Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن سورة (النبأ) من المحطات المؤثرة في قلب النبي المصطفى (ص)، وذلك لما في هذه السورة من ذكر لأهوال يوم القيامة.

{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}.. هنا لابد أن نشير إلى حقيقة، وهي أنه نحن -ومع الأسف- قسمنا الحياة إلى قسمين: إما أن تكون لله، أو أن تكون للدنيا.. وهناك مقولة خطيرة في أوساط المنحرفين عن فهم طبيعة الشريعة، عندما ينتقل من الصلاة مباشرة إلى استماع الغناء مثلا، يقول: (ساعة لربك، وساعة لقلبك)؛ أي أنهم قسموا الساعات لله -عز وجل- بدعواهم، وإلا فهذه الساعة ليست للرب!.. الذي يجعل صلاته بين غناء وخمر يقول مثلا: (هذه الساعة لقلبي، ثم لربي، ثم لقلبي، وثم أعود إلى ربي).. وكما نعرف أنه لا صلاة لمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر.

إن البعض قد لا يعيش هذه المفارقة بهذه الصورة، إنما يعيش حالة الذكر والغفلة.. والعصاة يعيشون حالة الطاعة والمعصية.. إن هنالك فرقا بين البلاء الذي يأتي بعد معصية، وبين البلاء الذي يأتي بعد الطاعة.. وهنا تقسيم رباعي جميل، فهنالك أربع حالات في الإنسان لا يخلو منها: إما يقوم بطاعة بعد طاعة، وإما بمعصية بعد معصية، وإما بمعصية بعد طاعة، وإما بطاعة بعد معصية.. فكل ما نقوم به في هذه الحياة، لا يخرج من هذه الصور الأربعة، فما حكم هذه الصور؟..

– الطاعة بعد الطاعة.. هي علامة القبول؛ لأن رب العالمين يسر السبيل لهذا الإنسان، وثم يسر له السبيل ثانية.. كيف الرب يوفق، وكيف يخذل؟.. وكيف يجتمع ذلك مع الاختيار؟.. فالإنسان الذي يجبر على الطاعة والمعصية؛ لا تكليف له هنا.. نحن نلاحظ بأن كثيرا من المشاريع الإيجابية والسلبية، تبدأ من خاطرة في الذهن: إنسان يفكر طوال الليل بأمر شهوي محرم مثلا، هذا التفكير يتفاعل، ويتحول من فكرة عابرة إلى عزيمة راسخة، والعزيمة الراسخة تتحول إلى إرادة؛ فتحرك العضلات؛ فيخرج للحرام وهكذا.. وبالمقابل: هناك شخص جالس في المنزل، فإذا بشهيته تنفتح على المسجد، فيذهب للمسجد، وإذا بخطيب بليغ يذكر رواية، وهذه الرواية تقلب مجرى حياته.. هناك الكثيرون طوال التاريخ مما تغير مجرى حياتهم، فالتائبون كثر.. إذن الطاعة بعد الطاعة؛ علامة القبول.. {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}؛ الإنسان عندما تتضح لديه الرؤية، والخارطة الفكرية حينما يسمع هذه الآية؛ يعيش حالة من الأنس بكلام الله عز وجل.

– المعصية بعد المعصية.. هي علامة الخذلان.. إنسان يعصي في هذه الساعة، وبعد ساعة يكرر المعصية؛ كأنما يراد له أن يبقى في غيه.. لأن مرتكب الذنب بعد الذنب، إنسان مخذول وغير موفق.

– الطاعة بعد المعصية.. هي علامة التوبة.. شخص ارتكب حراما، وبعده مباشرة سيق إلى طريق من طرق الخير؛ فهذه علامة الإنابة.. مثلا: إنسان عصى ربه فاغتاب، ثم وفق لصدقة معتبرة؛ هذه علامة التوبة، وقبول التوبة.. مادام الإنسان قد وفق للطاعة؛ أي لولا قبول رب العالمين والرضا، لما وفق لمثل تلك الطاعة.

– المعصية بعد الطاعة.. وهي علامة الرفض والرد.. فلو كانت هذه الطاعة مقبولة عند الرب، لما حدثت هذه المعصية.. نحن واقعون إما في فخ المعصية بعد الطاعة، أو في فخ الغفلة بعد الطاعة.. والكلام في الجانب السلبي، وإلا فالطاعة بعد الطاعة هي المطلوب.. فماذا نعمل للقضاء على هذه الحالة؟..

