يوم عرفة – اليوم التاسع من شهر ذي الحجة – الذي ذكره الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان هو عيد من الأعياد العظيمة وإن لم يسم عيداً وهو يوم دعا الله فيه عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده والشيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أي وقت سواه وقد وردت في شأنه روايات كثيرة وأعمال مهمة منها الغسل ومنها زيارة الحسين (عليه السلام) وبعض الأدعية.
- مفاتيح الجنان
- » أعمال أشهر السنة
- » أعمال يوم عرفة – اليوم التاسع من شهر ذي الحجة
وهو يوم عرفة وهو عيد من الأعياد العظيمة وإن لم يسمّ عيداً وهو يوم دعا الله عباده فيه الى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده، والشيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أي وقت سواه.
وروي أنّ الإمام زين العابدين(صلوات الله وسلامه عليه)سمع في يوم عرفة سائلا يسأل الناس فقال له: ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم وهو يوم يُرجى فيه للأجنّة في الأرحام أن تعمّها فضل الله تعالى فتسعد.
ولهذا اليوم عدّة أعمال:
الأول: الغسل.
الثاني: زيارة الحسين(صلوات الله عليه) فإنّها تعدل ألف حجة وألف عمرّة وألف جهاد بل تفوقها، والأحاديث في كثرة فضل زيارته(عليه السلام)في هذا اليوم متواترة ومن وُفّق فيه لزيارته(عليه السلام)والحضور تحت قبّته المقدّسة فهو لا يقل أجراً عمّن حضر عرفات بل يفوقه وستأتي صفة زيارته(عليه السلام) في هذا اليوم في باب الزيارات إن شاء الله تعالى.
الثالث: أن يصلّي بعد فريضة العصر قبل أن يبدأ في دعوات عرفة ركعتين تحت السماء ويقر لله تعالى بذنوبه ليفوز بثواب عرفات ويغفر ذنوبه ثمّ يشرع في أعمال عرفة ودعواته المأثورة وعن الحجج الطاهرين(صلوات الله عليهم) وهي أكثر من أن تذكر في هذه الوجيزة ونحن نقتصر منها بما يسعه الكتاب.
قال الكفعمي في (المصباح): يستحب صوم يوم عرفة لمن لا يضعف عن الدعاء، والاغتسال قبل الزوال، و زيارة الحسين(صلوات الله عليه) فيه وفي ليلته، فإذا زالت الشمس فابرز تحت السماء وصلّ الظهرين تحسن ركوعهما وسجودهما فإذا فرغت فصل ركعتين في الاُولى بعد الحمد التوحيد وفي الثانية بعد الحمد سورة قل يا أيها الكافرون ثمّ صلّ أربعاً اُخرى في كلّ ركعة الحمد والتوحيد خمسون مرّة.
أقول: هذه الصلاة هي صلاة أمير المؤمنين(عليه السلام) التي مضت في أعمال يوم الجمعة ثمّ قل ماذكره ابن طاووس في كتاب (الاقبال) مرويا عن النبي(صلى الله عليه وآله)وهو:
سُبحانَ الَّذي في السَّماءِ عَرشُهُ سُبحانَ الَّذي في الأرضِ حُكمُهُ سُبحانَ الَّذي في القُبورِ قَضاؤُهُ سُبحانَ الَّذي في البَحرِ سَبيلُهُ سُبحانَ الَّذي في النَّارِ سُلطانُهُ سُبحانَ الَّذي في الجَنَّةِ رَحمَتُهُ سُبحانَ الَّذي في القيامة عَدلُهُ سُبحانَ الَّذي رَفَعَ السَّماءَ سُبحانَ الَّذي بَسَطَ الأرضَ سُبحانَ الَّذي لا مَلجأ وَلا منجى مِنهُ إلاّ إلَيهِ.
ثمّ قل: سُبحانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ وَلا إلهَ إلاّ اللهُ وَاللهُ أكبَرُمائة مرّة واقرأ التوحيد مائة مرة، وآية الكرسي مائة مرة، وصل على محمد وآله مائة مرة وقل: لا إلهَ إلاّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ يُحيي وَيُميتُ وَيُميتُ وَيُحيي وَهُوَ حَيٌّ لا يَموتُ بيَدِهِ الخَيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ عشراً، أستَغفِرُ اللهَ الَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ الحَيُّ القَيّومُ وَأتوبُ إلَيهِ عشراً، يا اللهُ عشراً، يا رَحمنُ عشراً، يا رَحيمُ عشراً، يا بَديعُ السَّماواتِ وَالأرضِ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ عشراً، يا حَيُّ يا قَيّومُ عشراً، يا حَنَّانُ يا مَنَّانُ عشراً، يا لا إلهَ إلاّ أنتَ عشراً، آمينَ عشراً.
ثمّ قل:اللهُمَّ إنّي أسألُكَ يا مَن هُوَ أقرَبُ إلَيَّ مِن حَبلِ الوَريدِ يا مَن يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ يا مَن هُوَ بِالمَنظَرِ الأعلى وَبِالأُفُقِ المُبينِ يا مَن هُوَ الرَّحمنُ عَلى العَرشِ استَوى يا مَن لَيسَ كَمِثلِهِ شيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ أسألُكَ أن تُصَلّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.
وسل حاجتك تقضى إن شاء الله تعالى ثمّ ادع بهذه الصلوات التي روي عن الصادق(عليه السلام): «إن من أراد أن يسرّ محمداً وآل محمد(عليهم السلام)فليقل في صلاته عليهم:
اللهُمَّ يا أجوَدَ مَن أعطى وَيا خَيرَ مَن سُئِل وَيا أرحَمَ مَن استُرحِم، اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ في الأوَّلينَ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ في الآخِرينَ وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ في المَلاءِ الأعلى وَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ في المُرسَلينَ، اللهُمَّ أعطِ مُحَمَّداً الوَسيلَةَ وَالفَضيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالرِّفعَةَ وَالدَّرَجَةَ الكَبيرَةَ، اللهُمَّ إنّي آمَنتُ بِمُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله)وَلَم أرَهُ فَلا تَحرِمني في القيامة رُؤيَتَهُ وَارزُقني صُحبَتَهُ وَتَوَفَّني عَلى مِلَّتِهِ وَاسقِني مِن حَوضِهِ مَشرَباً رَويا سائِغاً هَنيئاً لا أظمأُ بَعدَهُ أبَداً إنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، اللهُمَّ إنّي آمَنتُ بِمُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله)وَلَم أرَهُ فَعَرِّفني في الجِنانِ وَجهَهُ، اللهُمَّ بَلِّغ مُحَمَّداً(صلى الله عليه وآله)مِنّي تَحيَّةً كَثيرَةً وَسَلاماً».
