Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ تصادف هذه الليلة مولد الإمام علي (ع)، كما أنها الليلة الأولى من ليالي البيض، من شهر رجب الأصب.. فما هي المحطة العبادية في هذه المناسبة؟..
كما نعلم أن ربيع النباتات ثلاثة أشهر، ونحن في أوائل ربيع القلوب: رجب، وشعبان، ورمضان.. إن ليالي القدر المباركة ترسم من مثل هذه الليالي، فأول ليلة من شهر رجب ليلة متميزة، والجمعة الأولى هي ليلة الرغائب.. وهذه الليالي المباركة الثلاث ليالي مقدسة جداً، ورد في الخبر أنه من أحيا هذه الليالي وقام بهذه الصلاة في شهر رجب، وكررها في شعبان ورمضان؛ أعطي فضائل الأشهر الثلاثة، وغفر الله له إلا الشرك.. وهي ركعتان في هذه الليلة، ثم أربع في الليلة الآتية، وست في ليلة النصف؛ يقرأ في كل ركعة الحمد، ويس، والملك، والتوحيد.. وهناك أعمال أم داوود، في يوم النصف من شهر رجب.. ومن أراد المزيد، فليراجع الكتب الروائية والدعائية.. علينا أن نعد العدة من الآن، ونصفي حساباتنا مع رب العالمين: بالانقطاع، والتوجه إليه تعالى؛ لنسأله أن يهبنا الرضوان في الشهر الكريم.. ولا أعتقد أنه من قبيل الصدف، أن تكون هذه الليالي البيض، في هذه الأشهر الثلاث، محلاً للمناسبة، بمولد علي(ع)، وصاحب الأمر(عج) والحسن الزكي(ع).. لذا ينبغي استغلال هذه الليالي المباركة، لنيل الجوائز القيمة.

س٢/ حياة علي (ع) محصورة بين البيتين: ولادة في جوف الكعبة، واستشهاد في مسجد الكوفة.. فهل هناك دلالات لهذا الأمر؟..
إن ولادة علي (ع) لم يعهد مثلها في تاريخ الأنبياء والأوصياء.. يقول علي (ع) في مقارنة جميلة بينه وبين روح الله عيسى (ع):  عيسى بن مريم كانت أمه في بيت المقدس، فلما جاء وقت ولادتها سمعت قائلاً يقول: اخرجي، هذا البيت العبادة لا بيت الولادة. وأنا أمي فاطمة بنت أسد لما قرب وضع حملها كانت في الحرم، فانشق حائط الكعبة وسمعت قائلاً يقول: ادخلي، فدخلت في وسط البيت، وأنا ولدت به. وليس لأحد هذه الفضيلة لا قبلي ولا بعدي!.. كما نعلم أن المرأة تُمنع من دخول المساجد بعد الولادة، ولكن هذا القانون استثني لأم علي (ع).. وهذه القضية قضية مشهورة في الآفاق، حيث يقول الحاكم النيشابوري: (وقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة).. بل أن هناك تعبيرا أشمل من شهاب الدين الآلوسي، يقول: (وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت، أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة.. ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه، كما اشتهر وضعه).. فهذه الحياة المحصورة بين البيتين: ولادة في جوف الكعبة، وشهادة في مسجد الكوفة؛ كرامة من الله تعالى لعلي (ع)، الذي حقق معنى التوحيد، تبعاً لأخيه المصطفى (ص)، وقضى حياته في خدمة المسجد ورب المسجد.. وعلي (ع) رد الجميل، عندما صعد على كتف النبي (ص)؛ ليطهر الكعبة من الأصنام.. وقد نسب هذا البيت الجميل للشافعي، حيث يقول:
وعلي واضع أقدامه *** في محل وضع الله يده
إشارة إلى قول النبي (ص)، في حديث المعراج: (فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها على كبدي؛ فذهب عني كل ما رأيته من العجائب، وأورثني علم الأولين والآخرين).. طبعاً المقصود هو المعنى الكنائي الرمزي.

