Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

قوى رب العالمين..
إننا نعيش التقارب الثقافي في هذه المرحلة من عمر البشرية، نتيجة عصر القرية الكونية الواحدة.. حيث أن هُنالك سُرعة رهيبة في انتقال المعلومات بينَ البشر، سواء المعلومات النافعةِ أو الضارة.. فهذهِ النعم الكُبرى -كالكتاب، والقلم، والمداد، وأمواج الفضائيات- كلها تمثل جزءً بسيطاً من قوى رَب العالمين.. فالله -عَزَ وجل- هو المُلهم في كثيرٍ من الاختراعات، إذ يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}؛ أي نحن علمنا داوود -عليه السلام- كيف يصنع الدرع.. وشتان بين صناعة الدرع وبين أمواج الفضاء!.. فرَب العالمين لمصالح يراها، يُلهم مخترع الكهرباء: الكهرباء، ومكتشف الذرة: الذرة، و..الخ؛ لأمرٍ هو بالغهُ.. وذلك لأن رب العالمين يُريد أن يصل بالبشرية إلى أعلى مَد حضاري مُمكن، ليأتيَ بعدَ ذلك صاحب العصر -عجل الله تعالى فرجه- بحضارةٍ ناسخةٍ لكُلِ هذهِ الحضارات المُتقدمة.

أسلوب الدعوة إلى الله عز وجل..
إن هذا التقارب بينَ البشر، يجعل الإنسان في كلِ يوم يزدادُ توغلاً واكتشافاً لعجائبِ هذا العالم، ومنها: الأبحاث الفكرية، والإنحرافات العقائدية.. فنحن -مع الأسف- نسينا الطريق الذي يُريدهُ رب العالمين لنا!.. والكلام هنا ليس لغير المُسلم الذي يروّج للإلحاد والكُفر؛ إنما الكلام للمسلم والمؤمن الذي يعتقدُ باللهِ وباليوم الآخر، ويعتقد أنهُ {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.. فالبعض في مقام تقريب الناس إلى الله -عَزَ وجل- وإذا به يتباعد من رب العالمين، فيهتك أبسط قواعد التعامل مع الغير، من حُرمة: الغيبة، والبُهتانِ، والنميمةِ، والإفتراءِ، والسب، والتجاسرِ، والتسقيط، والتهميشِ، وغيره.. فالقُرآن هو الحَكم، لئن اختلفنا في الروايات، لا نختلف في كتاب اللهِ -عَزَ وجل- يقول تعالى في كتابه الكريم: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}؛ هذهِ هي كلمة الفصل في هذا المجال.. فالإنسان الذي يريد أن يدعو إلى الله -عز وجل- لابد له من اتباع الخطوات التالية:

أولاً: تعيين الهدف من الدعوة.. يقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ}؛ أي أن هذا السبيل هو سبيل الله، فلمَ التوتر؟.. ينبغي للمؤمن أن يكون هادئاً ومؤدباً في هذا المجال، يطرح ما عنده بكل هدوء، ولا يذهب يميناً وشمالاً، ولا يغضب ولا يثار، ولا يكون ملكياً أكثر من الملك!.. فإذن، الذي يُجادل -وما أكثرهم هذهِ الأيام في الفضائيات والمواقعِ وغيرها- ليطرح ما معه من بضاعة على حسب المواصفات والشروط الشرعية، ولا يستميت في سبيل قبول الطرف الآخر لمقولته، يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ}.

ثانياً: الإلمام بطرق التبليغ.. إن هُناك ثلاثة طُرق لتبليغ الدين، وترويج سبيل رب العالمين:
١. الحكمة.. إن الإنسان الذي في مقام الدعوة إلى الله -عز وجل- عليه أن يُلقي ما عنده من كلام حكيم.. فالبعض اهتدى إلى الإسلام، أو انتقل إلى طريقِ أهل البيت -عليهم السلام- من خلال سماعهم لدعاءٍ كُميل لأمير المؤمنين -عليه السلام- أو من خلال سماعهم لكلمات أهل البيت الحكمية.. فقد روي عن الإمام علي بن موسى الرضا -عليه السلام- أنه قال: (أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا)!.. فقيل له: يا بن رسول الله، وكيف يحيا أمركم؟.. قال: (أن يتعلم علومنا ويعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا؛ لاتبعونا).. فإذن، إن المؤمن يحتاجُ أن يُلقي الحكمة تارةً.. فكم من الجميل أن نغتنم الفرصة في مناسبات الأئمة -عليهم السلام-: ميلاداً واستشهاداً، ونطرح محاسن كلماتهم وسيرتهم!.. وما أروع ما سَجلَ التأريخ من محاسن كلماتهم!.. ففضائل الأئمة ومقاماتهم -عليهم السلام- أمرٌ مُهم، ولكن قد لا يُترجم عملياً.. أما أفعالهم وسلوكهم، فهذا الذي يمكن أن يكون مادةً للتأسي والاقتداء!..