إن الإنسان في أحسن حالاته يصلي صلاة خاشعة.. البعض ميت غير متفاعل، وقسوة القلب غالبة، والعين جامدة؛ ولكن الجوارح تعمل.. هنالك ما يسمى بـ(الموت الدماغي)؛ أي أن الإنسان يفتح عينيه وينظر، وشكله طبيعي، ولكنه في حكم الموتى.. إنه تشبيه جدا مخيف، ولكن هذه الحقيقة: أعضاؤه جيدة، يذهب للحج والعمرة، يصوم ويصلي؛ ولكنه ميت دماغيا.. والميت دماغيا له حركة، وجسمه غير نتن، ولا يعد جيفة، كما لا يدفن في المقابر، وقد تصبح معجزة ويستيقظ من غفلته.

نحن لا نقلل من شأن العبادات: كالحج، والعمرة، وما شابه.. ولكن علينا أن نتذكر حديث الإمام زين العابدين (ع) مع الشبلي: (ما حججت ما سعيت ما صمت).. والصلاة هي معراج المؤمن، والمعراج حركة روحية، وإن كان فيها عروج؛ فهو عروج روحي.. أما العروج البدني، فقد اختص به النبي (ص): (وعرجت به إلى سمائك) وليس بروحه؛ وهذا قمة الفخر للنبي (ص).. أما نحن إذا ذهبنا في عروج، فعروجنا عروج روحاني وليس بجسدي.

فإذن، إن مشكلتنا تكمن في أن البعض منا يعيش الغفلة المطبقة، والبعض يعيش الغفلة المتقطعة.. وهذا أفضل من الأول؛ فهو ميت دماغيا.. البعض هكذا يصلي وينتعش، ولكن وبمجرد أن ينتهي من الصلاة يعود إلى إغماءته.. وإذا دخل شهر رمضان انتعاشه يستمر أكثر، ولهذا المؤمنون يعشقون الحج والعمرة؛ لأنهم يعيشون اليقظة والانتعاش، وهم يعرفون بأنه سيغمى عليهم بعد قليل، وهذا يفسر السؤال المتكرر: (ماذا نعمل بعد شهر رمضان)؟.. بعض الناس يغمى عليهم بعد العيد، إلى أن يأتي الحج، ويأتي شهر محرم …الخ.. أما القسم الآخر، فهم في يقظة دائمة؛ وهم الواعون والأحياء (الناس موتى، وأهل العلم أحياء)، أهل العلم هم الذين يعيشون الاستحضار الإلهي الدائم.

الآن ماذا نعمل؟.. الحل ذكر في سورة الجمعة، هنالك رواية عن سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) حيث يقول: (كن لما لا ترجو، أرجى منك لما ترجو)!.. مثلا: إنسان يزرع زرعا؛ فتنتج ثمرة جيدة.. أو عنده ولد يعتني به؛ فيصبح ولدا صالحا، وولد يهمله ويصبح أيضا صالحا.. وهذا الأمر موجود، فكم خطب النبي الأكرم في مكة والمدينة؟.. وكم خطب أئمتنا؟.. ولكن هذه الخطب لم تذكر في القرآن الكريم، والغريب أن الله -عز وجل- ذكر حكم لقمان أكثر مما ذكر من حكم النبي (ص)، حيث أن هناك سورة كاملة في القرآن الكريم باسم (لقمان).. فرب العالمين، والنبي، والأئمة؛ ينقلون حكم هذا العبد الصالح، ولكن انظروا إلى سورة (الجمعة) فالنبي صعد ليخطب في المسلمين، وخطب (لو كانت الدنيا تزن عند الله -سبحانه وتعالى- جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء).. لو كانوا مسلمين من أهل مكة، وكانوا حديثي العهد بالإيمان، وإيمانهم هش لين؛ فلا بأس.. ولكن هؤلاء الذين كانوا مع رسول الله صباحا ومساء، عندما ورد المدينة عير معها تجارة، وذلك يوم الجمعة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم يخطب، فضربوا بالطبل والدف لإعلام الناس، فانفض أهل المسجد إليهم، وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما يخطب، فنزلت الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.. رسول الله يخطب، وكان في حال الحديث وذهب معظمهم، وبقي دون العشرة، ولو أنهم ذهبوا جميعا كما يفهم من بعض النصوص، لعل العذاب نزل عليهم جميعا، لهتكهم حرمة رسول الله.. ولكن شاء الله -عز وجل- أن جعل هذه الخطبة اليتيمة، وركز عليها في القرآن الكريم.

أجمع العلماء وطوال التاريخ، أنه في يوم الجمعة، وفي ليلة الجمعة، وصبيحة الجمعة؛ يستحب قراءة سورة الجمعة التي ورد فيها وذكر هذه الخطبة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.. كيف نحول النهار إلى معاش بالمعنى الإلهي؟.. في آخر آيات سورة الجمعة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، والذي يستدل على أن صلاة الجمعة، تقام في زمان الغيبة أيضا لا يشترط فيه إذن المعصوم، بخلاف البعض والذين يقولون: لا تقام إلا بحضور المعصوم.