س٣/ أهم ما يلفت حياة علي (ع)، هي امتيازها بالجامعية.. فما هو الدرس العملي من سيرته (ع)؟..
إن من امتيازاته الكبرى (ع) أنه جمع بين الصفات المتضادة المتناقضة: فهو في حال القتال، يراعي أدق التفاصيل الأخلاقية والعرفانية، كما نعلم أنه عندما جلس على صدر العدو، يريد أن يحز رأسه، قام عنه وتركه طليقاً؛ لأن اللعين بصق في وجهه الشريف، ثم عاد وأكمل مهمته الرسالية؛ وهو بذلك أراد أن يعلمنا درساً، وهو درس الإخلاص والتفاني الرسالي لا الانتقام للذات.. وفي حال العبادة كان يراعي الخلق أيضا، كما نقل عنه (ع) في تصدقه للسائل، وهو في صلاته لرب العالمين، لا ينشغل عن الاهتمام بشؤون الخلق، وهو الذي كان لا يحس بالجراحات والسهام، تستخرج من بدنه الشريف في حال الصلاة.. نعم هذه الجامعية لعلي (ع) هي التي أذهلت الألباب.

س٤/ إن البعض يعتقد بأن الوَلاية محصورة في عالم العواطف، وإبداء الأشواق والمحبة.. فما هي لوازم المشايعة الحقيقية؟..
إن الإنسان الموالي، هو ذلك الناصر الذي يشايع أهل البيت (ع) قولاً وفعلاً.. لنتأمل جيداً فيما قاله إمامنا الباقر (ع):  يا جابر!.. أيكتفي من ينتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟!.. فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يُعرفون يا جابر إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس، إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.. قال جابر: فقلت: يا بن رسول الله!.. ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة، فقال (ع): يا جابر!.. لا تذهبنّ بك المذاهب، حَسْب الرجل أن يقول: أحب علياً وأتولاه، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟.. فلو قال: إني أحب رسول الله (ص) -فرسول الله (ص) خير من علي (ع)- ثم لا يتبع سيرته، ولا يعمل بسنته؛ ما نفعه حبه إياه شيئاً.. فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته.. يا جابر!.. فوالله ما يُتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليُّ، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدوّ، ولا تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع.
فإذن، هذا هو التعريف الجامع للولاية، بالاتباع الشامل في جميع شؤون الحياة، لا فقط الاكتفاء بإبداء المشاعر والعواطف: بإنشاد الشعر، وغيره.

س٥/ إن الإمام علي (ع) كان يمثل الحاكم العادل، على مختلف الأصعدة في المجتمع.. هل يمكنكم ذكر شواهد على ذلك؟..
إن عليا (ع) صاحب الروح الإنسانية الكبيرة، لا يتحمل الظلم لأي كان، فهو يدافع عن الإنسان لما هو إنسان، لا لما هو مسلم..
* علي (ع) يقدم اعتراضاً أبوياً بليغاً وعتاباً شديداً، عندما بلغه ما فعله جيش معاوية في الأنبار، حيث قال (ع): (لقد بلغني أنّ الرّجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقُلْبَها وقلائدها ورعثها.. ما تمتنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثمّ انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلم، ولا أريق لهم دم.. فلو أنّ امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا، ما كان به ملوما بل كان به عندي جديرا).
* وقد نقل عن الإمام علي (ع) في أيام خلافته: أنه مر بشيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين: ما هذا؟.. فقيل له: يا أمير المؤمنين أنه نصراني. فقال الإمام: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه!.. أنفقوا عليه من بيت المال.