ثمّ ادع بدعاء اُمّ داود وقد مرّ ذكره في أعمال رجب ثمّ سبّح بهذا التسبيح وثوابه لا يحصى كثرة تركناه اختصاراً وهو:
سُبحانَ اللهِ قَبلَ كُلِّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ بَعدَ كُلِّ أحَد وَسُبحانَ اللهِ مَعَ كُلِّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ يَبقى رَبُّنا وَيَفنى كُلُّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ تَسبيحاً يَفضُلُ تَسبيحَ المُسَبِّحينَ فَضلاً كَثيراً قَبلَ كُلِّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ تَسبيحاً يَفضُلُ تَسبيحَ المُسَبِّحينَ فَضلاً كَثيراً بَعدَ كُلِّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ تَسبيحاً يَفضُلُ تَسبيحَ المُسَبِّحينَ فَضلاً كَثيراً مَعَ كُلِّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ تَسبيحاً يَفضُلُ تَسبيحَ المُسَبِّحينَ فَضلاً كَثيراً لِرَبِّنا الباقي وَيَفنى كُلُّ أحَدٍ وَسُبحانَ اللهِ تَسبيحاً لا يُحصى ولا يُدرى وَلا يُنسى وَلا يَبلى وَلا يَفنى وَلَيسَ لَهُ مُنتَهى وَسُبحانَ اللهِ تَسبيحاً يَدومُ بِدَوامِهِ وَيَبقى بِبَقائِهِ في سِنيِّ العالَمينَ وَشُهورِ الدُّهورِ وَأيامِ الدُّنيا وَساعاتِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَسُبحانَ اللهِ أبَدَ الأبَدِ وَمَعَ الأبَدِ مِمَّا لا يُحصيهِ العَدَدُ ولا يُفنيهِ الأمَدُ وَلا يَقطَعُهُ الأبَدُ وَتَبارَكَ اللهُ أحسَنُ الخالِقينَ.
ثمّ قل:وَالحَمدُ للهِ قَبلَ كُلِّ أحَدٍ وَالحَمدُ للهِ بَعدَ كُلِّ أحَدٍ إلى آخر ما مرّ في التسبيح غير أنّك تقول عوض سُبحانَ اللهِ، الحَمدُ لِلهِ فإذا انتهيت إلى أحسَنُ الخالِقينَ، تعود فتقول: لا إلهَ إلاّ اللهُ قَبلَ كُلِّ أحَدٍ إلى آخره تستبدل بـ(سُبحانَ اللهِ) كلّمة لا إله إلا اللهُ،ثمّ تقول:وَاللهُ أكبَرُ قَبلَ كُلِّ أحَدٍ إلى آخره تستبدل بـ(سُبحانَ اللهِ) اللهُ أكبَرُ.
ثمّ تدعو بالدّعاء:اللهُمَّ مَن تَعَبَّأ وَتَهَيا وَأعَدَّ وَاستَعَدَّ لِوِفَادَةٍ إلى مَخلوقٍ رَجَاءَ رِفدِهِ وَطَلَبَ نائِلِهِ وَجائِزَتِهِ، فَإلَيكَ يا رَبِّ تَعبيَتي وَاستِعدادي رَجاءَ عَفوِكَ وَطَلَبَ نائِلِكَ وَجائِزَتِكَ، فَلا تُخَيِّب دُعائي يا مَن لا يَخيبُ عَلَيهِ سائِلٌ وَلا يَنقُصُهُ نائِلٌ، فَإنّي لَم آتِكَ ثِقَةً بِعَمَلٍ صالِحٍ عَمِلتُهُ وَلا لَوَفادَةِ مَخلوقٍ رَجَوْتُهُ؛ أتَيتُكَ مُقِرّاً عَلى نَفسي بِالإساءَةِ وَالظُّلمِ مُعتَرِفَاً بِأن لا حُجَّةَ لي وَلا عُذرَ أتَيتُكَ أرجو عَظيمَ عَفوِكَ الَّذي عَفَوتَ بِهِ عَنِ الخاطِئينَ. فَلَم يَمنَعكَ طولُ عُكوِفِهم عَلى عَظيمِ الجُرمِ أن عُدتَ عَلَيهِم بِالرَّحمَةِ، فيامَن رَحمَتُهُ وَاسِعَةٌ وَعَفوُهُ عَظيمٌ، يا عَظيمُ يا عَظيمُ يا عَظيمُ، لا يَرُدُّ غَضَبَكَ إلاّ حِلمُكَ وَلا يُنجي مِن سَخَطِكَ إلاّ التَّضَرُّعُ إلَيكَ ، فَهَب لي يا إلهي فَرَجاً بِالقُدرَةِ الَّتي تُحيي بِها مَيتَ البِلادِ، وَلا تُهلِكني غَمّا حَتّى تَستَجيبَ لي وَتُعَرِّفَني الإجابَةَ في دُعائي، وَأذِقني طَعمَ العافيَةِ إلى مُنتَهى أجَلي، وَلا تُشمِت بي عَدوّي، وَلا تُسَلِّطهُ عَلَيَّ، وَلا تُمَكِّنهُ مِن عُنُقي. اللهُمَّ إن وَضَعتَني فَمَن ذَا الَّذي يَرفَعُني ؟ وَإن رَفَعتَني فَمَن ذَا الَّذي يَضَعُني؟ وَإن أهلَكتَني فَمَن ذَا الَّذي يَعرِضُ لَكَ في عَبدِكَ أو يَسألُكَ عَن أمرِهِ ؟ وَقَد عَلِمتُ أنَّهُ لَيسَ في حُكمِكَ ظُلمٌ وَلا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، وَإنَّما يَعجَلُ مَن يَخافُ الفَوتَ، وَإنِّما يَحتاجُ إلى الظُّلمِ الضَّعيفُ، وَقَد تَعالَيتَ يا إلهي عَن ذلِكَ عُلوّاً كَبيراً. اللهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ فَأعِذني وَأستَجيرُ بِكَ فَأجِرني، وَأسترزِقُكَ فَارزُقني، وَأتَوَكَّلُ عَلَيكَ فَاكفِني، وَأستَنصِرُكَ عَلى عَدوّي فَانصُرني، وَأستَعينُ بِكَ فَأعِنّي، وَأستَغفِرُكَ يا إلهي فَاغفِر لي آمينَ آمينَ آمينَ.
وقد مر في أعمال ليلة الجمعة.
ثمّ ادع بما ذكره الشيخ الطوسي في مصباحه وهو من أدعية علي بن الحسين(عليه السلام):اللهُمَّ أنتَ اللهُ رَبُّ العالَمينَ.
أقول: هذا الدعاء يُدعى به في الموقف في عرفات وهو دعاء طويل قد أعرضنا عن ذكره.
وادع أيضاً في هذا اليوم وأنت خاشع بالدعاء السابع والأربعين من الصحيفة الكاملة وهو يحتوي على جميع مطالب الدنيا والآخرة صلوات الله على منشئها.
