٌ عن القُرآنِ، وعن الصلاةِ؛ لذا لا يكون إمام جماعة.

ب- صحة القراءة بشكلٍّ عام من شروط الصلاة حتى للمأموم، مثلاً: إذا أسلم إنسان من بلاد الصين أو اليابان، لابد أن يتعلم القُرآن الكريم، ولو بمقدار الفاتحة؛ لأنه (لا صلاةَ إلا بفاتحة الكتاب) وبعدَ ذلك السورة؛ هذا ربطٌ لغير الناطقين بالعربية.. نحنُ -بحمد الله- في نعمةٍ لا نعرف قدرها، وهي أننا نتكلمُ بأشرفِ لغات الأرض!.. فلغة أهل الجنة هيَّ اللغةُ العربية!.. إنها لخسارة كبيرة: أن لا يعلم الإنسان من كتاب الله، أو أن يكون حظهُ من الدين فقط: الحمد والتوحيد، أو الحمد والقدر.. هكذا المسلمون غير العرب، حتى القرآن الكريم يقرؤونه قراءةً لا يفقهون لهُ معنى!..

فإذن، هذه دعوى لغير العرب، أن يتعلموا اللغة.. مثلاً: لو أنَ شاباً تعلقَ بامرأةٍ أجنبيةٍ، لها لُغة لا يعرفها؛ فإن أول عمل يقوم به هو أنه يأخذ كُتيباً ليعرف مفرداتِ هذهِ اللُغة، حتى يستطيع الحديث معَ من يُحب.. فكيف بالإنسان المسلم، المؤمن، المحب لله -عزَ وجل- وهو لا يعلم كيفَ يفهم كلام اللهِ عزَ وجل؟!..

ثانياً: الحائل.. لا ينبغي أن يكون هناك فاصل بينَ المأمومِ والمأموم الآخر، ولا بين المأموم والإمام لا بجدار ولا بستار.. أي أيها المأموم!.. إذا أردت الصلاة، لا تجعل بينك وبين المأموم الرجل حجاباً.. فالتشريعات في صلاة الجماعة، فيها قمةُ التوحيد والوحدة.. التوحيد يفهم من الأذان والإقامة، وسورة التوحيد، وكذلك الفاتحة.. الإسلامُ قامَ على كلمة التوحيد، وعلى توحيد الكلمة.. في كتاب “العروة الوثقى” للسيد اليزدي، في أول بحث الجماعة يقول: (وقد ورد في فضلها، وذم تاركها، من ضروب التأكيدات، ما كاد يلحقها بالواجبات).. انظروا إلى عظمة صلاة الجماعة!.. هيَّ مُستحب، ولكن أيُ مُستحب؟!.. إن الذي لا يحضر جماعة المُسلمين -في أسبوع، في أسبوعين، في سفر، في مرض، في تعب؛ لا بأس- في الشهر مرة؛ هذا الإنسان أقل ما يُبتلى بهِ ضمور القلب.. هذا الإنسان يتعود على وحشية المزاج، ويُبتلى بالألفة معَ البطالين.. ألا نقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي: (أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين، فبيني وبينهم خلّيتني).. فالذي لا يميلُ إلى صلاة الجماعة، يميلُ إلى مجالسِ أهل الباطل.. البعض يجلس ساعات طويلة خلال الأسبوع في مجالس البطالين، أما يومُ الجُمعة فإنه يستنكف عن حضور المسجد!.. رغم أن مجموع الصلاة ساعة بخطبتها وصلاتها، فيذهب لمجالس البطالين، ولا يقف بين يدي رب العالمين.