س٦/ إن نهج البلاغة هو من أنفس الذخائر الإنسانية في المجال العلمي، والتربوي.. ولكن مع الأسف نلاحظ أن المحبين لأهل البيت (ع)، لا ينتهجون هذا المنهج.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
إن من ظلامات علي (ع) أن التأريخ لم يحفظ له، إلا النزر اليسير من كلماته.. وإلا فهو في هذا العمر الطويل من العطاء العلمي والعملي، وهو الذي فتح له ألف باب من العلم، لا تنحصر خطبه وكلماته القيمة في نهج البلاغة، وإن كان البعض من العلماء حاول أن يجمع هذه الكلمات في أكثر من مصدر.. مع ذلك فإن نهج البلاغة هو تراث الإنسانية الخالد، حتى أن أجهزة الأمم المتحدة، اعتمدت رسالة الإمام (ع) لمالك الأشتر في إدارة البلاد.. إن علياً (ع) قبل قرون كتب منهاجاً لإدارة المدن، وإدارة العباد.. فأنا أدعو لتصفح هذا الكتاب القيم، ويا ليت جامع نهج البلاغة الشريف الرضي، اختار اسماً آخر لهذا الكتاب!.. لعله هو في ظرفه اختار هذا الاسم حتى يمكنه نشره، وإلا فإن كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة، هو نهج للسعادة، حيث خط للأمة مسيرتها، من خلال خطبه التوحيدية، ومواعظه القيمة، وكلماته القصيرة، كغرر كلماته ودرر حكمه.. إن من أفضل أنواع التسلية العلمية، والارتياح العقائدي، أن يفكر الإنسان في كلماته القصيرة، حيث جمع المعاني الثرى في كلمات قصيرة.

س٧/ ما هي فلسفة إقامة الاحتفالات؟..
إن إقامة الاحتفالات هو اتباع لسنة بشرية قائمة، وليس بالأمر الغريب.. فهذه الأيام دول العالم كلها تحتفل لترويج الرموز التي تريدها، مثل يوم المرور والصحة وغير ذلك؛ حيث أن المعاني الحسية تربط ببعض الحوادث الخارجية.. حتى أن بعض البلاد تقيم النصب، والتماثيل لجنودها المفقودين في الحروب.. فنحن عندما نقيم الاحتفالات لإحياء ذكرى ميلاد النبي (ص) أو الوصي (ع) أو الزهراء (ع)، لا نقدس الذات بما هي ذات، وإنما تخليداً وإحياءً للمعاني الإلهية المكتنفة لتلك الشخصية.. إن عليا (ع) هو مولود الكعبة ومحطم الأصنام، ونحن عندما نحي ذكره (ع) فإننا نحي ذكر محطّم الأصنام.. فأين الشرك في هذا؟!.. فإذن، القضية أممية فطرية، وكل إنسان يفرح بالمناسبات التي ترمز إلى رموز الإسلام، بل إن من موجبات تقوية وترويج هذه المعاني، هو الاهتمام بإقامة هذه الذكريات بالشكل الذي يريده الله ورسوله.. وبلا شك أنها من تعظيم الشعائر، كما هو الحال في الحج، حيث يتم إحياء المعاني من خلال حركات مادية: هرولة، وطوافاً، وسعياً، وتضحية.. وأنا أدعو لتضمين هذه الاحتفالات بعض السيرة المؤثرة، وإهداء الكتيبات والمناشير، بالإضافة إلى الأهازيج والأناشيد؛ ليخرج الإنسان بفائدة يعتد بها.

س٨/ ما هو تعليقكم على فضل دعاء كميل؟..
إن دعاء كميل بحر من بحار المعارف الإلهية، وهو يعكس أعلى صور الحديث العاطفي المناجاتي مع رب العالمين.. حتى أن علياً يوصي بقراءته، ولو مرة واحدة في العمر، بمعنى أنه يكفي أن يعيش الإنسان أجواء هذا الدعاء في العمر مرة؛ لإحداث التغيير الباطني.. وكان هو (ع) يقرأ هذا الدعاء الشريف، وهو في حال السجود.

س٩/ هل هناك شرح يتناول المعاني الأخلاقية لكتاب نهج البلاغة؟..
إن التفاسير على قسمين: هنالك شرح مفصل في أجزاء مطولة، منها: شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، ومنهاج البراعة للخوئي.. وهنالك شرح مختصر: للشيخ محمد جواد مغنية.