٢. الموعظة الحسنة.. إن الحكمة كلام يلامس العقول.. أما الموعظة؛ فإنها تلامسُ القلوب.. فالإنسان قد يكون مُستقيماً فكرياً، ولكن منحرفاً في مقام العمل، فهو يحتاج إلى هزةٍ في الباطن.. كأن يكون هناك إنسان مبتلى بمعصية، فيقول له أحدهم: “ألهذا خُلقنا”!.. وإذا بهذه الكلمة تُغير من مسيرته في الحياة.. ومثالاً على ذلك قصة الفضيل بن عياض، الذي سمع آية من القرآن الكريم، فكانت سبباً في توبته.. وملخص القصة: “أن الفضيل بن عياض أراد أن يسرق بيتاً، فسمع صاحب الدار يقرأ القرآن ويبكي.. فجلس الفضيل يستمع إلى ذلك الرجل العجوز، إلى أن وصل إلى قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ…}.. قال: بلى والله قد آن!.. فكان هذا مبتدأ توبته.

٣. الجدال بالحسنى.. إن إلقاء الحكمة ليسَ فيه مواجهة، وكذلك الموعظة الحسنة، ليس فيها مواجهة.. أما في القسم الثالث وهو الجدال، فهناك إنكار، وهُناك اعتراف، وهُناكَ عدم قَبول؛ لذا يقول تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.. فالجدال إذا كانَ في جو الحكمة والموعظة الحسنة؛ فإنه يُثمر.

ثالثاً: معرفة من يجادل.. إن المؤمن لا يُجادل إلا من هو مستعد للنقاش.. حيث أنه يُشخّص الطرف المقابل، فإذا كان قاطعاً بأمره، مصراً على رأيه، ولن يقبل كلام غيره؛ فإنه يدعه وشأنه.. لأن البعض يُغمض عينيه عن الحقائق، بدعوى أنَ هذه الأمور تُشغل البال، وتأخذُ جهداً ووقتاً.. ولكن الإنسان عندما يموت، قبلَ أن يُسأل عن صلاتهِ وصيامه؛ يُسأل: عن ربهِ، وعن كتابهِ، وعن قبلته،ِ وعن نبيهِ، وعن حُجتهِ في زمانه، فقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أنه قال: (من مات وهو لا يعرف إمامه؛ مات ميتة جاهلية).. فإذن، من المُمكن أن يبقى الإنسان على ما هو عليه، بلا تكلف عناء البحث؛ فيرتطم بالعقبات التي تنتظره في البرزخ، وعرصات القيامة.

بحث الإمامة..
إن بحث الإمامة هذهِ الأيام من أكثر الأبحاث جدليةً وتداولاً!.. والبحثُ ينصب في هذا الأمر الهرمي، فلا ينبغي للمؤمن أن يترك رأسَ الهرم ليبحث في الجُزئيات الفقهية.. لأنه لا جدوى من الخوض في أبحاث الاختلاف في أركان الصلاة، وفي جُزئيات الصلاة، وفي الوضوء؛ فإذا سلّم الطرف الآخر في مصدر الحُجية، واقتنع بمبدأ الإمامة، فقد انتهى الأمر!.. لأنه إذا كانَ الإمام مفترض الطاعة، فكلامهُ حُجة، وما يقولهُ الفقيه هذهِ الأيام استنباطاً لكلام الإمام، يأخذُ بهِ.. وإذا لم يقتنع فإن الجدال سيستمر ولن ينتهي.