ثالثاً: تراص الصفوف.. أي لا يكون هناك فراغ بين المصلين، وعليهم أن يحاذوا بين المناكب، ويجعلوا الصفوف متلاصقة!.. فصلاةُ الجماعة مظهر الاتحاد، في كُلِ جُمعةٍ -تقريباً- يقول الإمام: رصوا الصفوف!.. أي لا تجعل بينكَ وبين أخيكَ فاصلاً، لذا على المصلي ألا يجعل شرخاً بينه وبين أخيه، ولا يجعل ثلمة في صفوف المسلمين.. فإذا رأى فراغاً في صف من صفوف الجماعة، عليه أن يبادر إلى سد ذلك الفراغ، ولا يستحدث صفاً جديداً.. القضية قضية فسح مجال، بالإضافة إلى إظهار المودة، والحُب الإيماني.. حيث أن هناك فرقاً بينَ أن يجعل المؤمن كتفهُ ملاصقاً لكتفِ أخيه، وبين أن يكون بينهُ وبين أخيه مسافة!.. ورد في بعض النصوص عن الإمام الصادق (ع): (وأيما رجل غضب على ذي رحم، فليدن منه فليمسه؛ فإن الرحم إذا مست سكنت).. لماذا المصافحة في الإسلام، يكفي أن تُحيي من بعيد؟.. كان النبي (ص) لا يسحب يده من يد من يصافح، حتى يسحبها هو.. إذا التقى إنسان بآخر من طريقة المُصافحة: الاحتضان، أو التقبيل.. يعلم مدى عمق العلاقة!.. وأفضل القُبل على موضع النور من وجه المؤمن، عن الإمام الحسن (ع): (إذا لقي أحدكم أخاه، فليقبل موضع النور من جبهته)!..

رابعاً: مرتبة الإمام.. إن الإمام لا يكون في مرتبة عالية أبداً.. بل عليه أن يتساوى مع المأمومين، ولا بأس أن يكون المأموم في رتبة أعلى من رتبة الإمام!.. وكأن رب العالمين يقول: أيها الإمام!.. آذنَ لكَ أن تصلي بهم جماعة، بشرطِ أن تكونَ عادلاً، وصحيح القراءة، ولكن إياكَ أن تتعالى عليهم؛ بل يجب أن تكون في مستوى المأمومين!.. وهذا درس لعدم استشعار العلو والتعالي على الغير، يقول تعالى في كتابه الكريم: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.. أحد العُلماء لهُ تفسير جميل يقول: ما قالت الآية: نجعلها لغير المتعالين، بل {لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ}، أي ليست لهُ إرادة العلو، فضلاً عن نفس العلو.

خامساً: المتابعة.. يجب على المأموم أن يتابع الإمام في حركاته، لا يسبقه ولا يتأخر عنه، مادام يعتقد أنهُ أهل لأن يُصلى خلفهُ.. إمام الجماعة مظهر الدين، ولهذا في رسالة الحقوق، للإمام زين العابدين (ع) عندما يعدد الحقوق، يذكر حق إمام الجماعةِ، لأنه بتعبيرنا اليوم: “الناطق الرسمي عن المجموع”، يقول (ع): (وأما حق إمامك في صلاتك: فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيما بينك وبين الله، والوفادة إلى ربك.. وتكلم عنك، ولم تتكلم عنه.. ودعا لك، ولم تدع له.. وطلب فيك، ولم تطلب فيه.. وكفاك همّ المقام بين يدي الله، والمساءلة له فيك، ولم تكفه ذلك.. فإن كان في شيء من ذلك تقصير، كان به دونك.. وإن كان آثماً، لم تكن شريكه فيه.. ولم يكن لك عليه فضل، فوقى نفسك بنفسه، ورقي صلاتك بصلاته.. فتشكر له على ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله).. كأنَ هذا الجمع بينَ يدي اللهِ -عزَ وجل- في محضرِ سُلطانه، والمفوض بالكلام هو إمام الجماعة.. ولهذا تسقط الحمدِ والسورة عن المأمومين؛ لأنهُ هو الناطقُ الرسمي باسم المصلين.. ولهذا لو سها إمام الجماعة في صلاته، -السهو القلبي ذهبَ يميناً وشمالاً- حسابهُ يختلف عن المأمومين؛ إذ كيفَ يقف أمامَ الناس وهو الناطق الرسمي عنهم، ولا يضبطُ خواطرهُ؟!.. ولهذا الصلاةُ إماماً خيرٌ من الصلاةِ مأموماً؛ ولكن معَ ذلك هذهِ مسؤولية كبيرة!..

