Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ ما هو المقصود من هذين المفهومين: (روافد الوهم والخيال)؟..
إن هذا الحديث من الأحاديث المهمة في بناء التركيبة الصحيحة للشخصية الإسلامية، وذلك لأن الإنسان في حياته العملية يتبع خارطة ذهنية باطنية، قد تكون مطابقة للواقع، وقد تكون خلاف ذلك.. حيث أنه يحمل كماً هائلاً مركباً من الأفكار والرؤى، والتي قد تأتي من قنوات صحيحة أو باطلة.. والقرآن الكريم أشار إلى ذلك في سورتي الفلق والناس -والتي تسمى بالمعوذتين- وأمر بأن يعوذ المؤمن نفسه بهما، وبما ورد في المأثور من الأدعية من الاستعاذات.. ومعنى ذلك أن هنالك في النفس أجهزة استقبال، تارة تتلقى الإشارات من عالم الملكوت، وتارة من عالم الشياطين.. ولولا أن القرآن الكريم ذكر هذه الحقيقة لما صدقت، وفي هذه الآية {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} إشارة إلى إحاطة الناس بعلم الدنيا الظاهري.. أما ما وراء الطبيعة والماديات فغائب عن الحواس، والوصول إلى هذه الحقائق الغائبة، يحتاج إلى الاستمداد من خالق الوجود سبحانه وتعالى.

س٢/ ما المقصود بالتركيبة الباطنية للإنسان؟..
كما أن هنالك تركيبة مادية للإنسان، عجز الطب عن اكتشاف كل أسرارها.. كذلك يوجد نفس إنسانية، وهي تلك اللطيفة الروحانية، والتي بها يمتاز الإنسان عن الحيوان والجماد، وهي مركبة من عدة حلقات:
الأولى: الذهن، وهو الذي يفكر، ويبرمج، ويحلل، ويعطي النتائج.. وهذا الجهاز آفته الوهم والخيال.
الثانية: القلب، وهو الذي يحب ويبغض، فالقلب عندما يصور في نفسه محبوباً -سواءً كان مادياً أو معنوياً- فإن حركات الحب والبغض تنفتح لديه.
الثالثة: العضلات والجوارح، عندئذ تقوم هذه وتسعى للوصول إلى ما يحبه الإنسان.
إن الإسلام جعل في كل حلقة من هذه الحلقات: الذهن، والقلب، والجوارح -أي الفكر، والجوارح، والجوانح- أدوات ضبط وسيطرة:
فحذّر من اتباع غير العلم {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
والقطع بالأمور بغير دليل؛ اعتماداً على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.
ثم إنه إذا قطع بأمر، وتعلق قلبه به: حباً أو بغضاً.. فإن الإمام الصادق (ع) يقول: (القلب حرم الله، فلا تُسكن حرم الله غير الله).. أي ليس كل شيء في هذا الوجود يستحق أن يحب، فالحب لله، ومن لله فيه نصيب.
وبعد ذلك تأتي الإرادة لضبط الحركة الخارجية.. فالإسلام حدد بها خطوات العبد، تقدماً إلى الأمام إذا كان في ذلك رضا لله عز وجل، وإلا فعليه الوقوف عند حده، إذا كانت مسخطة لرب العالمين.
فإذن، إن الإنسان إذا عرف تركيبته الباطنية -من عرف نفسه فقد عرف ربه- يرجى منه أن يكون موفقاً في حركته التكاملية.

س٣/ ما هو موقع الخيال والوهم في هذه التركيبة الباطنية؟..
إن جهاز العقل الباطني، يمثل كاميرا خفية في الوجود الإنساني.. وليس كل ما يقع صورته في الذهن، هو صحيح ومطابق للواقع.. بل في أغلب الأحيان نلاحظ أن هناك إثنينية بين الواقع والوجود الباطني، ومن هنا جاء اصطلاح الجهل المركب: أن يجزم صاحبه بأمر؛ خلافاً لصحته في الواقع.
والمؤمن يحاول قدر الإمكان أن يقترب من الصورة الواقعية للأشياء، ومن هنا جاء الدعاء البليغ: (اللهم أرنا الأشياء كما هي)!.. وهنالك موجبات تقليل لنسبة الخطأ في انطباق الواقع على النفس، وما في النفس من صور ذهنية؛ وذلك بالتدبر والتأمل، وبالاستفادة من تجارب الآخرين، وباستفهام رب العالمين (استفهم الله يفهمك).

س٤/ إن البعض لديهم خوف شديد من مسألة الجن وتسلطهم على البشر.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
أولاً لابد أن نعترف بهذه الحقيقة، وهي أن الله تعالى خلق هذا الوجود الناري، وجعله محلاً للخطاب في سورة الرحمن، بتكرار هذه العبارة: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، وكذلك جعل سورة في القرآن باسم الجن.. ولكن هذا الوجود أيضاً له ضوابطه، ولم يُسلط على بني آدم جزافياً من دون أي قواعد.. وتوهم مس الجن وتصرفه في حياتنا اليومية، هو من روافد الوهم والخيال، فترى البعض يقصّر في تعامله الحياتي، ومن ثم يلقي باللائمة على العناصر الخفية في هذا الوجود.. ومن المعروف بأن هنالك بعض موجبات التأثر السلبي بالجن، منها محاولة دخول هذه العوالم الغريبة: بالتسخير، وقراءة العزم، وما شابه ذلك؛ للاستفادة من هذا الوجود القوي.. ويقال بأن عدم النجاح في هذا المجال، يوجب تسلط الجني الكافر غير الملتزم بالشريعة، كما هو الحال في العاصين من البشر.. وعلى كلٍّ لا ينبغي المبالغة في تصور أذى الجن، ويكفي أن نوكل الأمر إلى الله تعالى، فهو رب الجن وخالقهم.. وأيضاً الاستعانة بما ورد في كتب الأدعية من الأحراز والتعويذات.. وينبغي على المؤمن الحذَر من تصديق المحتالين، الذين يدّعون بأن لهم علاقة حميمة مع الجن، ويأخذون الأخبار منهم.. فقد ورد في الروايات النهي الشديد عن ذلك، فمن أتى العراف وصدق بما أخبر به من الأمور الغيبية، يقول النبي المصطفى (ص) عنه: (فقد برئ مما أنزل الله على محمّد (ص)).

