Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

عن الإمام الباقر (ع) : (إنّ لله عقوبات في القلوب والأبدان : ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة، وما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب).. يفهم من ذلك أنه مهما عظمت أي عقوبة في نظر الناس ، فإن أشدها وأعظمها هو قساوة القلب ، حيث يقف الإنسان بين يدي ربه عزوجل في جوف الليل وفي مظان الاستجابة -كشهر رمضان ، أو أمام الكعبة..- ، ولكنه لا يرى رقة في قلبه ، ولا خشوعاً ولا دمعة ؛ فإن هذه الحالة من الانتكاسة الباطنية ، وانقطاع موارد الإقبال في القلب ، لمن أهم صور العقوبات في عالم الغيب.

ومن هنا يقول الإمام السجاد (ع) في أول الدعاء :

– (إِلهِي لاَ تُؤَدِّبْنِي بِعُقُوبَتِكَ..).. أي إن كنت قد قررت أن تختم على قلبي ، وأن تجفف دمعتي ، فهذا ليس وقته الآن ، فأنا أريد أن أدعوك.. وفي هذا فائدة : أنه من المناسب أن يطلب الإنسان من الله عزوجل أن يفتح عليه أبواب المناجاة بين يديه جل وعلا قبل كل دعوة.

– (وَلاَ تَمْكُرْ بِي فِي حِيلَتِكَ..).. إن كلمة المكر والحيلة من الكلمات المبغوضة في عرف الناس ، فيقال فلان إنسان ماكر ، وإنسان محتال.. ومن المعلوم أن مثل هذه العبارات لا تليق بكرام الناس ، ولكن نلاحظ بأن الله عزوجل يصف نفسه بأنه خير الماكرين : {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.. فما هو التوجيه لهذه الآية ، ولهذه العبارة ؟.. ومتى يمكر الله تعالى ، وكيف يمكر ، ولمَ يمكر؟..

يعرَّف المكر اصطلاحاً : بأنه التدبير الخفي لإيقاع الغير في ورطة أو مشكلة ما.. إن الله عزوجل عندما يرى في عبده ما يوجب له الانتقام ، فإنه يدبر له تدبيراً يكشف عن حقيقة جوهره.. فمن المعلوم أن المكيدة في الحرب ضد الأعداء ، أمر مطلوب ومستحسن ، ولا يعاتب عليه الإنسان.. إن رب العالمين إذا رأى في عبده موقفاً عدائياً : كأن يروج الباطل ، أو يتجاهر بالمعصية ، أو يقف أمام مد الشريعة ؛ فإنه يفتح له بعض أبواب الامتحان والابتلاء ، بحيث ينكشف باطنه للعباد.. فهو كان يتستر بإيمانه الظاهري ، وبحسن ذكره بين الناس ، ولكن الله عزوجل يرفع هذا المانع عن طريق عباده ، ليكشف لهم حقيقة هذا الإنسان.. ومن هنا نعتقد بأن هذا المكر الإلهي والخديعة ليس مما يذم عليه.

وعليه، فلنطلب من الله عزوجل أن يبقي علينا هذا الستر ، الذي طالما حاولنا هتكه ، فإنه خير الساترين ، ولو شاء لفضحنا في الدنيا قبل الآخرة ، ولكنه بمنه وكرمه أبقاه علينا حباً لعبده العاصي.. نعم، العبد العاصي محبوباً عند الله تعالى ، ما دام في طريق التوبة والإقلاع عن المعصية.

اللهم ثبتنا على الهدى والتقوى !.. اللهم لا تمكر بنا في حيلتك فإنك أنت أرحم الراحمين !..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.