صفات الإمامي..
أولاً: الاتباع.. إن من صفات الإمامي الاتباع، والعمل بما يقولهُ الإمام -عليه السلام- يقول تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}.. هل الرسول لهُ حق الطاعة علينا بنفسه؟.. وهل الإنسان مُلزم بأن يسمع كلامَ بشر، لولا هذا الدعم السماوي؟.. فالنبي بشر، وليسَ لبشر حق على أحد.. وعليه، فإنه كما نقبل كلامَ النبي تبعاً لكلام الرب، أيضاً نَقبلُ كلام الوصي تبعاً لكلام النبي.. المِلاك هو المِلاك: رَب العالمين أمرَ باتباع الرسول، والرسول أمرَ باتباع أولي الأمر، الذينَ هم أوصياء النبي مُحمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- الذين يُطاعون كطاعة الرسول، والذين لهم علم الرسول، وعصمة الرسول؛ ولكن ليس بنفس الدرجة!.. فنحن لا نقرن بين النبي وبينَ أوصياء النبي، حيث أن الأئمة -عليهم السلام- كانوا عندما يذكرونَ اسم النبي -صلى الله عليه وآله- تتغير ألوانهم؛ احتراماً لجدهم المصطفى -صلى الله عليه وآله-.. وقد ورد في بعض الروايات عنهم عليهم السلام: (أن رسول الله آخذ بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزته، وأنتم آخذون بحجزتنا).. هذا هو الترتيب في الاتصال بعالم الغيب.. هُنا غنيٌ عن القول: أن إبداء محبتهم، والترنم بذكرهم من خلال القصائد والأشعار؛ أمر جيد.. ولكنْ هذا لا يكفي، إذ لابد من المحبة الصادقة التي هي التأسي بهم، والعمل بسيرتهم؛ فهذا هو الحب الصادق، كما يُستشهد بهذين البيتين:

تعصي الإلـه وأنت تُظهر حبه *** هذا لعمري في الفعال بديعُ
لــو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

ثانياً: الاقتداء.. ما معنى الاقتداء؟.. أي أن نجعل المعصوم في كُلِ عصر أمامنا، لنمشي خَلفه.. فالقُرآن يأمرنا باتباع إبراهيم ومن معه، تقول الآية: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}.. فإبراهيم يُقتدى به، وأتباع إبراهيم يُقتدى بهم، والنبي -صلى الله عليه وآله- يُقتدى به.. والذي يُريد الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وآله- لابدَ أن يطّلعَ على سنته وعلى سيرته، فصاحب تفسير الميزان، ألفَ كتاباً باسم”سُنن النبي”.. نحنُ من الذينَ نأمر باتباع سُنة النبي، ولكن السنّة الصحيحة المنقولة من عترته.. ومن هُنا لا اثنينية بين رواية “سُنتي أو عترتي”، صحيح أن حديث “عترتي” هو المشهور، ولكن لو قُلنا: “سُنتي” أي السُنة التي تأتي من الطُرق المعتبرة.. ومن كعلي ليكونَ باب مدينة علم المصطفى محمدٍ -صلى الله عليه وآله-!..

ج. التودد إليهم.. بعدَ الاتباع، وبعدَ الاقتداء؛ تأتي العلاقة العاطفية.. نحنُ تكاسلاً أو تجاهلاً، نجعل العلاقة العاطفية في الدرجة الأولى، وإن أمكنَ الاتباع نتبع، وإن أحببنا الاقتداء نقتدي.. ولكن الترتيب هو: الاتباع أولاً، والاقتداء ثانياً، ثم التودد إليهم ثالثاً.. يقول تعالى: {وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ..}؛ والوسيلة هُنا هي مقامهم عندَ الله -سبحانهُ وتعالى-.. هذهِ الرواية المنقولة عن النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله- تدل على أن هؤلاء ليسوا بذواتهم وسائل.. يقول النبي -صلى الله عليه وآله-: “إذا صليتم علي، فاسألوا الله لي الوسيلة”.. قيل: يا رسول الله، وما الوسيلة؟.. قال: “أعلى درجة في الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، وأرجو أن أكون أنا هو”.. فإذن، إن مقام النبي هو الذي يجعلكَ تتوجه بهِ إلى الله -عزَ وجل-.. وهذا المقام بدرجةٍ أخف موجودٌ في أوصيائهِ، فوصي النبي مرتبطٌ بالنبي، ولهُ مزايا كثيرة من مزايا النبي -صلى الله عليه وآله- ما عدا الوحي.. وعليه، فإن الإنسان عندما يقول: (يا وجيهاً عندَ الله، إشفع لنا عندَ الله)!.. ليس هناك أي مبالغة في الأمر!.. والذينَ ينكرون هذهِ المعاني ألا يتوسلون في حوائجهم الدنيوية بزيد وعمرو؟.. هل هناك إنسان يعيش في هذهِ الدُنيا، ولا يطلب شيئاً من زوجته أو أولاده؟!.. وبالتالي، فإنه كما يتوسل الإنسان بالآخرين، ويطلب من زوجته ومن أولاده المساعدة، فليطلب من هذهِ الذوات الطاهرة.. قد يقول قائل: الطلب من الزوجة أمرٌ معقول، لأنَ الزوجة حيةٌ تُرزق.. أما رسول الله، وأمير المؤمنين، والأئمة؛ فقد ذهبوا وانقطعوا من هذهِ الدُنيا!..

