إن هنالك سورتين في القرآن الكريم، نقرأهما في الصلاة معاً، للارتباط الوثيق في مضامين السورتين، وهما: الفيل، وقريش.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.
إن القرآن الكريم في سورة “الفيل”، يذكر حدثاً تاريخياً مهماً في حياة الأمة؛ ألا وهو هجوم أبرهة وجيشه على البيت الحرام، بأدوات وبعدد لا سابق للعرب بها.. فالفيل بمنظره الضخم، يكفي لأن يكون مرعباً لمن لم يألف الفيلة؛ فكيف إذا كان العدد كبيراً جداً!.. والرواية التاريخية تقول: خرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال، وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء، ولم يبق بمكة غير عبد المطلب بن هاشم، أقام على سقايته.. وغير شيبة بن عثمان بن عبد الدار، أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب ثم يقول:
لا هم أن المرء يمنع رحله فامنع جلالك
لا يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدوا محالك
لا يدخلوا البلد الحرام إذا فأمر ما بدا لك
ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعماً لقريش، فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم.. وكان حاجب أبرهة رجلا من الأشعرين، وكان له بعبد المطلب معرفة فاستأذن له على الملك وقال له: أيها الملك!.. جاءك سيد قريش، الذي يطعم إنسها في الحي، ووحشها في الجبل.
فقال له: ائذن له!.. وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً جميلاً؛ فلما رآه أبرهة أعظمه أن يجلسه تحته، وكره أن يجلسه معه على سريره، فنزل من سريره فجلس على الأرض، وأجلس عبد المطلب معه، ثم قال: ما حاجتك؟..
قال: حاجتي مائتا بعير لي أصابتها مقدمتك.
فقال أبرهة: والله!.. لقد رأيتك فأعجبتني، ثم تكلمت فزهدت فيك.
فقال: ولم أيها الملك؟..
قال: لأني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم من العرب، وفضلكم في الناس، وشرفكم عليهم، ودينكم الذي تعبدون.. فجئت لأكسره، وأصيبت لك مائتا بعير، فسألتك عن حاجتك، فكلمتني في إبلك، ولم تطلب إلي في بيتكم.
فقال له عبد المطلب: أيها الملك!.. أنا أكلمك في مالي، ولهذا البيت رب هو يمنعه، لست أنا منه في شيء.. فراع ذلك أبرهة، وأمر برد إبل عبد المطلب عليه.. ثم رجع وأمست ليلتهم تلك الليلة كالحة نجومها، كأنها تكلمهم كلاما لاقترابها منهم، فأحست نفوسهم بالعذاب.
انظروا إلى اطمئنان قلب البعض في نصرة الله -عز وجل- لعباده!.. عبد المطلب جد النبي (ص)، رب العالمين أهّله لأن يكون صاحب هذا الحضن المبارك، لحفيده المصطفى (ص).
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}.. المراد بالرؤية: العلم الظاهر ظهور الحس، والمعنى: ألم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟.. فرب العالمين دافع عن بيته الحرام، وقد كانت هذه الواقعة في العام الذي ولد فيه النبي (ص).
ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.