Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ ما هو تعريفكم للسعادة سواء في المجال الدنيوي أم الأخروي؟..
إن السعادة مفهوم نسبي، وكل إنسان له نظرته المختلفة للسعادة.. فالذي له هدف في الحياة -ولو كان سخيفاً- يشعر بالسعادة كلما اقترب من ذلك الهدف.. والسعيد الحقيقي هو الذي ينسجم مع هدف الوجود {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. فالمؤمن الذي يرى أن كل يوم يمر عليه، يتقدم خطوة إلى الإمام تجاه الله تعالى، وأن أعماله تتحول إلى لبنات من ذهب وفضة لبناء القصر الأخروي -كما ورد في الخبر- لا شك في أنه سيعيش حالة الارتياح الشديد.
فإذن ملخص القول: السعيد هو الإنسان الذي يتحرك نحو هدفه المقدس، وهو يرى أنه كلما مرت عليه الليالي والأيام، يقترب من ذلك الهدف.. لهذا علي (ع) عندما هوى ذلك اللعين بالسيف على رأسه قال: (فزت ورب الكعبة)!..

س٢/ البعض يخلط بين السعادة والأنس باللذائذ.. فما هو الفرق بينهما؟..
اللذائذ الدنيوية على أنها محللة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.. إلا أنها وقتية، وتلامس الحياة عن طريق التفاعل بين الحواس الخمس والمواد الأخرى الباعثة على الشعور باللذة.. بينما نجد أن السعادة الحقيقية، هي تلك التي تلامس الروح مباشرة، من مقولة المعاني، ولا يمكن أن تأتي من خلال المخدرات أو المسكرات والشهوات الكاذبة.. ولهذا يمكن القول: بأن الإنسان المؤمن بإمكانه أن يكون ملتذاً، من دون وجود الأدوات المادية المتعارفة للذائذ هذه الأيام.

س٣/ طبيعة الإنسان أن له طموحات كثيرة يريد تحقيقها، فكيف يمكن تحاشي الآثار السلبية للانتكاسات المتوالية في مسيرة الإنسان الحياتية؟..
لا شك بأن الإنسان بشكل عام هو مجموعة من الآمال والطموحات، التي لا تنتهي عند حد معين، فكلما وصل إلى هدف فكر في الآخر.. ثم أن طبيعة الحياة بما فيها قدرات الإنسان محدودة جداً.. حتى زعماء الدول الكبرى -الذين بيدهم مفاتيح الأمور- لم يحققوا مآربهم، لا على مستوى أهدافهم الشخصية ولا الاستراتيجية.. ولهذا نجد أن غير المؤمن كلما فشل في تحقيق هدف من الأهداف، أصيب بانتكاسة.. أما المؤمن فلا معنى للانتكاسة في حياته بعدما استوعب هذه الحقيقية القرآنية: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.. فالمؤمن تراه موجود نشط، كثير السعي، وهو بذلك يحقق هدفه.. سواء حقق النتيجة في الدنيا أم لم يحققها، فهو يقطع بالأجر الأخروي، حتى ورد من اللطيف الطريف في الخبر: أن المؤمن عندما يرى يوم القيامة التعويض الإلهي، الذي لا نظير له، يتمنى أنه لو لم تستجاب له دعوة واحدة في الدنيا!..

س٤/ في حديث للصادق (ع) -ما مضمونه-: (من سعادة المرء: الزوجة المطيعة، والدابة السريعة، والدار الفسيحة).. ما تعليقكم على ذلك؟..
نحن لا ننكر بأن تيسر الأمور الدنيوية من موجبات السعادة أيضاً.. ومن المناسب أن نذكر أن الإنسان في الحج إذا دار الأمر بين خيمة حارة ومليئة بالحشرات، وخيمة مكيفة ومريحة.. عليه بتقديم المكان المناسب المريح، الذي يمكّنه من التوجه العبادي، وقد يؤيد هذا قوله تعالى بالنسبة إلى موسى (ع): {ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}.. أي أنه لم يدعُ في الشمس الحارقة، وإنما تولى إلى الظل، ثم بادر بدعاء الله عز وجل.

