Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن أمير المؤمنين (ع) هو صاحب هذه الموسوعة الخالدة المسماة بـ:”نهج البلاغة”.. من مناقب علي (ع) أنه ترك لنا كتابا في هذه الأمة، هو الصحابي الوحيد الذي من الممكن، أن نجلس على مائدة علمه، في كتاب مدون.. الشريف الرضي جمع شطرا من خطب علي (ع) وكلماته.. وهنا نلاحظ ما يسمى بـ: “المستدرك” وضعت فيه الكلمات والخطب التي لم ينقلها الشريف الرضي.. هناك مؤسسات قائمة على تنقيح نهج البلاغة، وتناول المنابع الأساسية التي وردت فيها هذه الخطب؛ لأن البعض شكك في نسبة هذه الخطب لعلي (ع)، فانبر بعض العلماء لتوثيق هذه الخطب المباركة.

إن الذين يحبون اتباع نهج علي (ع)، والاقتداء بسنته؛ عليهم بقراءة هذا الكتاب، أو على الأقل هذه الكلمات الحكمية.. وسنة علي، هي سنة رسول الله (ص)، عن علي (ع): (ولقد كنت أتبعه أتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به…).. فالإمام علي (ع) منذ اليوم الأول، يتبع أخاه المصطفى (ص).

إن نهج البلاغة عبارة عن قسمين: قسم هو عبارة عن الخطب المختلفة: السياسية، والأخلاقية، والتوحيدية؛ قيلت في مناسبات متعددة: تارة في الحروب، وتارة في مسجده.. وهناك رسائل موجهة لبعض الشخصيات.. وقسم آخر: هو عبارة عن الكلمات القصار لعلي (ع).. لئن كان البعض يثقل عليه الخطب المفصلة، ما المانع أن يراجع هذه الكلمات القصيرة؟.. إنها موائد علمية؛ شهية وبليغة، ولكن في جمل قصيرة.. هذه الكلمات جمعت في كتاب بعنوان: “غرر الحكم” وأيضا مذكورة في ختام نهج البلاغة.. الإنسان يملّ، كما قال علي في بعض كلماته: (إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الاَْبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ).. وما أروع هذه الطرائف!..

إن عليا (ع) يصف حياة المؤمن، وكيف ينبغي أن يقضي وقته!.. يقول (ع): (للمؤمن ثلاثُ ساعات: ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه، وساعة يَرُمّ فيها معاشه، وساعةٌ يُخلّي بين نفسه ولذّاتها فيما يحلّ ويجمل).. ليس المراد هنا التقسيم الثلاثي الدقيق؛ إنما أراد أن يقول: أن هناك ثلاثة أنواع من العمل والنشاط، في هذه الحياة الدنيا.

(ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه).. كلامه في منتهى الدقة، قال: (يُناجي فيها ربَّه)؛ والمناجاة حالة من حالات التواصل، والحديث المؤنس مع من يهواه الإنسان.. فرق بين أن نقول: ساعة يعبد فيها ربه، أو يتلو فيها القرآن مثلا، أو أن نقول: (ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه).. تعبير المناجاة يوحي بحالة من حالات التحليق بعالم واسع، متصل برب العالمين.. وهنيئا لمن تمكن من امتلاك هذه الساعة، ساعة المناجاة مع رب العالمين، وكأنه يراه!.. جل جناب الحق أن يرى بهذه العيون!.. ولكن بعض الناس يصل إلى هذا المستوى الإيماني، الذي يغمض فيها عينه؛ فيرى ربه بقلبه، كما كان علي (ع) عندما قال: (ما كنت أعبد ربّاً لم أره).

(وساعة يَرُمّ فيها معاشه).. المؤمن موجود فاعل، موجود نشط في المجال الاقتصادي.. وكان رسول الله (ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال لأصحابه: (هل له حرفة)؟.. فإن قالوا: لا، قال: (سقط من عيني)، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟!.. قال: (لأن المؤمن إذا لم تكن له حرفة يعيش بدينه).. الكلام في إنسان له تخصص، ولكن لا يسعى لاستثمار هذا التخصص.. وليس معنى هذا: أن الذي لا مهنة له، سقط من عين النبي (ص).. هذا الحديث ناظر إلى إنسان عاطل باطل، لا يسعى في هذه الحياة.

(وساعةٌ يُخلّي بين نفسه ولذّاتها فيما يحلّ ويجمل).. كلامه (ع) في منتهى الدقة، لم يقل: “فيما يحلّ”، وإلا الحلال في هذه الدنيا كثير.. ولكن لابد من تحقق شرطين في هذه الساعة:

أولاً: أن يكون التلذذ حلالاً.

ثانياً: أن يكون التلذذ جميلاً.

فرق بين الحلال وبين الحلال الجميل: كما أن هناك صفحا جميلا، وصفحا غير جميل.. هناك أيضا تلذذ بحلال جميل، وتلذذ بحلال غير جميل.

الحلال الجميل: هو الذي ينسجم مع مستوى المؤمن، ومع وجاهة المؤمن، فلا يسقطه من أعين الناس.. بعض اللذائذ من الممكن أن يقوم بها الإنسان، ولكن ليست بمستوى ذلك المؤمن.. المؤمن حتى بتلذذه موجود هادف بين يدي الله عز وجل.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.