دعاء الحسين(عليه السلام) في يوم عرفة
ومن دعوات هذا اليوم المشهورات دعاء سيد الشهداء (عليه السلام) روى بشر وبشير ابنا غالب الأسدي قالا: كنا مع الحسين بن علي (عليهما السلام) عشية عرفة فخرج (عليه السلام) من فسطاطه متذلّلاً خاشعاً فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت ثمّ رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين ثمّ قال:
الحَمدُ للهِ الَّذي لَيسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنعِهِ صُنعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أجناسَ البَدائِعِ وَأتقَنَ بِحِكمَتِهِ الصَّنائعِ وَلا تَخفى عَلَيهِ الطَلائِعِ وَلا تَضيعُ عِندَهُ الوَدايِعُ جازي كُلِّ صانِعٍ وَرايِشُ كُلِّ قانِعٍ وَراحِمُ كُلِّ ضارِعٍ مُنزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنّورِ السَّاطِعِ وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ وَللكُرُباتِ دافِعٌ وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ وَلِلجَبابِرَةِ قامِعٌ، فَلا إلهَ غَيرُهُ وَلا شَيءَ يَعدِلُهُ وَلَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ البَصيرُ اللَّطيفُ الخَبيرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللهُمَّ إنّي أرغَبُ إلَيكَ وَأشهَدُ بِالرُّبوبيَّةِ لَكَ مُقِرَّاً بِأنَّكَ رَبّي وَإلَيكَ مَرَدّي.
ابتَدأتَني بِنِعمَتِكَ قَبلَ أن أكونَ شَيئاً مَذكوراً وَخَلَقتَني مِنَ التُرابِ ثمّ اسكَنتَني الأصلابَ آمِناً لِرَيبِ المَنونِ وَاختِلافِ الدُّهورِ وَالسِّنينَ، فَلَم أزَل ظاعِناً مِن صُلبٍ إلى رَحِمٍ في تَقادُمٍ مِن الأيامِ الماضيَةِ وَالقُرونِ الخاليَةِ، لَم تُخرِجني لِرأفَتِكَ بي وَلُطفِكَ لي وَإحسانِكَ إلَيَّ في دَولَةِ أئِمَّةِ الكُفرِ الَّذينَ نَقَضوا عَهدَكَ وَكَذَّبوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أخرَجتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدى الَّذي لَهُ يَسَّرتَني وَفيهِ أنشَأتَني وَمِن قَبلِ ذلِكَ رَؤُفتَ بي بِجَميلِ صُنعِكَ وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فَابتَدَعتَ خَلقي مِن مَنيٍّ يُمنى وَأسكَنتَني في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بَينَ لَحمٍ وَدَمٍ وَجِلدٍ لَم تُشهِدني خَلقي، وَلَم تَجعَل إلَيَّ شَيئاً مِن أمري ثمّ أخرَجتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الهُدى إلى الدُّنيا تامّاً سَويا وَحَفَظتَني في المَهدِ طِفلاً صَبيا ، وَرَزَقتَني مِنَ الغِذاءِ لَبَناً مَرياً وَعَطَفتَ عَلَيَّ قُلوبَ الحَواضِنِ وَكَفَّلتَني الاُمَّهاتِ الرَّواحِمَ وَكَلأتَني مِن طَوارِقِ الجانِّ وَسَلَّمتَني مِنَ الزّيادَةِ وَالنُّقصانِ، فَتَعالَيتَ يا رَحيمُ يا رَحمنُ حَتَّى إذا استَهلَلتُ ناطِقاً بِالكَلامِ أتمَمتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الأنِعامِ وَرَبَّيتَني زائِداً في كُلِّ عامٍ، حَتَّى إذا اكتَمَلَت فِطرَتي وَاعتَدَلَت مِرَّتي أوجَبتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأن ألهَمتَني مَعرِفَتَكَ وَرَوَّعتَني بِعَجائِبِ حِكمَتِكَ، وَأيقَظتَني لِما ذَرَأتَ في سَمائِكَ وَأرضِكَ مِن بَدائِعِ خَلقِكَ وَنَبَّهتَني لِشُكرِكَ وَذِكرِكَ وَأوجَبتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ وَفَهَّمتَني ما جاءت بِهِ رُسُلُكَ وَيَسَّرتَ لي تَقَبُّلَ مَرضاتِكَ وَمَنَنتَ عَلَيَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ وَلُطفِكَ. ثمّ إذ خَلَقتَني مِن خَيرِ الثَّرى لَم تَرضَ لي يا إلهي نِعمَةً دونَ اُخرى وَرَزَقتَني مِن أنواعِ المَعاشِ وَصُنوفِ الرياشِ بِمَنِّكَ العَظيمِ الأعظَمِ عَلَيَّ وَإحسانِكَ القَديمِ إليَّ، حَتَّى إذا أتمَمتَ عَلَيَّ جَميعَ النِّعَمِ وَصَرَفتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ لَم يَمنعكَ جَهلي وَجُرأتي عَلَيكَ أن دَلَلتَني إلى ما يُقَرِّبُني إلَيكَ وَوَفَّقتَني لِما يُزلِفُني لَدَيكَ، فَإن دَعَوتُكَ أجَبتَني وَإن سألتُكَ أعطَيتَني وَإن أطَعتُكَ شَكَرتَني وَإن شَكَرتُكَ زِدتَني، كُلُّ ذلِكَ إكمالٌ لأنعُمِكَ عَلَيَّ وَإحسانِكَ إلَيَّ فَسُبحانَكَ سُبحانَكَ مِن مُبدئٍ مُعيدٍ حَميدٍ مَجيدٍ وَتَقَدَّسَت أسماؤُكَ وَعَظُمَت آلاؤُكَ، فَأيُّ نِعَمِكَ يا إلهي اُحصي عَدَداً وَذِكراً أم أيُّ عَطاياكَ أقومُ بِها شُكراً.