س٥/ هل هناك ثمة علاقة بين الصلاة وجلب السعادة؟..
لا شك في أنها من أهم المواطن، التي يستجدي فيها الإنسان لطف رب العالمين.. قال أبو بصير: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد، لو رأيت أبا عبد الله عند الموت، لرأيت عجباً!.. فتح عينيه، ثم قال: (أجمعوا كل مَن بيني وبينه قرابة)، قالت: فما تركنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: (إن شفاعتنا لا تنال مستخفاً بالصلاة).
نلاحظ أن الإمام (ع) لم يقل (تاركاً للصلاة)، بل قال: (مستخفاً).. وعليه، ينبغي المحافظة على الصلوات في أوقاتها، حتى لا نكون ضمن دائرة المستخفين بالصلاة.. وبالتالي، نحرم شفاعة النبي (ص) وآله الأطهار (ع).

س٦/ إن طبيعة المؤمن طبيعة هادئة، يرى أن كل ما يأتي من المحبوب جلا وعلا محبوب.. فما هو تعليقكم على ذلك.. وهل أن هذه الآية الكريمة {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} من موجبات تحقيق السعادة وسلامة النفسية عند الإنسان؟..
* إن المؤمن يكون في أتم الصحة النفسية؛ نظراً لأنه يؤمن بهذه القاعدة، التي يقولها المنطقيون: هنالك قضيتان بدورها تساعد على الارتياح والاطمئنان النفسي:
كبرى: وهي قوله تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا}.
وصغرى: وهي عبارة وجدانية: (وما كتب الله لنا، فيه صلاحنا).
عندما نجمع هاتين العبارتين، مع إسقاط الوسط نحصل على: (قل لن يصيبنا إلا ما فيه صلاحنا).
وبالتالي، فالذي يطبق هذا القانون، هل يبقى له قلق في حياته؟!.. وهذا هو السر في أن المؤمن وقور عند الهزائز كالجبال الراسية، يمر في أحلك الظروف وهو لا يتأثر بما حوله أبداً.
* لا شك في أن سبب الشقاء والقلق والاضطراب النفسي هما: الحزن على الماضي، والخوف من المستقبل.. فإذا قطع الإنسان هذين الرافدين، قطعاً سيحقق السلامة النفسية؛ فلا ييأسى على ما فاته، ولا يفرح بما آتاه.

س٧/ من موجبات الشقاء اتخاذ القرارات الفجائية المجانبة للعقل، وخاصة عندما يغضب الإنسان.. فما هي نصيحتكم في هذا المجال؟..
رأيت في بعض الدوائر الحكومية عبارة جميلة تتضمن هذه المعاني: أنه عند الغضب يلزم تجنب اتخاذ القرارات أو العقوبات.. ولنتأمل في هذه الرواية الجميلة التي تفيض بمعاني الرحمة الإلهية المودعة في قلب النبي (ص) وآله: دخل سفيان الثوري على الصادق (ع)، فرآه متغير اللون فسأله عن ذلك.. فقال: (كنت نهيتُ أن يصعدوا فوق البيت، فدخلتُ فإذا جارية من جواري ممن تُربي بعض ولدي قد صعدت في سلم والصبي معها.. فلما بصرتْ بي، ارتعدتْ وتحيّرتْ، وسقط الصبي إلى الأرض فمات.. فما تغير لوني لموت الصبي، وإنما تغير لوني لما أدخلتُ عليها من الرعب)!.. وكان (ع) قال لها: أنت حرة لوجه الله، لا بأس عليكِ – مرتين -.. فالإمام (ع) عز عليه أن يدخل الرعب في قلب هذه الجارية، حتى أنه ذهل عن فقد ولده.. فهل نحن كذلك؟!..

س٨/ ما معنى الحديث النبوي الشريف: (السعيد سعيد في بطن أمه، والشقي شقي في بطن أمه)؟..
معنى هذا الحديث: أن الله سبحانه وتعالى له علم مسبق بعمل العبد وسعيه الموجب له السعادة أو الشقاء، أي أنه لا يفاجئ بما سيعمله عبده في الحياة الدنيا، فهو العالم للغيب يظهر غيبه على من يشاء من عباده.. وعلم الله سبحانه وتعالى علم غير قاهر، بل مترتب على سعي العبد، وليس من الصحيح أن سعي العبد مترتب على علم الله وإلزامه، وإلا لما كان هناك موجب للحساب والجزاء على الأعمال.