س١٠/ في قول لأمير المؤمنين (ع): (اللهم!.. اجعل خيرهم بين عينيهم، وشرهم تحت قدميهم، وخاتم سليمان بين أكتافهم).. ما معنى خاتم سليمان بين أكتافهم؟..
من الممكن أن يكون المراد بالخاتم الذي كان يحمله سليمان (ع)، ولعله من موجبات النصر في قتال أعدائه.

 س١١/ هل أن الصدقة المستحبة جائزة في مثل هذه الليالي؟..
نعم، إن الصدقة المستحبة راجحة في كل ليلة، كما ورد في الخبر: أن صدقة السر تطفئ غضب الرب.. ومن المناسب جداً أن نشارك الآخرين أفراحنا في المناسبات من خلال الصدقة المستحبة.

س١٢/ كم مدة خلافة الإمام علي (ع)، ومن هو قاتله، وكم كان عمره، وهل وصى بالخلافة بعده؟..
*  كانت خلافته (ع) -على حسب الظاهر- بحدود خمس سنوات، ولكن نحن نعتقد بأن الخلافة الإلهية لعلي (ع) بدأت بعد وفاة النبي (ص)، للنصوص الكثيرة المتواترة، ومنها هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.. والتي تشير إلى هذه الحركة غير المتعارفة، حينما تصدق علي (ع) بخاتمه لذلك الفقير في أثناء الصلاة.. ومن المعلوم أن العطف، يستلزم حالة من حالات السنخية بين الأمور المتعاطفة.. حتى أن هذه الأبيات منقولة عن حسان بن ثابت شاعر النبي الأكرم (ص):
أبا حسن تفـديك نفسي ومهجتي *** وكل بطيء في الهدى ومسارعِ
أيذهب مدحي في المحبّين ضائعاً *** وما المدح في ذات الإله بضائعِ
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً *** فدتك نفوس القوم يا خير راكعِ
بخاتمك الميمون يا خيــر سـيّد *** ويا خير شار ثم يا خيـر بائعِ
فأنزل فيك الله خير ولايـــة *** وبيّنها في محكمــات الشرائعِ
* قاتله هو ابن ملجم المرادي.. ومن المناسب أن نذكر، بأنه مع ما قام به ذلك الرجل من فعلته الشنيعة، فإن عليا (ع) دعا بإكرامه ومشاركته في طعامه وهو في حال الاحتضار.
* كان عمره ثلاث وستين من السنوات المباركة من حياته الجهادية في سبيل الله تعالى.

س١٣/ في الختام، حبذا لو تطلعونا على بعض أبيات الشعر في مدح الإمام علي (ع)؟..
تعجبني قصيدة لبولس سلامة المسيحي، حيث قال في علي (ع) شعراً يحمل زخماً عاطفياً وعقائدياً جميلاً..

لا تـقـل شـيعةٌ هواةُ علي ِّ *** ان كل مـنـصـف شـيعيّا
هو فخر التاريخ لا فخر شعب *** يصطفيه و يدعيـه وليـّـا
جلجل الحق في المسيحيّ حتى *** صار من فرط حبه عـلويّا
انا من يعشق البطولة و الالهـام*** والعدل والخلـق الرضـّيا
فإذا لم يكـن علـيُّ نبيـــاً *** فـلقـد كان خلقـه نبــويّا
أنت رب للعالمين إلهـــي *** فأنلهـم حنـانـك الأبـويّـا
و أنلني ثـواب ما سـطرت *** كفي فهـاج الدمع من مقـلتيّا
سفـر خير الأنام من بعد طه *** مـا رأى الكـون مثلـه أدميّا
يا سماء اشهدي و يا أرض قرّي *** و اخشعي إنني ذكرت عليّا

وأنا أعتقد بأنه لن يحرم بعض حنان علي (ع) حيث قال في مقدمة ديوانه: (إن البيان ليسف، وإن شعري لحصاة في ساحلك، يا أمير الكلام.. ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي، فتقبل هذه الملحمة، وانظر من رفارف الخلد، إلى عاجز شرّف قلمه بذكرك).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.