س٥/ كيف نعالج الأوهام والخيالات التي تأتينا في حالة الصلاة، والتي تسلب منا حالة الخشوع؟..
نحن مطالبون بالإنابة إلى الله تعالى في الصلاة؛ لأنه في كل آنٍ نغفل عنه عز وجل، فلا بد أن نعود إليه تعالى.. إن الخشوع في الصلاة مشروع طويل ويحتاج إلى جهود جبارة، وإلى قدرة في السيطرة على الفكر والأوهام، وأيضاً يتطلب مراقبة حثيثة لله عز وجل في النشاط اليومي: فعلاً للواجب، وتركاً للحرام.. وتهيئة المقدمات قبل الصلاة: بدءاً بالوضوء، والتكبيرات، والأذان، والإقامة.. والأهم من ذلك محاولة دفع الخواطر الواردة، وعدم الاسترسال معها.

س٦/ ما هو تصرف الزوج عندما تكون الزوجة كثيرة الشك والغيرة؟..
إن في بعض الحالات، تكون غيرة المرأة مرضية ناشئة من الوهم والخيال.. فعلى الرجل أن لا يفتح على نفسه باب الشك، ويحذر مواضع الاتهام، وأن يرفع من مستوى الزوجة وخاصة إذا كانت تراه كل شيء في هذا الوجود.. فهذا النبي الأكرم (ص) ينقل عنه أنه خلا بامرأة في الطريق، فمر عليه بعض الصحابة، وأراد (ص) أن يدفع الوهم عند الآخرين، فقام بالتعريف بالمرأة بأنها عمته من دون سؤال أو استيضاح.. إلا أن المرأة في بعض الأحيان تكون محقة لاقترانها برجل غير صالح، بينما تكون هي في غاية الصلاح والوعي الفكري والعبادي.. على كلٍّ إن المؤمن إذا وصل إلى مرحلة استذواق المحبة الإلهية، لا يهمه إعراض من يعرض، فهو في شغل عن ذلك كله.

س٧/ ما العلاج الشافي لمرضى الوسواس في المجال العبادي؟..
إن الإنسان المبتلي بالوسواس، سوف يحرم من روح العبادة؛ لأنه ينشغل انشغالاً مبالغاً بالجزيئات الظاهرية، ظناً بأن في ذلك إحرازا لرضا الله تعالى.. والحال بأن الفقهاء يفتون بعدم الاعتناء بالشك.. وبالتالي، فإن الذي يريد التخلص من هذا الوسواس، عليه أن يترك الاعتناء به مدة معينة -عشرة أيام مثلا- وإذا لم ينفع العلاج بالتلقين النفسي، فعليه بالعلاج المادي، فقد تكون هناك أسباب مرضية مرتبطة ببعض الإفرازات الهرمونية في البدن.

س٨/ ما هو دور المخ والقلب إذا ما كانت كل العمليات الحيوية من الفكر والمشاعر مرتبطة بالنفس؟..
لا يعدو دورها عن كونها أجهزة وسيطة فحسب!.. فعندما نقول: الذهن أو القلب، نقصد بذلك الجهاز الذي لا يرى ولا يدرك من الوجود الإنساني.. ولو كان الأمر قابلا للفهم لكل جوانب وأسرار الروح، لما أبهم القرآن الكريم في الجواب {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.. والإنسان المادي لا يمكنه استيعاب ما وراء الطبيعة، إذا لم يبلغ مستوى فكريا يعتد به.

س٩/ ما هي الأمور التي تجنب الإنسان حالة حسد؟..
إن الحسد من الأمور الخفية في النفس، ولولا وجود الأخبار المثبتة لهذه الحقيقة لما اعتقدنا بذلك.. والعلم الحديث أثبت وجود مجموعة من الأمور التي لا تُرى، ولكنها تؤثر تأثيراً بليغاً: كالموجات الكهربائية، والمغناطيسية، وأشعة الليزر، وغيرها.. فممن الممكن أيضاً أن تكون هنالك إشعاعات غير مرئية في النفس، مؤثرة في الإصابة بالعين.. وينبغي للمؤمن أن لا يشغل باله كثيراً في هذا الأمر، وأن يفوض الأمر إلى الله عز وجل: بالاستعاذة به بما ورد من الأحراز، والتعويذات الشرعية.. ومع ذلك فإن رب العالمين، قد يرى أنه من المصلحة إنفاذ هذه العين بالنسبة للعبد المؤمن؛ تكفيراً له عن الذنوب.

س١٠/ ما سبب نزول سورتي الفلق والناس؟..
من الممكن أن الله سبحانه وتعالى، أراد أن يجعل الإنسان في حماية إلهية قوية وحصينة، سواءً من الشرور المختلفة الظاهرة والخفية.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.