Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن المتقين لهم موقف ومحطة في جوف الليل، فمن لا ليل له لا نهار له؛ أي من ليس له ليل إلهيّ رباني؛ فنهاره نهار الغافلين.. هؤلاء في الليل بين ثلاثة برامج:

البرنامج الأول: تلاوة القرآن.. يقول علي (ع): (أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ، يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلًا).. إن البعض وهو في الحرمين الشريفين، يقرأ القرآن، فيتمتم به.. هذه ليست بقراءة!.. أما هؤلاء فإنهم يرتلونه ويجودونه.

(وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ).. عندما يُعطى الإنسان كتاباً طبياً ليقرأه كي يكتشف مرضه ودواءه؛ فإنه سيتأمل بكل كلمة وكل سطر فيه.. بخلاف لو أنه كان يقرأ الكتاب من باب الأجر والثواب، أو من أجل تقديم امتحان.. وكذلك فإن المتقين يستثيرون بالقرآن دواء دائهم.. فالذي يدمن قراءة القرآن، وخاصة في الأسحار وبين الطلوعين؛ فإن ذلك من موجبات انفتاح باب الفهم الباطني.. لأن السحر وقتاً لا كسائر الأوقات، وبين الطلوعين من ساعات الجنة، ليس بليل ولا نهار.. فالسحر له لون، وبين الطلوعين له لون آخر.. فمن يقرآ القرآن في هذه الأوقات، كأن رب العالمين يكلمه من خلاله.. وبالتالي، فإنه يشتاق للحديث مع ربه، فيكثر من الصلاة والدعاء.

(فَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ، رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ).. هؤلاء عندما يمرون بآيات، تتحدث عن نعيم الجنة، كأنهم يرون ذاك النعيم أمامهم.

(وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ).. أمير المؤمنين (ع) يشبّه جهنم برئتي الإنسان: لها شهيق ولها زفير.. أيضاً هؤلاء عندما يمرون بآيات تتحدث عن الجحيم، كأنهم يرون النار أمامهم، ويسمعون زفيرها وشهيقها.

إن البعض من غير أهل العلم، لعله يبقى ساعتين أو ثلاث ساعات في تأمل وتدبر، في صفحة واحدة من القرآن الكريم.. فما الذي يفهمه ويستذوقه، وما الذي يجعله لا يصرف النظر عن هذه الصفحة؟.. فرق بين من أنسه بصفحة القرآن، وبين من أنسه بصفحة التلفاز، بما فيه من الرطب واليابس!..

البرنامج الثاني: الدعاء.. وهو الرغبة إلى الله عز وجل، وإظهار الافتقار إليه، وهو مخ العبادة.. عن رسول الله (ص): (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ؛ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ؛ فَكُنْ)!..

البرنامج الثالث: السجود.. هؤلاء يسجدون لله -عز وجل- خارج الصلاة (مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ)، عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ، وَهُوَ سَاجِدٌ.. فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ)!..

فإذن، إن المتقين لهم هذه البرامج في جوف الليل: تلاوة القرآن الكريم تارة، والدعاء تارة، والصلاة بين يدي الله -عز وجل- تارة أخرى.. فهؤلاء طوال النهار ينتظرون قدوم الليل، ليستمتعوا بهذه البساتين الثلاثة.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.