س٩/ إن الدارس للأدب الإسلامي، والقرآن الكريم،والروايات الشريفة؛ يلاحظ المبالغة في تبغيض الدنيا، والتركيز على ذمها.. في حين أن منطلق السعادة يبدأ من الحياة الدنيا، بينما الآخرة يكون فيها الحساب والجزاء.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
إن الإمام علي (ع) يصف التعلق بالدنيا فيقول: (ومَن أبصر بها بصّرته، ومَن أبصر إليها أعمته).. أي أن الدنيا مزرعة الآخرة، ولا شك في أنه كلما كانت المزرعة أكثر خصوبة وأكثر سعة وأكثر أنهاراً، كان إنتاجها أكثر.. نعم، ورد في الروايات: (إنما مَثَل الدنيا كمَثَل الحية، ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع!.. يحذرها الرجل العاقل، ويهوي إليها الصبي الجاهل)!.. ولكن هذا الذم محمول على من يريد أن يتمتع بالدنيا لأجل الدنيا، أما المؤمن فهو يرجو ثواب الدنيا والآخرة، يتزود بها لآخرته، قال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.. وهذا لا ينافي أبداً طلب الأمور الدنيوية، فـ (من لا معاش له؛ لا معاد له).. فالرسول (ص) عندما رأى رجلاً يلزم العبادة، بطال، لا عمل له، والقوم يخدمونه؛ استنكر ذلك وقال -ما مضمونه-: بأن من يخدمه خير منه.. وهذا ما يدل على أن الإسلام يؤكد على أن يكون للإنسان دوره المتميز في الحياة.

س١٠/ إن السعادة في نظري هي غاية، والتلذذ وسيلة.. والسعادة الحقيقية، هي كل ما فيه رضا الله عز وجل.. ما علاقة سورة العصر بالسعادة؟..
إن هذا الكلام هو عين الصواب.. والمتأمل في التركيب اللغوي لسورة العصر يجد:
* التعدد في أساليب التأكيد: بدأت بقسم {وَالْعَصْرِ}.. {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}: (إن) أداة تأكيد، و(اللام) لام التأكيد، ثم التعبير بالجملة الاسمية مما يدل على قوة التأكيد، لم يقل: (يخسر الإنسان).
* المبالغة: وذلك باستخدام أسلوب التشبيه، حيث شبه (الإنسان) بالمظروف و( الخسر) بالظرف.. لم يقل: يلامسه الخسر.
* الاستثناء: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.. في القواعد الأصولية: أن الإنسان لابد له أن يحرز الاستثناء، وإلا فإن القاعدة العامة منطبقة عليه.. فإذن، الذي يشك في دخوله ضمن دائرة المؤمنين الذين عملوا الصالحات، فهو في خسر.. ويالها من عبارة مخيفة!..

س١١/ كيف يسعى الإنسان لتزكية نفسه في خضم المشاكل الكثيرة في هذه الحياة؟..
إن الأمر يحتاج إلى تغلغل الحب الإلهي في الأعماق، بحيث يصل إلى شغاف قلبه.. عندئذ يصحب الناس ببدن روحه معلقة بالملأ الأعلى، ويكون في الناس ولا يكون معهم، كما قال علي (ع): (عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم).. إذ لا بد من حل في الجذور والأعماق، وليس فقط الاكتفاء بالممارسات العبادية العابرة.