سادساً: تقديم أهل الفضل.. المأمومون على طبقات: فيهم المُتعلم، وفيهم العالم.. فالصف الأول، وعلى الخصوص يمين الإمام؛ لأهل الفضيلة: الفضيلة العلمية والعملية.. أي إذا كان هناك إنسان متفقه في الدين، على المصلين أن يجعلوه في الصف الأول!.. التميز مرفوض إلا في بعض الموارد، ومنها صلاة الجماعة.. وكُلما قرُبَ الإنسان منَ الإمام كانَ أفضل!.. فإذن، هذا درس كي نتفوق في طريق القرب إلى الله -عز وجل- علماً وعملاً!.. يتساءل البعضُ: هل القيام أمام العلماء في محلهِ؟.. وهل هذا احترامٌ يُتناسب مع جو الشريعة؟.. نعم، بل وردَ فيهِ نص في القرآن الكريم، وقَلَّ من يلتفت لهذهِ الآية!.. إنَ من يلتفت لهذهِ الآية، لا يحتمل إلا أن يقفَ إجلالاً أمامَ العُلماء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.. أنشزوا؛ أي قوموا من مقامكم؛ إجلالاً للعلمِ وأهله!..

سابعاً: تأخير البعض.. الذينَ لهم خلل في صلواتهم، والذينَ يقطعونَ صلاتهم، لصلاة القصرِ -مثلاً- هؤلاء ينبغي أن يتأخروا عن الصف الأول.

ثامناً: تشجيع غير البالغين.. لو أنَ صبياً مُميزاً وقراءتهُ صحيحة، كانَ في صلاة الجماعة، هل هذا يصلُكَ بالصف اللاحق، أو أن هذا حائل؟.. يقول بعض الفقهاء: لا يضر وجود الصبي المميز في صلاة الجماعة.. هذا أيضاً تشجيعٌ لغير البالغين، أي دعوهم يصلوا في صفوفكم.. في بعض الفتاوى: يكفي أن تحتمل صحة صلاته، فكيف إذا كُنتَ قاطعاً بصحةِ صلاته؟!..

تاسعاً: مراعاة أضعف المأمومين.. الإمام يُراعي أضعف المأمومين، مثلاً: هناك إنسان ضعيف، ويُريد أن يُصلي صلاة الجماعة، ولكنه لا يحتمل التطويل.. على الإمام ألا يُطيلَ في صلاتهِ؛ مُراعاةً لهؤلاء.

عاشراً: الالتحاق بالجماعة.. عندما يأتي الإنسان في الركعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، يجب ألا ييأس، فبإمكانه الالتحاق في أي وقت، ثم يعوّض ما فاته.. حتى أنه يمكنه الالتحاق في السجود الأخير، والتشهد الأخير.. نعم، عليه أن يغتنم الفرصة!.. ولكن إذا جاء إنسان إلى صلاة الجماعة، والإمام في حال الركوع، ويخشى أن تفوتهُ الركعة.. بإمكانه أن يرفع صوته أثناء دخوله بـ(إن الله مع الصابرين)!.. وهنا على الإمام أن يتمهل لكي يُدخله في هذا البحر المُبارك، فركعة واحدة من صلاة الجماعة، لا يُحصي ثوابها إلا الله سُبحانه وتعالى.

الحادي عشر: الانفراد.. إذا نوى الإنسان الصلاة فرادى وهو في صلاة الجماعة؛ عليه ألا يصلي في صفٍ لوحده، بل يكون مع صفوف المُسلمين.. وهنا نتعلم دَرساً عملياً ألا وهو: أن يد الله مع الجماعة.

بعض بركات صلاة الجماعة:
أولاً: التلاقح الفكري.. إن البساطة وعدم التعقيد -بعض الأوقات-؛ نعمة للبعض.. فالإنسان الذي لهُ فكر متواضع، أو كما يُقال: إيمان العجائز؛ لا يحتاج إلى أدلة وبراهين، ودورات عقائدية طويلة عريضة.. -سئلت عجوز: كيف تستدلين على وجود الله عز وجل؟.. وكان بيدها مغزل، فقالت: (بهذا المغزل، إن حركته تحرك، وإن سكنته سكن)!.. البعضُ إيمانهُ هكذا؛ هنيئاً لهم!.. أما أرسطو، وأفلاطون، وابن سينا، وغيرهم؛ فلهم أدلة فلسفية في مجالاتهم-.. والبعض عندهُ جولان ذهني، لهُ ذكاء خارق، لهُ لمسات أكاديمية، قرأ كتاباً من هُنا وهُناك؛ فصارَ عنيداً عناداً فكرياً.. فيأخذ بطرح الفتاوى، ويتلاعب بالدين كما يشاء: يقول: الربا المحرم لا ينطبق هذهِ الأيام في مجتمعاتنا، هذا الربا كانَ في أيام الإسلام.. حيث كان هناك من يعطي الناس أموالاً، ويأخذ منهم أرباحاً؛ وهذا لا ينطبق على المؤسسات الاستثمارية اليوم!.. والحجاب القلبي الممنوع، هو التهتك.. أما أن يظهر نصف شعر المرأة ويراه الرجال؛ ما المانع في ذلك؟.. بينما المؤمن لا يستبد برأيه أثناء مواجهة الغير، وخاصة هذه الأيام هناك دعوة لحوار الحضارات.. إن كان هناك فكرة فليطرحها على أهل الفَهم، لا على مسكين دونه في المستوى.. فليذهب إلى العلماء، والمُفكرين، وأهل الفهم؛ وعندئذٍ يترقى!.. وعليه، فإن من بركات المسجد والجماعة، هذا النمو، وهذا التلاقح الفكري.