تقول الآية: {إِذَا نُودِي} وليس (إذا نادى الإمام)؛ {فَاسْعَوْا} حتى لو نادى المؤذن لصلاة الجمعة، السعي ليس كالمشي أو الهرولة، فكل منهما يسمى بسعي؛ ولكنه سعي شكلي.. فالسعي هو (المشي الحثيث مع هدف)، كالإنسان الذي يذهب لخطبة فتاة، يسعى لذلك المكان سعيا، فالحركة الدائمة مع الشوق تسمى سعيا، كما هو مطلوب منا بالسعي بين الصفا والمروة، نسعى أي نمشي مع هدف.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}؛ نحن ظلمنا القرآن، كم قرأنا القرآن ولم نلتفت إلى أدق المعاني في كتاب الله عز وجل؟!.. هنالك في سورة الواقعة كلام جميل جدا، هو أن الإنسان عندما يقسم على شيء، يقسم قسما يتناسب مع الحديث اللاحق؛ أي مع المقسوم عليه، {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}، ثم يذكر القرآن الكريم بعد ذلك.. البعض يقول: آيات القرآن بمثابة النجوم في الأفلاك، ورب العالمين رتب هذه الآيات؛ فهنالك إعجاز.. أيضا الحروف المقطعة في أوائل السور، هنالك علاقة بين الحروف المقطعة، وبين هذه الحروف في تلك السور، وفي بعض الحالات نلاحظ أنها هي الحروف الغالبة في تلك السورة.

لم يقل: (اسعوا إلى المساجد، أو اسعوا إلى الصلاة)!.. بل قال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}؛ المسجد مكان مقدس، ولكنه للانطلاق؛ كمركز إطلاق الصواريخ في بعض الدول.. هذا المركز لا قيمة له في حق نفسه، فقيمته أنه منصة للانطلاق، وكذا مساجدنا هي منصات للانطلاق.. والدليل على ذلك، أن بعض رواد المساجد والمآتم والحسينيات؛ تراه لا يغيب عن فريضة واحدة.. ولكن بعد خمسين أو ستين سنة، تنظر إليه فلا ترى نورا لا في وجهه، ولا في عمله.. والسبب أنه يغتاب المؤذن، ويغتاب بعض الجماعة، ويغتاب أهل القرية، وهو من مدمني المساجد!.. معنى ذلك أن المسجد لا يحدث معجزة، فالمساجد والحوزات والجامعات، هذه الأماكن المباركة ليست بمصبغة، تدعك فيه الثوب وتخرجه وقد أخذ اللون.. وبالنسبة إلى الصلاة كذلك، إذ أن الصلاة هي الصاروخ الذي يصعد بالإنسان إلى المنصة.. فالمسجد والصاروخ والصلاة والذكر؛ بمثابة الوصول إلى القمر أو الكوكب الذي ستسافر إليه.. القرآن يقول: أنا أريد النتيجة، لا أريد المسجد ولا الصلاة، يا موسى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}!.. ليس من باب الإتيان بالحركات الظاهرية، ولكن أريد منك أن تأتي إلى الصلاة لغاية الذكر.. فإذا انتفت الغاية، انتفت الفائدة.

{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، لماذا قال: {الْبَيْعَ}؟.. لماذا لم يقل مثلا: (الشراء، التعلم، الجلوس مع العائلة)؟.. لأنه في حياتنا اليوم، وفي حياة كل الأمم؛ أفضل صورة من صور الجدية في الحياة هو البيع.. أولا لأن البيع فيه مال، فالذي يشتري يدفع، والذي يبيع يحصل على رأس مال، به يأخذ أشياء كثيرة.. والبائع يكسب المال، والمال به سيولة؛ أي بإمكانه أن يشتري أشياء كثيرة.. إذن البيع صورة من صور الجدية، وهو من أرقى الصور التي يذكرها القرآن.. لماذا كلمة {ذَرُوا}، وليس (اتركوا)؟.. وهل في كلمة {ذَرُوا} نوع من أنواع الاشمئزاز الذي يشغل الإنسان عن الله عز وجل؟..

