Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

هندسة الحياة الزوجية..
كل واحد منا يعيش ضمن دائرة أسرية اجتماعية، إن لم يكن متزوجاً فهو في دائرة الأبوين والأخوة، وإن كان متزوجاً ففي دائرة الزوجة والأبناء.. ولكن -مع الأسف- البعض يهتم بتصميم منزله وبزخرفته حتى في أدق الجزئيات، وقد يراجع في ذلك عشرات الأشخاص، ويعطيها من عمره الكثير، ولكن لا يهتم بمن هم في المنزل!.. فلا يعرف شيئاً عن كيفية تربية الأولاد، ولا يعرف قواعد التربية السليمة!.. فهذه المواد ليست حكراً على كلية الآداب والتربية، بل الكثير من القضايا التي تدرس في كليات العلوم الإنسانية مجردة وغير تطبيقية.

ينبغي للإنسان أن يأخذ دورات من خلال الكتب وغيره، ويثقف نفسه في مجال التعامل مع أسرته: كيف يتعامل مع إنسانة معه في المنزل؟.. وكيف يتعامل مع الأرواح؟.. فالطفل في كل مرحلة من مراحل حياته، يحتاج إلى فن في التعامل: ففي السادسة له فن، وفي التاسعة له فن، وفي أيام المراهقة والبلوغ -في سن الثامنة عشر- هناك أسلوب آخر.. فلا أسلوب الشدة ينفع دائماً، ولا الدلال ينفع دائماً؛ إنما في كل مرحلة هنالك دور يجب على الإنسان القيام به.. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الزوجة: فطريقة التعامل معها بعد العقد، تختلف عن طريقة التعامل بعد الزواج، وبعد الحمل صيغة التعامل تختلف عما بعد الحمل.. فكل مرحلة لها صفات معينة، كالمراحل الدراسية، لها مناهجها ولها كتبها.. فإذن، المرأة والطفل لهم مراحل مختلفة.. حتى في الشهر الواحد تعامل الإنسان مع المرأة، يختلف من حالة إلى حالة.. وبالتالي، فإن هناك أموراً لابد منها للمحافظة على استمرار الحياة الزوجية، ومن تلك الأمور:

أولاً: المحبة..
إن المحبة بين الزوجين من موجبات الحياة الزوجية السعيدة، وقد ورد ذكر المحبة في القرآن الكريم، يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾..

إن الزوجين قبل العقد أجنبيان، ولو تعامل الرجل والمرأة قبل العقد على أنهما زوجان، كما في بعض البلاد؛ فإن هذا من الأمور التي تدمر الحياة الزوجية.. وإن اتفقا على الزواج بعد ساعة، فقبل ساعة من العقد هما أجنبيان، كأي رجل في الشارع، وكأية امرأة في الشارع، لا فرق أبداً.. ولهذا فالشاب المؤمن قبل أن يتم العقد الشرعي، حتى في خياله عند النوم، لا يحاول أن يتصور تلك المرأة على أنها زوجته.. لأنها ليست زوجته، وما الضمانة على أنها ستكون زوجته؟!.. فلعلها تموت قبل العقد بساعة، أو لعله يموت هو قبل العقد، أو قد يقع خلاف على المهر، ولا يتم الاتفاق، فيذهب كل في حال سبيله.. فما دام العقد لم يقع، عليه أن لا يفكر فيها كزوجة أبداً!.. ومع الأسف بعض الآباء والأمهات الذين لا يعلمون القواعد، يحثون الفتاة على التواصل مع ذلك الشاب، والذهاب معه إلى بعض الأماكن؛ وهذا أمر ليس له أي مبرر شرعي!.. ولهذا فإن كثيراً من الخلافات الزوجية بعد العقد، تعزى للمخالفات التي تقع قبل العقد!..

الفرق بين المودة والمحبة:
إن الفرق بين الخضوع والخشوع في الصلاة، كالفرق بين المودة والمحبة.. فنحن في الصلاة نخضع لله -عز وجل- ونخشع: فالخشوع حالة في القلب، والخضوع ملازم له وهو خشوع في الجوارح.. عندما يرى الإنسان عظمة الله -عز وجل- فإنه يخضع ويركع ويسجد.. ولهذا من المستحيل أن ترى إنساناً خاشعاً بقلبه، وهو يعبث بلحيته في الصلاة مثلاً!.. فقد روي عن النبي (صلی الله علیه) أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته، فقال: (أما إنه لو خشع قلبه؛ لخشعت جوارحه).. فإذن، إن الخشوع والخضوع معنيان؛ أحدهما انعكاس للآخر.. كذلك يقال في المودة والمحبة.