وَهي يا رَبِّ أكثَرُ مِن أن يُحصيها العادّونَ أو يَبلُغَ عِلماً بِها الحافِظونَ، ثمّ ما صَرَفتَ وَدَرَأتَ عَنّي اللهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أكثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لي مِنَ العافيَةِ وَالسَّرَّاءِ، وَأنا أشهَدُ يا إلهي بِحَقيقَةِ إيماني وَعَقدِ عَزَماتِ يَقيني وَخالِصِ صَريحِ تَوحيدي وَباطِنِ مَكنونِ ضَميري وَعَلائِقِ مَجاري نورِ بَصَري وَأساريرِ صَفحَةِ جَبيني وَخُرقِ مَسارِبِ نَفسي وَخَذاريفِ مارِنِ عِرنيني وَمَسارِبِ سِماخِ سَمعي وَما ضُمَّت وَأطبَقَت عَلَيهِ شَفَتايَ وَحَرَكاتِ لَفظِ لِساني وَمَغرَزِ حَنَكِ فَمي وَفَكّي وَمَنابِتِ أضراسي وَمَساغِ مَطعَمي وَمَشرَبي وَحِمالَةِ اُمِّ رَأسي وَبَلُوعِ فارِغِ حَبَائِلِ عُنُقي وَما اشتَمَلَ عَلَيهِ تامورُ صَدري وَحَمائِلُ حَبلِ وَتيني وَنيا طِ حِجابِ قَلبي وَأفلاذِ حَواشي كَبِدي وَما حَوَتهُ شَراسيفُ أضلاعي وَحِقاقُ مَفاصِلي وَقَبضُ عَوامِلي وَأطرافِ أنامِلي وَلَحمي وَدَمي وَشَعري وَبَشَري وَعَصَبي وَقَصَبي وَعِظامي وَمُخّي وَعُروقي وَجَميعِ جَوارِحي وَما انتَسَجَ عَلى ذلِكَ أيامَ رِضاعي وَما أقَلَّتِ الأرضُ مِنّي وَنَومي وَيَقظَتي وَسُكوني وَحَرَكاتِ رُكوعي وَسُجودي، أن لَو حاوَلتُ وَاجتَهَدتُ مَدى الأعصارِ وَالأحقابِ لَو عُمِّرتُها أن اُؤَدّي شُكرَ وَاحِدَةٍ مِن أنعُمِكَ ما استَطَعتُ ذلِكَ إلاّ بِمَنِّكَ الموجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكرُكَ أبَداً جَديداً وَثَناءً طارِفاً عَتيداً، أجَل وَلَو حَرَصتُ أنا وَالعادّونَ مِن أنامِكَ أن نُحصيَ مَدى إنعامِكَ سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرناهُ عَدَداً وَلا أحصَيناهُ أمَداً. هَيهاتَ أنَّى ذلِكَ وَأنتَ المُخبِرُ في كِتابِكَ النَّاطِقِ وَالنَّبَأ الصَّادِقِ: وَإن تَعُدّوا نِعمَةَ الله لا تُحصوها، صَدَقَ كِتابُكَ اللهُمَّ وَإنباؤُكَ، وَبَلَّغَت أنبياؤُكَ وَرُسُلُكَ ما أنزَلتَ عَلَيهِم مِن وَحيِكَ وَشَرَعتَ لَهُم وَبِهِم مِن دينِكَ غَيرَ أنّي يا إلهي أشهَدُ بِجُهدي وَجِدّي وَمَبلَغِ طاعَتي وَوُسعي، وَأقولُ مُؤمِناً موقِناً: الحَمدُ للهِ الَّذي لَم يَتَّخِذ وَلَداً فَيَكونَ مَوروثاً وَلَم يَكُن لَهُ شَريكٌ في مُلكِهِ فَيُضادَّهُ فيما ابتَدَعَ وَلا وَليُّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرفِدَهُ فيما صَنَعَ، فَسُبحانَهُ سُبحانَهُ لَو كان فيهما آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا، سُبحانَ اللهِ الواحِدِ الأحَدِ الصَّمَدِ الَّذي لَم يَلِد وَلَم يولَدُ وَلَم يَكُن لَهُ كُفواً أحَدٌ، الحَمدُ للهِ حَمداً يُعادِلُ حَمدَ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبينَ وَأنبيائِهِ المُرسَلينَ وَصَلّى اللهُ عَلى خيرَتِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبيّينَ وَآلِهِ الطَيِّبينَ الطَّاهِرينَ المُخلِصينَ وَسَلَّمَ.
ثمّ اندفع في المسألة واجتهد في الدّعاء وقال وعيناه سالتا دموعاً:
اللهُمَّ اجعَلني أخشاكَ كَأنّي أراكَ وَأسعِدني بِتَقواكَ وَلا تُشقِني بِمَعصيَتِكَ وَخِر لي في قَضائِكَ وَبارِك لي في قَدَرِكَ حَتَّى لا اُحِبَّ تَعجيلَ ما أخَّرتَ وَلا تَأخيرَ ما عَجَّلتَ، اللهُمَّ اجعَل غِنايَ في نَفسي وَاليَقينَ في قَلبي وَالإخلاصَ في عَمَلي وَالنّورَ في بَصَري وَالبَصيرَةَ في ديني وَمَتِّعني بِجَوارِحي وَاجعَل سَمعي وَبَصَري الوارِثَينِ مِنّي، وَانصُرني عَلى مَن ظَلَمَني وَأرِني فيهِ ثأري وَمَآرِبي وَأقِرَّ بِذلِكَ عَيني، اللهُمَّ اكشِف كُربَتي وَاستُر عَورَتي وَاغفِر لي خَطيئَتي وَاخسأ شَيطاني وَفُكَّ رِهاني وَاجعَل لي يا إلهي الدَّرَجَةَ العُليا في الآخرةِ وَالاُولى، اللهُمَّ لَكَ الحَمدُ كَما خَلَقتَني فَجَعَلتَني سَميعاً بَصيراً وَلَكَ الحَمدُ كَما خَلَقتَني فَجَعَلتَني خَلقاً سَويا رَحمَةً بي وَقَد كُنتَ عَن خَلقي غَنيا رَبِّ بِما بَرَأتَني فَعَدَّلتَ فِطرَتي. رَبِّ بِما أنشَأتَني فَأحسَنتَ صورَتي رَبِّ بِما أحسَنتَ إلَيَّ وَفي نَفسي عافَيتَني رَبِّ بِما كَلأتَني وَوَفَّقتَني رَبِّ بِما أنعَمتَ عَلَيَّ فَهَدَيتَني رَبِّ بِما أولَيتَني وَمِن كُلِّ خَيرٍ أطَعَمْتَني رَبِّ بِما أعطَيتَني وَسَقَيتَني رَبِّ بِما أغنَيتَني وَأقنَيتَني رَبِّ بِما أعَنتَني وَأعزَزتَني رَبِّ بِما ألبَستَني مِن سِترِكَ الصَّافي وَيَسَّرتَ لي مِن صُنعِكَ الكافي، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأعِنّي عَلى بَوائِقِ الدُّهورِ وَصُروفِ الليالي وَالأيامِ وَنَجِّني مِن أهوالِ الدُّنيا وَكُرُباتِ الآخرةِ وَاكفِني شَرَّ ما يَعمَلُ الظَّالِمونَ في الأرضِ، اللهُمَّ ما أخافُ فَاكفِني وَما أحذَرُ فَقِني وَفي نَفسي وَديني فَاحرُسني وَفي سَفَري فَاحفَظني وَفي أهلي وَمالي فَاخلُفني وَفيما رَزَقتَني فَبارِك لي وَفي نَفسي فَذَلِّلني وَفي أعيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمني وَمِن شَرِّ الجِنِّ وَالإنسِ فَسَلِّمني وَبِذُنوبي فَلا تَفضَحني وَبِسَريرَتي فَلا تُخزِني وَبِعَمَلي فَلا تَبتَلِني وَنِعَمَكَ فَلا تَسلُبني وَإلى غَيرِكَ فَلا تَكِلني إلهي إلى مَن تَكِلُني إلى قَريبٍ فَيَقطَعُني أم إلى بَعيدٍ فَيَتَجَهَّمُني أم إلى المُستَضعِفينَ لي وَأنتَ رَبّي وَمَليكُ أمري.