لقد روي (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ.. فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ.. فَقَالَ: مَا نُرَاهُ إِلَّا يَنْطَلِقُ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ: يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ!.. وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ!.. أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟.. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا!.. فَقَال:َ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ!.. مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ..).. لأنَ هؤلاء ذهبوا إلى عالم البرزخ؛ فإن قواهم أكبر ألا يقول تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.. فالمعصوم بعدَ الممات، إن لم يكن أقدر من الحياة، فليسَ بأقل!.. لأنه في ذلك العالم ترتفع حُجب الدُنيا.. فهل قتلى بدر يسمعون ما يُقال لهم، والإمام المعصوم لا يسمع!.. وإن قيل: أنهُ يسمع ولكن قدراتهُ محدودة.. فإننا نستشهد بهذه الآية من القرآن الكريم: {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}.. ما معنى عفريت؟.. العفريت هو المارد الخبيث، هذا المارد يقول لسُليمان -عليه السلام-: أنا آتيك بعرش بلقيس قبلَ أن تقوم من مقامك؛ أي بأقل من ثانيتين أو ثلاث!.. إذا كانَ المارد الخبيث لهُ هذهِ القُدرة؛ فكيفَ بسيد الأوصياء أمير المؤمنين -عليه السلام-؟!..

فإذن، إن البحث ينبغي أن يكونَ في هذا الإطار، وليستشهد الإنسان بالقُرآن، وبالأحاديث المتفق على مضامينها بين الفريقين.. وليطلب من الله -عز وجل- التسديد في هذا المجال، “استفهم الله يُفهمك”.. فالذي يُفرغُ قلبهُ من كُلِ حُكمٍ مسبق، ويقول: يا رب، جئتكَ عُرياناً -فكرياً-، أتخلى عن كُل شيء، فقط سددني، وأرني الحق!.. فإن رب العالمين ليسَ ببخيل، وهو الذي أوحى إلى النحل، ألا يوحي إلى هذا المؤمن؟!.. لا عَبرَ جبرئيل أو ميكائيل، بل لهُ طُرقهُ الخاصة، فقد يقذفُ في قلبه النور الذي يقذفهُ في قلوبِ أوليائه.. فالمؤمن يدعو دائماً بهذا الدعاء: (اللهم!.. اجعل لنا نوراً نمشي به في الناس).. لا النور في المُعاملات اليومية فحسب!.. بل في المواقف الفكرية المُهمة؛ أيضاً يؤخذ بيده!..

الخلاصة:

١- أن الله -عَزَ وجل- هو المُلهم في كثيرٍ من الاختراعات، لأنه يُريد أن يصل بالبشرية إلى أعلى مَد حضاري مُمكن، ليأتيَ بعدَ ذلك صاحب العصر -عجل الله تعالى فرجه- بحضارةٍ ناسخةٍ لكُلِ هذهِ الحضارات المُتقدمة.

٢- أن البعض في مقام تقريب الناس إلى الله -عَزَ وجل- وإذا به يتباعد من رب العالمين، فيهتك أبسط قواعد التعامل مع الغير .

٣- أن الذي يريد أن يدعو إلى الله -عز وجل- لابد له من تعيين هدف الدعوة أولا، والإلمام بطرق التبليغ، ومعرفة من يجادل.

٤- أن من صفات الإمامي المحبة الصادقة التي هي التأسي بهم، والعمل بسيرتهم؛ فهذا هو الحب الصادق.

٥- أننا نحنُ تكاسلاً أو تجاهلاً، نجعل العلاقة العاطفية مع الأئمة في الدرجة الأولى، وإن أمكنَ الاتباع نتبع، وإن أحببنا الاقتداء نقتدي، ولكن الترتيب هو: الاتباع أولاً، والاقتداء ثانياً، ثم التودد إليهم ثالثاً.

٦- أن المعصوم بعدَ الممات، إن لم يكن أقدر من الحياة، فليسَ بأقل،لأنه في ذلك العالم ترتفع حُجب الدُنيا.

٧- أن المؤمن يدعو دائماً بهذا الدعاء: (اللهم!.. اجعل لنا نوراً نمشي به في الناس) لا النور في المُعاملات اليومية فحسب، بل أيضا في المواقف الفكرية المُهمة.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.