ثانياً: نزول الرحمة: إنَ اللهَ -عز وجل- يحب أن يرى عبدهُ في جمعٍ من المؤمنين، يدعوه: في عرفة، في الطواف، في صلاة الجماعة، في صلاة العيدين.. العبد يقول: يا رب، من أنا وما خطري؟!.. أنا مسكين جئتك في جمع المساكين.. والله العالم لو أنَ اللهَ -عزَ وجل- قبلَ صلاة مصلٍّ واحد، ليس من البعيد على كرم الله -عزَ وجل- أن يقبلهم جميعاً.. في الرواية عن النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- أنه قال: (إِنَّ -لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَلَائِكَةً سَيَّارَةً فُضُلًا، يَتَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ.. فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ، قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ، حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا.. فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ.. فَيَسْأَلُهُمْ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟.. فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الْأَرْضِ: يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيُهَلِّلُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ، وَيَسْأَلُونَكَ.. قَالَ: وَمَاذَا يَسْأَلُونِي؟.. قَالُوا: يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟.. قَالُوا: لَا أَيْ رَبِّ!.. قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِي؟.. قَالُوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، قَالَ: وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِي؟.. قَالُوا: مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ، قَالَ: وَهَلْ رَأَوْا نَارِي؟.. قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي؟.. قَالُوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا.. فَيَقُولُونَ: رَبِّ!.. فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ.. فَيَقُولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ.. هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ).. وبالتالي، فإن من مواطن البركة، والرحمة؛ المسجد والجماعة.. هنيئاً لمن كانَ هو منشأ لقبول صلاة الآخرين!..

الخلاصة:

١- أن كلمة “الأسرار” لا تعني أنه سُرٌ لم يكتشفهُ أحد، إنما المقصود ما وراء الفقه.

٢- أنه لا بد من توفر عدة شروط في الإمام منها العدالة الفكرية والعدالة السلوكية.

٣- أن الإمام لا بد أن يتقن القراءة، لأن الذي لا يُتقن قراءة القرآن ظاهرياً، هذا الإنسان كيفَ يصل إلى باطن القُرآن الكريم؟، .

٤- إن أقل ما يُبتلى بهِ الذي لا يحضر جماعة المُسلمين تهاونا هو ضمور القلب.

٥- أن التشريعات في صلاة الجماعة، فيها قمةُ التوحيد والوحدة، ومنها أنه لا ينبغي وجود حائل بين الإمام والمأموم، وينبغي متابعة الإمام، والحرص على تراص صفوف المصلين.

٦- أن من أحكام الجماعة تقديم أهل الفضل، ومراعاة أضعف المأمومين، و إمكانية التحاق المأموم بالجماعة في أي وقت ثم يعوض ما فاته لئلا يحرم العبد من عظمة ثوابها.

٧- أننا نتعلم من صلاة الجماعة درسا عمليا: هو أن يد الله مع الجماعة، لذلك نجد أنه حتى من ينوى الانفراد بصلاته وهو في الجماعة عليه ألاّ يصلي في صف لوحده.

٨- أن من بركات المسجد والجماعة، التلاقح الفكري ومناقشة أهل العلم، كما أنها من مواطن نزول الرحمة والبركة للمصلين.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.