– المودة.. إنه من الملاحظ أن القرآن الكريم استعمل المودة مع النبي وذريته (عليهم السلام) حيث يقول: ﴿قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، واستعمل التعبير نفسه للزوجة: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.. فالمودة تعني العمل بالمحبة.. فلو أن هناك إنساناً يحب أحداً، ولا يبرز حبه لا قولاً ولا فعلاً؛ فهذا الإنسان هو محب، ولكن ليست له مودة.. بعض كبار الفسقة وأهل الكبائر، عندما يسمع اسم إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تجري دمعته، وخاصة في أيام محرم وعاشوراء، وهناك من يبكي في كل وقت قبل الموسم وبعد الموسم.. فهذا له محبة، مع أن سلوكه غير مرضي؛ ولكن هذه المحبة ليست معها مودة!.. وبالنسبة للزوجين: فإن رب العالمين جعل بين الزوجين مودة، ومكنهما من التعبير عن الحب.. فهو الذي جعل الحب، وهو الذي جعل المودة.

-المحبة.. يقول تعالى بالنسبة لموسى (عليه السلام): ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي﴾.. ومن المعلوم أن الذي أُعطي للزوجين من المودة، معشار ما أُعطي موسى (عليه السلام).. فرب العالمين قذف المودة والمحبة على موسى (عليه السلام)، والذي أحبه هو فرعون أقسى القساة، الذي كان يقتل الرضع لئلا يولد موسى (عليه السلام)، فعندما ولد موسى (عليه السلام) اتخذه ولداً.. فهو الذي جعل المودة في قلب فرعون، وهو الذي جعل المودة في قلوب الزوجين.. وبالتالي، فإن هناك قدرة هائلة يتفضل بها رب العالمين على من يشاء!..

التصرف في القلوب:
إن التصرف في عالم الأبدان أمر غير متعارف؛ أي أن يُدفع الإنسان للطاعة دفعاً بدنياً، هذا غير متعارف إلا في المعجزات.. ولكن التصرف في القلوب؛ هذه حركة إلهية.. ومن مصاديق التصرف في القلوب: تحبيب الإيمان للعبد، فرب العالمين يحبب ويزين الإيمان في قلوب البعض، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾.. أو التصرف في قلوب الأعداء، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾؛ أي يتصرف حتى في قلوب الأعداء، فيقذف في قلوبهم الرعب.. ولهذا عندما يظهر الإمام المهدي (عليه السلام) يمشي الرعب أمامه، فهذا الرعب في قلوب الأعداء جيش من جيوش الإمام (عليه السلام).

ولكن الجاعل هو الرافع!.. ولهذا بعد فترة من المخالفة في الحياة الزوجية، يتحول الزوجان إلى أجنبين تماماً.. فالرجل عندما ينظر إلى زوجته، فكأنه ينظر إلى امرأة في الشارع!.. والمرأة لا ترى أمامها إلا رجلاً منفقاً، يأتي بالطعام والشراب والمال، وليس هناك أي إحساس بالزوجية أبداً!.. رجعا كما كانا قبل الزواج، أين المودة والرحمة التي كانت؟!.. قد يكون الرجل جاراً لامرأة، ثم يتزوجان، ومع المخالفة وعدم مراعاة الحدود، يرجعان جارين كما كانا سابقاً؛ وهذه كارثة: حيث أنه من أصعب صور الحياة، أن يعيش الإنسان حياة إجبارية!.. فالإنسان الذي يحب أن يذهب إلى مصيف من المصايف، ويأتي قرار حكومي ملزم أنه لابد أن يأخذ معه إنساناً لا يستظرفه؛ ألا ينصرف عن السفر؟.. إذا كان الإنسان في سفر لشهر من الزمان، لا يتحمل إنساناً فُرض عليه؛ فكيف يعيش ستين سنة مع امرأة فُرضت عليه؟!.. وكيف بهذه المرأة المسكينة، وهي تعيش مع زوج فُرض عليها؟!.. الرجل إذا طفح بهِ الكيل له الخيارات، هو الذي ينفصل، وهو الذي يعدد.. ولكن المصيبة في المرأة التي تلزم برجل ما عاد زوجاً، بل أصبح منفقاً فقط!..