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.. إذا استوعبنا هذه الآية، استوعبنا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}؛ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} الصلاة هي التي لابد أن تتركك، لا أنت من يترك الصلاة.. وذلك مادامت الشهية باقية، فعلى الإنسان أن يبقى في الصلاة أو في المسجد.. هناك من يذهب للمسجد، وبعد فترة طويلة تأتيه حالة من الرقة في القلب، فيصلي صلاة المغرب والعشاء، ويعيش مشاعر طيبة ودموعه على خديه؛ هذه هي الساعة التي كان ينتظرها أشهرا، وإذا به يتذكر الطعام؛ فيقطع هذه الحالة ويذهب ليأكل!.. فهذا لا يعرف قيمة الإقبال، عندما أعطي ما كان يتمناه، دمره تدميرا لا رجعة له، ولن يحصل عليه إلا بعد أن يموت هما وغما؛ لأنه هو من ترك الصلاة، وليست الصلاة هي التي تركته.. فمن صور الكفران: كفران نعمة رقة القلب، فإن الإقبال القلبي بمثابة الضيف، الذي لو أكرم استقر في القلب، وإلا ارتحل من دون عودة.. فإن المعصية المباشرة بعد الإقبال، تسلب القلب رقته ليتحول إلى قلب مختوم عليه.

{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}، لماذا تتشبث بوطنك؟.. لا يوجد اختلاف بين البلدان، فكل الأراضي هي لله عز وجل.. وهذا الإحساس يعيشه الطيار، فهو لا يرى حدودا جغرافية من باب الأراضي المادية.. والمؤمن برقيه الروحي، يرى الكل ملكا لله عز وجل.. أجل فلله ملك السموات والأرض، عن الإمام زين العابدين (ع): (إن من سعادة المرء: أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين بهم).. نحن لا نتغرب، ولكن عند الضرورة لا بأس بذلك.. فالإسلام قد وصل إلى بعض البلدان ببركة المهاجرين، الذين نقلوا الإسلام إلى تلك البلاد.

{فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}.. لم يقل: (ابتغوا المال، أو تاجروا مثلا).. بل قال: {مِن فَضْلِ اللَّهِ}، ليس العلم أو التقوى، بل حتى المال الذي يكسبه الإنسان عليه أن ينظر إليه من هذه الزاوية.. فالفضل الإلهي يقاس بالكثرة أو الكيف؟.. ورب العالمين إذا أراد أن يجعل فضله في مال، فحتما يكثره أو ينميه {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}.. فكلمة {يُرْبِي} ليست بمعنى يكثر، ولكن يبارك فيها، وصور المباركة في الحياة عجيبة وغريبة!..

{وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ}.. أذكر الله: وأنت في المختبر، أو في غرفة العمليات، أو في غرفة الكمبيوتر مثلا، وأيضا اذكروا الله كثيرا في المساجد (السعي إلى الذكر).. ولكن حينما تنتشرون، تكون موجبات الغفلة واللهو كثيرة.. لذا، فإن هناك حاجة إلى تطعيم قوي جدا، حتى يحمي الإنسان من الغفلة.. فإذن، إن الذي قام بهذه الأعمال، يرجى له أن يفلح.. فكيف بمن ترك كل أو بعض هذه المراحل ما النتيجة؟..

{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا}.. أنت إذا أردت أن تجعل النهار معاشا لك، كما أراده وجعله الله؛ فاعمل بآخر سورة الجمعة: عند النداء، يسرع للقاء الله.. وعند الانتهاء من ساعة اللقاء، ينتشر في الأرض؛ بشرط الذكر الكثير.. ولكن كيف يكون الذكر أثناء العملية الجراحية، أو في المعمل أو المصنع؟.. لو كان الأمر غير مستطاع؛ لما طلبه الله عز وجل!.. فالمؤمن يصل إلى درجة يصبح فيها مزدوج الشخصية، -ليس المقصود المرض النفسي كانفصام الشخصية-؛ فجوارحه تعمل بأفضل صورة: كالسائق الذي يسوق سياقة ماهرة جدا، وهو مستغرق بالحديث مع الشخص الذي معه، فجوارحه تعمل خاصة إذا كانت بجانبه من يحبها ويهواها؛ أي كل وجوده معها، لكنه يتقن السواقة أيضا.. تصبح حركته في الحياة هكذا: كل أعضائه تعمل وبشكل دقيق.. بعض الجراحين، يعمل عمله بكل هدوء، ولكن قلبه في عالم آخر!.. من الممكن أن يعيش الإنسان هذه الأثنينية، وهي أصعب من تكرير البنزين، فهذا النفط لم يصل إلا بعد أن مر بمراحل من الغليان والتبخر، فإذا كان تكرير النفط إلى بنزين ومازوت وغيرها يحتاج لهذه المعدات، فكيف بتكرير النفس؟.. هي أيضا تحتاج إلى معدات، ولكن الفرق: أن معدات تكرير النفط تأتي من الشرق والغرب، ومعدات تكرير النفس إنتاج محلي، فبإمكان الإنسان أن يصنع هذا الجهاز.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.