مَولايَ، فَلَكَ الحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَلَيَّ يا مَن سَتَرَني مِنَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ أن يَزجُروني وَمِنَ العَشائِرِ وَالإخوانِ أن يُعَيِّروني وَمِنَ السَّلاطينِ أن يُعاقِبوني، وَلَو اطَّلَعوا يا مَولايَ عَلى ما اطَّلَعتَ عَلَيهِ مِنّي إذاً ما أنظَروني وَلَرَفَضوني وَقَطَعوني، فَها أنا ذا يا إلهي بَينَ يَدَيكَ يا سَيِّدي خاضِعٌ ذَليلٌ حَصيرٌ حَقيرٌ لا ذو بَراءَةٍ فَأعتَذِرُ وَلا ذو قوَّةٍ فَأنتَصِرُ وَلا حُجَّةٍ فَاحتَجُّ بِها وَلا قائِلٌ لَم اجتَرِح وَلَم أعمَل سوءاً، وَما عَسى الجُحودُ وَلَو جَحَدتُ يا مَولايَ يَنفَعُني كَيفَ وَأنَّى ذلِكَ وَجَوارِحي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَد عَمِلتُ وَعَلِمتُ يَقيناً غَيرَ ذي شَكٍّ أنَّكَ سائِلي مِن عَظائِمِ الاُمورِ وَأنَّكَ الحَكَمُ العَدلُ الَّذي لا تَجورُ وَعَدلُكَ مُهلِكي وَمِن كُلِّ عَدلِكَ مَهرَبي فَإن تُعَذِّبُني يا إلهي فَبِذُنوبي بَعدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ وَإن تَعفُ عَنّي فَبِحِلمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِن المُستَغفِرينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الموَحِّدينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الخائِفينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الوَجِلينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الرَّاجينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ الرَّاغِبينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ المُهَلِّلينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ السَّائِلينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ المُسَبِّحينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ إنّي كُنتُ مِنَ المُكَبِّرينَ لا إلهَ إلاّ أنتَ سُبحانَكَ رَبّي وَرَبُّ آبائيَ الأوّلينَ.
اللهُمَّ هذا ثَنائي عَلَيكَ مُمَجِّداً وَإخلاصي لِذِكرِكَ موَحِّداً وَإقراري بآلائِكَ مُعَدِّداً، وَإن كُنتُ مُقِرّاً أنّي لَم أُحصِها لِكَثرَتِها وَسُبوغِها وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إلى حادِثٍ مالَم تَزَل تَتَعَهَدُني بِهِ مَعَها مُنذُ خَلَقتَني وَبَرَأتَني مِن أوَّلِ العُمرِ مِنَ الإغناءِ مِنَ الفَقرِ وَكَشفِ الضُّرِّ وَتَسبيبِ اليُسرِ وَدَفعِ العُسرِ وَتَفريجِ الكَربِ وَالعافيَةِ في البَدَنِ وَالسَّلامَةِ في الدّينِ، وَلَو رَفَدَني عَلى قَدرِ نِعمَتِكَ جَميعُ العالَمينَ مِنَ الأوَّلينَ وَالآخِرينَ ما قَدَرتُ وَلا هُم عَلى ذلِكَ، تَقَدَّستَ وَتَعالَيتَ مِن رَبٍّ كَريمٍ عَظيمٍ رَحيمٍ لا تُحصى آلاؤُكَ وَلا يُبلَغُ ثَناؤُكَ وَلا تُكافئ نَعماؤكَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأتمِم عَلينا نِعَمَكَ وَأسعِدنا بِطاعَتِكَ سُبحانَكَ لا إلهَ إلاّ أنتَ، اللهُمَّ إنَّكَ تُجيبُ المُضطَرَّ وَتَكشِفُ السّوءَ وَتُغيثُ المَكروبَ وَتُشفي السَّقيمَ وَتُغني الفَقيرَ وَتَجبُرُ الكَسيرَ وَتَرحَمُ الصَّغيرَ وَتُعينُ الكَبيرَ وَلَيسَ دونَكَ ظَهيرٌ وَلا فَوقَكَ قَديرٌ وَأنتَ العَليُّ الكَبيرُ، يا مُطلِقَ المُكَبَّلِ الأسيرِ يا رازِقَ الطِّفلِ الصَّغيرِ يا عِصمَةَ الخائِفِ المُستَجيرِ يا مَن لا شَريكَ لَهُ وَلا وَزيرَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأعطِني في هذِهِ العَشيَّةِ أفضَلَ ما أعطَيتَ وَأنَلتَ أحَداً مِنَ العالَمينَ مِن عِبادِكَ مِن نِعمَةٍ تُوليها وَآلاءٍ تُجَدِّدُها وَبَليَّةٍ تَصرِفُها وَكُربَةٍ تَكشِفُها وَدَعوَةٍ تَسمَعُها وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها وَسَيِّئَةٍ تَتَغَمَّدُها إنَّكَ لَطيفٌ بِما تَشاءُ خَبيرٌ وَعَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، اللهُمَّ إنَّكَ أقرَبُ مَن دُعيَ وَأسرَعُ مَن أجابَ وَأكرَمُ مَن عَفى وَأوسَعُ مَن أعطى وَأسمَعُ مَن سُئِل يا رَحمنَ الدُّنيا وَالآخرةِ وَرَحيمَهُما لَيسَ كَمِثلِكَ مَسؤولٌ وَلا سِواكَ مَأمولٌ، دَعَوتُكَ فَأجَبتَني وَسألتُكَ فَأعطَيتَني وَرَغِبتُ إلَيكَ فَرَحِمتَني وَوَثِقتُ بِكَ فَنَجَّيتَني وَفَزِعتُ إلَيكَ فَكَفَيتَني، اللهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ وَرَسولِكَ وَنَبيِّكَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ أجمَعينَ وَتَمِّم لَنا نَعمائكَ وَهَنِّئنا عَطاءَكَ وَاكتُبنا لَكَ شاكِرينَ وَلآلائِكَ ذاكِرينَ آمينَ آمينَ رَبَّ العالَمينَ.