ثانياً: التقوى..
جاء رجل إلى الإمام الحسن (عليه السلام) يستشيره في تزويج ابنته، فقال (عليه السلام): (زوّجها من رجل تقيّ؛ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها)..

إنه من الملاحظ في روايات أهل البيت (عليهم السلام) المتعلقة بالحياة الزوجية، كما في القرآن الكريم، التأكيد على التقوى؛ لأن التقوى هي نِعْمَ الضمانة لسير الأمور في الاتجاه الصحيح.. ولكن هذه الأيام -مع الأسف- الملاحظ هو التفكير في كل شيء: في راتب الزوج، وفي شهادته، وفي عائلته، وفي مسكنه المستقل، و..الخ، وآخر ما يسأل عنه؛ هو الجانب الإيماني للفرد: هل هذا الرجل يصلي أم لا؟.. هل له تواجد في المساجد أم لا؟.. هل يحضر الجمعة والجماعات أم لا؟.. هل له نشاط تثقيفي مع المؤمنين أم لا؟.. وكأن الجانب الإيماني من باب الكماليات، وإلا فالأساس هي الأمور المادية!..

فإذن، إن التقوى هي الضمانة لتحقيق السعادة الزوجية -كما نفهم من الحديث الشريف- وذلك لأمرين:
الأول: لأنه إذا اجتمع العشق الزوجي مع العشق الإيماني، كانت الحياة الزوجية جميلة جداً!.. فمن أجمل البيوت الزوجية إلى ساعة الموت؛ هي بيوت المؤمنين.. بعض الشخصيات من العلماء -العالم العادل عادل في كل شيء- كلما تقدم به العمر، ازداد تعلقاً بحليلته.. بخلاف أهل الدنيا الذين تتغير معاملتهم مع زوجاتهم، عندما يبدأ الجمال بالزوال، والتجاعيد بالظهور، والشعر الأبيض بالانتشار.. إن المؤمن الذي له شيء من التقوى، كلما مر من عمره يوم؛ زاد تعلقه بزوجته؛ وذلك للأسباب التالية:

١. مع مرور الأيام تزيد خدمتها له: فإن مر على زواجهما سنة؛ فهي لها سنة في خدمته.. وإن مر على زواجهما أربعون سنة، فقد مر على خدمتها له أربعون سنة.. فهذه النظرة لها دور في تقوية رابط المحبة.

٢. إذا كان له منها ما تقر عينه به من الذرية الصالحة؛ فهو يقدرها من هذا الجانب.. حيث أن البعض له أولاد متميزون، هم زاد لآخرته، وحتى مع وجود الخلاف الزوجي ترى هذا الولد تربى تربية إيمانية، ومن أبر الأولاد بأبويه، مع أنها حالة نادرة أن يبر ولد بأبوين متشاكسين.. ولكن هذا الأب الذي رزق هذا الولد الصالح من هذه الأم، وإذا به لظرف أو لغيره ينفصل عنها ويخرجها من المنزل، فعلى الأقل يحفظ كرامتها في أولادها!.. ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام): (المرء يحفظ في ولده).. إذا رأى المؤمن والد صديقه، فإنه يكرمه كرامة لصديقه.. أو العكس إذا كان يحب أحداً، ورأى ولده، فإنه يكرم الولد إكراماً لأبيه.. وهذا النبي الأكرم (صلی الله علیه) كان يكرم امرأة، لأنها كانت صديقة لأم المؤمنين خديجة (عليها السلام).. فعن أنس بن مالك قال: (كان النبي (صلی الله علیه) إذا أتي بشيء قال: “اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة).

فإذن، ما أجمل الحياة الزوجية الجامعة بين الود الزوجي والود الإيماني!.. وأجمل بيت على وجه الأرض -لا القصور ولا غيره- البيت الذي فيه زوجان يقومان في جوف الليل، هذه في غرفة وهذا في غرفة، والملائكة تراقب، ورب العالمين يراقب، وإذا بالزوج يجعل زوجته في قائمة الأربعين، فيقول: “اللهم!.. اغفر لزوجتي فلانة”، والزوجة في دعائها في أول القائمة -بعد الدعاء لأبويها- تقول: “اللهم!.. اغفر لزوجي فلان”.. إنه منظر مهيب، فهل هكذا أسرة يمكن أن تتفكك أو تنفصل؟!.. في الليل دعاء، وفي النهار احترام!..