س١٢/ مع وجود هذا المجتمع المتحول.. كيف يصل الإنسان إلى السعادة الحقيقية؟.. من المعلوم أن الفاتحة تقرأ للاستشفاء.. فكيف لنا قراءتها لتطهير النفس من الرذائل؟..
* إن المهارة هي أن يعيش الإنسان هذه المعاني الإلهية السامية، في حركة الحياة وزحمتها، بما فيها من مغريات؛ مواجهاً لأعاصيرها الجارفة؛ بقوة الإيمان وصلابة الإرادة، ومسيطراً على نفسه، وكابحاً لزمام شهواتها.. وأما أن يجعل الإنسان نفسه في قوقعة، وينعزل عن الناس؛ بقصد حجب النفس عن كل المثيرات، والترقي بها نحو الكمال.. فهذا أمر غير راجح شرعاً، وإن حقق بعض المكاسب المعنوية.. ولنا في آسيا زوجة فرعون خير مثال نقتدي به، حيث أنها على الرغم من كونها تعيش في بيئة سيئة جداً، وصلت إلى ما وصلت إليه من التكامل الروحي، والبلوغ الإيماني، التي أهّلها بأن تحظى بالخلود على مر التاريخ؛ نظراً لمقاومتها البطولية، وتحملها للأذى الفرعوني العنيف، وقتلها تلك القتلة الشنيعة.. وهي قطعاً حجة بالغة، لكل من يحتج بتأثير البيئ الفاسدة في انخراطه في مجال الانحراف والفساد.
* المقصود القراءة الواعية بالتدبر والتأمل في مضامينها السامية، لا مجرد التلاوة العابرة فحسب!.. فلو أن إنسانا حاول أن يتدبر في هذه الآية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وحاول أن يعمل بمضمونها؛ لكفته في تحقيق ما يريد.

س١٣/ هل للتوسل بالأئمة دور في تحقيق السعادة؟.. ثم هل يصح أن نطلب حوائجنا منهم (ع) في مشاهدهم الشريفة؟..
* لا شك بأن التوسل بأولياء الله -ولا سيما النبي الكرم (ص) والأئمة المعصومون (ع)- من أفضل سبل التقرب إلى الله تعالى، وجلب السعادة.. نحن في دعاء التوسل نكرر قراءة هذه العبارة: (يا سيدنا، ومولانا!.. إنا توجهنا، واسـتشفـعنا، وتوسلنا بك إلى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا.. يا وجيـها عند الله، اشـفع لنا عـند الله)!.. نلاحظ أنه كم مرة تكرر لفظ الجلالة؟!.. أليس هذا قطعاً لكل الشبهات في هذا المجال؟!.. هؤلاء الذوات المقدسة كل ما لديهم من وجاهة وكرامة هو من عند الله عز وجل.
* يقول العلماء: (هنالك مقدمة مطوية) أي نحن عندما نطلب من المعصوم قضاء حوائجنا، يُعلم ضمناً في اللاشعور أن الطلب من الله تعالى، والإمام دوره أن يدعو الله عز وجل، وقطعاً أن دعوته مستجابة.. ثم إن من مصاديق هذه الآية: {أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} أن يكون لهم دور في الطلب من الله عز وجل؛ لتوفيق من يزورهم، ويتوسل بهم.

س١٤/ هل يجوز تحصيل المعارف الإلهيــة من غير أهـل البيت (ع)، مثلاً من كتاب (الفتوحات المكية)، أو (خصـوص الحكم)؟..
نحن لا نمنع أو نسد باب استفادة الحكمة من أي مصدر كان.. ورد في الخبر: (الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها أخذها)، (اطلبوا العلم ولو في الصين)، (لا تنظر الذي قال، وانظر إلى ما قاله).. نعم، هذه قواعدنا في مجال التثقف العلمي، ولكن مع ذلك لا يخفى بأن هنالك بعض الكتابات غير مفهومة، أو مجانبة لمسلمات الشريعة.. وعليه، فإنه ينبغي الحذر، والابتعاد عن هذه الكتب، قال الصادق (ع): (إياك أن تنصب رجلا دون الحجة، فتصدقه في كل ما قال).

س١٥/ سمعت رأيا ً لكم في إحدى المحاضرات في موقع السراج: (أن النساء إحدى الأسباب المغرية ).. ولكن رأيت في حديث -ما مضمونه- (أن العبد كلما تقرب إلى الله، يزداد حباً للنساء).. فما تعليقكم على ذلك؟..
المراد بحب النساء هنا، هو الحب العاطفي الحناني الرفقي، لا الشهوي: أي بأن يكثر الرجل من الزواج مثلاً.. وهذا مصداقاً لقول الرسول (ص): (اتقوا الله في الضعيفين: المرأة، واليتيم).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.