اللهُمَّ يا مَن مَلَكَ فَقَدَرَ وَقَدَرَ فَقَهَرَ وَعُصيَ فَسَتَر وَاستُغفَرَ فَغَفَرَ يا غايَةَ الطَّالِبينَ الرَّاغِبينَ وَمُنتَهى أمَلِ الرَّاجينَ يا مَن أحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلماً وَوَسِعَ المُستَقيلينَ رَأفَةً وَرَحمَةً وَحِلماً، اللهُمَّ إنَّا نَتَوَجَّهُ إلَيكَ في هذِهِ العَشيَّةِ الَّتي شَرَّفتَها وَعَظَّمتَها بِمُحَمَّدٍ نَبيِّكَ وَرَسولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ وَأمينِكَ عَلى وَحيِكَ البَشيرِ النَّذيرِ السِّراجِ المُنيرِ الَّذي أنعَمتَ بِهِ عَلى المُسلِمينَ وَجَعَلتَهُ رَحمَةً لِلعالَمينَ.
اللهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أهلٌ لِذلِكَ مِنكَ يا عَظيمُ فَصَلِّ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ المُنتَجَبينَ الطَّيِّبينَ الطَّاهِرينَ أجمَعينَ وَتَغَمَّدنا بِعَفوِكَ عَنّا، فَإلَيكَ عَجَّتِ الأصواتُ بِصُنوفِ اللُّغاتِ فَاجعَل لَنا اللهُمَّ في هذِهِ العَشيَّةِ نَِصيباً مِن كُلِّ خَيرٍ تَقسِمُهُ بَينَ عِبادِكَ وَنورٍ تَهدي بِهِ وَرَحمَةٍ تَنشُرُها وَبَرَكَةٍ تُنزِلُها وَعافيَةٍ تُجَلِّلُها وَرِزقٍ تَبسُطُهُ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ. اللهُمَّ اقلِبنا في هذا الوَقتِ مُنجِحينَ مُفلِحينَ مَبرورينَ غانِمينَ وَلا تَجعَلنا مِنَ القانِطينَ وَلا تُخلِنا مِن رَحمَتِكَ وَلا تَحرِمنا ما نُؤَمِّلُهُ مِن فَضلِكَ وَلا تَجعَلنا مِن رَحمَتِكَ مَحرومينَ وَلا لِفَضلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِن عَطائِكَ قانِطينَ وَلا تَرُدَّنا خائِبينَ وَلا مِن بابِكَ مَطرودينَ، يا أجوَدَ الأجوَدينَ وَيا أكرَمَ الأكرَمينَ إلَيكَ أقبَلنا موقِنينَ وَلِبَيتِكَ الحَرامِ آمّينَ قاصِدينَ فَأعِنّا عَلى مَناسِكِنا وَأَكْمِلْ لَنا حَجَّنا وَاعفُ عَنّا وَعافِنا فَقَد مَدَدنا إلَيكَ أيدينا فَهيَ بِذِلَّةِ الاعتِرافِ مَوسومَةٌ، اللهُمَّ فَأعطِنا في هذِهِ العَشيَّةِ ما سألناكَ وَاكفِنا ما استَكفَيناكَ فَلا كافيَ لِنا سِواكَ وَلا رَبَّ لَنا غَيرُكَ، نافِذٌ فينا حُكمُكَ مُحيطٌ بِنا عِلمُكَ عَدلٌ فينا قَضاؤُكَ اقضِ لَنا الخَيرَ وَاجعَلنا مِن أهلِ الخَيرِ، اللهُمَّ أوجِب لَنا بِجودِكَ عَظيمَ الأجرِ وَكَريمَ الذُّخرِ وَدَوامَ اليُسرِ وَاغفِر لَنا ذُنوبَنا أجمَعينَ وَلا تُهلِكنا مَعَ الهالِكينَ وَلا تَصرِف عَنّا رَأفَتَكَ وَرَحمَتَكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ اللهُمَّ اجعَلنا في هذا الوَقتِ مِمَّن سألَكَ فَأعطَيتَهُ وَشَكَرَكَ فَزِدتَهُ وَتابَ إلَيكَ فَقَبِلتَهُ وَتَنَصَّلَ إلَيكَ مِن ذُنوبِهُ كُلِّها فَغَفَرتَها لَهُ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ، اللهُمَّ وَنَقِّنا وَسَدِّدنا وَاقبَل تَضَرُّعَنا يا خَيرَ مَن سُئِل وَيا أرحَمَ مَن استُرحِمَ يا مَن لا يَخفى عَلَيهِ إغماضُ الجُفونِ وَلا لَحظُ العُيونِ وَلا ما استَقَرَّ في المَكنونِ وَلا ما انطَوَت عَلَيهِ مُضمرّات القُلوبِ ألا كُلُّ ذلِكَ قَد أحصاهُ عِلمُكَ وَوَسِعَهُ حِلمُكَ.
سُبحانَكَ وَتَعالَيتَ عَمّا يَقولُ الظَّالِمونَ عُلوّاً كَبيراً تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأرضونَ وَمَن فيهِنَّ وَإن مِن شَيءٍ إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمدِكَ، فَلَكَ الحَمدُ وَالمَجدُ وَعُلوُّ الجَدِّ يا ذا الجَلالِ وَالإكرامِ وَالفَضلِ وَالإنعامِ وَالأيادي الجِسامِ وَأنتَ الجَوادُ الكَريمُ الرَّؤوفُ الرَّحيمُ، اللهُمَّ أوسِع عَلَيَّ مِن رِزقِكَ الحَلالِ وَعافِني في بَدَني وَديني وَآمِن خَوفي وَاعتِق رَقَبَتي مِنَ النَّارِ، اللهُمَّ لا تمكُر بي وَلا تَستَدرِجني وَلا تَخدَعني وَادرَأ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنسِ.
ثمّ رفع رأسه وبصره إلى السماء وعيناه تجريان بالدموع كأنّهما مزادتان، وقال بصوتٍ عالٍ:
يا أسمَع السَّامِعينَ يا أبصَر النَّاظِرينَ وَيا أسرَعَ الحاسِبينَ وَيا أرحَمَ الرَّاحِمينَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ المَيا مينَ، وَأسألُكَ اللهُمَّ حاجَتي الَّتي إن أعطَيتَنيها لَم يَضُرَّني ما مَنَعتَني وَإن مَنَعتَنيها لَم يَنفَعني ما أعطَيتَني، أسألُكَ فَكاكَ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ لا إلهَ إلاّ أنتَ وَحدَكَ لا شَريكَ لَكَ لَكَ المُلكُ وَلَكَ الحَمدُ وَأنتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ يا رَبِّ يا رَبِّ.
وكان يكرر قوله: يا ربّ، وشغل من حضر ممّن كان حوله عن الدعاء لأنفسهم وأقبلوا على الاستماع له والتأمين على دعائه ثمّ علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض الناس معه.