٣. إنها من مصاديق “المؤمن” التي تحث الروايات على إكرامه!.. البعض يظن بأن المقصود بالمؤمنين: هم المؤمنون الأباعد دون الأقارب!.. ولكن الزوج والزوجة أيضاً هم من مصاديق “المؤمن”.. فالزوج الذي يكرم زوجته لإيمانها وكذلك الزوجة، تنطبق عليهم هذه الروايات.. فعن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (أيما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة، نفّس الله عنه سبعين كربة من كرب الدنيا وكرب يوم القيامة)، هذا الحديث لا ينطبق على الذكور فقط!.. إنما الزوجة أيضاً هي في حكم الأخ، فالرواية ليست في مقام بيان الذكورة والأنوثة.. فلو أن امرأة فرجت عن أختها المؤمنة، ألا ينطبق عليها هذا الحديث؟!.. ولو أن رجلاً فرج عن أخته النسبية كربة، ألا يُفرج عنه سبعون كربة؟.. لذا، المؤمن ينظر إلى زوجته، كعنصر إيماني في المنزل، وهكذا العكس.

الثاني: إذا تورط المؤمن التقي في زواجه، فلم يحسن الاختيار، وتزوج امرأة لا يرتاح لها لسبب ما، وأنجب منها؛ فإنه يخاف الله تعالى فيها ولا يظلمها.. بعض الناس لا يوجد انسجام واقعي في قلبه مع زوجته، لنقص في إيمانها.. ولكن عندما تسأل الزوجة عن علاقة الزوج بها؟.. وإذا بها تقول: من أفضل العلاقات، إنه يحبني حباً جماً!.. هذا هو المتقي يكتم ما في قلبه، وإن رأى ما لا يعجبه.. كما أن المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، كذلك في الحياة الزوجية إن كان كارهاً لزوجته لظرف منطقي عقلائي، يحاول أن لا يبرز ذلك.. وفي رواية عن النبي (صلی الله علیه) أنه قال: (اتقوا الله في الضعيفين!)؛ ويعني بذلك “المرأة واليتيم”.. فقد جعل اليتيم والمرأة في مصاف واحد، للرقة بينهما.

ثالثاً: الحوارية الهادفة بين الزوجين..
١. إن من ضمانات استمرار الحياة الزوجية السعيدة، بعد البعد الإيماني، لابد من البعد العملي، لابد من تطبيق مبدأ الحوارية بين الزوجين.. ولكن للأسف قل من يلتفت إلى هذا الأمر!.. فقد يكون الزوج مديراً لإحدى الشركات الكبرى، وهو يعقد في كل يوم اجتماعاً إدارياً وظيفياً تخطيطياً استراتيجياً، لمناقشة العقبات والتطلعات والبرمجيات.. ولكنه مع ذلك لم يجلس جلسة عمل واحدة مع زوجته، لمناقشة أمور الأسرة، والتخطيط والبرمجة في كيفية التعامل مع الأولاد في كل المراحل: الطفولة، والمراهقة، والشباب!.. مع الأسف إن الزوج والزوجة قد يكونان في أعلى المستويات المتميزة، ولهما من القدرة العقلية المتميزة ما لهما، ولكن لا يصبانها في هذا القالب؛ قالب الحياة الأسرية، لا يوظفان ما عندهما من قدرات في بناء الأسرة!..

٢. إن الحوار لابد أن يكون بلغة حوارية منطقية، والغرض منه الوصول إلى النتائج، لا لمجرد الجدل وإثبات الغلبة على الطرف الآخر!.. فلا يستبد الرجل برأيه، ويقول: أنا الرجل والحق معي!.. صحيح أن الرجال قوامون في مجال إدارة الأسرة، ولكن قد تكون المرأة متفوقة على الرجل في جانب الفكر والمنطق!.. حتى في الجامعات، الملاحظ أن النساء في بعض التخصصات؛ هن أكثر فهماً ودقة وذكاء من الرجال!.. فالعقل والمنطق والفكر البشري ليس حكراً على رجل أو امرأة.. ولهذا بعض الناس مع أن له منصباً جامعياً راقياً، عندما يريد أن يستشير أحداً، فإنه يستشير زوجته، وقد تكون غير متعلمة، ولكنْ لها منطق ولها عقل، وتحلل الأمور؛ فالعقل ليس بالشهادات الجامعية.