أقول: الى هنا تمّ دعاء الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة على ما أورده الكفعمي في كتاب (البلد الامين) وقد تبعه المجلسي في كتاب (زاد المعاد) ولكن زاد السيد ابن طاووس (رحمه الله) في (الاقبال) بعد: يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ هذه الزيادة:
إلهي أنا الفَقيرُ في غِنايَ فَكَيفَ لا أكونُ فَقيراً في فَقري إلهي أنا الجاهِلُ في عِلمي فَكَيفَ لا أكونُ جَهولاً في جَهلي، إلهي إنَّ اختِلافَ تَدبيرِكَ وَسُرعَةَ طَواءِ مَقاديرِكَ مَنَعا عِبادَكَ العارِفينَ بِكَ عَنِ السُّكونِ إلى عَطاءٍ وَالياسِ مِنكَ في بَلاءٍ، إلهي مِنّي ما يَليقُ بِلُؤمي وَمِنكَ ما يَليقُ بِكَرَمِكَ، إلهي وَصَفتَ نَفسَكَ بِاللُّطفِ وَالرَّأفَةِ لي قَبلَ وُجودِ ضَعفي أفَتَمنَعُني مِنهُما بَعدَ وَجودِ ضَعفي، إلهي إن ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنّي فَبِفَضلِكَ وَلَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ وَإن ظَهَرَتِ المَساوئُ مِنّي فَبِعَدلِكَ وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ، إلهي كَيفَ تَكِلُني وَقَد تَكَفَّلتَ لي وَكَيفَ أُضامُ وَأنتَ النَّاصِرُ لي، أم كَيفَ أخيبُ وَأنتَ الحَفيُّ بي، ها أنا أتَوَسَّلُ إلَيكَ بِفَقري إلَيكَ وَكَيفَ أتَوَسَّلُ إلَيكَ بِما هُوَ مَحالٌ أن يَصِلَ إلَيكَ، أم كَيفَ أشكو إلَيكَ حالي وَهُوَ لا يَخفى عَلَيكَ، أم كَيفَ أُتَرجِمُ بِمَقالي وَهُوَ مِنكَ بَرَزٌ إلَيكَ، أم كَيفَ تُخَيِّبُ آمالي وَهي قَد وَفَدَت إلَيكَ، أم كَيفَ لا تُحسِنُ أحوالي وَبِكَ قامَت، إلهي ما ألطَفَكَ بي مَعَ عَظيمِ جَهلي وَما أرحَمَكَ بي مَعَ قَبيحِ فِعلي، إلهي ما أقرَبَكَ مِنّي وَأبعَدَني عَنكَ وَما أرأفَكَ بي، فَما الَّذي يَحجُبُني عَنكَ، إلهي عَلِمتُ بِاختِلافِ الآثارِ وَتَنَقُّلاتِ الأطوارِ أنَّ مُرادَكَ مِنّي أن تَتَعَرَّفَ إلَيَّ في كُلِّ شَيءٍ حَتَّى لا أجهَلَكَ في شَيءٍ، إلهي كُلَّما أخرَسَني لُؤمي أنطَقَني كَرَمُكَ وَكُلَّما آيَسَتني أوصافي أطمَعَتني مِنَنُكَ، إلهي مَن كانَت مَحاسِنُهُ مَسَاوئ فَكَيفَ لا تَكونُ مَساوِئُهُ مَساوئَ، وَمَن كانَت حَقائِقُهُ دَعاوي فَكَيفَ لا تَكونُ دَعاويهِ دَعاوي، إلهي حُكمُكَ النَّافِذُ وَمَشيَّتُكَ القاهِرَةُ لَم يَترُكا لِذي مَقالٍ مَقالاً وَلا لِذي حالٍ حالاً، إلهي كَم مِن طاعَةٍ بنَيتُها وَحالَةٍ شَيَّدتُها هَدَمَ اعتِمادي عَلَيها عَدلُكَ بَل أقالَني مِنها فَضلُكَ، إلهي إنَّكَ تَعلَمُ أنّي وَإن لَم تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنّي فِعلاً جَزماً فَقَد دامَت مَحَبَّةً وَعَزماً، إلهي كَيفَ أعزِمُ وَأنتَ القاهِرُ وَكَيفَ لا أعزِمُ وَأنتَ الأمِرُ، إلهي تَرَدُّدي في الآثارِ يوجِبُ بُعدَ المَزارِ فاجمَعني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ توصِلُني إلَيكَ، كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إلَيكَ أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتَّى يَكونَ هُوَ المُظهِرَ لَكَ، مَتى غبتَ حَتَّى تَحتاجَ إلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ وَمَتى بَعُدتَ حَتَّى تَكونَ الآثارُ هيَ الَّتي توصِلُ إلَيكَ، عَميَت عَينٌ لا تَراكَ عَلَيها رَقيباً وَخَسِرَت صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَلَ لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيباً، إلهي أمَرتَ بِالرُّجوعِ إلى الآثارِ فَأرجِعني إلَيكَ بِكِسوَةِ الأنوارِ وَهِدايَةِ الاستِبصارِ حَتَّى أرجِعَ إلَيكَ مِنها كَما دَخَلتُ إلَيكَ مِنها مَصونَ السِّرِّ عَن النَّظَرِ إلَيها وَمَرفوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاعتِمادِ عَلَيها إنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ. إلهي هذا ذُلّي ظاهِرٌ بَينَ يَدَيكَ وَهذا حالي لا يَخفى عَلَيكَ مِنكَ أطلُبُ الوُصولَ إلَيكَ وَبِكَ أستَدِلُّ عَلَيكَ فَاهدِني بِنورِكَ إلَيكَ وَأقِمني بِصِدقِ العُبوديَّةِ بَينَ يَدَيكَ، إلهي عَلِّمني مِن عِلمِكَ المَخزونِ وَصُنّي بِسِترِكَ المَصونِ إلهي حَقِّقني بِحَقائِقِ أهلِ القُربِ وَاسلُكَ بي مَسلَكَ أهلِ الجَذبِ، إلهي أغنِني بِتَدبيرِكَ لي عَن تَدبيري وَبِاختيارِكَ عَن اختياري وَأوقِفني عَلى مَراكِزِ اضطِراري، إلهي أخرِجني مِن ذُلِّ نَفسي وَطَهِّرني مِن شَكّي وَشِركي قَبلَ حُلولِ رَمسي، بِكَ أنتَصِرُ فَانصُرني وَعَلَيكَ أتَوَكَّلُ فَلا تَكِلني وَإياكَ أسألُ فَلا تُخَيِّبني وَفي فَضلِكَ أرغَبُ فَلا تَحرِمني وَبِجَنابِكَ أنتَسِبُ فَلا تُبعِدني وَبِبابِكَ أقِفُ فَلا تَطرُدني، إلهي تَقَدَّسَ رِضاكَ أن يَكونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنكَ فَكَيفَ يَكونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنّي، إلهي أنتَ الغَنيُّ بِذاتِكَ أن يَصِلَ إلَيكَ النَّفعُ مِنكَ فَكَيفَ لا تَكونُ غَنيا عَنّي ؟ إلهي إنَّ القَضاء وَالقَدَرَ يُمَنّيِني وَإنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهوَةِ أسَرَني فَكُن أنتَ النَّصيرَ لي حَتَّى تَنصُرَني وَتُبَصِّرَني وَأغنِني بِفَضلِكَ حَتَّى استَغني بِكَ عَن طَلَبي، أنتَ الَّذي أشرَقتَ الأنوارَ في قُلوبِ أوليائِكَ حَتَّى عَرَفوكَ وَوَحَّدوكَ وَأنتَ الَّذي أزَلتَ الأغيارَ عَن قُلوبِ أحِبَّائِكَ حَتَّى لَم يُحِبّوا سِواكَ وَلَم يَلجَأوا إلى غَيرِكَ أنتَ المُؤنِسُ لَهُم حَيثُ أوحَشَتهُمُ العَوالِمُ وَأنتَ الَّذي هَدَيتَهُم حَيثُ استَبانَت لَهُم المَعالِمُ، ماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ وَما الَّذي فَقَدَ مَن وَجَدَكَ.