٣. إن البعض يرى أن الشهادة الجامعية لها دور في الحياة الزوجية؛ ولكن في الحقيقة: لا ارتباط للسعادة الزوجية بالشهادة الجامعية، إن لم يكن العكس.. فهذه الشهادة الجامعية أحياناً تكون مدعاة للتفكك الأسري، خاصة عند إصرار الزوجة على العمل؛ كي ترى نتيجة تعبها لسنوات.. وعندما تذهب للعمل؛ تتعرف على الرجال.. فترجع إلى المنزل وهي مشبعة بعشرات الرجال: حديثاً، ومزاحاً، ونقاشاً، و..الخ.. فإذن، العقل هو المطلوب؛ وإلا كونها متخصصة في الحاسوب، أو الكيمياء، أو..الخ، فهذه الأمور لا ارتباط لها بالحياة الزوجية!.. فهل الدكتورة في الكيمياء والفيزياء، هي أقدر على تربية أولادها، ممن هي غير حائزة على شهادة جامعية؟!.. نحن لسنا من الذين يحاربون العلم والتخصص، ولكن التخصص الجامعي ليس من موجبات النجاح في الحياة الزوجية.. إنما العقل هو المطلوب، والعقل كما ورد في الروايات (العقل ما عبد به الرحمن، واكتسب بهِ الجنان).

٤. إن المرأة العاقلة التي لا تعلم، إذا قيل لها: هذا لا يجوز، تقول: سمعاً وطاعة.. وإذا قيل لها: هذه غيبة غير جائزة، أو هذا طعام غير حلال، أو هذا زي غير شرعي، أو أن ضربك للطفل بلا تربية وبلا إذن الزوج لا يجوز؛ فإنها تستجيب بكل أريحية، وتتراجع عن موقفها.. هذه امرأة عاقلة، وإن لم تكن حائزة على أي شهادة دراسية.. أما المرأة التي تدعي بأن لها أرقى التخصصات، وعندما يقال لها: هذا لا يجوز، وإذا بها تقول: من قال لك؟.. ومن قال: بأن كلام الفقيه ملزم؟.. ولو فرضاً أنه ملزم، إن شاء الله في سن الأربعين فما بعد، نتوب إلى الله عز وجل!.. هل هذه امرأة عاقلة، رغم حصولها على أعلى الشهادات؟!.. وبعض النساء السافرات عندما يقال لهن: الحجاب حكم شرعي واضح، ولا خلاف فيه بين كل فرق المسلمين، حتى عند اليهود والنصارى ترى القسيسات في الكنائس وغيرهن لهن شيء من الحشمة.. وإذا بها تقول: إن هداني الله سوف ألبس الحجاب!.. وكأن الله -عز وجل- الآن لا يريد هدايتها!.. ما هذا المنطق السخيف؟!.. المرأة لابد أن تكون بين يدي ربها، كالأمة بين يدي سيدها.. التي لا تعمل بالمنطق الشرعي، هذه المرأة لا وزن لها!..

٥. إن المرأة التي ترتدي حجاباً غير شرعي، لو رآها الإمام الحجة (عليه السلام) بهذه الحالة ألا تنكس رأسها؟.. إذا خرجت امرأة في الحد الأدنى من الزي الشرعي، ومعالم بدنها مفصلة، ورائحتها فائحة، وفي الطريق قالوا: هذا الإمام أمامك؛ ألا تذوب خجلا؟.. فلمّ لا يذوب الإنسان خجلاً من رب العالمين؟!.. عند الذهاب لمشاهد المعصومين هناك غرفة تسمى غرفة العباءات، المرأة السافرة أو غير المحتشمة تلبس عباءة زينبية، وتذهب إلى مشاهد المعصومين، ثم تخرج وترميها جانباً، وتمشي في الشوارع تأكل وتشرب وتسرح.. هذه ظاهرة مبكية؛ أين الرقابة الإلهية؟.. فهل رب العالمين يراقب في حرم المعصوم، وخارج الحرم لا يراقب؟!.. البعض يقول: هذا خير من العدم، صحيح أن احترام المقام يقتضي ذلك، ولكن المنطق هو المنطق!..