لَقَد خابَ مَن رَضيَ دونَكَ بَدَلاً وَلَقَد خَسِرَ مَن بَغى عَنكَ مُتَحَوَّلاً، كَيفَ يُرجى سِواكَ وَأنتَ ما قَطَعتَ الإحسانَ وَكَيفَ يُطلَبُ مِن غَيرِكَ وَأنتَ ما بَدَّلتَ عادَةَ الامتِنانِ، يا مَن أذاقَ أحِبَّاءَهُ حَلاوَةَ المُؤانَسَةِ فَقاموا بَينَ يَدَيهِ مُتَمَلِّقينَ وَيا مَن ألبَسَ أولياءَهُ مَلابِسَ هَيبَتِهِ فَقاموا بَينَ يَدَيهِ مُستَغفِرينَ، أنتَ الذَّاكِرُ قَبلَ الذَّاكِرينَ وَأنتَ البادئُ بِالإحسانِ قَبلَ تَوَجُّهِ العابِدينَ وَأنتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبلَ طَلَبِ الطَّالِبينَ وَأنتَ الوَهَّابُ ثمّ لِما وَهَبتَ لَنا مِنَ المُستَقرِضينَ، إلهي اطلُبني بِرَحمَتِكَ حَتَّى أصِلَ إلَيكَ وَاجذُبني بِمَنِّكَ حَتَّى اُقبِلَ عَلَيكَ، إلهي إنَّ رَجائي لا يَنقَطِعُ عَنكَ وَإن عَصَيتُكَ كَما أنَّ خَوفي لا يُزايِلُني وَإن أطَعتُكَ فَقَد دَفَعَتني العَوالِمُ إلَيكَ وَقَد أوقَعَني عِلمي بِكَرَمِكَ عَلَيكَ، إلهي كَيفَ أخيبُ وَأنتَ أمَلي أم كَيفَ اُهانُ وَعَلَيكَ مُتَّكَلي، إلهي كَيفَ أستَعِزُّ وَفي الذِّلَّةِ أركَزتَني أم كَيفَ لا أستَعِزُّ وَإلَيكَ نَسَبتَني، إلهي كَيفَ لا أفتَقِرُ وَأنتَ الَّذي في الفُقَراءِ أقَمتَني أم كَيفَ أفتَقِرُ وَأنتَ الَّذي بِجودِكَ أغنَيتَني وَأنتَ الَّذي لا إلهَ غَيرُكَ تَعَرَّفتَ لِكُلِّ شَيءٍ فَما جَهِلَكَ شَيءٌ وَأنتَ الَّذي تَعَرَّفتَ إلَيَّ في كُلِّ شَيءٍ فَرَأيتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَيءٍ وَأنتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ.
يا مَن استَوى بِرَحمانيَّتِه فَصارَ العَرشُ غَيباً في ذاتِهِ مَحَقتَ الآثارَ بِالآثارِ وَمَحَوتَ الأغيارَ بِمُحيطاتِ أفلاكِ الأنوارِ، يا مَن احتَجَبَ في سُرادِقاتِ عَرشِهِ عَن أن تُدرِكَهُ الأبصارُ يا مَن تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَت عَظَمَتُهُ الاستِواءَ، كَيفَ تَخفى وَأنتَ الظَّاهِرُ أم كَيفَ تَغيبُ وَأنتَ الرَّقيبُ الحاضِرُ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَالحَمدُ للهِ وَحدَهُ.
وعلى أي حال فقد وردت أدعية وأعمال كثيرة في هذا اليوم لمن وُفّق فيه لحضور عرفات، وأفضل أعمال هذا اليوم الشريف الدعاء وهو يوم قد امتاز بالدعاء امتيازاً وينبغي الإكثار فيه من الدعاء للإخوان المؤمنين أحياءً وأمواتاً، والرواية الواردة في شأن عبد الله بن جندب (رحمه الله) في الموقف بعرفات ودعائه لإخوانه المؤمنين مشهورة، ورواية زيد النرسي في شأن الثقة الجليل معاوية بن وهب في الموقف ودعائه في حق إخوانه في الآفاق واحداً واحداً، وروايته عن الصادق (عليه السلام) في فضل هذا العمل ممّا ينبغي الاطلاع عليه والتدبرّ فيه.
والرجاء الواثق من إخواني المؤمنين أن يجعلوا هؤلاء العظماء قدوة يقتدون بهم فيؤثرون على أنفسهم إخوانهم المؤمنين بالدعاء ويعدونني في زمرتهم وأنا العاصي الذي سودت وجهي الذنوب فلا ينسونني من الدعاء حيا وميتاً. واقرأ في هذا اليوم الزيارة الجامعة الثالثة وقل في آخر نهار عرفة: يا رَبِّ إنَّ ذُنوبي لا تَضُرُّكَ وَإنَّ مَغفِرَتَكَ لي لا تَنقُصُكَ فَأعطِني مالا يَنقُصُكَ وَاغفِر لي مالا يَضُرُّكَ.
وقل أيضاً: اللهُمَّ لا تَحرِمني خَيرَ ما عِندَكَ لِشَرِّ ما عِندي فَإن أنتَ لَم تَرحَمني بِتَعَبي وَنَصَبي فَلا تَحرِمني أجرَ المُصابِ عَلى مُصيبَتِهِ.
أقول: قال السيد ابن طاووس في خلال أدعية يوم عرفة: إذا دنا غروب الشمس فقل: بسم الله وبالله وسبحان الله والحمد لله… الدعاء وهذا هو دعاء العشرات السالف. فجدير أن لا يترك في آخر نهار عرفة قراءة دعاء العشرات المسنون في كلّ صباح ومساء، وهذه الأذكار التي أوردها الكفعمي هي الأذكار الواردة في آخر دعاء العشرات كما أورده السيد (رحمه الله).