رابعاً: التجانس في الأرواح..
إن من موجبات الحياة الزوجية السعيدة، أن يكون هناك انسجام روحي وثقافي بين الزوجين.. لذا فإن الإنسان قبل أن ينظر إلى جمال المرأة ومالها؛ عليه أن ينظر إلى عقلها.. فإن من أجمل صور الحياة الزوجية، أن يكون للإنسان أنيس في المنزل.. الكثيرون قبل الزواج في فترة الخطوبة، يعيشون حالة من الأنس المتميز، ولكن هذه الحالة لا تستمر بعد الزواج!.. إذ أنه بعد فترة قصيرة شهر أو شهرين، وإذا بالزوجين لا يوجد جهة مشتركة بينهما، تُوجد لهما الأنس ببعضهما.. فيجلسان ينظر كل واحد منهما للآخر، لا كلام بينهما؛ لأنه لا توجد ثقافة مشتركة، ولا تجانس في الأرواح.. والحل هو الانشغال بالتلفاز أو غيره؛ وهذه حياة مملة.. ولكن إذا تورط الإنسان في هكذا وضعية، فليحاول أن يكملها: إن كان أعلم منها، فليجعل لها درساً في الفقه وفي العقائد، عسى أن ترتفع إلى مستواه في يوم من الأيام.. ولكن الكارثة إن كانت الزوجة أعلم منه، وهو يستنكف عن الاستفادة من علمها، فهنا يبقى الزوج على حالته!.. لذا يجب الانتباه والتدقيق قبل الاختار؛ لأنه من الضروري جداً أن يختار الإنسان من يكون له أنيساً إلى ساعة موته.

الخلاصة:

١. إنه من الضروري للمؤمن قبل الدخول في حياة زوجية، أن يأخذ دورات تثقيفية في كيفية إدارة الأسرة، وكيفية التعامل مع الزوجة والأولاد وتربيتهم.

٢. إن من موجبات الخلافات والتفكك الأسري، هو المخالفات الشرعية قبل الزواج.. لذا، يجب الحذر من هذا الأمر، ومراعاة أنهما أجنبيان ما دام العقد لم يتم.

٣. إن هناك فرقاً بين المودة والمحبة.. فالمحبة قد تكون في القلب، ولا تنعكس على الجوارح.. وهذا لا يكفي، فلابد من اجتماع المحبة مع المودة، أي إظهار هذا الحب بشكل عملي لتتقوى العلاقة بين الزوجين.

٤. إن الله تعالى هو الجاعل للمودة وللرحمة، والجاعل هو الرافع.. فينبغي الحذر من المخالفات والمعاصي التي توجب هذا الرفع؛ وإلا فما أصعب الحياة عندما يجبر إنسان بملازمة ومعايشة إنسان لا يحبه!..

٥. إن التقوى هي الضمانة لتحقيق السعادة، وذلك لأمرين: الأول: إن اجتماع العشق الزوجي مع العشق الإيماني، يجعل الحياة الزوجية أجمل ما يكون!.. والثاني: وإن هو كرهها لسبب ما لن يظلمها؛ لأنه يخاف رب العالمين فيها.. ففي كلا الحالتين هناك نوع سعادة، ولو من طرف واحد!..

٦. إن من ضمانات استمرار الحياة الزوجية السعيدة، بالإضافة إلى البعد الإيماني، لابد من البعد العملي، لابد من عقد جلسات حوارية لمناقشة ما يجد من قضايا الأسرة.. ولابد أن يكون الحوار بلغة منطقية، والغرض منه الوصول إلى النتائج، لا لمجرد الجدل، وإثبات الغلبة على الطرف الآخر!..

٧. المناط في تقييم الإنسان هو العقل، والعقل هو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان، ولا ارتباط للشهادات الجامعية بالحياة الزوجية!.. فقد تكون الزوجة لا تحمل شهادات، ولكنّ لها عقلاً متميزاً وقدرة على التحليل، ما يؤهلها للاستشارة.. والمرأة العاقلة هي التي عندما يقال لها: هذا الأمر يتعارض مع الشرع؛ تتركه بلا مكابرة وعناد.

٨. إن من موجبات الحياة الزوجية السعيدة، أن يكون بين الزوجين انسجام روحي وثقافي.. فمن الضروري جداً أن يختار الإنسان، من يكون أنيساً له إلى ساعة موته.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.